جمعٌ من الخسارات

(1)
المدن المكتظة بالناس والكلاب والضجيج تجبرك على الهروب الى أمكنة أكثر هدوءاً..
في الليل أو في النهار ثمة من يراقبك..
محاولة الهروب الأولى لم تجدِ نفعاً بعدما جذبك حنينك الى بيتك الأول..
محاولة الهروب الثانية ألقت بك في غياهب فنادق المخابرات ذات الدرجة صفر..
هل تفكر بمحاولة اخرى وانت الخارج من جحيم علبهم الضيقة…؟
هل تفكر فيمن يخرجك من منفاك الأزلي، ويخلصك من (ميكانيكية) دماغك التي لن تتوقف…؟
الزمن ذاته يعود، بلونه الخاكي، واسلحته المتطورة.. ووجهه المسلوخ..
يعود بذيوله وقرونه.. بمخنثيه ومومساته.. بأدرانه: ما خفي منها وما ظهر..
يعود بطرقه الملتوية، وأجساده الملساء الباردة.. وغبائه المفتون بالجثث..
بلياليه المضمخة بدم عذارى القبائل..
هو ذاته، زمن النجاسة وهي تلطخ الوجوه الحليقة.. وتعفر القلوب المجبولة على كره..
لم تقل من قبل، أن زمانك غبي، لكنك تعرف الآن كم هو غبي زمانك هذا..
قد تراه جسداً ينساب مثل الرمل أمامك..
قد تراه كلباً ينبح في آخرة ليلك ..
قد تراه ثقباً في صدرك ومبولة للرماة..
هو ذا زمانك الذي رغبت عنه… يتبعك!
(2)
براز أيامك يملؤك فلا حاجة للاغتسال الليلة..
كل الذين ينظرون اليك بنصف عين يحفرون قبرك..
تغيضهم قامتك، وبهاؤك.. وسعاداتك من اللاشيء..
لا تعرفهم، هم يعرفونك ويرسمون وجهك بألسن نار..
الخائفون من النهار.
يملأون الكون برؤوسهم الخاوية..
واجسادهم الناحلة..
هم بضعة من زمان دخيل،مجدب مثلهم ودخيل.
(3)
كم من الوقت تحتاجه كي تعبر حقول الألغام..
كم من الحدس تحتاجه كي تجس الأرض بقدميك..
كم من الطهر تحتاجه كي تغسل عهر الكون..
كم من العشق تحتاجه كي تغمر العالم..
كم منك يحتاج المكان ليكون مؤنساً..
كم منك يحتاج الزمان ليكون كريماً..
(4)
ما زال ماجلان يبحث عن فردوسه في بطون البحار..
وما زلت تبحث عن احلامك في بطون الليل..
وما زالوا يبحثون عنك في بطونهم المتخمة..
المبتغى صعب، والوصول اليه يستنزفك..
كن قادرا على لملمة أيامك، وملء فراغاتك..
السفن التي احرقتها خلفك رمموها من أضلاعك..
جعلوا قميصك شراعاً وعينيك بوصلة وكفك دفة..
ليتهم جاؤوك دون اقنعةٍ أو خناجر..
ليتهم جاؤوك فرادى.
(5)
للآن تحمل دخان حروبك..
الحرب التي اشتعلت بعيداً انتهت بداخلك..
يهزّك صهيل خيولها في صدرك، ويؤلمك نقر حوافرها..
حملتها معك، في السجون التي وطأتها قدماك، والمدن التي غيّبتك سنيناً..
في بغداد، خبّأتها بجيوبك..ورافقتك من (ساحة الميدان) حتى آخر بار في شارع ابي نؤاس..
في عمان، (أرخيت سدولها) فما فارقتك الكوابيس..
تحت شجرة زيتون في (الساحة الهاشمية) او في شقة مفروشة للسيدة الثرثارة ماري..
حربك معك، حين لم تجد شيئا يشغلك تشغلك..
ضحيتها الأزلي أنت..
تتبعك مثلما يتبعك المولعون بكرهك.
(6)
كلما تنقضي محنة الطرقات تبتدأ محن أخرى..
جمعٌ من الخسارات والانكسارات..
احصها قبل انبلاج الكارثة.
فرصتك ان تزيح عنك طحالب الوقت، وتحرق ما علق فيه من طفيليات..
هم كثيرون، في كل مكان يحاصرونك.. يتناسلون مثل قمامة..
تعرفهم مثلما تعرف كوابيسك..
تعدهم مثلما تحصي مساميرهم المغروزة في ظهرك..
كن حذراً،
من الغربان ما يجيد تقليد البلابل!
Share: