قطط – مونودراما

(المسرح خال الا من قطط تروح وتجيء غير مكترثة بالمرأة التي تتوسط المكان)

المرأة: أنا لا أحب القطط، لكن المخرج غفر الله له أجبرني على استبدال كلبي بالقطط لا لأنه مغرم بها أقصد المخرج انما لأن السيد المؤلف حفظه الله وسدد خطاه كتب نصّه على هذا المنوال.. (تصمت قليلا) هل اقولها لكم؟ (تصمت وبعد تردد) المخرج لا يحب أي حيوان حتى وان كان أليفا، لا القطط ولا الكلاب.. وربما لا يحب الا نفسه، نعم لا يحب الا نفسه فقط أقصد المخرج.. لأنه فسّر النص على ان المرأة الموجودة في النص تحب القطط كحبها لنفسها.. هذا هو يقول ويظن أقصد المخرج فسّر النص كما يريده هو.. أرأيتم…؟ انتقل حب النفس من المخرج اليّ.. نعم، انا الممثلة مربيّة القطط.. هو يرى نفسه فيّ، هكذا أرى، يرى نفسه فيّ، لهذا جعلني أن املأ بيتي وغرفتي بالقطط لا وفوق هذا كله أن اتخلّى عن كلبي.. أتعرفون ما معنى أن اتخلى عن كلبي اللطيف.. يعني ان اتخلى عن حياتي.. ايه، هذا هو. (تصمت قليلا) لكن وبصراحة أن كلبي لم يعد كما كان في السابق فمنذ ان تعرّف على كلبة الجيران تغير فيه كل شيء.. لا اعرف ما الذي أعجبه في تلك الكلبة بنت الكلب. شعرها الأبيض أم ذيلها الطويل أو… (تصمت قليلا) ها.. عرفت.. ربما هو الأكل الإفرنجي الذي تتناوله. جاري المزعج الثرثار يوقفني كل يوم وأنا خارجة من المنزل ليسمعني جملة واحدة (تقلده) كلبتي لا تأكل الا الأكل الإفرنجي.. هكذا هو يمد لسانه كأنه كلب وهو يردد مفردة الإفرنجي.. طبعاً تغريه بذاك الأكل الذي لا اعرف من أين يأتي به جاري الثرثار المزعج. تغريه تلك الكلبة بنت الكلب بالطعام الإفرنجي لأن الطريق الى قلب الكلب يمر بمعدته. (تضحك مع الجمهور) أتريدونني ان احدثكم عن كلبي المراوغ اللطيف.. حسناً فالحديث عنه يشعرني بالراحة وانا وسط هذه القطط.. لا اريد أن اردد ما كتبه مؤلف النص في هذه الوريقات التي لا أعرف من اين ادخل اليها.. لأني وبصراحة (بهمس) كي لا يسمعني المخرج المحترم. بصراحة لا اريد ان أكون ببغاء. أنا أصلا لا أحب الببغاوات التي تردد ما يقوله الآخرون. أريد أن أكون انا. أنا فقط وليس المخرج أو المؤلف.. لا اريد أن أعيش عقد الآخرين أو مزاجياتهم (تلتفت يمينا وشمالا) المخرج الآن دخل في اجتماع مع المؤلف ربما يريدان أن يغيرا شيئا في النص. وأنا انتهزتها فرصة للتحدث اليكم. ليس معي أحد غير هذه القطط لأتحدث معه. ليس غيركم كي تعرفوني أكثر. وكي لا تلومونني إذا ما أجبرت على أن أكون ببغاء اردد ما كتبه المؤلف واتحرك بما يمليه عليّ المخرج. بصراحة أفضّل ان أكون أتاناً من ان أكون ببغاء. الأتان يا سادتي هي انثى الحمار.. تعرفون الحمار جيدا وهذا اكيد والأتان هي زوجته (تضحك) زوجة الحمار أو الأصح انثى الحمار.. ربما لم يكن الحمار متزوجا (تضحك) أقول افضّل أن أكون اتاناً من أن أكون ببغاء. لأنها، انثى الحمار، أكثر تحملا من غيرها وتفعل إذا ما أرادت كل ما في رأسها ولا يستطيع الحمار أن يملي عليها شيئا. (تنهض من مكانها وتتمشى) البارحة وحين سلّمني المخرج هذه الأوراق وهي نص المؤلف قرأتها مرة وثانية.. توقفت كثيرا وأنا أرى سلب ارادتي فيه. اتصلت بالمخرج واخبرته أني لا أستطيع ان احتمل وجود كل هذه القطط.. قلتها بغضب طبعا (تعدّل في وقوفها) لماذا كل هذه القطط في النص؟ قال بصوت الواثق (تقلّد صوت المخرج) ذلك لأن القطط تشبه الى حد بعيد النساء في الوداعة والشراسة. (تضحك) أي تناقض هذا؟ قلت له: هل انا بنظرك وديعة ام شرسة؟ لم يقل شيئا لكنني بكل تأكيد كأني أراه وقد رفع حاجبيه غير راض باعتراضي وأغلق الهاتف. هكذا هم الرجال لا تعرف منهم الحق من الباطل مثل صاحبنا المخرج. (تنظر الى القطط القريبة منها) من أين اتى بكل هذه القطط؟ يقول إنه قضى أسبوعا كاملا بنهاراته ولياليه وهو يجمعها. لم يبق قط في المدينة دون أن يجلبه الى المسرح وفوق كل هذا اشترى قطتين بشعر منسدل. واحدة منها تذكرني بكلبي الذي اشتاق له. (تصمت قليلا) قلت للمخرج اريد ان اجلب كلبي معي في التمرين (تقلد المخرج)

هو: ماذا…؟

هي: كلبي وديع ولا يؤذي قططك.

هو: تلك ليست قططي.. تلك قططك.

هي: (صارخة) قلت لك ليست قططي.

هو: ها.. ليست قططك انت. انها قطط المرأة التي هي أنت.

هي: المرأة.. أنا.. أنت تخلط عليّ الأمور.. من المرأة ومن انا؟

هو: أنت هي، وهي انت..

هي: حسناً.. حسناً بالرغم من أني لا افهمك، قل لي لماذا كل هذه القطط…؟

هو: المؤلف هو من وضعها في النص.

هي: ألا يمكنك الاستغناء عنها؟

هو: لماذا؟

هي: قلت لماذا…؟ لأني أحب الكلاب ولا أحب القطط. الكلب وفي والقط يدعو بعمى اهله!

هو: من يقول هذا؟

هي: جدتي.. طالما اخبرتني أن القطط ليست وفية وهي تغمض عينيها قبل ان تسرق شيئا من المائدة، أي غباء هذا؟ أنا لا أحب الحيوانات الغبية.. وجدتي هي التي قرّبتني من الكلاب.

هو: الكلاب لا وفاء لها وليست مخلصة.

هي: لا يا سيدي المخرج. وفاء الكلب لا حدود له. أما الكلاب الذين تقصدهم.. افهمك.. افهمك.. البشر الذين يطلق عليهم كلابا أولئك لا شغل يشغلهم الا دس أنوفهم في أمور غيرهم.. اعرف هذا.

هو: أولئك كلاب حقيقية. الذين يحاولون الإيقاع بين الناس ولا يمكن استأمانهم على شيء.

هي: (تضحك) لو سمع كلبي ما قلته لما فلتّ منه..

هو: ألم أقل لك أن الكلب شرس؟

هي: ليس شرسا.. اطمئن. لكنه لا يرغب في أن تطلق على الأغبياء والمنافقين لفظة كلب. كلبي شريف ونزيه ولا ينافق (بعد صمت تضحك) هذا ما تقوله انت وليس أنا لأني أريد ان ابعده عن السياسة (تضحك)

(تتحرك هنا وهناك وكأنها تبحث عن شيء)

أين ذهبت القطط؟ أين ذهبت. انا لا اراها.. لا اسمع مواءها حتى. هل خرجت بينما كنت منشغله بما قلته للمخرج. هل اخرجها المخرج من خشبة المسرح. (غير مقتنعة) هذا جيد. على الأقل احفظ باقي النص بعيدا عن القطط اللئيمة.

(تفتح الأوراق التي بيدها وتتمعن فيها)

ما هذا؟ نص مليء ببراز القطط. أي ممثلة ترضى أن تمثل هذا الدور. ما الذي يريده المؤلف. شيء مقزز.

(تلتفت الى الجهة الأخرى وكأنها تتحدث مع المخرج)

  • نعم.. ما الذي يريده صاحبك المؤلف من هذا النص الذي لا افهمه.؟
  • أنت تتنصت عليّ؟ حسنا قل لي ما هي رسالة النصأولئك كلاب حقيقية. ما الذي نريد ان نقوله للجمهور الحاضر؟
  • –                 (تصمت كأنها تستمع) هل قلت نهاية المسرحية؟ (تتفحص الأوراق التي بيديها وتخرج ورقة) هذه هي الورقة الأخيرة من النص.
  • –         (تصمت قليلا وكأنها تستمع للمخرج) حسنا سأقرأها. (تقرأ) تنام المرأة بينما تقوم القطط بالالتفاف عليها والصعود فوق جسدها (تتحسس جسدها بفزع) ما هذا…؟ لا..لا.. أنا لا احتمل هذا.. اطلب من المؤلف أن يجعل النهاية غير هذه.
  • –         (كأنها تستمع للمخرج) أي نهاية كانت الا هذه (تشير الى الورقة)
  • –         (تصمت وهي تستمع للمخرج ثم تقول) حسنا. ليجعل المرأة تهرب من الغرفة بينما تتبعها القطط ولا تصل اليها.. أعتقد ان هذا أفضل من أن تصعد القطط على جسدي.
  • –         (تصمت قليلا) ليس جسدي؟ هذا ما مكتوب في النص.. القطط تصعد فوق جسد المرأة.
  • –         (تصمت قليلا) نعم. نعم. افهمك. المرأة تنام على الأرض. هذا ما كتبه المؤلف.. الآن قل لي من هي المرأة أليست انا؟
  • –         (تصمت قليلا) نعم، ربما غيري ان لم أكن انا الممثلة.. لكنني الآن أنا من تقوم بأداء الدور يعني المرأة المذكورة في النص هي أنا..
  • –         (تصمت قليلا كأنها تستمع للمخرج ثم تقول) انا لا افهمك سيدي المخرج. لا افهم ما تقول.. ارجوك حدثني بما افهمه. انا لا افهم بالمصطلحات.. ذكر المصطلحات الغريبة يستفزني نحن الآن على خشبة المسرح وليس في قاعة محاضرات..
  • –         (تصمت قليلا) حسنا. لدي مقترح.. دع المؤلف يضيف شخصية أخرى في النص امرأة او رجل وأحدهما ينام والقطط تنام فوقه.
  • –         (تصمت قليلا) تقول ما الفرق يا سيدي…؟ اعرف.. اعرف انها مونودراما.
  • –         (بعد صمت) تسألني عن المانع…؟ ما المانع من ان أكون أنا…؟ الحساسية يا سيدي. مرض مزمن.. هل تريدني ان أقدم لك تقريرا طبيا.؟
  • –         (بعد صمت) نعم انا من وافقت على الدور قبل ان اقرأ النص. ما كنت اعلم بعديد القطط تلك.
  • –         (بعد صمت) تقول هذه مشكلتي انا؟ لا سيدي تلك مشكلتكما. انت والمؤلف.
  • –         (بعد صمت) انت لم تفهمني.. أنا يا سيدي لا اعترض على النص. كل اعتراضي على العدد الهائل للقطط التي تشاركني الغرفة.
  • –         (بعد صمت) أيضا لم تفهمني. لو فرضنا نحن قدمنا العرض امام الناس فمن يستطيع ان يسيطر عليها. اقصد القطط. قطة واحدة تكفي وإذا كان لابد من وجود اخريات فهناك دمى على هيئة القطط بالإمكان استخدامها.
  • –         (بعد صمت) تريد ان تجعل المسرحية أكثر واقعية؟ بالقطط تلك؟ ألا يعطي وجودي بدمي ولحمي واقعية للمسرحية؟
  • –         (بعد صمت) قلت لك يا سيدي وها انذا اكررها لك. اعاني من الحساسية. حساسية وليس فوبيا القطط.
  • –         (بعد صمت) يبدو أنك لم تفهمني ولا تريد ان تفهمني.. سأضع النص هنا ولتأت ممثلة أخرى ربما هي أفضل مني في إيصال فكرة النص.. مسألة القطط هذه لم أستطع اقناع نفسي بها يكفينا القطط التي احتلت كل الأمكنة ونسفت كل شيء بسبب طمعها وجشعها.. انت لم تفهمني يا سيدي ولن تفهمني ابدا ما دمت مقتنعا بأهمية القطط في زمن يتطلب منا ان نضع الشيء المناسب والنافع في مكانه. النص معك (تلقي الأوراق على الأرض) سأعود الى كلبي الوفي الصادق لأني لا أجد امانا وصدقا الا معه.

(تخرج)

اظلام- ستار

                              البصرة 28 آب 2019

Share: