الطوفان يجيء ثانية

شخوص المسرحية:

  1. الشيخ
  2. الاخر
  3. هو
  4. رجل1
  5. رجل2
  6. مجموعة من الناس

في مكان منعزل، ارض جرداء، أشجار يابسة، يجلس الشيخ على حافة بئر جف ماؤه بينما مجموعة من الناس يستلقون في عمق المسرح.. الآخر وهو يقفان قبالة الشيخ..

صوت من الخارج: ان قلعوا الشجر النابت في الأرض، او هدموا بيتا، او قتلوا طفلا مازال حليب الام على شفتيه، حدد وجهتك يا هذا: ان تهجر أرضك او تغسلها بالدم!

الشيخ: (ينظر باتجاه الصوت) احمل في صدرك من كل ديارك وجها تعرفه لا خوف عليك..

هو: (موجها كلامه الى الآخر) ها قد بدأ يهذي..

الشيخ: (ما زال مستمرا) هو من نار وحديد، تحرسه كل ملائكة الله، طوفان لم تر هذي الأرض مثيلا له..

الآخر: تحلّ بالصبر فأنك تهذي..

الشيخ: طوفان من نار وحديد!

الآخر: نار وحديد.. يا ساتر

هو: منذ سنين تحلم يا شيخ بهذا الطوفان. إنك تهجر..

الشيخ: رؤيا لن تغرب عن رأسي، هذا الطوفان ينام معي ويصحو معي.. ان صدّقتم تلك الرؤيا فسترون الطوفان يزمجر بصدور ما عرفت خوفا..

هو: أننتظر الطوفان كي نسترجع ما ضاع من الأرض. من الاهل.. من العرض؟ من اين يجيء الطوفان وتلك سدودهمو تسدّ عيون الشمس..

الشيخ: سيغرق ذاك الطوفان كل خفافيش الليل..

هو: مللنا هذا القول، ليتك تأتينا بجديد.. ما عاد مجيء الطوفان يشغلنا ما دمنا نتحمل كل الاوجاع..

الاخر: نتحمل كل الاوجاع.. يا ساتر!

الشيخ: اسكنوا دارة خوفكم هذا ايها الميتون!

رجل1: يا قوم هل تستمعوا لرجل خرف يهذي.. لنصلّ الفجر ونمضي..

رجل2: ليؤذن فينا من كان يؤذن..

هو: مؤذننا اخرس، قطعوا بالأمس لسانه!

الاخر: قطعوا لسانه.. يا ساتر!

رجل1: ليس الأول هذا..

الشيخ: وليس الاخر ستكون البلدة للخرسان!

الاخر: بلدة خرسان.. يا ساتر!

رجل2: دعوه يؤذن فينا فأل مشؤوم ان لم نسمع صوته..

رجل1: لكنه اخرس. كيف يؤذن من قطع لسانه؟

رجل2: ليومئ بيديه ويدعونا.. ان الاعمال وان وجبت فبالنيات..

هو: لننوي صلاة الفجر وندعو الله لمؤذننا الاخرس ان ينمو لسانه!

الاخر: يا رب.. ان كنت علينا راض عاف لسان مؤذننا!

رجل1: خذ من كل زوائدنا طولا للسان مؤذننا

الاخر: يأخذ منا…؟ يا ساتر!

هو: لم لا نختار لنا آخر يكفينا من قطع زوائدنا…؟

رجل2: مجلس شورى ام تعيين؟

هو: نتشاور بالأمر ومن ثم نعينه..

الاخر: نتشاور بالأمر؟  كارثة أخرى.. يا ساتر!

رجل1: من يرغب في ان يقطع منه لسانه؟

الاخر: (يمسك لسانه) لا ارغب في ذلك.. يا ساتر!

رجل2: ولا انا..

هو: لنترك هذا الامر ليوم اخر ما دام الكل لا يرغب في ذلك..

رجل2: قطعوا ألسنة كثر.. ما نفع المرء بدون لسان؟

الاخر: لسان مثل لسان الشيخ…؟ يا ساتر!

هو: لسان آخر لا يمطرنا بالخوف، لا نسمع منه الا ما شئنا..

رجل1: (هاتفا) رائع!! لسان مدفع. به نثأر ممن قطع لسان مؤذننا..

هو: لا نثأر الا من أنفسنا..

رجل1: الا نتشاور…؟

الاخر: نتشاور ثانية…؟ يا ساتر!

هو: لنترك هذا الامر

رجل2: وصلاة الفجر؟

هو: ليصليها من شاء بمفرده!

الشيخ: ليصلي من شاء بمفرده، سيجيء الطوفان ولم تنج منه صلاة. هذا الفزع الأكبر يجعلكم كجذوع خاوية..

هو: يا شيخ هذيت كثيرا. لا طاقة لنا ان نسمع أكثر خبّئ طوفانك في صدرك.. قطعوا لسن مؤذننا وانت تهذي..

الشيخ: أني احذركم من يوم لا ينفع فيه لسان.. احذركم من نفس ما فيها الا الاثم.. احذركم من ألسنة لا تجلب الا العار.. حدد وجهتك يا هذا ان تهجر ارضك او تغسلها بالدم!

هو: استفحل فينا الخوف ولم نقدر ان نغسل شيئا بالدم

الشيخ: جبنتم عن قول الحق!

هو: ما ضاع نشك بإرجاعه يكفينا دعوات الناس لنا بالصبر والصبر جميل!

الشيخ: أصبر هذا أم جبن…؟ تغضون الابصار عن طفل يقتل في الشارع..

رجل1: لن نسكت عن فعل شائن، استنكرنا كثيرا وملأنا الشارع بهتافات تهتز لها الجدران..

الشيخ: وعاد الموت يحلق فوق هتافات لم ترجع حقا!

الاخر: هتفنا كثيرا لم يسمعنا أحد.. يا ساتر!

هو: الحق مصان.. ما بالك يا شيخ تردد اقوالا ما كنا سمعناها..

الشيخ: الا يؤلمك القوم وما صاروا عليه…؟ الا تؤلمك الفوضى…؟ صارت كل دمانا كالماء الآسن، ننزف ما شاء من الذل، تؤنسنا الفرقة وندعو للصبر.. يا صبر الموتى على اكفان بالية، باردة يجمعها الصمت. ألا يؤلمك هذا يا ولدي؟

هو: ليت الآلام تعيد الحق لنا وتجعلنا نمتشق السيف. آه يا سيفا نام طويلا وشكا منه الغمد.. الخوف يحاصرنا يا عم فماذا نفعل؟

الشيخ: حطم زجاجات الخوف وأطلق صوتك.. لا تنتظر العون من الموتى فالموتى يجرونك للموت..

هو: مللنا الموت.. اما من طرق أخرى تنجينا منه؟

الشيخ: احمل طوفانك وامض عبر حقول الزيتون.. انزع عنك رداء العوم ببحر الذل! ستنجو يا ولدي.. ابحث عن سبب يجعل منك قويا..

هو: ولسان مؤذننا المبتور…؟

الشيخ: لو كنا نعرف كيف نصير جدارا مرصوصا ما تجرأ أحد لهذا الفعل.. رأونا شتاتا تأخذنا الاهواء كريش في يوم عاصف وراحوا يقتطعون بما شاء لهم من ألسنة ورؤوس..

هو: والطوفان هل يأتي حقا…؟

الشيخ: ان الطوفان لآت لا ريب.. من آمن بالأرض ينجيه الله ومن كان اسير حياة اللهو يصير حطاما.. جئت احذركم لكن القوم ابوا.. فحق عليهم ما كسبت أيديهم! انظر الى طابور الأطفال بحارات القدس تحيل الموت حياة.. اطفال خرجوا من نار الحرب لم يخشوا رصاصا يتناثر كالمطر الأسود

الاخر: مطر اسود…؟ يا ساتر!

رجل1: يا عار الدنيا نحمله كالتابوت على اكتاف تعبى.. من أي طريق جئت؟

الشيخ: لم يمض الوقت.. عليك بترميم النفس وتمزيق الصفحات السود..

هو: قاتل الله الضعف.. لا دار لدينا نأمنها (يصرخ) يا قوم. لم يمض الوقت فكونوا كالبنيان المرصوص، ما قطعت ألسنة منا الا من ضعف!

الاخر: لقد جنّ هو الاخر.. يا ساتر…! ما فعل الشيخ بك يا هذا…؟ أنك تهذي وتردد أوهام الشيخ.. يا ساتر!

هو: ان الطوفان لآت لا ريب!

رجل1: أي هراء هذا…؟ انت تعكّر صفو القوم..

هو: لا خوف على الملك. احموا غابات الزيتون احموا أنفسكم

 من داء لا يشفى..

رجل2: لو كنا اخترناه مؤذنا للبلدة لما صرنا كذلك..

الاخر: مؤذن للبلدة…؟ يا ساتر!

رجل2: خير من ان يصبح معتوها يردد اقوالا لا تنفع.. (يوجه كلامه للشيخ) ابعد يا شيخ عن البلدة ما عدنا نحتاج اليك.. طف مدن الله وقل ما شئت قد تجد من يصغي اليك.. ابعد يا شيخ عن البلدة قد افسدت علينا الامر..

هو: لم يفسد أحد.. قد فتح الشيخ امامي الأبواب، اعطاني مفاتيح الروح.. لو اصغيتم له ما كان عليكم ان تدفعوا ثمن الصمت.. هل فكرتم من اين يجيء الغرباء؟ كيف يكون القتل على مرأى منكم؟ وأنتم لا صوت لكم لا همّ لكم الا الفرقة واللهو!

رجل2: يا للهول…! هذا ثان.. بلدتنا تسقط في الفوضى. من يرمي هذين الافاقين بباب البلدة.. لا بد لنا من ان نتشاور..

الاخر: نتشاور ثالثة…؟ يا ساتر!

رجل2: استفحل فينا الداء زاد الامر بلاءاً، لنقرر طرد الشيخ وهذا المعتوه..

الاخر: خير من ان يفسد زوجات البلدة.. يا ساتر!

رجل1: الزوجات…؟ آه الزوجات.. ان وصل الامر الى الزوجات فيكون خطيرا…!

الاخر: ويهجرن فراش الزوجية.. يا ساتر!

رجل1: يتوقف إنجاب الأطفال

رجل2: كارثة…! من اين نجيء بأطفال يحمون رجولتنا…؟

رجل1: نستورد أطفالا آليين..

الاخر: آليون…؟ يا ساتر

رجل2: لو فكرنا بهذا من قبل ما قطع الغرباء لسان مؤذننا..

الاخر: مؤذن بلدتنا آلي…؟ يا ساتر!

رجل2: صوت ذو تجسيم عال، تغيير بالنبرة فوق جميع الموجات!

الاخر: وبالألوان.. يا ساتر!

الشيخ: يا قوما ما عرفوا شيئا. ما هذا اللغو…؟ الناس تموت وأنتم ما فكرتم الا بالزوجات وصالات اللهو وتقضية الصيف بحانات الغرب.. ما زلتم تجتمعون لأمر لا نفع له!

رجل1: يا شيخ كفى.. قانون البلدة لا يسمح لك بالهذيان..

هو: هو لا يهذي. الشيخ ينبهكم

رجل2: قانوننا لا يسمح بالتنبيه

الشيخ: ما جئت لأقض مضاجعكم لكن الحق يقال.. تجتمعون لأمر لا ينفع تأتون جماعات.. حتى خيل للناس ان الهوّة قد ردمت وبقايا الامس ما عادت تؤذي الجسد الواحد فتغني تهتف كعصافير مذبوحة واصوات بحت من ترديد كلام واحد..

رجل1: اصمت يا شيخ.. اصمت!

رجل2: قد نغضبهم.. نغضب من مدّ يد العون لنا..

رجل1: لا نرغب في العودة ثانية للصحراء وللبعران!

الاخر: نرجع للبعران…؟ يا ساتر!

الشيخ: من مدّ يد العون لكم يستعبدكم! من يعي منكم ذلك فليتبعني..

رجل1: نتبعك ونترك هذا الخير…؟

الشيخ: ما الخير إذا لم يحيي زرعا. ما الخير إذا لم يسترجع ارضا، غابات الزيتون تدمرها الارتال ونساء يستصرخن ضمائركم..

رجل2: ماذا نفعل…؟ والنسوة لا يرضيهن شيئا..

الشيخ: تتناسون وتستغبون! اعلمتم ما تطلبه النسوة…؟

الاخر: عيب يا شيخ.. هذا عيب.. يا ساتر!

رجل2: او ما قلت لكم ان الشيخ يجرجرنا للفسق…؟ لنضع الحد له!

رجل1: لنعزره..

الاخر: (يقترب من الشيخ هامسا) أخبرني انا.. فأنا اعرف بالنسوة ما لم يعرفه غيري فقد جبت بلاد الله وجربت البيضاوات والشقراوات والسمراوات.. ها.. (بهمس) ماذا تطلب تلك النسوة؟

الشيخ: (يبعده) اتق ربك.. ما طلبت تلك النسوة الا الدم..

الاخر: الدم…؟ يا ساتر!

الشيخ: لو كانت تعرف ان الجبن يغلفكم ما طلبت ذلك..

الاخر: (متوددا) ألا ينفع بعض المال ندفعه عوضا عن هذا الدم…؟

الشيخ: (منتفضا) ما أخذ بالدم يسترجع بالدم وليس المال..

رجل1: لكن لدينا من المال ما يكفي لشراء الدنيا..

الشيخ: غرتكم هذي الدنيا ونسيتوا الواجب.. من يقدر ان يشتري الشرف المهدور…؟ من يقدر ان يشتري النور لنفس ضاعت في الظلمات…؟ قد يأتي الطوفان وينسى المرء اخاه وتصبح كل الأموال حبالا تلتف بلؤم حول الاعناق، في تلك اللحظة من يقدر ان يشتري الروح؟

رجل2: لا تستمعوا للشيخ، شيخ مجنون لا هم له الا التهريج..

رجل1: أنتركه دون قصاص…؟

الاخر: شيخ لا حول له ولا قوة.. يا ساتر!

هو: من قال الشيخ ضعيفا…؟ ليس ضعيفا..

الشيخ: يقتحم الضعف الأجساد، يتركها كهشيم منثور..

(رجل1 ورجل2 والآخر يذهبون الى جهة من المسرح يتحدثون)

رجل1: قد يبدو ضعيفا، لكني اشك بما يفعل!

رجل2: راودني الشك أنا الآخر، لِم َكان الشيخ ينبّئنا بالطوفان. يحُذّرنا من ألسنةٍ قد تُقطعْ وعيونٍ قد تُفقأ…؟ أكانَ على علمٍ بالغرباء…؟ لمَ حذّرنا منهم…؟

الآخر: الشيخ على علم بالغرباء…؟ يا ساتر!

رجل1: ان قيّدناه بحبل لا يقطع فقد نأمن أنفسنا..

هو: (كان يستمع لهم) أتؤذون أخاكم من أجل أنفسكم…؟ هل ترمونه بالجب…؟

رجل2: لا نرمي أحدا في الجب.. قد نكتفي الآن بهذا الحبل. فالحبل يكفي…!

هو: هل وصل الأمر بكم حد الغدر…؟ تختلفون على فعل الخير وتتفقون على فعل الشر…؟ الرحمة يا رب! ما دمنا وصلنا الى هذا الحد أقراؤنا سلامك يا رب!

رجل1: (مستهزئا) ما أكثر مجانين البلدة!

الآخر: العقل زينة.. يا ساتر!

الشيخ: يا اهل البلدة، ان كان القيد يوحدكم فتلك يداي وذا جسدي قد ملته جروح الأخوة والأعداء، ما دمت وهبت الروح لهذي الأرض ما همني ان أعرف أي يد تقتلني، لا فرق لدي ما بين الأيدي، ما دامت تستخدم للقتل..

رجل1: اسمعتم…؟ قد صنّفنا ضمن الأعداء.. السنا اخوتك يا شيخ؟

الشيخ: اخوة يوسف..

رجل2: ها قد عاد للتهريج.. يا شيخ ألا تقدر ان تسكت!

الشيخ: كيف سأصمت والسكين تقتل فينا، تمزقنا.. لا نعرف لمن الدور سياتي ومن ينجو.. (يصمت قليلا) قد لا ينجو أحد..

الآخر: قد لا تنجو أنت.. أما نحن فلدينا ما يكفي من القوة والمال!

رجل2: لنقيّده.. ونتخلص من شر لسانه..

الآخر: أنقطع لسانه.. يا ساتر!

رجل2: لا نرغب في تلويث أيدينا بالدم سياتي الغرباء اليه ويقطعوا ما شاءوا من جسده!

هو: هذا حرام.. يا لقساوة قلوبكم.. هل تتفقون على قتل الشيخ…؟

رجل2: هو قاتل نفسه (يمسك حبلا ويقيده لكنه لم يستطع يشعر بالوهن ويسقط تحت قدمي الشيخ) آه أنك تؤلمني يا شيخ اشعر أني ألفّ الحبلَ حول يدي..آه..آه..

(يأتي رجل1 ويكمل ما بدأه رجل2)

الشيخ: تبا لليدي تتلف ملك الله.. تبا للأيدي لا تعرف ما تفعل!

رجل2: ستكون طعاما للذئب وتندب حظك، لكن، ان تعلن توبتك فسنفك قيدك.. (رجل2 يحاول تقييده لكنه هو الآخر يسقط ارضا مثلما سقط رجل1) تبا لك، هل انت ساحر أم مجنون…؟ اشعر أني ألف الحبل حول يدي..آه..آه..

هو: أنتم ما قيدتم الشيخ.. سيلفكم القيد ولا تنجون من البلوى..

رجل1: اصمت يا هذا.. أنت تبدد أوقات ما كنا خسرناها لولاك وهذا الشيخ..

الشيخ: قد دبّ الوهن بكم، ذوقوا ما جلبت ايديكم، كان عليكم أن تقتحموا الغرباء وتحمون البلدة.. البلدة على حافة طوفان…!

رجل2: ماذا حل بنا، لا نقدر ان نمشي. كأن قدمي التصقت بالأرض أيّ عذاب هذا أيّة لعنة؟

الشيخ: هذا اول غيث الأرض والآتي أعظم!

هو: يا شيخ اغثهم! هم ما عرفوك اغراهم ما ملكت أيديهم من مال فنسوا الاهل والأرض وحتى العرض..

رجل1: ماذا فعلت…؟ أردنا ان نوقف بطش لسانك فصرنا ضعفاء. قيّدناك وما كنا ندري انّا نقيّد أنفسنا. ما نفعل والأمر ليس بأيدينا.. يا شيخ من أين أتيت لنا ونبشت قبورا ما مر عليها أحد..

الآخر: اعنّا يا شيخ على فك قيودك.. يا ساتر!

الشيخ: يا أهل البلدة.. انا حر حتى وان كان القيد بيدي، فكوا قيودكم وانظروا للأهل هناك في الشارع في وسط الحارة في المدرسة في المعمل في الحقل يبنون المجد على أشلاء الشهداء! خوّفكم بعض الغرباء وراح يقطّع ألسنة ما نطقت حقا ووأدتم زمن الفرسان بخوف أجرب.. يا للعار! أطفال تشمخ كالعنقاء تهز الدنيا ونساء تحمل في كل طريق حجرا وأنتم صم بكم عمي كأنكم لا تشعرون!

يا للعار! تقضّونَ مضاجع أجداد فتحوا الدنيا بسيوفٍ ما صدئت يوماً للآنَ صدى التكبيراتِ تهزّ الأرضَ وأنتم لا صوت لكم فرط الذل.. أوما راودكم كابوس العار…؟ ما رفّ لكم جفنٌ ونهرُ الدمِ يخبركم بالشرف المهدور…؟

الآخر: يا ساتر! قد حكّمت الطوق علينا.. افتونا يا اهل البلدة صرنا كالقشة بين الموج المتلاطم والقاع.. اختلط الحابل بالنابل من يخرجنا من هذا الزيف..

هو: حين يجيء الطوفان تسقط اقنعة وعروشا ويسقط كل الزيف..

الشيخ: من هناك، من أرض الزيتون، من أكفّ الصغار وهي ترجمُ وجهَ الشيطان، هناك، من رغب في ان يغسلَ عاره ليمضِ مقتحماً اسوار النفس الملغومة بالفسقِ من رغب في ان يغسل عاره ليغتسل بالدم…!

(صوت المؤذن يسمع من بعيد)

(رجل1ورجل2والآخر ينهضون مصابون بالذعر يتصارخون)

الاخر: يا ساتر! ها قد عاد.. سدوا الأبواب بوجه الغرباء!

اظلام- ستار

                                       البصرة في 20/4/2001

Share: