خل ياكلون الجهال..!‏

‏(صورة حقيقية للإنهزامية)‏
خلاصة سياسة الحكام العرب تجاه شعوبهم تكمن في المثل العربي (القح): (جوّع ‏كلبك يتبعك).. وكل زعيم عربي يضع هذا المثل في رأسه الفارغ قبل أن يضع أي ‏شيء آخر.. حتى غدت تلك الكلاب (بنظر الحكام) التي همّها بطونها أكثر أمناً وجرياً ‏خلف تلك السياسات المهزومة بعد ان راحت تجسّد ثقافة التصفيق ببطون فارغة ‏واجساد ناحلة وبيوت تملؤها الحسرات والآهات.. لا أدري من أول من نظم صدر أو ‏عجز بيت الشعر (وأكثر الظن عجزه لما له من علاقة بالبطولات العربية): (بالروح ‏بالدم نفديك يا…..) وعليك ان تضع في المكان المناسب ما تراه مناسباً من اسم او ‏كنية او صفة (ولا علاقة لك بحرف الروي او القافية فيحق للحكام ما لا يلحق ‏لشعوبهم)..‏
ولأن أكثر الشعوب على وجه الأرض تناسلاً هم العرب ( ضمن احصائيات الزيجات ‏العربية وتكاثرها) وأكثرهم خذلاناً ورضوخاً لجلاديهم فأن الجلادين يختبرون مدى ‏جبروتهم وكبريائهم في مختبر الرعية التي لا حول لهم ولا قوة، فيجعلونهم ينتظرون ‏عند عتبات القصور الفارهة ليحظوا (بكسرة) خبز قد تمهل جوعهم ليوم آخر.. واذا ‏ما ظهرت نخبة (في غفلة من السلطة الغاشمة) مطالبة بحقوق الجياع فان الجياع هم ‏اول من يقتص منهم مأخوذين بسحر (ولي الأمر) والقائد الأوحد المفدى وأكاذيب ‏اعلامه المصفر.. ‏
معادلة غير عادلة، وقسمة ضيزى (بالضاد وليس بالطاء)، ضحيتها الملايين ‏واللاعبون فيها كبار الدجل.‏
ما يخيفنا في عصرنا العربي شرعنة القهر، وتقنين الاستبداد، وأسلمة الديكتاتورية، ‏فكل ديكتاتور يخبئ تحت معطفه رجل دين يسمّيه (عالماً).. يمنحه الكارت الأخضر ‏لقتل ما تملك يمينه.. ويقتص من في قصاصه حياة لأولي العروش.. فالعروش ‏العربية لن تستمر الا بإروائها من دم الضحايا، ودموع الايتام، وبكارة (الماجدات). ‏
لم يقتنع قادة العرب بقوانينهم الوضعية التي تبرر لهم ما يفعلون وراحوا يقرّبون من ‏يجروء على تفصيل الدين حسب مقاساتهم، العروش حرمات، والقصور صروح ‏لخلفاء الله في الأرض.. الرؤساء معصومون عن الاخطاء، وأحاديث الملوك أشرف ‏من كل مقولات فطاحل أمتهم، وما نطقوا عن الهوى.. ‏
مشكلتنا أننا محكومون بالأمل (عذرا لسعد الله ونّوس) وهو ما يبقينا راضين على ما ‏نرى وما نعيشه.. ننتظر العيش الرغيد والحياة الكريمة الهانئة كما انتظرها آباؤنا ‏ومن قبلهم أجدادنا وأجداد أجدادنا و..و.. وصولاً الى أبينا آدم! ولأن الأمل يكحل ‏عيوننا كل صباح حتى وان كانت صباحتنا مظلمة فقد كان على خلفاء الله في الأرض ‏ان يستغلوا ذلك ويرسموا من خلال مستشاريهم آمالاً كاذبة لشعوب جائعة.‏
العراقيون كانوا ضحية لذلك القدر العربي، فعبر سفرهم الطويل بطش بهم سلاطين ‏وملوك ورؤساء، فمن جوع لجوع (ما مرّ يوم والعراق ليس فيه جوع-السياب)، ومن ‏قتل لقتل، ومن تشريد وتهجير لذل في منافٍ بعيدة.. كل ذلك والأمل مربوط بعصا ‏أمامهم.. يركضون ويسبقهم، يمدون يداً فتقطعها سيوف الجبابرة والطغاة، وكانت ‏لازمة (بالروح بالدم نفديك يا….) تنتقل من جيل لجيل، ولم يخلُ الزمن الجديد من ‏تلك اللازمة فرددها العراقيون في ملاعب كرة القدم وفي استقبالهم لهذا المسؤول أو ‏ذاك في صورة تذكرنا بالماضي التعيس!‏
الولاء للأشخاص مشكلتنا الكبرى (نحن العرب) تقودنا دون أن ندري الى عبادة ‏الفرد.. فالآلهة العرب المتربعون على عروشهم خير دليل على ذلك.. فكل إله يفرّخ ‏آلهة أخرى تتغلغل في المؤسسات التي لها علاقة بأرواح الناس، هنا الخوف من ‏الحاكم أكبر من الخوف من الله، وكلمة الباطل في حضرة (الرئيس) صارت ديدن ‏الانتهازيين والمطبلين وماسحي الأكتاف والأحذية.. ومن أجل أن لا ينسى الناس ‏إلههم الذي يبطش ويميت فقد وضع المتملقون في كل ساحة صنماً له يذكرهم ببطشه ‏ان نسوا ويمدهم بالخوف ان استدّ ساعدهم.. ولكي يعبدونه ليلاً ونهاراً فقد صار يطل ‏عليهم في شاشات التلفاز ليلقي خطاباً يغيض فيه (سيبويه) في نصبه للفاعل وكسره ‏للمفعول به ورفعه للمجرور باذن الحاكم الأوحد! فما حاجة الناس للغة العربية والتقيّد ‏بها ما داموا ينتظرون اللحظة التي ينطق فيها بمكرمة تصبح عيداً قوميّاً فيما بعد ‏فأعيادنا قد غدت بعدد ما فقدناه من أبناء في زنزانات الموت او سوح الوغى!.. ‏المكرمة التي ينتظرها الجياع هي (خبزة) الأمل المعقودة في العصا التي تشدنا الى ‏أمام.. ما أكثر المكارم التي تشبه الى حد بعيد مقولة (خل ياكلون الجهال..) فلا الأكل ‏جاء ولا (الجهال) أكلوا..!‏
تكاثرت الأصنام في بلداننا، وتوغلت في كل مكان، وانتشر داء عبادة الفرد، واذا ما ‏سقط صنم هنا نبتت أصنام هناك، وازدحمت المؤسسات بأصنام من شتى الألوان ‏والأحجام، اصنام طين، واخرى برونز، وثالثة اسمنت، ورابعة من أجساد ‏الضحايا..وأصنام من خراء!.. كل ذلك والأمل المعقود ما زال يراود المحكومون ‏بالضيم والقهر اليومي.. ‏
الهوّة تكبر ما بين الحاكم والمحكومين، والجوع يزداد، والكروش تنتفخ، والمساكين ‏ينتظرون من يقول لهم للمرة المليون (خل ياكلون الجهال)!‏
ملاحظة: كل ما ورد في المقال حقيقي ولا وجود للخيال فيه.‏

الحوار المتمدن-العدد: 2626 – 2009 / 4 / 24

Share: