الإدارة في العراق .. نزاهتها وفسادها

علاقة المواطن بالدولة تمر عبر طريق المؤسسة الرسمية، بمختلف فروعها واختصاصاتها، فمن خلالها يمكن ان يحقق المواطن بعض حقوقه ويؤدي واجباته، والعلاقة هذه يجب ان تكون سليمة وسهله ويضمنها القانون بطرفيها؛ المواطن والموظف العام،واذا ما اختلّ ميزان المعادلة ستكون الدولة برمتها على حافة هاوية لا تنجو منها الا بعد اتخاذ قرارات حازمة وحاسمة لإعادة الموازنة الى ما نطمح إليه. قد يأتي تحقيقنا هذا بعد أكثر من عام ونصف العام من إنهدام عرش الطاغوت والديكتاتورية المتمثلة بسلطة الصداميين الذي أحالوا حياة العراقيين الى جحيم لا يطاق، وقد سمعنا مثلما سمع الآخرون في الأيام الأولى لسقوط النظام الفاشستي أماني عراقيّة في أن الحياة القادمة ستكون وبلا شك حياة سعادة وعيشاً رغيدا لكل أبناء الوطن الواحد؛ شماله وجنوبه، شرقه وغربه ووسطه.. وانتظر العراقيون بعدما عقدوا الآمال على العهد الجديد أن تزدان حياتهم بالمسرة بعيداً عن المداهمات اليومية لبيوتهم من قبل أزلام صدام (بعثيون ومخبرون ووكلاء أمن ومخابرات ومنتفعون على حساب بسطاء الناس).. وقد استبشر المظلومون في أن (الظليمة) قد ولّت وسيجيء من يحمل بيديه ميزان العدالة التي لا تفرّق بين هذا المواطن أو ذاك على أساس العرق أو الدين أو الانتماء السياسي والطائفي والعشائري.. وقد جاء هذا العهد بالفعل، بعد معاناة ومكابدات تحملها كثير من أبناء العراق الجريح، وصدرت قرارات لتحسين راتب الموظف والمتقاعد بينما بقيت مسألة البطالة عالقة دون معالجات ولما تزل طوابير الشباب تملأ الساحات و(مساطر) العمل اليومي.. قلنا أن رواتب الموظفين قد زادت إلى أكثر مما كان يتقاضونه في العهد المباد، بل أكثر بكثير، فالموظف الذي كان يستلم راتباً قدره (50)ألف ديناراً صار يتجاوز الـ(300) ألف وهناك من يستلم راتباً وصل الى (750) ألف ديناراً.. بينما المعلم الذي كان يستلم راتباً قدره (7) آلاف ديناراً صار راتبه الآن (400)ألف دينار أو أكثر بالنسبة لذوي الخدمة الطويلة.. لا نحسد أحداً على حقٍّ، فهذه الرواتب هي أقل بكثير مما تكبده أولئك الناس في ذلك الزمن المر! كل هذا ونقول لجميع موظفي الدولة (ألف عافية واللهم بارك برواتبهم)..
• الناس يتحدثون:
حديث الشارع الآن وصل حداً لا يطاق، صار الحديث جهاراً بعدما كان همساً ليس خوفاً من أحدٍ وإنما لكون الناس في الأيام الأولى للعراق الجديد لم يرغبوا في أن يكون التشاؤم طريقهم، كانوا ينتظرون بارقة أمل تخرجهم من يباب العمر!! أما الآن فقد سمعنا كثير من الآراء والأحاديث يعتب فيها الناس على الصحافة والتي يعتبرونها لسان حالهم في هذا الزمن الصعب.. 
(علي حسين 30 عاماً) قال: 
– منذ أكثر من شهر وأنا أحاول البحث عن عمل في دوائر الدولة وكل من ألتقي به يقول لي (ادهن السير) فكيف أستطيع ان ادفع شيئاً وأنا لا أملك قوت يومي؟ لم يعد الخوف في الصدور الآن علينا أن نقولها بصدق على الدولة ان توفر فرصة عمل لكل مواطن.. فما الذي بقي من العمر وقد وصل عمري الى الثلاثين؟
مواطن آخر قال لنا وهو يحمل بطاقة مراجعة إلى دائرة الجوازات: 
– تصوروا أنني بدأت بمعاملة الجواز منذ أكثر من شهر ولم يصدر الجواز وقد طلب مني احد المعقّبين مبلغاً من المال مقابل جلب الجواز ليّ هل نبقى على هذه الحالة إلى أبد العمر؟.
امرأة جاءت من أقصى الجنوب وقفت في الشمس المحرقة قبالة بوابة دائرة الجوازات سألناها:
* ماذا تفعلين بالجواز ؟
– (يمّه أريد ازور الرضا!!)
* وهل استلمتِ جوازك؟
– ( هذي رابع مرة أراجع ومحّد ينطيني جواب.. يمّه يريدون فلوس!!)
بهذه اللهجة العراقية تحدثت المرأة عن همها وهي الفاقدة لولدٍ في معارك صدام التي ما انتهت الا بهزيمته.. 
• نريد الهروب من العراق!!
أصرّ شاب على الحديث، قال غاضباً:
– أتدري لماذا أريد الجواز؟
قلت له:
* لماذا؟!
– لأنني أريد الهروب من العراق، فبلد ليس لي فيه خبزة كيف تريدني أن أعيش فيه..
قلت له:
* إبحث عن عمل ربما ستجده..
– وهل أبقى طول العمر ابحث عن عمل.. شوف يا أخي أنا لي أربعة أشقاء كلنا قاعدون في البيت بلا عمل علماً بأننا من أصحاب الشهادات.. لهذا قررنا أن نخرج من البلد ونبحث لنا عن عمل في الأردن..
* لكن هناك شركات سوف تدخل العراق..
– موت يا حمار!!
قالها بألم وتساءلت مع نفسي متى يمكن أن يحظى المواطن العراقي بحقوقٍ دون ان يطالب بها ودون أن يمّن عليه موظف الدولة العام؟
الهروب من الوطن ليس حلاً وأن المنافي الاختيارية لا تصنع في ظروف مثل ظروف العراق الآن الا قطيعة مع وشائج الوطن الذي طالما انتظر أبناءه المنتشرين في بقاع الأرض، وحري على المسؤولين ان يوفّروا فرص العمل المتكافئة لملايين العاطلين وهم أبناء بررة من اسر عريقة ضحت وصبرت وتنتظر القطاف وحصاد تلك التضحية والصبر. 
• مكابدات وحلول:
بين جملة الاتهامات التي وجهها المواطنون الى عدد من موظفي دوائر الدولة وتفشي ظاهرة الفساد الإداري والتي ظهرت على السطح طلبنا من أولئك الناس أن يتركوا همومهم جانباً ويعطوننا الحلول اللازمة للحد من انتشار هذه الظاهرة:
(احمد سالم 45 عاماً) قال: أنا موظف في الدولة واعرف أن الفساد قد تفشّى ولكن أقولها بصراحة كل امرئ يعمل بأصله فهناك موظفون ما زالوا محتفظين بنزاهتهم ولا يمكن ان تغيرهم المادة فهم هكذا منذ إن كانت رواتبهم (30)ألف دينار أي لا تكفيهم لنصف الشهر.. ولكن هناك من يسيء الى سمعة موظف الخدمة العامة من خلال ممارسات لاأخلاقية ومنها الرشوة فهم يضيّقون الخناق على المواطن الذي يراجع دوائرهم من اجل ابتزازه فهؤلاء لا يمتّون للوطن بصلة خاصة ونحن نعيش في وضع صعب يتطلب منا ان نتكاتف ونتعاضد من اجل بناء العراق.. وإذا رجعنا الى ظواهر الفساد تلك فسوف نجدها هي هي لدى هؤلاء منذ ان كانوا في عهد النظام السابق.. فكيف نستطيع أن نحد من هذه الظاهرة؟ الأمر بسيط جداً هو ان نضع في كل دائرة لجنة مراقبة ويتم التحقيق مع أي موظف مرتشي بعد ذلك!!
• وهل تريدنا ان نرجع الى عصر التقارير؟
– لا اقصد ذلك إنما ان تشكّل في كل دائرة لجنة للنزاهة..
تدخّل رجل كان قد سمع حديثنا قائلاً:
– ومن يضمن لجنة النزاهة تلك؟.. يا أخي السمكة……………………..!!
مواطن آخر أدلى بدلوه قائلاً:
– أقترح توفير فرص عمل للشباب في الدوائر..
• ولكن الدوائر مكتفية بموظفيها؟
– ليحيلوا أصحاب الخدمة على التقاعد أولئك الذين مضى على خدمتهم أكثر من عشرين عاماً ربما سيكون ذلك حلاً مناسباً خاصة وان دماءً جديدة ستكون أكثر اندفاعاً ونشاطاً.. وعلى فكرة ان البطالة هي رأس الأفعى في كل ما يجري في العراق!
حلول كثيرة سمعناها.. ونحن ما بين الموظف والمواطن صرنا ندور باحثين عن إجابة لسؤال أحد الشباب: ألم يكن العراقيون إخوة إذن لماذا الرشوة؟!!
————————–
الحوارات باللهجة الشعبية العراقية لضرورة صحفية!

الحوار المتمدن-العدد: 1389 – 2005 / 12 / 4

Share: