حمير مالطا

شخوص المسرحية

  1. صوت1
  2. صوت2
  3. شاب1
  4. شاب2
  5. أصوات اخرى
  • مشهد افتراضي:

اظلام تام، ثمة عيون تبرق، تروح وتجيء، صوت لهسيس نار، وهمس بين شخصين.

صوت1: هل رأيته؟

صوت2: لم أرَ شيئاً

صوت1: قبل لحظة مرّ من هنا..

صوت2: هل رايته أنت في هذه العتمة.؟

صوت1: شممت رائحته وهو يمر..

صوت2: المكان مليء بالروائح..

صوت1: رائحته تختلف، مزيج من الكافور والخراء!

صوت2: رائحة خراء؟ هذا ما دلّك عليه…؟ يا أخي، أنوفنا محشورة بتلك الرائحة.

صوت1: خراؤه يختلف..

صوت2: قد يختلف لونه، لكن الرائحة واحدة. لا فرق ما بين هذا الخراء أو ذاك.

صوت1: يتبرّك القوم بخراء سماحته! يضعونه في أسرّتهم لينجبوا ذكوراً مطيعين.

صوت2: (مستغربا) وان لم يفعلوا؟

صوت1: أعوذ بالله، ومن يجرؤ على فعل ذلك.

صوت2: لا يمكن أن يقتنع الجميع بما قلته، ربما هناك من يرفض تلك الخرافة..

صوت1: لا طريق للإيمان سوى هذا الطريق.

صوت2: طريق الخراء؟!

صوت1: لا يسمّونه هكذا..

صوت2: ها.. ربما طريق رائحة السماحة!

صوت1: بل طريق النجاة.

صوت2: النجاة ممن؟ من قبضة سماحته أم من العميان الذين يتبعونه..

صوت1: (صارخا به) هذا افتراء.. ايّاك أن تعيد ما قلته. ألا تخشى الجذام؟

صوت2: وما علاقته بما قلته…؟

صوت1: من لا يطيع يصيبه الجذام، لعنة لا ينجو منها الا من سار على الطريق. هذا ما توارثناه ولا يمكن أن نحيد عنه.

صوت2: قدّس ذو الخراء المبارك (يضحك بصوت عال)

صوت1: اضحك لكنك لن تنجو منه ما دمت تسخر منه.

صوت2: ثقتك به عمياء.. كأنك منهم!

صوت1: لست منهم، لكني واثق بما قلته لك..

صوت2: وهل رأيت مجذوماً بسببه؟

صوت1: لم أر بعينيّ، لكني سمعت بأذنيّ..

صوت2: فرق شاسع بين الرؤية والسمع، (يقترب منه أكثر) قل لي، ما الذي سمعته؟

صوت1: سمعت أن هناك في البلدة من أصابته اللعنة.

صوت2: كل أولئك الذين يصدّقون خرافتهم ويتبعونها هم ملعونون..

صوت1: أنت تفسد حياتك، بجنونك هذا لن تجد ما يمكن أن تعيش لأجله.

صوت2: (باستغراب) هم يفسدون حياتنا، مذ جاؤوا ونحن نجترّ أحزاننا، ضاعت أعمارنا ونحن ننزوي في زوايا هذا الذي استباحوه، نطمر أرواحنا بخرافاتهم، ونستسلم لها، هم راهنوا على تعاساتنا، وذلّنا، ومسح أفراحنا.. نعيش على فتات الأمس بعدما سُلِبنا أجمل ما فيه..

(يختفي بريق العيون في العتمة- اظلام تام)

  • مشهد متّبع.

شابان يجلسان عل الأرض وقد أخذ البرد منهما مأخذا.

شاب1: (يتألم من البرد ويتحدث بصعوبة بالغة) البرد يأكل عظامي..

شاب2: اصبر يا أخي، ما هي الا ساعات وتشرق الشمس..

شاب1: لم أعد احتمل هذه اللسعات في جسدي، البرد قارس، لماذا لا ندخل للإسطبل فهناك سننعم بالدفء في روث الحمير..

شاب2: (غاضبا) ما هذا الذي تقوله.. لالا تعلم أنه لا يحق لنا دخول الاسطبل في الليل، لا يريد السيّد أن يشارك أحد حميره بالمكان.

شاب1: الحمير تنعم بالدفء ونحن هنا نتجمّد..

شاب2: أمر فرض علينا وليس بأيدينا شيء نعمله..

شاب1: (منتفضا) يفرضون علينا البقاء في الصقيع بينما حميرهم تنعم بالدفء والراحة!

شاب2: (ساخرا) لنا الراحة الأبدية.. ألا تكفيك الراحة الأبدية؟

شاب1: ومن قال لك أننا سنحصل عليها، حمير السيد هنا هي هي هناك، لا فرق ما دمنا صامتين.

شاب2: اطمئن يا أخي، عند أول خيط للشمس سيأتي الحاجب وسنتوسل به أن يقنع السيد بشراء مدفأة لنا، أكيد سيقتنع اذا توسلنا به ورأى حالنا ستتحرك فيه بوصلة الإنسانية..

شاب1: أي بوصلة تتحدث عنها وأيّ إنسانية.. هل تحتاج انسانيته أن نشكو حالنا له وهو يرى ما بنا من عذاب بأم عينه؟ نحن في نظرهم ليس سوى أرقام يستبدلوننا متى شاءوا..

شاب2: ليس لدينا حل غير هذا.. ألديك حلّ آخر؟

شاب1: أن ندخل للإسطبل، نتوسل بالحمير ربما يشعرون بألمنا، ويستقبلوننا برحابة صدر، خير من أن نتوسل بذلك الحاجب الزنديق. (وهو يشير الى جهة نافذة قصر السيد) هل ترى غرفهم الحمراء تلك، انظر الى تلك النافذة، لا أعرف ما الذي يفعلونه الآن لكنهم بالتأكيد ينعمون بنوم مطمئن ومريح.

شاب2: هل تحسدهم على عيشهم ونعمتهم؟

شاب1: بل أندب حظّنا الذي قذف بنا الى هذا المكان (يشير الى ذات النافذة) انظر، هل ترى ذاك الذي خلف النافذة.. رجل يراقبنا!

شاب2: (ينظر معه) ذاك هو الحاجب، عرفته، ظلّ كرشه يملأ مساحة ستارة النافذة.

شاب1: أنه يراقبنا..

شاب2: يراقب الاسطبل.. ويراقبنا أيضا لهذا منعتك من اشعال النار.

شاب1: وما الذي يضيره لو اشعلنا ناراً نتدفأ بها.. ألم يشعلوا هم ناراً في صدورنا!

شاب2: ارجوك، دعك عن التفلسف.. لغتك هذه هم لا يعرفونها..

شاب1: ابتلينا بهم..

شاب2: لا يهم، ولا يعنينا أمرهم ما دمنا نعيش يومنا..

شاب1: (غاضبا) وهل تسمّي ما نحن فيه من حال عيشاً…؟ ألا ترى أن تلك الحمير تعيش أفضل منا، نطعمها من أفضل الحشائش، ونسقيها ماء عذبا، بينما يطعموننا بما بقي منهم..

شاب2: يبدو أنك ترغب في أن تودي بجلودنا الى الدباغ..

شاب1: بتّ لا أعرف نفسي، فجميع من هم حولي يبهرونني بتصنّعهم، لا أرى فيهم الا أشباحاً تتلوّن وفقا للمكان.

شاب2: اخفض من صوتك، فصوت الليل مسموع!

شاب1: ليسمعني من يريد، صرت كمن ينفخ في علبة فارغة، ابحث عن نفسي في هشيم روحي.

شاب2: (يصفق برفق) صرت فيلسوفا.. احسنت.. أحسنت (وهو يهز رأسه) لا أعرف كيف ستكون نهايتك..

شاب1: بل قل كيف ستكون نهايتنا.. مهما حاولت أن تتنصّل منّا لن يصدقوك، ومهما تقرّبت منهم لن يرونك الا محراثاً في مرجلهم.

شاب2: لا أعرف من أين جئت بكل هذا اليأس.. يا أخي، تفاءل بالخير تجده!

شاب1: أي خير تتحدث عنه؟ تزكم أنفك رائحة الحمير وأنت تتفاءل بالخير.. (يهدأ قليلا) أنا لا ألومك أبدا، فقد جبلنا على أن نكون أتباعا، علّمونا أن من يتزوّج أمّنا يصبح عمّاً لنا، وان اليد التي لا نستطيع ليّها نقبّلها وجها وقفا. وأننا لا يمكن أن نتخلّص مما نحن فيه، وكأن القدر قد أوقعنا في حبائل المكر والخديعة.

شاب2: لديهم كل شيء، السلطة والمال، قل لي بربك، ما الذي لدينا نحن؟ لسنا سوى قوم لا حول لنا ولا قوة، نعيش يومنا، وما دمنا نحصل على قوت يومنا فغدا الله كريم!

شاب1: هذا ما أوقعنا في الفخ!

شاب2: الفخ هو نحن، نضعه في أقدامنا ونندب حظّنا، نجلد أنفسنا واهمين أن ذلك سيخلصنا منهم.

شاب1: ان لم يعجبك العمل هنا والمكان ارحل! لم يجبرك أحد على أن تتحمل..

شاب2: تقصد أن أهرب!

شاب1: مثلك مثل كثيرين، لم يعجبهم الوضع فغادروا.. افعل أنت ما فعلوه، ربما تهدأ روحك، وتستقر حياتك.

شاب2: لن تهدأ روحي، وتستقر حياتي ما دامت حمير مالطا تفسد ما نحلم به، أنا واحد من ملايين يتوقون لعيش كريم، ومكان نظيف، يكفي أننا تجرّعنا المر بوجودهم، ودفعنا ما لم يدفعه الكون من الأنفس.. الم تسمع أنين البيوت، وصراخ الأمهات؟ ألم تر الشوارع البائسة، والأطفال الذين يملؤونها؟ ألم تر المقابر التي امتلأت بها أرضنا؟ ألم تر البيوت الخاوية الخالية من أبنائها؟ أترى بعد كل هذا الخراب أن روحي ستهدأ، وأن حياتي ستستقر…؟

شاب1: (صامتا)

شاب2: ابق هكذا، صامتا، حائرا، ولا تكن مثل أولئك الذين يبحثون عما يملأ بطونهم ليوم واحد وغدا الله كريم!

أصوات من الخارج تردد: الله كريم.. الله كريم.

شاب2: كلنا نقول الله كريم، لكن الله ينتظر منا عملا.

(اظلام- ستار)

البصرة

الأربعاء 29-12-2021/ 25-2-2022

Share: