مصائب قوم …… فوائد

في كل زمان ومكان ثمة خير وشر، وهناك ضار ومضرور، وضحية وجلاد، وملائكة وشياطين.. وما الى ذلك من طرفي معادلة الدنيا ومتضاداتها..
على الدول كما على الأفراد يمكن تطبيق هذه المعادلة، هناك دولة معتدية وأخرى معتد عليها، دولة تصاب بوباء أو كارثة وأخرى يمطر عليها الخير من كل اتجاه..
هناك شعوب تجوع ، وحكام يمتصّون دماء شعوبهم، وهكذا…
هكذا تسير الحياة وفق معيار مصائب قوم عند قوم فوائد!
حديث الناس:
في السبعينيات من القرن الماضي قرأت قصيدة للسياب عنوانها (حفار القبور) ذلك الرجل الذي يتمنى موت أحدهم من أجل ان يتمتع بالعيش هو!.. ورغم أن القصيدة انتهت بمأساوية ووضعت حفار القبور عند الأمر الواقع حين جيء بجثمان المرأة التي كان يعاشرها !! لقد كانت مصائب الناس بالنسبة لهذا الرجل رزقاً له ( سأموت من ظمأ وجوع ان لم يمت بعض الأنام!!).. مثل هذا الرجل كثيرون ممن يعتبرون مصائب الناس فائدة لهم!
جمعنا حديث مع بعضهم ، ولضرورة صحفية طرحت هذا الموضوع فاستمعت لأحاديثهم.
(الحاج كاظم حسن- أبو سامر) قال:
(ليس أكبر من مصيبتنا في العراق، فما جرى في العراق أصاب الناس جميعاً ، بالضرر ونحن نتذكّر أيام الحصار رغم ظروفه الصعبة والقاسية على العائلة العراقية الا ان بعضهم كان يتمنى ان يستمر الحصار الى ابد الآبدين ! ولو كان قد لحقه ضرر منه لما تمنّى ذلك.. واليوم أيضاً يتمنى بعضهم استمرار الوضع الأمني غير المستقر لحاجة في نفس يعقوب!!)
*ولكن أهل العراق جميعهم تضرروا من هذا الوضع؟
– ليس جميعهم، صدّقني، هناك من لم يشبع بعد من المال الحرام!
* المال الحرام لا يدوم أبداً ؟
– هناك شواهد كثيرة على انه قد دام لهم! لقد قاموا بتبييض أموالهم وصارت عقارات ومحال تجارية وسيارات..
قلت له ضاحكاً:
* أتحسدهم يا حاج على ذلك؟
– لا بل حانق.. المصيبة أنهم صاروا قدوة للشباب وفي غياب القانون وعدم مساءلتهم عن تلك الأموال راح بعض الشباب ينتظر الفرصة ليقوموا بما قام به أولئك من فعل.. هل تابعت الدولة أموالها التي سرقت من المصارف والبنوك والدوائر المهمة؟ وهل سألت عن السيارات التي ذابت من الدوائر؟ بعضهم يقول أنها أموال النظام السابق.. يا للغرابة!! أي نظام هذا؟ أنها أموال عامة يعني أموال الشعب!
لا تعليق لدينا على كلام الحاج أكثر مما قاله رجل آخر عاش مثل كل العراقيين سنوات الألم والضيم وطالب أبناء العشائر الأصلاء ان يكونوا في مستوى المسؤولية..
ان الوطنية ليست جنسية او هوية نحملها في جيوبنا قدر ما هي روح في داخلنا تمدنا بالعزم والإصرار على خدمة التراب الذي ننتمي إليه..
قال رجل:
– مصائب قوم مهما كبرت لا تضر الا أصحابها ولا يؤلم الجرح الا من به ألم!! هذه هي الحياة ورحم الله أيام زمان حين كان الجار يشعر بما يؤلم جاره.. لقد وصل الأمر ببعض المناطق الا يعرف الجار حتى اسم جاره وقد أوصانا الرسول بالجار عبر أحاديث معروفة ومنها (جارك ثم جارك ثم أخاك).. لقد أصاب التفكك مجتمعنا وأصبحنا لا نعرف الا جيوبنا ومصالحنا اما الآخر فذاك لا يعنينا أبداً! هذه هي الكارثة التي ما بعدها كارثة.. من السهولة إعادة بناء المباني التي دمرتها الحرب ولكن من يستطيع ان يعيد بناء الإنسان؟
استمرت الأحاديث وتشعبت ولأن في كل مكان ثمة قبول ورفض، رفض بعض الجالسين معنا أجزاءً من الحديث لكن الجميع اتفقوا على ضرورة ان يتآزر العراقيون من أجل إخراج كل الشوائب التي دخلت مجتمعنا من (مجاهدين) عرب وبالات دول الجوار!!
· مَنْ يحصدُ ثمارَ مصيبتِنا:
في منطقة أخرى جرّنا الحديث عن مستقبل الوطن وما آلت إليه البلاد وسط غياب الأمن، والمفخخات التي ملأت الشوارع في فترة حرجة من تاريخ العراق.. مَنْ يا ترى يحصد ثمار مصيبتنا؟
(حسين علي -30 عاماً) قال: هناك كثيرون ممن يحصدون الثمار بينما نحن نموت ونتألم في هذا الزمن الصعب، كثيرون، دول وأفراد، أصدقاء وأشقاء، ولا نريد ان نذكر الأعداء فأولئك بالتأكيد يحصدون ثمار مصيبتنا!! وللأسف الشديد ان هناك ممن (يراويك) حنطة ويبيعك شعيراً!!، يتحدثون في إعلامهم عن تآزرهم مع الشعب العراقي الصابر والوقوف معه في هذه المحنة التي من الممكن أن تصيب غيرنا، ولكن في حقيقة الأمر هناك فعل ستظهره الأيام ونراه مثلما نرى اليوم الخناجر وهي تطعن هذا الوطن في الظهر..
*ولكن لماذا؟
– غيرة وحسد عيشة!!
* ولماذا الغيرة والشعب العراقي لم يعش كما يعيش الآخرون؟
– حسد للثروات التي لم تطالها يداه، وحسد للموقع المتميز الذي وهبه الله لهذا البلد ولكن الإنسان عبث وتولّى وتسلّط..
* والمستقبل؟
– اعتقد انه سيكون أفضل من اليوم خاصة إذا استمسك أبناء الشعب بهذا التراب العزيز.
* والآخرون؟
– ليموتوا بغيضهم!!
هذا الحوار سجّلناه بلا رتوش وهو حوار يمكن ان تجده يدور في كل مكان بين اثنين او أكثر فكل ما يشغل الناس اليوم هو البلد المكلوم والغريب ان الجميع يشعرون بان هذا البلد قد تحمّل كثير من الآلام ولكن لا احد يعمل من أجل إنقاذه!
· آخر المطاف:
مصيبتنا تبقى في أنفسنا، وهو ما يجعل الآخرين إلى التمنّي في أن يستمر الأمر الى ما لانهاية، ونقصد بالآخرين أولئك الذين استفادوا من الوضع المتدهور للبلد الذي قُتِل مرتين، في سلطتي البطش والاحتلال..وما علينا نحن الذين لا حول لنا ولا قوة الا ان نتمسك بعادات وتقاليد آبائنا وأجدادنا في إكرام الإنسان واحترام الرأي الآخر دون ان ننتظر الفرصة للأنقضاض على ما بقي في هذا البلد من خيرات، علينا ان نبدأ من جديد بعيداً عن العنف والتنكيل والثارات والتصفيات الجسدية التي لا تخدم الا أعداء البلاد وليكن في علم الجميع ان الذئاب ما زالت خارج الحدود وداخله تنتهز فرصة موت هذا البلد لتتقاسم الثروة التي سال من اجلها لعاب من في قلوبهم مرض. 

الحوار المتمدن-العدد: 1396 – 2005 / 12 / 11

Share: