دمقرطة العنف

كثر الحديث عن الإرهاب الدولي بتكاثر الأعمال الإجرامية التي توصف بالإرهابية في بلدان العالم المختلفة فتكاد لا تخلو دولة منها ومثلما كان أهلنا يقولون لا شماتة في الموت نستطيع ان نقول نحن لا شماتة في الإرهاب فكل بلد مبتل به سواء كانت تلك الدولة ذات نظام ديمقراطي او ديكتاتوري.. المهم ان اميبيا الإرهاب قد وصلت باقدامها الى كل بقاع الدنيا وكأن العالم قد جبل على العنف بعد حادثة قابيل وهابيل التي تعتبر اول جريمة كونية في الحياة البشرية.. المهم انه صار للعنف آيديولوجيا، وصار للإرهاب مناصرين وصار للقتل أتباع وللبطش مريدين.. هذا ما تقوله احداث العالم والبيانات التي تنشرها مختلف الآيديولوجيات.. ولكي تدق أميركا ناقوس الخطر المحدق بالإنسانية أعتبرت يوم الحادي عشر من أيلول هو خط الشروع للإرهاب وقدمت من أجله دراسات وبحوث واجتمعت من اجله شعوب وامم وقبائل! ولكن في تقديراتنا لم يكن ذاك اليوم هو بداية لعهد الإرهاب الدولي انما سبقته بمئات السنين إن لم نقل بآلافها عمليات إرهابية أودت بحياة ابرياء كثر وقد إحتار ساسة العالم بوضع تعريف للإرهاب حتى أختلطت عليهم الأوراق فصار التعريف حسب النظرية الأميركية يشمل الفئات التي تتقاطع آيديولوجياتها مع الأفكار الأميركية في العولمة والهيمنة وتنكيل الشعوب وهم ارادوا ان يخلطوا تلك الأوراق بحيث ان الحركات التي تدافع عن شعوبها يبصمونها بالإرهاب مثلما حدث لحركة حزب الله في جنوب لبنان أو حركة حماس في فلسطين أو حركات اخرى في بلدان العالم.. ومن الطبيعي ان يكون حكم القوي على الضعيف جارياً ولكن ليس في كل شيء فالشعوب المحبة للسلام والأمن اذا ما وجدت أن امنها وسلامها في مناهضة الإستعمار فستفعل بالطرق السلمية والدبلوماسية والحوار أو اذا استدعى الأمر ولم تنفذ الرغبات ستراها من اشرس الشعوب واعنفها وعندها يمكن أن نسمي افعالها وتحركاتها نضالاً وجهاداً ولكن هل يمكن ان نطلق على ما يجري في العراق نضالاً وجهاداً؟ قد نستطيع ان نجد الإجابة اذا ما قرأنا ما يحدث في العراق وما هي الجهات المناوئة للإحتلال وما هي دوافعها ودوافع مموليها وكيف تدرّج عملها في مقارعة الأحتلال وهل بدأت بممارسة الطرق السلمية واتجهت للحوار والإستماع للرأي الآخر أم انها صمّت آذانها وارتبطت بهذا الطرف او ذاك وبدأت بتقتيل الأبرياء من الأمة العراقية؟ هذه الأسئلة يمكن ان تدلنا على ما نبغي فليس من المعقول أن نسمي ما يفعله الزرقاويون وغيرهم من اعمال تبطش بالمدنيين ورجال الجيش والشرطة العراقيين جهاداً خاصة بعد ان عرضت شبكات الإعلام اعترافات لمنفذي تلك الأعمال كشفت عن ممارسات لااخلاقية في التسليب والإغتصاب، فهل نسمي عمليات الإغتصاب جهاداً؟ وهل نستمع لتلك الدعوات (الديمقراطية) التي تدعو الى قبول العنف تحت مسميات آخرى ليس آخرها الديمقراطية؟ وهناك مسألة أخرى تتعلق بالأعمال الإرهابية ومدى انطباقها على فعل الإرهاب فالذي تفعله قوات الإحتلال في العراق من قتل عشوائي طال المدنيين هل يمكن ان نضعه تحت اسم الإرهاب ام أن هذا لا يدخل في قاموسهم الذي صنفوه بأنفسهم؟
يمكننا الآن ان نعرّف الإرهاب بأنه كل عمل يستهدف حياة الأبرياء من المدنيين العزل من قتل وبطش وترهيب وتهجير ونفي وتهديم منازل وقصف مناطق آمنة، وهذا ينطبق انطباقاً كبيراً على ما حدث في العراق أبان أيام الإحتلال حينما قصفت الطائرات الأميركية والبريطانية مواقعها وجميعها داخل المدن بالصواريخ الحاملة لليورانيوم المنضب وهذا ما كشفته الأخبار الواردة الينا من بغداد في الأسبوع الماضي في اكتشاف عجلة في احدى مناطق بغداد وقد اصيبت بقذيفة من طائرة وتشير بقايا الحطام انها ملوثة باليورانيوم المنضب.. اليست هذه جريمة تتجاوز فعل الإرهاب؟ واذا كانوا قد اكتفوا بتقرير ميليس للتحقيق في جريمة اغتيال الشهيد الحريري ألا يحق للعراقيين ان يطالبوا بالتحقيق في قتل آلاف الأبرياء سواء من كانوا في بيوتهم أو في سجون الإحتلال، ثم الا يحق لنا ان نتساءل ما الذي حدث بعد التحقيقات التي أجريت بشأن جرائم سجن ابو غريب وهل عوّض الضحايا مادياً ومعنوياً؟
اسئلة كثيرة، آن الأوان للإجابة عليها. 

الحوار المتمدن-العدد: 1414 – 2005 / 12 / 29

Share: