أليس لدمنا حق عليكم

كان مدير مدرستنا الابتدائية في ايام الخميس، وفي رفعة العلم، يردد علينا بيت شعر واحد، كثرما رددناه معه دون أن نعي معناه، بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان، حتى صار هذا البيت يلازمنا في الشارع والبيت، دوّخنا به أهلنا، وجيراننا، وبائع (الكماتيل) وأم (اللبلبي) و..و..و.. وحين كبرنا شهدنا معارك اكتوبر1973 بعدما سمعنا بهزيمة حزيران 1967، كان وجه العرب يشكل في داخلنا حافزاً على مقاومة الاحتلال الاسرائيلي، وكانت التبرعات لدعم العمل الفدائي يطال أفقرنا، حتى يصل الأمر باستدانة مبلغ التبرع من أجل المساهمة بتحرير القدس، وحين زار الرئيس السادات (رحمه الله) اسرائيل في خطوة لم يجروء أي رئيس عربي على القيام بها بغض النظر عن مبررات الزيارة والدوافع وحماية الاقتصاد المصري وما الى ذلك من كلام كان يدور آنذاك، اصابتنا الخيبة واعتبرنا زيارة السادات صفعة لكل روح للمقاومة والعمل الفدائي.. وبقيت فلسطين تدور في مخيلتنا لا بل كانت كل حركات التحرر تحركنا، وكان رموزها دافعاً للنصر، غاندي، جيفارا، كاسترو.. بحثنا عن ذواتنا في كتب ماركس وأنجلز ولينين، وقرأنا لسارتر، ورددنا قصائد الجواهري والسياب وبلند الحيدري ومحمود درويش وسميح القاسم وفدوى طوقان وقباني.. كل ذلك لم يخرجنا من معمعة التشظي، فمرة تمتد انظارنا الى العالم الذي يسمونه الثالث، وأخرى تشرئب نحو أرض العرب.. صور ومشاهد لمآسٍ كثيرة.. وحين أدلهمت سماء العراق بسنوات القهر لم نجد أحداً معنا، ثلاثون عاماً ونيف بين قتل وتشريد لم نسمع خلالها الا ما يشعل النار بأهلنا في مدن العراق.. وما زلنا نبحث عمن يمد يد الخير لإيقاف نزيفنا اليومي، ومع جل تقديرنا لموقف العرب إزاء حرب لبنان الأخيرة نقف مندهشين وسؤال واحد (نبلعه) على مضض: ماذا لو وقفوا معنا بالصورة التي يقف العرب اليوم مع الاشقاء في لبنان..؟ ماذا لو أوقفوا النفخ على النار الطائفية التي تكاد تشتعل فينا؟ 
لا نريد أن نستجدي التضامن العربي فهذا قد نسيناه، نحن فقراء الأمة العراقية، منذ زمن بعيد، ومنذ تلك القمم الفاشلة التي يحلو لبعضنا ان نردد مع انتهاء كل قمة: (اتفق الزعماء العرب على أن لا يتفقوا!) حتى تيقنا حقاً أن خيبتنا بزعمائنا، قدرنا أن نطوي أمجاد أجدادنا العظام التي ذكرها التاريخ القديم ونضعها تحت عجيزاتنا، ونحلم بأمة تجمعنا.. 
غريب أن يتضامن الجميع مع لبنان في وقت ما زال بعضهم يشكك بشرعية حكومتنا، وبرلماننا (هذا لا يعني أننا لا نتألم لضحايا الحرب في لبنان ولا نتضامن معه).. وغريب حقاً أن يطلقوا في وسائل اعلامهم ما يمكن أن يدسّ السم في أفواهنا.. منذ حرب لبنان غاب العراق عن نشراتهم الاخبارية رغم أنه ف كل يوم يسقط نا عشرات الشهداء من المدنيين الآمنين.. أليس لدمنا العراقي الطاهر الشريف عليكم حق ايها (الاشقاء) العرب؟ 
تحية لجنوب لبنان الصامد.. وتحية للعراق الكبير بأبنائه وصبره 

الحوار المتمدن-العدد: 1644 – 2006 / 8 / 16

Share: