تجربتي في المسرح

في مدينتي الجنوبية، الفاو، الواقعة في الجنوب العراقي، خلال سنوات صباي لم يكن المسرح ماثلا للناس مثله مثل السينما فقد كانت هناك صالتان للعرض المسرحي الأولى تابعة لشركة نفط البصرة BBC والثانية لمصلحة الموانيء العراقية، وكنت حينها ارافق شقيقي الذي يعمل في شركة النفط لمشاهدة بعض العروض السينمائية. لكن فكرة المسرح جاءتني بعد سنوات دراستي في السنتين الأخيرتين من الابتدائية حيث كنت اتصفح بعض المجلات التي يأتينا بها احد أقاربي ويكاد ان يكون هو الوحيد الذي يمتلك تلك الموهبة، موهبة جمع الصحف والمجلات، في تلك المجلات قرأت شيئا عن المسرح واعجبت بفكرة ان يجسد المرء شخصية ليقدمها للناس لهذا اقنعت بعض الأصدقاء في زقاقنا الشعبي بمنطقة تسمى (الجبيلة) ان نبني دكة مستطيلة نقدم عليها بعض العروض الشبيهة بالمسرح وبالفعل استطعنا ان نحمل بايدينا الغضة الطين من نهر الجبيلة الذي يفصل حوز بن ضبط عن الجبيلة (الحوز اسم يطلق على المنطقة المحصورة بين نهرين والكلمة جاءت من الحيازة) وخلال فترة ثلاثة أيام او اكثر استطعنا ان نبني الدكة التي صارت مسرحا صغيرا بمحاذاة حائط بيتنا في الوقت الذي كان ينظر لنا الاخرون من عامة الناس ان ما نقوم به مجرد ألعاب صبيانية..انتظرنا المسرح الطيني أسبوعا او اكثر حتى يجف ويكون صلبا وبالفعل تم لنا ذلك ورحت مع زملائي نقدم عروضا ارتجالية من واقع الحياة، كل واحد منا يجسد شخصية معروفة في المنطقة وبشيء من الكوميديا وكانت شخصية المجنون تأخذ منا حيزا كبيرا من العمل والفكاهة، كنت حينذاك كاتبا وممثلا ومخرجا، ارسم لهم الشخصيات واحركها كان ذلك في النصف الأول من الستينيات (تقريبا عام 1963) بعد ذلك كونت فرقة غنائية نقدم بعض الأغنيات المعروفة آنذاك..

في دراستي المتوسطة توسعت مداركي باتجاه المسرح وصرت ابحث عن مسرحيات فقرأت لشكسبير والنرويجي هنريك إبسن والامريكي آرثر ميللر وغيرهم، تأثرت بمسرحية بيت الدمية لابسن لانها تحمل هما إنسانيا وبحثا عن الذات مثلما تأثرت بهاملت لشكسبير لكننا لم نقدم شخصياتها لانشغالنا بالدراسة.

كانت أولى تجاربي المسرحية التي وضعتني على خارطة المسرح هي كتابتي لمسرحية (لم أتذكر عنوانها) اخرجها الفنان جبار قاسم في أواخر السبعينيات ومن ثم كتبت مسرحية دم العاشق عام 1982 قدمت في بهو الإدارة المحلية اخرجها المخرج الراحل محمد البياتي وكنت ممثلا فيها أيضا ومن ثم كتبت مسرحية سالفة عرس قدمت عام 1987 في مسرح التربية اخرجها الفنان المرحوم جاسم الصكر وكنت ممثلا فيها أيضا ومسرحية على حس الطبل في بداية التسعينيات اخرجها الدكتور حميد صابر وكانت كل تلك التجارب هي من المسرح الشعبي حتى كتبت مسرحية مونودراما قيد دار اخرجها الدكتور حميد صابر ومثلها الدكتور مجيد حميد في مهرجان المونودراما الخامس ببغداد وتلك المسرحيتان فتحت لي الأفق بالقراءة والاطلاع على تجارب الاخرين وتوقفت عند اسم الكاتب المسرحي الراحل سعد الله ونوس وقد تأثرت به ويعتبر الكاتب الذي وجدت نفسي فيه، حيث كتبت مسرحية كاروك لمهرجان المسرح العراقي قدمت في مسرح الرشيد عام 2000 اخرجها الدكتور حميد صابر وقدمتها كلية الفنون الجميلة بالبصرة. أخذت مسرحية كاروك اهتماما كبيرا من قبل النقاد ودارسي المسرح وترجمت الى الإنجليزية ضمن كتاب ضم عددا من الزملاء بعنوان المسرح العراقي المعاصر ترجمها الدكتور كامل الازرقي لجامعة تورنتو بكندا.

خلال مسيرتي التي امتدت لأكثر من أربعين عاما قدمت لي مسرحيات كثيرة في العراق وفي بعض البلاد العربية وحصلت على جوائز وشهادات عديدة وشاركت ضمن لجان التحكيم للمهرجانات المسرحية العراقية والعربية اخرج لي عدد من المخرجين المهمين اذكر منهم الدكتور حميد صابر والدكتور عبد الكريم عبود والدكتور حازم عبد المجيد وغيرهم واختيرت مسرحياتي عروض تطبيقية لطلبة كلية الفنون الجميلة كما قدمت تجربتي المسرحية للدراسات العليا/الماجستير.

بعد هذا العمر ما زلت ابحث عن المسرحية التي اجد فيها ذاتي فكل الذي قدمته اعتبره تجارب للبحث عن الذات والألم الذي يجمعنا.

Share: