برج الشيطان

الشخوص:

الرجل

الشاب

الخطيبة

في مكان منزو ، غرفة في الطابق الاعلى من احد البيوت، الرجل بلحيته الكثة يقف الى جواره شاب في مقتبل العمر..

الرجل: أنت مفخرة الأمة، لولا حب الله لك لما اخترناك لهذا العمل الجهادي..

الشاب: ألا توجد طريقة أخرى غير هذه..؟

الرجل: الرجال الاشداء لا يصلحون الا للشدائد… ألم تقرأ على قدر أهل العزم تأتي العزائم..؟

الشاب: لكنني سأموت..!

الرجل: بل قل ستحيا، حياة لم يحييها أحد الا الرسل والشهداء والصالحين من هذه الأمة…

الشاب: أين….؟

الرجل: (يشير الى السماء) هناك، مقامك محفوظ عند رب كريم…

الشاب: ألا نؤجل المهمة ما بعد زواجي، لم يبق عليه سوى يومين.. الخميس المقبل هو زواجي يا شيخ…

الرجل: سنحظى بالاطهر والأجمل والأنقى، حور عين لم تمسسها يد..

الشاب: والمرأة التي انتظرتني طوال تلك السنوات.. وتجملت كثيرا من أجل أن أقنع أهلها للزواج مني….

الرجل: طبعا ستفخر بك وبفعلك الجهادي وستحدث الأخريات عنك وعن تقواك وبطولتك.. الدنيا يا ولدي قد ملئت جورا وبهتانا ومنكرات..

الشاب: ألا توجد طريقة أخرى لتطهيرها من الرجس كما تقول غير هذه الطريقة…؟ ان فعلت سيموت من هو أكثر ايمانا بالله مني…

الرجل: سيكون شهيدا هذا الذي يموت خطأ وفي قلبه الايمان، مثلك تماما.. اسمع يا ولدي مذ اخترناك للجهاد كنا نهيأك لهذا اليوم، نحن – معشر المصلحين في الأرض-  يد الله فيها، ان اعوج فرع في الأرض قطعناه…

الشاب: ألا نستطيع ان نصلحه بغير لغة الموت والدم…؟

الرجل: أراك تميل لأضعف الإيمان، اسمع يا ولدي، لا يمكننا ان نوعظ ذئبا…

الشاب: لا بد هناك من يسمع…

الرجل: (غاضبا) لا صوت هنا الا صوت الموت، اياك والضعف فهو البداية لطريق الكفر… (يشير اليه بأصبعه) والآن، هيئ نفسك لتلقين المرتدين درسا في الجهاد ..

(الرجل يترك الشاب)

الشاب: (يتلمس الحزام الناسف الذي شد صدره) (صوت ضحكات لخطيبته من الجانب الآخر، الشاب يلتفت حيث الصوت، بقعة ضوء على الخطيبة)

الخطيبة: اصبر، لم يبق الا اسبوع، الا تقدر…؟

الشاب: كم هو طويل هذا الاسبوع…

الخطيبة: (تعد على اصابعها) اليوم الجمعة، وغدا السبت وبعده الأحد ثم الاثنين والثلاثاء والأربعاء وبعد ذلك يأتي الخميس، ألم أقل لك ان الخميس قاب قوسين منا..

الشاب: اخشى ان لا أدرك الخميس….

الخطيبة: اسم الله عليك، أمامنا سنوات مليئة بالحب والسعادة، دع عنك تلك الافكار التي لا تسر…. والآن ألا تشعر بالجوع أم أنك تريد أن تفلت مني كعادتك…

الشاب: (مبتسما) ما دمت معي لا اشعر بالجوع أبدا..

الخطيبة: طريقة أخرى للهروب من الدفع…

الشاب: كل عمري أدفعه لك..

الخطيبة: (ضاحكة) تريد أن تطعمني حبا، هيا..هيا.. قم، لا تفسد هذا اليوم…

(الخطيبة تختفي الظلمة، الشاب لوحده)

الشاب: (مع نفسه) أفسد يومك، كيف ولم يبق لي الا ساعات ، يا رب أي بلاء هذا، أي طريق تسلكها كي تنجو..؟

( الرجل من الجانب الآخر يظهر في العتمة)

الرجل: اختر سوقا مزدحمة ، واطلق روحك وسط الاجساد، كلما كثر القتلى كنت الأقرب الى الله…

الشاب: أقرب الى من….؟! الى الله….؟ كيف أكون قريبا منه وأنا اقتل الناس بالجملة…

الرجل: قال تعالى في كتابه الكريم واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل…..

الشاب: (مقاطعا) هذا للاعداء..

الرجل: هم اعداؤك…

الشاب: اطفال ونساء اعدائي..؟

الرجل: النساء يدفعن ازواجهن وابناءهن ليقوضوا جهادنا..

الشاب: ما ذنب الاطفال اذن….

الرجل: اذا ما مات طفل حرقنا بموته قلوب المرتدين والكفرة…

(يختفي الرجل في الظلام بينما تسمع اصوات كركرات لاطفال وتظهر الخطيبة)

الخطيبة: (ضاحكة) دزينة أطفال…؟ هذا جنون.. من قال لك اننا بحاجة الى فريق كرة قدم…؟

الشاب: احتاجهم لأشد بهم أزري …

الخطيبة: لست بحاجة الى هذا العدد، يكفينا ثلاثة أو قل أربعة كحد اقصى وبعدها نغلق باب الانجاب….

الشاب: اقنعي امي اذن…

الخطيبة: الامر لا يعنيها…

الشاب: هي تقول، اكثروا من الاولاد كي ينجو واحد منهم ان استعر التنور..

الخطيبة: أي تنور هذا الذي يأكل الأولاد..

الشاب: تنور أكل منها اثنين بينما نجوت أنا..

الخطيبة: لكن التنور خمدت ناره، وبرد رماده ايضا..

الشاب: النار في صدر امي لم تخمد، ما زالت تأكل ايامها ولياليها، هي تقول خرج المحتلون الامريكان بعدما اخذوا روحيهما، كل صباح تقف امي قبالة صورهم، تقول لهم، صبحكم الله بالخير، تعد لهم الفطور، تضعه على المنضدة، تأتيهم بالخبز الحار، هما يحبان الخبز الحار مع القيمر، تصيح بهما، تعالا يا نبض قلبي، فطوركما جاهز.. تجلس امي امام جماد صورتيهما، تنتظر، اقول لها امي كفاك انتظارا لقد رحلا ولن يعودا ابدا، تصرخ بي، سيعودان، والله سيعودان، بالعباس ابو الراس الحار سيعودان، نذر علي ان عادا اوزع خبزا ولحما طريا… مذ رحلا وهي تترك الابواب مشرعة في الليل والنهار..

الخطيبة: يا لظيم امهاتنا وعذاباتهن، لطمن الخدود ومزقن الجيوب بانتظار الغائبين، يأكلهن العوز والفاقة،صلاتهن دموع ودعائهن بكاء…

الشاب: (مستغربا) أنت تقولين هذا…؟ غريب ما اسمعه منك..

الخطيبة: لست كما تظن، كل شيء هنا يتلظى، كل لم ينجو بيت من يد الموت، كثيرون غابوا… وهناك من ينتظر..

(تختفي الخطيبة في العتمة بينما من الجانب الاخر يظهر الرجل)

الرجل: اياك ان تنتظر، نفذ امر الله بهم، اولئك الذين ارتضوا الذل لانفسهم…

الشاب: (يلتفت حيث جهة الرجل) وهل سبرضى عني….؟

الرجل: رضاء تام هو رضا الله عنك وعن المجاهدين ما دمت تطفئ بؤر الفساد في ارضه…اسمع يا ولدي الطريق الى الجنة سالك لك ولاخوتك المجاهدين، هناك في العليين يستقبلك الانبياء والمرسلون والشهداء، ستتمتع بالجنة، بكل ما فيها، ثمارها وحور عينها، الدنيا يا ودي دار فناء والاخرة خير لك من الاولى….

الشاب: نحن الفانين بها…

الرجل: بل نحن المصلحين…

الشاب: بالكلمة الطيبة يمكن ان نصلح ما فسد لا بالموت…

الرجل: ان عظم الفساد لا تصلحه الا هذه الطريقة..

الشاب: في كل مكان ثمة عهر وفضيلة، الخير والشر في كل زمان يا شيخنا..

الرجل: قلب المؤمن لا يرحم الفاسقين..

الشاب: قلبه مليء بالرحمة والعفو….

الرجل: تكاد تنزلق، عد الى رشدك وامتثل لنداء الله……

(الرجل يختفي بينما تظهر الخطيبة من الجانب الاخر)

الخطيبة: (ضاحكة) عد الى رشدك، اعتقد ان الحب افقدك اتزانك….

الشاب: لكننا مخطوبين..

الخطيبة: قلت لك من قبل لن تنال شيئا قبل الزواج الرسمي.. 

الشاب: لست بحرام علي..

الخطيبة: حرم ادم من الجنة لاستعجاله بقطف الثمرة، (تضحك) لا ترتكب خطأ آخر يا ادم يخرجك من جنتك…

الشاب: الثمار العالية تحتاج لايد طويلة…

الخطيبة: لديك يد اطول من حرب البسوس (تضحك)

الشاب: لكنها لا تصل حيث الثمار….

الخطيبة: (بغنج) ستقطفها، اصبر، جرعة من الصبر تكفيك..

الشاب: جرعة من القلق تأكل رأسي…

الخطيبة:  اعرف كل ما يدور في رأسك، الرجل الشرقي رأسه مكشوف….

الشاب: والمرأة الشرقية..؟

الخطيبة: بئر من الاسرار لا احد قادر ان يدنو منه…..

(الخطيبة تختفي في العتمة بينما يظهر الرجل)

الرجل: اياك والبوح بسرك…

الشاب: ألا تريدني ان اودعها….

الرجل: وداعك لها قد يكشف خطتنا (مستدركا) لكننا قد نسمح لك ان تخرج معها في نزهة لتشبع رغبتك فيها..

الشاب: لماذا أنا…؟

الرجل: لانهم قتلوا شقيقيك..

الشاب: الامريكان قتلوهما..

الرجل: كانوا اداة تنفيذ..

الشاب: قالوا ان قتلهما كان خطأ واعترفوا به..

الرجل: وهل صدقت… أي خطأ هذا الذي ينتزع الروح..؟

الشاب: قد نرتكب نفس الخطأ..

الرجل: لا أخطاء في عملنا، نحن نختار المكان والوقت المناسب..

الشاب: والناس هناك..؟

الرجل: اسئلتك كثرت، لا وقت لديك للبحث عن اجابات لاسئلة فارغة…

الشاب: خلق الله الانسان ليكون خليفته في الارض، يبنيها ويعمرها..

الرجل: ويجتث منها الفساد..

الشاب: أي اسطوانة مشروخة هذه، الفساد….؟ ألا ترى قتل الناس دون ذنب فسادا في الارض..؟

الرجل: أراه نهي عن المنكر..

الشاب: المنكر الذي تراه يراه غيرك معروفا..

الرجل: ليتني لم اخطأ فيك…. واسئلتك تلك ليست تمردا منك وخرجا عن طاعة الله…

الشاب: كان خطأي…

الرجل: الشباب المجاهدون الذين نفذوا عملياتنا قبلك ما كانوا مثلك، كانوا سباقين للجهاد والذود عن الدين.. (بنبرة زاجرة) اسمع يا ولد، هذا الحزام الناسف المشدود في صدرك لن تستطيع خلعه، لا تجعلنا نفجره نحن بك…

الشاب: لن استغرب ما تفعلونه بي، ما سمعته منك من اجابات تجعلني لا اشك بأني كنت مخطئا، شبعت من الزيف ومن الوعود بجنة لا حدود لها وحور عين وانهار خمر تغررون بها الشباب… يا رجل، افعل ما شئت فهذا كاف كي يكفر عن يوم قادتني فيه قدماي لبرج الشيطان هذا….

الرجل: ما كنت ارغب في ان يحدث هذا او اسمع منك هذا.. لكن الله شاء…..

(الرجل يختفي في العتمة بينما تظهر الخطيبة)

الخطيبة: (ضاحكة) قل ان شاء الله، لا نستطيع ان نرد البلاء الا بمشيئته.. قلها.. قل ان شاء الله وسيكون زفافنا زفافا لم تشهده المدينة من قبل…..

(صوت انفجار قوي وسط صراخ واصوات لسيارات الاسعاف)

                           اظلام

                                      البصرة 14 شباط 2012

Share: