(1) |
كلما نفشت ريش طائري الجريح |
تنتابني رغبة للبكاء.. |
أستلّ أيامي من جعبةٍ مزقتها شظايا حروب الأمس، |
أبحث عن يومٍ لا دمعة تلونه ولا ذبول.. |
أستلّها يوماً يوماً، وأمسح ألوانها الباهتة.. |
أشتهيها رغم ما علق فيها من طحالب التيه.. |
أجمعها مثلما يجمع النهر أطيانه.. |
أرتّبها لعنةً لعنة.. |
أحصي خساراتي بها، وألملم بقاياي: |
تلك ضحكة جامدة، |
تلك دمعة مالحة، |
ذاك وجه كم تمنيت أن ألتقيه، |
هذه عثرة ضيّعت كل تفاصيل حياتي، |
هذه لحظة لم تعد لحظة، مزروعة أمامي مثل تمثال قديم.. |
تحمل صمتها ووجوه الذين صادفوها.. |
والذين حملوا معهم أزميل موتهم. |
هذه لحظة حبلى بالأراجيف والأرق.. |
تسألني المحطات عن وجهٍ كنتُ احمله قبلَ هطولِ المطر، |
وقبل اكتشاف خيوط النهار.. |
تسألني المحطات عن كائن اسمه (إنا) |
يحمل ملامح قرن مضى.. |
ما زال منتظراً سعاداته عند شجرة المبتدى.. |
تكسر أنفاسه عيون المارة، ونباح كلاب المدينة.. وصراخ المجانين وهم يلتهمون بكارة الشوارع.. |
أه، كم هي مؤلمة لغة الجنون. |
(2) |
ليس لي غيرك أيها الممتهن دغدغة الحدائق وقطف الياسمين.. |
ليس لي غير ماضيك يحفزني، يشهر في وجهي آخر ورقة (عدم تعرض) مزورة نتحاشى فيها نظرات الانضباط العسكري.. وتنقلنا حيث المدن/الخرائب التي تزينها الجدائل ويقتل فتنتها الدخان.. |
يوم كنا نضع (اليطغات) على الظهور، ولم تك لنا فرصة لرشف قطرة ماء من (زمزمية) صدئة. |
يوم كانت السواتر تغص بالأحلام والكوابيس.. ورسائل نكتبها على ضوء قمرٍ خائفٍ وأصوات الأسلحة الخفيفة.. |
يوم كانت البيوت تزداد ضمورا وعويلا.. وأصدقاؤنا يغيبون دون سابقِ وداع.. |
يوم كان القطار الصاعد إلى بغداد يعج بالبساطيل.. وعرباته الخلفية تملؤها رائحة جثث بلا أسماء.. |
يوم كانت السماء تفتح أبوابها للصاعدين بدمهم، يستقبلهم الله وحور العين.. |
هذا آخر الفتح، انسَ ما ضاع من سويعاتك المجدبة.. |
واخلع عنك بزة القتل، فالرصاصة التي أخطأتك قد تعود إليك. |
(3) |
في غرفةٍ عفنةٍ بفندق من الدرجة العاشرة |
ألقيت كل لياليك وأيامك.. |
ورحت تكتب على صدر الحائط المليء بالحروف ذكرى وصولك.. |
(ذكرى هارب من جحيم الجنوب .. 14 تموز 1983) |
قد يفك طلاسمها تائه مثلك، |
قد تأكلها الأيام لتصبح ثقباً في حائط.. |
تلك ذكراك أيها الهارب من جحيم الجنوب مرتعاً للبصاق.. |
المكان لا يصلح لممارسة عادتك السرية وأنت تحدق في صورة ممثلة اسكتلندية.. |
ترسم حول نهديها دائرة تتركها مفتوحة لأنفاسك، |
تلثم شفتيها بشفتين يابستين.. |
تمرر إصبعيك لتشعر ببرودة الورقة.. |
تنتابك رعشة ليست مثل رعشاتك السابقة يوم كنت نزيل سجن محمد القاسم.. |
هناك كانت أفرشة المشنوقين تذكرك باحلامهم.. |
هم تركوا الاحلام لك، كل الاحلام، وغادروك برقاب ممطوطة! |
اترك تعليقا