من عروض المهرجان المسرحي الاول ضد الارهاب :مسرحية (جعبان).. الذاكرة المفخخة بالألم بقلم: د. محمد حسين حبيب

لان العنوان هو البنية المستقلة التي نبحث عن علاقتها التواصلية ما بين الخطاب المسرحي والتلقي , قبل واثناء وبعد نهاية العرض .. ولان العنوان ( جعبان ) هنا بوصفه المرتكز الدلالي الاول والسلطة القابضة على الاحالات القصدية المتسمة بالتكثيف اللغوي .. نسأل :

لان العنوان هو البنية المستقلة التي نبحث عن علاقتها التواصلية ما بين الخطاب المسرحي والتلقي , قبل واثناء وبعد نهاية العرض .. ولان العنوان ( جعبان ) هنا بوصفه المرتكز الدلالي الاول والسلطة القابضة على الاحالات القصدية المتسمة بالتكثيف اللغوي .. نسأل : لماذا هذا العنوان ؟ او لماذا هذا الاسم وما الذي يعنيه ؟ 
(جعبان) هو اسم علم كان متداولا في بعض مراحل التاريخ العربي وقليل جدا تداوله اليوم الا في بعض مناطق القرى العربية ولقد خلت معاجم اللغة العربية ،بحسب علم كاتب السطور، من تحديد معنى هذا الاسم . لكننا نعتقد ان هذه التسمية جاءت متكونة من كلمتين هما : جوعان , و شبعان .. فتم جمعهما والتلاعب بلفظتيهما لتكون جعبان .. لنجد انفسنا فعلا وبعد اللحظات الاولى لخطاب العرض اننا ازاء صراع درامي ما بين الشخصية القتيلة و الشخصية القاتلة كما ستبين هذه الورقة .. ومن هنا فقد اخذت هذه التشظية كعنوان , ابعادها السوسيولوجية المبنية على ثنائية الضحية والجلاد الدرامية , لا على ثنائية الفقر(الجوعان) والغنى (الشبعان) التقليدية . 

انه العرض الثاني في المهرجان المسرحي العراقي الاول ضد الارهاب على قاعة المسرح الوطني ببغداد : (جعبان) من محافظة البصرة وبالتعاون مع مجموعة من الفنانين , تاليف الشاعر (عبد الكريم العامري ) واخراج ( د. حازم عبد المجيد ) وهو الخائف على وطنه العراق من خفافيش الظلام ولكنه وكادر مسرحيته هنا بكلماتهم وبعقولهم وبعراقيتهم يدافعون ويتصدون بالجمال والفكر لجميع قوى الشر الآتية من كل مكان وبحسب بروكرام العرض نفسه . 
افترض العرض عوالم ثلاثة هيمنت على فضائه السمعيبصري : الاول الفضاء اليومي المعتاد والذي تجسد في مشاهد الاب والام . والثاني الذي جسدته التوابيت الثلاثة بضحاياها بوصفها الدلالة التعبيرية المرمزة لتاريخ من القهر والاستلاب , اما الفضاء الثالث فهو تلك المشاهد المستندة الى لغة الجسد بوصفها مشاهد رقص درامي حاولت التعبير ادائيا عن المسكوت عنه في الملفوظ الحواري لباقي الشخصيات في المسرحية . 

عائلة عراقية مسحوقة مكونة من اب وام ينتظران عدالة السماء والمتمثلة بعودة الابن الغائب الذي شاء القدر له ، ولانه ابن تلك (الخايبة) العراقية , الا ان يرتوي التراب من دمه النقي وعمره الغض .. لكن لماذا هو دون سواه ؟ هكذا احتجت الام وتصدت لخفافيش الموت عبر مشاهد معبرة وواعية تناغمت مع المتن الحكائي العاجل للعرض .. الام هنا هي ذلك الوطن الذي يواجه عدوا مجهولا لاتعلم متى واين وكيف يظهر ولماذا يوجه طعناته القاسية لها ولغيرها .. وهكذا توضأ الاب المنتمي استعدادا لصلاة الحب والموت معا التي تعلمها من تاريخ وطني كبير يمتد الى سنين طوال من الحروب والعنف والاستلاب. 

لقد عمد المخرج الى ايجاد تناغم صوري ودلالي مع مفرداته المنظرية ومبثوثاته السمعية . وكان التناغم نفسه حين جمع بين مشاهد الواقع واليومي مع مشاهد الصورة الجسدية الخلفية والتي لم تسقط التلقي في منطقة التشتت الذهني لمتابعة العرض , فضلا عن اقتصاده بالملحقات المنظرية واهمها كانت تلك الخوذة الحربية التي حوت فضاء العرض والتهمته جماليا بوصفها العلامة الكبرى والمركزية في العرض والتي تضامنت مع جوهر وروح العرض شكلا ومضمونا . 
لقد ايقظ العرض مرارا ذاكرة التلقي الجمعية حين راح يبث عددا من الايقاعات والمؤثرات واناشيد الموت غير البعيدة زمنيا لتجد لها مكانها بيننا وبشكل مستمر وكان هذا الموت المجاني لا يعرف الا هذه البقعة العراقية من الارض .. أسئلة واحتجاجات وتمرد وذاكرة معجونة بالالم .. كل ذلك وغيره بثه لنا العرض وفق ايقاع منضبط ووفق تحولات صورية ومشاهد ادائية حوارية منها وصامتة بعيدا عن لغة الشعارات والانشائيات . 
التمثيل : كان الاداء الاحترافي واضحا مع ممثلين كبيرين مثل الفنان (مجيد عبد الواحد) الذي جود في دوره صوتا وحركة وفعلا داخليا صادقا , وكذا الحال مع الفنانة الكبيرة (ثورة يوسف) والتي تشهد لها خشبات المسرح العراقي ابان سنين طوال ممثلة ومؤدية واعية ومنتمية ومخلصة لفنها المسرح .. ولم يكن الفنان الواعد (محمد قاسم) بعيدا عن تقمصه الصادق لشخصيته الابن .. والصدق الادائي نفسه تمثل لدى الفنانين ( يوسف صلاح الدين وسلام الفرطوسي وحسين الزهيري ) .. وضروري جدا الاشارة الى المهارة الجسدية الراقصة لمجموعة الكروكراف الذين برعوا وادركوا معاني ايماءاتهم ورسموا لنا عبر فضاء العرض لوحات تشكيلية كان لها اثرها البالغ في تفعيل شكل العرض وتحولاته الصورية .

المصدر: جريدة المدى العدد: 3393 بتاريخ 6/22/2015

Share: