عربة موتى | مسرحية
الشخوص:
1- قاطع التذاكر (الموظف)
2- المسافر
3- المرأة
4- مجموعة روبوتات
شباك التذاكر:
الموظف: لم يبق الا قطار الموتى . عليك الأنتظار يومين آخرين
المسافر: انتظرت كثيرا وما سمعت منك غير هذا الكلام
الموظف: لا يهم انتظر
المسافر: مللك الأنتظار
الموظف: (غاضبا) قلت انتظر وكفى
المسافر: متى يأتي القطار الآخر؟
الموظف: ليس قبل يومين
المسافر: انا بحاجة الى مساعدة منك.. ساعدني أرجوك
الموظف: اساعدك؟ كيف
المسافر: احجز لي مقعدا في هذا القطار
الموظف: قطار الموتى؟
المسافر: لا يهم موتى أم احياء.. المهم أن اصل
الموظف:هذا مخالف للقانون
المسافر: لكنه عمل انساني
الموظف: لا يمكنني ان اتحايل على القانون
المسافر: اعطيك سعر تذكرتين.. لا بل اربعة.. وبالسعر الذي تريده
الموظف: رشوة؟
المسافر: ليست كذلك.. اعتبرها هدية
الموظف: ومن قال لك اني اتقبل الهدايا
المسافر: لكنك لا تقبل ان تجعلني في موقف حرج
الموظف: وما شأني بك.. أنا أطبق القانون
المسافر: جد لي منفذا
الموظف: اتحرضني للتمرد على القانون
المسافر: بل اشجعك ان تكون انسانا
الموظف: ماذا؟
المسافر: اقصد ان تساعدني
الموظف: اذهب وعد بعد يومين
المسافر: كل يومين تخبرني ان اعود بعد يومين متى يحين موعد اليومين
الموظف: (دون ان ينظر له) بعد يومين
المسافر: اتوسل اليك .. ساعدني
الموظف: كيف
المسافر: ان تقطع لي تذكرة في هذا القطار
الموظف: هذا قطار مخصص للموتى وليس للأحياء
المسافر: اعتبرني ميتا
الموظف: لكي اعتبرك ميتا عليك أن تأتيني بشهادة وفاة أولا
المسافر: من أين أجيء لك بشهادة وفاة
الموظف: تلك مشكلتك
المسافر: دلني على طريقة أخرى لأشغل هذا القطار
الموظف: أنا؟
المسافر: ليس سواك من يعينني ويخلصني من الأنتظار
الموظف: انتظر خير لك من أن تموت
المسافر: ولكني تأخرت زوجتي هناك تنستضع مولودا
الموظف: لا شأن لي بذلك
المسافر: ألك زوجة؟
الموظف: كانت
المسافر: طلقتها؟
الموظف: هي واحدة من ركاب هذا القطار
المسافر: ها فهمت.. قطعت لها اتذكرة في قطار الموتى باعتبارها ميتة (بتوسل) افعل لي مثلما فعلت بها وخلصني يا سيد
الموظف: (بتعجب) افعل بك ماذ1ا؟
المسافر: مثلما فعلت بزوجتك
الموظف: كيف؟
المسافر: تلك شغلتك
الموظف: (صارخا) ماذا تريدني أن افعل
المسافر: مثلما فعلت بتلك المسافرة أطن انها الآن تجلس في مقعد مريح حيث لا ضجيج ولا نظرات.. أنت تغار عليها أليس كذلك.. ها حقا أنت تغار عليها لهذا فأنت أرسلتها بقطار الموتى حيث لا أحد يعاكسها.. اتظن اني سأعاكسها.. لا يا سيد.. لا.. اطمئن سأكون جثة بلا حراك وساغمض عيني طيلة الرحلة وكأني غير موجود في العربة.
الموظف: (غاضبا) قلت لك كفى.. ان كنت تريدني ان اعتبرك ميتا فعليك أن توقف لسانك الثرثار
المسافر: ماذا؟ (ضاحكا) اتمازحني يا سيدي.. حسنا اقبلها منك.. مزحة لطيفة
الموظف: اجئت تسخر مني؟
المسافر: بل جئتك لتساعدني.. زوجتي تحتاجني هناك وولادتها عسيرة .. انظر (يخرج برقية من جيبه) برقية جائتني منها تطلب مني الحضور فورا..
الموظف: فورا؟
المسافر: فورا
الموظف: اطو برقيتك وغادر المحطة حالا
المسافر: أتطردني.. أنت تمثل الحكومة وتطردني.. هذا يعني ان الحكومة تطرد المواطن.. ايعقل هذا..
الموظف: انت تعرقل عملي
المسافر: انا اعرقل عمل الحكومة.. ومن انا كي اعرقل عملكم يا سادة.. ما انا الا ورقة ربحتم من خلالها بالمناصب وقذفتوها في القمامة.. من انا بالنسبة لكم .. مواطن بسيط من الدرجة العشرين قال لكم نعم فقلتم له لا…..
الموظف: ثرثرتك هذه ستجرنا الى عاقبة لا نعرف مداها..
المسافر: انا اثرثر.. لا يا سيد .. ما انا بثرثار.. لست سوى مسافر اهله بحاجة اليه..
الموظف: ماذا تريدني ان افعل
المسافر: خدمة بسيطة لمواطن بسيط، تحقق فيها رغبتي في رؤية اول طفل لي.. احجز لي مكانا في هذا القطار
الموظف: قلت لك لا يجوز ذلك.. هذا قطار موتى
المسافر: احشرني معهم فأنا واحد منهم لكن الموت اجلني الى أجل غير مسمى..
الموظف: (يصرخ بصوت عال) افتحوا لهذا المجنون الميت باب العربة العاشرة وخلصوني منه!
(اظلام)
العربة العاشرة في قطار الموتى
(أجساد لفت بالاكفان تملأ المكان.. المسافر في منتصف العربة.. كل جسد يحمل تأريخا.. ضوء خافت..)
المسافر: خمس ساعات ولم يتحرك القطار.. ماذا ينتظرون، حربا اخرى كي تمتلأ العربات بحصادها.. (يحاول فتح النافذة) كل النوافذ مغلقة والأبواب ايضا.. (يضرب النافذة بيده) افتحوا النوافذ اكاد اختنق.. افتحوا النوافذ.. سأموت في هذا المكان النتن.. لم اعد احتمل هذه الرائحة الخانقة.. (يصرخ) اغيثوني يا ناس!
(امرأة من تحت الكفن): لا احد يستجيب لصراخك اسكت يا رجل ودع الموتى يهنأون بنومهم الأزلي..
المسافر: (فزعا) من اين يجيء الصوت
امرأة: قلت لك اسكت يا رجل قبلما يسمعك الحراس
المسافر: الحراس؟
امرأة: قوم اشداء تستفزهم الأصوات ويغيضهم الأحياء
المسافر: ما جئت كي استفز احدا
امرأة: يكفي انك حي لتغيضهم
المسافر: لا شأن لي بأحد ميتا كان او حيا
امرأة: ولهم شأن بك إن وجدوك محشورا بين رعيتهم الأموات
المسافر: وانت؟
أمرأة: محشورة هنا منذ أكثر من خمسين عاما.. ردت لي الروح في هذه العربة فابقوني هنا ليتأكدوا من موتي..
المسافر: الم تفكري بالهرب؟
امرأة: لا مهرب من هذا المكان.. لديهم من الأجهزة ما يجعلهم يعرفون بكل حركة او همسة
المسافر: اتظنينهم عرفوا بوجودي
امراة: لهذا قلت لك اسكت كي لا يسمعك الحراس!
المسافر: وماذا بعد؟
امرأة: ستكون انيسي في رحلتي الطويلة
المسافر: انيسك؟ وزوجتي التي تنتظرني
امرأة: في عالم الموت لا يحق لأحد أن يفكر بالآخرين
المسافر: لكنني حي
امرأة: الى ان يجيء موتك ستكون رهينة المكان
المسافر: مستحيل
امرأة: المستحيل ان تخرج ثانية
المسافر: انا لا اقبل بذلك ابدا
امرأة: لا حق للموتى الرفض او القبول
المسافر: هذه جريمة
امرأة: ليست اكثر جرما مما رأيته أنا.. انهم يستنطقون الموتى ليعرفوا ما يضمره الأحياء
المسافر: انت تثيرين الفزع في نفسي.. ما علاقة هؤلاء بأولئك؟
امرأة: الموتى اكثر صدقا منهم
المسافر: انت تتحدثين بلغة الموتى
امرأة: حين تحشر مع الموتى لا تتحدث الا بلغتهم
المسافر: (ينظر الى ساعته)
امرأة: لا تنظر الى الوقت.. محظور هنا معرفة الوقت
المسافر: الوقت توقف..( يضرب بيده على زجاج الساعة) الساعة لا تعمل
امرأة: لا تجعل عقلك يعمل ايضا.. ليتوقف فيك كل شيء فالجميع هنا يخضعون لإرادة مجلس حكم القطار
المسافر: مجلس حكم؟
امرأة: كل شيء هنا يسير وفقا لإرادتهم.. لا حق لأحد ان يتفوه بكلمة..
المسافر: والقطار .. متى يتحرك؟
امرأة: (تصمت)
المسافر: هل سيبقى القطار جاثما في مكانه طيلة الوقت.
امرأة: (تصمت)
المسافر: اخبريني يا امرأة.. متى يتحرك هذا القطار اللعين؟
امرأة: قد يتحرك كل جماد في هذا الكون، الجدران.. الأشجار.. لكن قطارنا لن يتحرك أبداً
المسافر: لن يتحرك؟ كيف؟ وهذه الأجساد المتفسخة أتظل في عربتها الخانقة هذه..؟
امرأة: مرت على هذه العربة اجساد كثيرة، وكلما تفسخت، جيء بأجساد اخرى.. هي دورة الأموات، عشتها لحظة بلحظة.. عليك أن تتحمل ذلك، وتهيء نفسك لعالمك الجديد..
المسافر: سحقاً لهذا العالم النتن!
امرأة: أتيته برضاك، اما انا فقد جيء بي قسرا بعد ان حملني الموت..
المسافر: كنت مضطراً، فزوجتي هناك تنتظر.. ما كنت اعرف اني سأسجن في هذه العربة النتنة
امرأة: وماذا كنت ترجو من قطار لا يحمل الا الأجداث!
المسافر: لا علاقة لي بما يحمله.. المهم أن اصل..
امرأة: ومن قال لك أنه يصل…
المسافر: ألم تخبريني انك عشت اعواما هنا؟ اذن انت تعرفينهم (مؤكدا) الحراس.. تعرفينهم أليس كذلك..؟ توسطي لي عندهم كي يخرجونني..
امرأة: لا ينفع ذلك.
المسافر: توسلي بهم.. من اجل زوجتي.. هي امرأة مثلك تنتظر زوجاً قذفته الظروف بعيدا عنها..
امرأة: قلت لك لا ينفع ذلك.. اولئك لا يحملون في صدروهم الا الحجارة.. لا قلوب لهم، ولا عواطف أو مشاعر.. قوم آليون يحركهم مجلس حكم القطار بما يخدم مصالحهم..
المسافر: أية مصالح تلك في عالم كهذا ليس فيه الا الرائحة النتنة التي تكاد تخنقني.
امرأة: المهم انهم يشعرون بسيادتهم..
المسافر: سادة على الموتى .. أيّ جنون هذا؟
امرأة: خير ان تكون سيد احياء لا امان لهم.. هم يقولون ذلك.. ولأجل هذا، ادعوك أن تصمت فالكلام هنا للسادة فقط.. هل تستطيع؟
المسافر: على ماذا؟
امرأة: أن تصمت..
المسافر: (يائسا) ما نفع الكلام في مقبرة كهذه..
امرأة: اياك ان تسميه مقبرة.. هذا قطار.
المسافر: لا اجد اختلافاً..
امرأة: ستجد صعوبة في التأقلم على المكان في أيامك الأولى هذه، لكنك حتما ستتعود عليه..
المسافر: اتعوّد على ماذا؟ المكان المظلم، أم الرائحة النتنة، أم الأجساد الباردة الصفراء..؟
امرأة: تتعود على ان تغلق فمك، كي لا تثير المتاعب.
المسافر: ان كانت هناك متاعب، فمتاعبي مع نفسي.
امرأة: حذّرتك مرتين قبل ذلك، ولا علاقة لي بك في الثالثة.
المسافر: لنخطط معا لنجد طريقة في الخروج من هنا..
امرأة: لا طرق للنجاة..
المسافر: ما تعودت على اليأس منذ ان أجبرت على استلام الوظيفة في تلك المدينة البعيدة، فقد عرفت اشياء لم اكن اعرفها من قبل.. (مؤكدا) يجب ان اجد طريقة تنقذنا من هذا السجن.
امرأة: لا تشركني معك.
المسافر: أخائفة؟
امرأة: لو كنت رأيت ما رأيته أنا ما فكرت بهذا..
المسافر: انت تشلّين تفكيري.
امرأة: وانت تريد تدميري!
المسافر: أراضية انت بوجودك هنا؟
امرأة: أيهمك هذا؟
المسافر: ليس أقل من أهتمامي بنفسي..
امرأة: حين تكون على مقربة من الموت، وهو ملاقيك، كن اكثر استعدادا له من تشبثك بالحياة..
المسافر: علينا أن نؤثث حياتنا كما نشتهي..
امرأة: بل كما يشتهون!
المسافر: ماذا يريدون مني؟
امرأة: قل انت ماذا تريد منهم.
المسافر: أريدهم ان يوصلوني حيثما أريد.
امرأة: في هذا القطار؟
المسافر: عليهم ان يحركوا عجلاته.
امرأة: وعليك أن تصمت.
المسافر: الصمت ثانية..
امرأة: كل كلام قلته الآن مسجل لديهم.
المسافر: ليكن.. لم أخف منهم.
امرأة: انت أحمق.. لديهم من وسائل الدمار، ما يجعل فمك في مؤخرتك.
المسافر: لديّ من القدرة ما يجعلك صلباً.
امرأة: من أجل ماذا؟
المسافر: زوجتي. وأهلي. وأنت .. الا يكفي هذا؟
امرأة: سيبطشون بك!
المسافر: اتحداهم!
امرأة: اواثق انت؟
المسافر: (يصمت)
امرأة: أنا مثلك.. لي أحلام وأمان، مثلك تماماً، كل حلم حلمته، أو امنية تقت اليها، خبأتها في صدري..
المسافر: الى متى نخبئ امانينا في الصدور .. امانٍ لا اول لها ولا آخر..
امرأة: وسيلة الفقراء لحياة افضل!
المسافر: حتى تلك يحاولون تشويهها..
امرأة: لم ترَ شيئاً بعد..
المسافر: اكثر مما رأيت..؟
امرأة: قد تلعن اللحظة التي ولدت فيها..
المسافر: لا تستطيعين ان تنالي من عزمي.
امرأة: لا مصلحة لي في ذلك.
المسافر: مصلحتك معهم.. اعتدتِ على حياة يحركونك فيها كما يشاؤون.. لم يعد العالم يشغلك اكثر مما في هذه العربة من اكفان وأجساد.. تعملين معهم.. صحيح.. من اجل ان يبقونك حية.
امرأة: لم تعرفني بعد..
المسافر: حديثك معي يكشف ما تضمرين..أنت توهمينني أن لهم قدرات خارقة واجهزة تنصت ووسائل تدمير.. توهمينني أن لهم القدرة على التصرف بمصائرنا، دون أن تكون لنا ارادة فيما نريد، اتظنينني صدّقت كل ما سمعته منك؟
امرأة: أنت بدأت الحديث معي، أنت حر في ما تصدقه أو لا.. اما أنا فقد صدّقت حياتي طيلة السنوات التي قضيتها في هذه العربة، استطيع الآن أن احدد عمر موت كل جثة.. انظر (تؤشر الى واحدة) هذه عمرها خمسون، وتلك عمرها عشرون، وتلك عشرة..
المسافر: (هازئا) في ريعان الموت!
امراة: مثلما للحياة عمر، وسنوات فللموت كذلك.. أنت لا تصدق، وربما لا تثق ان الموتى يتصرفون بحياتنا..
المسافر: غسلوا رأسكِ بأفكار غريبة.. ورضيت بالصمت.. وما عادت تشغلك حركة القطار.. لا بد أن يتحرك هذا الجسد الحديد.. لا بد ان تسخن تلك القضبان الباردة..
امرأة: لا بد ان تتحرك الجثث أولاً..!
المسافر: ليس قبل ان يتغير هواء العربة.. سأكسر النافذة..
امرأة: لا تفعل..
المسافر: لن تمنعينني عن ذلك..
امراة: سيزحف الدود الى المدينة، ويأكل الزرع، والضرع، ويملأ الأفواه والانوف والعيون..
المسافر: لا يهم.. لا يهم..
امرأة: قبل قليل كنت تدافع عنهم هناك.. والآن…
المسافر: (يكمل) احرّض الدود على القتل!
امرأة: وتموت أنت ايضاً..
المسافر: خير من أن ابقى وسط هذه العربة النتنة..
امرأة: انت اخترت حياتك هذه.
المسافر: والآن غيرت الرأي.
امراة: بهذه السهولة؟!
المسافر: (بصوت عالٍ) لن تجبرينني على البقاء..
امرأة: صه…! هم يسجلون كل كلمة تفوهت بها!
المسافر: (بصوت أعلى) لن تخيفينني..
امرأة: ويسجلون كل حركة قمت بها.. سيأتون عما قريب، وحينها لن ينفعك ندمك..
المسافر: لم اندم في حياتي على شيء، قدر ندمي على ما انا فيه الآن..
امرأة: سترى العجب..
المسافر: ليس أعجب من هذه القمامة.
امرأة: رأسك يابس!
المسافر: رأسك نتن!!
امرأة: على الأقل انا افكر من أجلك.
المسافر: من اجلي انا.. (يضحك قليلا ثم يصمت)
امرأة: لِمَ ضحكت؟
المسافر: لا ادري.
امرأة: ولكنك ضحكت.
المسافر: ضحك آه.. ضحكت.. ضحكة خرجت مني دون ارادتي..
امرأة: هذا تأكيد على أنك دون ارادة.
المسافر: كلمة مهملة في قاموس.
امرأة: خير لك ان تجلس، خذ كفنك من هناك (تشير الى جهة مقابل من العربة) وانتظر.
المسافر: الى متى؟
امرأة: الى أن تسترد ارادتك.
المسافر: في هذا القبر..!
امراة: هذه عربة.. حذّرتك قبل هذا.. لا تسميها قبراً..
المسافر: العربات تسير وهذه…..
امرأة: (مقاطعة) واقفة.. أليس كذلك..؟ انت تظنها واقفة وهي ليست كذلك.
المسافر: أتظنينها تسير ؟
امرأة: مثلما تراها انت واقفة.
المسافر: جنون… هذا جنون..
امرأة: المتعة في الجنون.
المسافر: ولا عتب.
امرأة: ماذا؟
المسافر: (يهم بكسر زجاج النافذة) لا عتب على مجنون..المجنون يكسر النافذة!
(صوت ارتطام قوي يمتزج وصراخ المرأة)
خيمة الأكفان
(المسافر وسط الخيمة والأكفان تحاصره من كل جانب.. اصوات كأنها لربوتات تردد)
ألأصوات: من يعكر صفو العربات..
يُحبس منفرداً،
في قبو الأموات،
وفقا للمادة الرابعة والعشرين..
المسافر: (يجلس القرفصاء)
(اشباح بوجوه ممسوخة كلاب وخنازير وقطط.. تدخل وتدور حوله.. الأصوات ما زالت تردد ما رددته في البدء)
المسافر: تباً لهذه القيود..
الأصوات: عليك أيها الغريب أن تصمت.
المسافر: لم افعل ما يسئ لأحد..
الأصوات: اخترقت القوانين، وحق عليك عقاب المجلس.
المسافر: لم افعل شيئاً.. كل ما رغبت فيه هو أن التقي بزوجتي..
الأصوات: دخلت المكان الخطأ، وعليك ان تتحمل ما ارتكبت من اخطاء..
المسافر: وجدته قطارا قد يوصلني اليها..
الأصوات: ليست كل القطارات سواء.
المسافر: لم اعرف ذلك!
الأصوات: والآن عرفت، وعليك دفع ثمن خطأك.
المسافر: ارموني خارجاً، ولن يضركم في ذلك شيء..
الأصوات: لا يمكن ذلك.. انت اطّلعت على اسرار مجلسنا..
المسافر: اعدكم لن اتفوه بشيء.
الأصوات: لن نغامر في امر قد ينسف كل ما بنيناه.
المسافر: اعدكم بشرفي.
الأصوات: لا نعرف من تكون، فكيف نصدقك؟
المسافر: قلت لكم بشرفي!
الأصوات: لا يعني في مجلسنا الشرف شيئا .. امامك طريق واحدة..
المسافر: شرط أن تخرجونني من هنا.
الأصوات: لست في موقف يسمح لك بالتشرّط.. علينا تأهيلك اولاً..
المسافر: وعلي ان اخرج من هنا.
الأصوات: من يدخل بارادته، لا يمكنه أن يخرج الا بارادتنا.
المسافر: هذا احتجاز!
الأصوات: وهذه أوامر قادتنا.. علينا بتأهيلك اولاً…
اظلام
(المسافر في داخل بالون شفاف متعدد الألوان يتضح انه يصرخ ولا يسمع صراخه.. يؤشر بيديه .. تدخل المرأة بثيابها البيضاء)
امراة: (تنظر له.. تقترب منه) قالوا لي عليكِ بتأهيله .. قبل ان نبدأ عليك بالتخلص من كل عيوب عالمك التي حملتها الى عالمنا.
المسافر: (ما زال يصرخ في الداخل ولا يسمع صوته)
امرأة: الكذب، والسرقة، والحسد، أول سطر في عيوب عالمكم القميء.
المسافر: (يحاول أن يجد منفذا ويشق البالون ويخرج منه.. ينجح في ذلك.. يحاول الهروب لكنه يتوقف)
امرأة: كل خطأ تقع فيه يزيد من محنتك.
المسافر: معهم انت؟
امرأة: لا خيار.
المسافر: لنعقد اتفاقاً.
امرأة: معي؟
المسافر: معك..
امرأة: لا سلطة لي ابداً .. لست سوى اداة تنفيذ..
المسافر: لنهرب معاً..
امرأة: تحريض!
المسافر: ستعيشين حياة افضل مما انت عليه الآن.
امرأة: تحريض!
المسافر: وتتذوقين طعم الحرية..
امرأة: تحريض!!
المسافر: لا حياة لك بعد بين الأموات.
امرأة: تحريض!
المسافر: كفى .. كفى.. مللتكم جميعاً.
امرأة: كل خطأ تقع فيه، يزيد من محنتك.. كل كلمة تتفوه بها تُسجل.
المسافر: اذن.. لا مخرج.
امرأة: لا مخرج.
المسافر: وعلي ان اطيع..!
امرأة: أن تطيع..
المسافر: وارضى بما انا فيه..
امرأة: وترضى بما انت فيه..
المسافر: ولكن .. الى متى؟
امراة: حتى تتخلص من ادران عالمك..
المسافر: لست سيئا كما تظنين..
امرأة: عالمكم سيء!
المسافر: لا وجود لعالم فاضل.
امرأة: عالمنا فاضل..
المسافر: الخير والشر في كل مكان..
امرأة: الا هنا!
المسافر: وماذا تسمين ما تفعلونه بي؟
امرأة: نحن نؤهلك..
المسافر: شر!
امرأة: ونخلصك من الأخطاء..
المسافر: شر..
امرأة: لتكن مواطنا صالحاً..
المسافر: شر..
امراة: ارأيت؟ كل شيء نفعله من اجلك تظنه شرا.. علينا باستئصال الشر منك.. يداك وعيناك ولسانك وقلبك.. (اظلام)
مكتب قاطع التذاكر:
(مكان خارج العربة ، صوت قطار قادم يسمع من بعيد.. المسافر نائم على أريكة قريبة من قاطع التذاكر.. قاطع التذاكر يقترب منه ويصيح به)
الموظف: أما زلت هنا؟
المسافر: (ينظر له بتعجب) هذا انت؟
الموظف: فاتك القطار.
المسافر: (ينظر هنا.. وهناك) ماذا.؟. فاتني القطار..؟ أي قطار..؟
الموظف: القطار الذي رغبت في الصعود فيه.
المسافر: (بخوف) كلا.. كلا.. لا اريده.. لا اريد ذاك القطار اللعين.. افضل ان اذهب سيرا على الأقدام، من ان ادخل مختبر التأهيل ثانية..
(ينهض وسط دهشة قاطع التذاكر ويسير..)
الموظف: (يناديه من بعيد) هناك امرأة استقلت القطار، تقول انها زوجتك..
المسافر: (يلتفت نحوه وتسقط من يده حقيبته صارخا)
زوجتي في القطار.. اعيدوها لي.. اعيدوا لي زوجتي.. اعيدوها………..
اظلام – ستار
البصرة ٢٠٠٤