الى الاستاذ عبد الكريم العامري شكر وتقدير ومقترح 2014

بسم الله الرحمن الرحيم

الاستاذ عبد الكريم العامري المحترم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تحية طيبة

كل عام وانتم بخير، وتقبلوا تهانينا بمناسبة عيد الذكرى السنوية لتأسيس مؤسستكم الثقافية، وشاكرا ومقدرا لكم الشهادة التقديرة الموجهة الى والدي رحمه الله العلامة ضياء الدين الخاقاني، والأخرى الموجهة لي .

ان تكريمكم هذا لوالدي في هذه المناسبة العزيزة، وهو الثاني بعد تكريم عام 2010م، هو اشادة لخلق أهل البصرة وحضارة العراق عموما قبل أن يكون تكريما لشخص ما، انها مدينة الريادة في الفكر والأدب، وانها احدى مدارس العرب والاسلام والعراق والانسانية علما وفكرا الى جانب مدرسة بغداد والكوفة، وانها نبعة من نبعة نينوى وأور وأكد، ان روح التلاقي لأطياف بلاد بين النهرين، من عرب وكرد وتركمان وأديان من فسيفساء الخليقة الربانية كضمير للوحدة الانسانية .

بكل تأكيد مثل هذا التقدير هو تقدير لجيل كامل ربما يعيش حالة من ظلم الاخوان الذي هو عتم من عتم الظلام مع الأسف في كل زمان ومكان لأسباب واهية، بل وان تكريم كل شخص هو فرحة وتكريم لكل أجيال المثقفين والأدباء والعلماء والوطن الذي ينتمون اليه، لأنه يعطي انطباعا عن اخضرار روح المسؤولية في النفوس ذي الفطرة الطاهرة المنصفة بعيدا عن العصبية والتسقيط والتطرف والتهميش بهذه الحجة أو تلك، فتضيع البلدان وتنشب بين المثقفين معارك لا جدوى منها ولا طائل وبدون سبب، فيكون الواقع الذي تستند عليه الحضارات والأوطان التنموية الرائدة من احترام الرأي الآخر والحوار وروح الانسانية، الى واقع من الكراهية والتسقيط، فتسقط الحضارات وتدمر البلدان وتحرق الأوطان ويغتال الفكر والمحبة، كما أثبت التاريخ والحال .

ان مثل هذا التكريم لأي شخص كان هو تكريم للمكرِّم قبل المكرَّم وتقديم الوفاء لأهل الوفاء من أرباب الثقافة والفكر والأدب والعلم والتاريخ، انها حالة من شناشيل بنت الجلبي الزاهية بعطر شط العرب ولوحة تضاف إلى سجل انشطتكم المعروفة بالوفاء والتكريم والكرم، بلذة طعم رطب النخيل ونشوة دبس التمر ورائحة مِآت الأنواع من ( الخلال ) حتى ( الجمري ) كما يقال وذلك الذي نطبخه أو نأكله نيّا بذائقته الفردوسية، بتالاتها من الأمل ورائحة لقائحها شربة هنيئا، اضافة مع سر مكونات حلاوة نهر خوز الخالدة، دون أن أنسى سمك الصبور برائحته الفريدة وزفرته المحببة وأنواع السمك الذي وهب به الله عزوجل البصرة الفيحاء وليس انتهاء بسمك الزبيدي والروبيان، لنعيش تلك الطبيعة الربانية من بشر وطبيعة ومكونات وخليقة في وحي هذا التكريم الذي جاء باللهجة البصراوية شعورا واحساسا وان كانت اللغة لغة فصيحة عربية خالصة، ثغرا باسما ليس للعراق فقط بل للقلوب المتطلعة الى حضارية بلدانها فتكون مبادرة بالخير والسلام قبل كل شيء.

ان نهجكم هو خطوات ممتازة تنهجها مؤسستكم ومجلتكم الغراء، وهي تكريم رواد الأدب والثقافة في بلادنا وفي أمتنا، مع أسلوب حضاري راق نتلمسه في منهجية المؤسسات الحضارية، وهو اضفاء عطاء على التقدير والتكريم باعطاء السنة باسم رائد وعمد من أعمدة ألوطن أو الأمة أو الانسانية، وكان هذه المرة باسم القاص المغربي الكبير نقوس المهدي المغربي، لما له من دور في التطرق لتراثيات البصرة وحضارة العراق الاجتماعية باعداده ملف عن البصرة الفيحاء وما اورد فيها من انطباعات المشاركين بهذا الملف، ليكون هذا الاستذكار شكرا مضافا الى مبدع من مبدعين الأمة الذين لم يغفلوا محبة العراق وتواصلوا معه، أدبا وتأليفا وكلمة طيبة، وهم كثر اِن اُتيح لهم المجال وارتقت المسؤولية والوعي لهذا المستوى من الشعور لدى المعنيين في ضرورة استذكار المبدعين وتجليلهم لدورهم في ثقافة البلدان والمساهمة بها كهذا الملف وكهذا الأديب القاص الناقد الاستاذ نقوس المهدي المغربي، وهو يبعث بجهده اشعاعا من المغرب العربي حتى المشرق العربي عشقا وغراما، فأجد مؤسستكم تنهض مشكورة بهذا الواقع الايجابي من التكريم في ساحات مع من أثرى الفكر والعلم والثقافة والانسانية تاريخيا ولغويا وابداعيا وتضحية .

وان أمثال مؤسستكم ومن خلالكم الاستاذ عبد الكريم العامري وغيرها من المؤسسات بمؤسسيها ومسؤوليها ومحرريها وهيئاتها وداعميها وكتابها، كمؤسسة النور والأستاذ احمد الصائغ ومؤسسة المثقف العربي والأستاذ ماجد الغرباوي، تعطي انطباعا عن حراك يشد المرء الى أن مسيرة الوطن والأمة والانسانية رغم كل التحديات والظلامات والضبابية والتجهيل والتسطيح والتسقيط والارهاب، من ان هناك بريق نور للثقافة والفكر بمفهومه الانساني الواسع، يؤسس لعالم من التنور حقيقيا وناهضا وحضاريا وتنمويا ووعيا لرسالات السماء، فاِنها لفتة الضمير الحقيقة التي لا تبالي بنهر الدماء الذ يجري بايدي الحاقدين لعرقة مسيرة الأحرار، وبأن عقلنا التنويري الانساني يأخذ مسارا مهمًا رغم مخططات الأجرامية ضد بلدنا وانساننا المعاصر، يؤكد تقدير المثقف المتحمّل لمسؤولية النهضة الثقافية والفكرية، وهو من ضمن هرم الثقافة والأدب والعلم كمؤسس أو مدير أو مسؤول، كأمثالكم، للمثقفين نساء ورجالا وأجيالا .

اِن البلاد بمثقفيها لكي تنتج سياسيين حكماء عدول، فاِن عُدِم المثقفون فأن الجهل يحكم السياسة والسياسيين والمجتمع عموما، فالأصل والقائد هو المثقف وليس السياسي، بل هو أصل الحضارة والتنمية بمواردها وأصنافها حتى الاقتصادية منها، هكذا تنهض الشعوب وتنمو الحضارات حرية وحوارا ومبدئية ومكارم أخلاق، وهذا ما نشاهده بأم اعيننا في غربتنا التي قدرت علينا وهي ايجابية بامتياز، علنا نفيد بلداننا، عندما تعي بلداننا ان أمثال هؤلاء مفيدون لها.

على رغم ما يعترض هذه المؤسسسات والقائمين عليها من الأشواك، تصل لدرجة استشهادهم كما حدث ويحدث، فتنهض بمسؤولياتها في تأصيل ثقافة الاعتراف بجيل الرواد وتكريم هذا الجيل الذي أسس لثقافة متزنة في بلادنا والأمة والانسانية، مع تحفيز الأجيال المتوالية لتحظى بتكريم لمنجزاتها كتوازن بين الأجيال، فننهل من معين جهودهم وأطروحاتهم، مع لمس الخير فينا وفيهم في ذلك، فمن لا ماضي له لن يصنع حاضرًا مشرقًا ولا مستقبلا طموحا ولا جيلا واعيا ولا قادة مسؤولين، من أجل بلورة ثقافة معاصرة أصيلة دون تسرع أو تهاون متفاعلة مع روادنا وإرثنا الأدبي والعلمي والفكري والأخلاقي والانساني، ومن أجل صناعة جيل من المثقفين يستطيع الوقوف على أقدام راسخة وطنية انسانية قوية .

حيث أن الرواد وإن غادر البعض في أجسادهم عنا، تظل أعمالهم وإبداعاتهم حية نافعة جاذبة، يقبل عليها الجيل وينتفع بها طلاب العلم، واِنّ نهج هذه الستراتيجية في التعريف والتكريم تعزز الضمير وتمتن المسؤولية وتقومها في نفس من ينتج الثقافة ويهتم بالفكر، ستراتيجية تنتهج السبيل لرسم معالما حضارية تأريخية ووفاء ارثويا فاضلا، وتشير بالموقف التكريمي لأولئك الرموز الرائدة في الحضارة الحديثة .

ولا أقول شيئا بخصوص شهادة التكريم الثانية المقدمة لي، اِلا من باب تحفيزي للعطاء الأفضل، تفضلا منكم وكرما، وشاكرا لكم ذلك متمنيا أن أكون حقا بمستوى هذا الحسن من الظن بي،، فما زلت تلميذا وطالبا وأن الرواد أساتذتي والقائمين على هذا التكريم معلميّ، ليبقى هذا التكريم لي مسؤلية كبرى الى جانب تكريمكم لوالدي رحمه الله ، لتكون شهادة التقديري هذه مشعلا في الدرب لحياتي.

اني أدركت الآن بعد رحيل الوالد رحمه الله، أسباب تمسكه بالبصرة الفيحاء وأهلها ومحبته لهم رغم ممن حفزه لتركها أو من كان يدفعه الى الهجرة ليبقى متمسكا بها في أحلك الظروف والحروب، لتصل أحيانا لوحده دون أهل ولا أبناء ولا كهرباء ولا ماء وربما لا غذاء، وانا اراه في زياراتي المتقطعة له، مشاركا بعض عمال الميناء والنفط وغيرهم من الفقراء والمحتاجين واهليهم الذين لم يكونوا قادرين على هجرة مدينتهم لعدم امكانيتهم، تلك اللقم المقدسة القليلة المتوفرة وقد أطبق على البصرة الظلام والحرمان والاشباح والجحود، وكنت أشعر به وهو فرح أن احد دواوينه وهو ديوان ثورة الربيع في بداية السبعينات طبع في موانئ البصرة وأن البلاغة في نهج البلاغة قد انهى تاليفه في البصرة، وأنه من مؤسسي مهرجان المربد، وانشد فيها الكثير ونشط فيها بالكثير .. وان وان وان .. الى جانب ما كنت ألمس فيه من الحسرات على وضع مدينة الفيحاء وعدم انشاء رؤيته ورؤية صديقه عدنان القصاب في تحويل البصرة الى بندقية الشرق من خلال ذلك المشروع الذي اطلعت عليه وعلى مخططه من تقاطع الانهر والمسطحات المائية والتقاء دجلة والفرات حتى الفاو وام قصر وانها شط البصرة لتتحول البصرة الى جزيرة في تقاطعات الانهر بين نهر البصرة وشط العرب بدء من القرنة حتى الخليج العربي، كان حلما يشعل جهنما من الحسرات ودموعا غائرة في نفسه رحمه الله عند استذكاره، في الوقت الذي كان يمكن ان تكون ظروفه وحالته أفضل بكثير في أماكن اخرى ومناطق اخرى وبلداننا اخرى، بحكم علاقاته وعائلته وانتماءاته .. وووو .. ليجيب على سؤال لي بهذا الخصوص من التمسك بالبصرة الفيحاء ليخفف قلقي عليه وأنا بعيد عنه:

يا ولدي ستعرف يوما أهمية البصرة ومحبتهم وموقفهم واصالتهم واخلاقهم .

وحقيقة في محطات كثيرة أدركت ما هي البصرة وما هو نوع أهلها ولما كل هذا الحب لها، ليأتي هذا التقدير من قبلكم وان كان له روح عراقية جمعاء، ولكنه نكهة بصراوية ختمت لي على أجوبته لي في ادراك هذا التمسك مستقبلا بذلك الاعتقاد الأبوي لها، وهو يردد دوما مقولة الامام علي عليه السلام في البصرة ورجالها ونسائها وابنائها ونبؤة أن طوبى لهم في المستقبل حضارة في الدنيا وسلام وفي الاخرة هي الفردوس لأهلها .

وأخيرا وليس آخرا، انطلاقا من تكريمكم، واستنادا لمفهوم أن العالم يعرف العراق وحضارته ويعرف رجالنا الماضين، ولكن لا يعرفنا كعراقيين معاصرين، وهذا ما نعاني منه في المغترب، الا من خلال نشرات الاخبار والمآسي التي يتعرض لها شعبنا وفي مقدمتها الارهاب بأنواعه، وضمن مستوى اِعلامنا الذي ليس بمستوىى المطلوب والطموح عالميا ولا عربيا، وربما حتى عراقيا كما خبرنا ذلك من خلال علاقاتنا الأعلامية بالمتخصصين في العالم، وبالأخص في سنة بغداد عاصمة الثقافة العربية وتأجيل عاصمة الثقافة الاسلامية في النجف الاشرف وحاليا هذه السنة عاصمة السياحة العربية في أربيل، فضلا عن الحصار المستمر لمدن العراق في الرياضة، حفزتموني أن أقدم أفكارا ومقترحات أولية اليكم وعبر هذه الرسالة المتواضعة، والى الأخوة من المؤسسات النشطة الأخرى كمؤسسة النور والأستاذ أحمد الصائغ ومؤسسة المثقف العربي والأستاذ ماجد الغرباوي:

1- أن يتم التنسيق لتشكيل هيئات مؤسساتية كبرى تضطلع بمسؤليات تنشيط الثقافة وابراز الرواد دون الغاء خصوصيات مؤسساتهم القائمة، كانشطة مشتركة على أقل تقدير سنوية ومن ضمن مواقعها في الوطن العراق او العالم العربي او تواجدها في العالم، أو ما يشبه برلمانا ثقافيا من الهيئات التنفيذية لهذه المؤسسات وقابلة للتطور وانتماء الآخرين، حيث بلدنا وأجيالنا ومثقفينا بحاجة لمثل هذه المشاريع الفاعلة وابناءنا في عطش لها، في الداخل والخارج .

2- مشروع اعلان جوائز كبرى الى جانب التكريم مع تنشيط تبرعات المؤسسات المالية والبنوك العراقية والعربية والعالمية الخاصة والعامة ورجال الأعمال لها، ضمن الية تدرس لذلك وباسم حضاري عراقي انساني .

3- اعلان مشروع عاصمة الثقافة العراقية السنوية، وعاصمة الرياضة العراقية، يتم اختيار مدن العراق بالتسلسل لهذا العنوان سنويا، وتبادل الوفود بين المحافظات في مهرجانات وزيارات وأنشطة ومشاريع مشتركة، فضلا عن النشاط العالمي، كي تكون مهيئة اداريا وتعبوية واجتماعيا وثقافيا لأنشطة ومشاريع وبطولات رياضية وأخرى، ومهرجانات ومؤتمرات عربية وعالمية أن تحسن الظروف أو لم تتحسن، حيث الظروف الايجابية يمكن أن نصنعها بأيدينا ونحفز الآخرين على الاستجابة لمطاليب بلدنا وطموحات شعبه في التنمية والرفاه والاستثمار والثقافة وانتم قادرون على ذلك لأن المادة الأولية بأيديكم، ولأنكم من خلال مؤسساتكم نجحتم في الخطوة الأولى عمليا بعيدة عن التنظيرات وتقليص هوة الفراغ والفوضى، والآن عليكم الخطوة الثانية، وستتبعها خطوات .

واني ساقتصر الأفكار والمقترحات بهذا القدر، والتي تحتاج لانماء ودراسات لبلورتها على أرض الواقع، ولم يخفى عليكم أهميتها التنموية الفكرية وتنمية المحبة والأخوة بين أهل الوطن من جهة مهما اختلفت آرائهم وبين أهلنا في العراق والانسانية والعرب عموما مهما بلغت التقاطعات من جهة أخرى .

هكذا يمكن أن نقول الرواد وأن رحل بعضهم عنا جسدا يعيشون فينا، وان جهودهم بذرة سنحصدها بافكار عملية ليتحقق حلمهم، وبالتالي عشناهم وعاشونا .

لكم منا والأهل ومن آل خاقان كل الشكر والتقدير على هذا التكريم والتقدير .

مع تهانينا مرة أخرى للذكرى السنوية لعيد مجلتكم ومؤسستكم .

ووفقنا الله عزوجل ان نكون عند حسن ظنكم وظن عزيزنا العراق بلد الأديان والأئمة الأطهار، وأمتنا أمة الرسالات والحضارات، كيما نقدم للأنسانية جذوة من شعلة حضارية كتراثنا .

ووفقكم الله سبحانه وتعالى لما هو خير الثقافة والحضارة والعراق والأمة والانسانية .

وأدام عليكم السلام والتوفيق والصحة والأمان .

رحم الله شهداء العراق والأمة والانسانية جمعاء .

رحم الله الأرواح التي ضحت وغادرتنا والتي رهنت أنفسها لخير العراق والأمة والبشرية .

لكم مودتي

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بهاء الدين الخاقاني

الولايات المتحدة الأمريكية

2014/ اب/ 8

Share: