حظ أسود

شخوص المسرحية

  1. ضابط الشرطة
  2. المرأة
  3. الشرطي

مكتب ضابط الشرطة في مركز شرطة المدينة، الضابط منهمك في عمله، مجموعة من الأوراق أمامه، يطالعها، بعضها يرميها في سلة المهملات، وأخرى يضعها على جانب. بين لحظة وأخرى يرفع نظارته الطبية لينظفها، ويمسح جبهته من العرق المتصبب منها.. المرأة واقفة أمامه، تنظر له وهي حائرة، تفرك يديها، وتمسح وجهها، تحاول أن تشعره بوجودها لكنه منشغل بالأوراق..

المرأة: حضرة الضابط…

الضابط: (دون أن ينظر لها) هاتِ ما عندك!

المرأة: أخبرتك حضرة الضابط لكنك مشغول بالأوراق التي أمامك..

الضابط: هذه الأوراق أهم مما تريدينني أن أسمعه منك.

المرأة: وهل هناك أهم من شكوى مواطنة؟

الضابط: (بنبرة حادة) أمن الدولة أهم من كل شيء.. هذه الأوراق أهم من كل شيء.

المرأة: الأوراق أهم من الإنسان؟

الضابط: ليست أوراقا عادية، هذه تخص أمن الدولة.. لا يمكنني أن أغفل عنها فيما أستمع لك.

المرأة: ألست جزءاً من هذا الأمن؟

الضابط: (يرفع يده مقربا ما بين ابهامه وسبابته) جزء صغير جدا، هكذا، لا يستدعي الاهتمام.

المرأة: ان لم تسمعني أنت في مركز الشرطة فمن ذا الذي يستمع لشكواي؟

الضابط: (يشير الى باب المكتب) هناك، في باب المركز ثمة رجل بنظارتين سميكتين، وكرش أضخم من هذه المنضدة، اذهبي اليه ليكتب لك طلباً بالشكوى (يصمت قليلا) ها، ولا تنسين أن تذيلين الطلب بتوقعيك وارفاق كل مستنداتك التي تثبت شخصيتك.

المرأة: لا أعرف كيف أوقّع حضرة الضابط..

الضابط: ان لم تعرفي التوقيع بإمكانك أن تبصمي فيها..

المرأة: (باندهاش) هل تريدني أن أبصق بطلبي؟

الضابط: هل قلت لك ابصقي فيها؟

المرأة: نعم حضرة الضابط، سمعتك وأنت تقول ابصقي فيها..

الضابط: (بعصبية) قلت ابصمي فيها وليس ابصقي فيها وهناك فرق كبير ما بين البصمة والبصاق..

المرأة: اعذرني حضرة الضابط، العتب على السمع، لم اسمعك جيدا.. كنت أظن أنك تريدني أن أبصق فيها..

الضابط: ولماذا أريدك أن تبصقي فيها؟

المرأة: ظننت أنك شعرت بما أعانيه لهذا طلبت مني أن أبصق فيها.

الضابط: هل سمعتيني الآن جيدا…؟

المرأة: (تهز رأسها إيجابا)

الضابط: تستطيعين أن تذهبي الآن لتتركيني أكمل شغلي.

المرأة: (تتحرك باتجاه الباب وقبل أن تخرج)

(يدخل الشرطي مسرعاً، يؤدي التحية)

الشرطي: جريمة سرقة وقعت يا سيدي..

الضابط: من الذي سرقك؟

الشرطي: لست أنا من سُرِقت يا سيدي..

المرأة: (تعود الى الضابط) أنا حضرة الضابط.

الضابط: (الى الشرطي) هل تعرفها؟

الشرطي: (يحدّق في المرأة) لا.. لا يا سيدي.

الضابط: (الى المرأة) وأنت، هل تعرفين هذا الشرطي؟

المرأة: (وهي تحدّق بالشرطي) لا يا حضرة الضابط.

الضابط: (يضرب بيديه على المنضدة) لقد جننتماني، طيّرتما الأفكار من رأسي، ما الذي تريدانني أن أفعله لكما؟ (الى الشرطي) ألم ترني وأنا أعمل، ألم أقل لك أن لا تقاطعني وأن لا تدخل عليّ دون أن تطرق الباب؟

الشرطي: (ينظر الى المرأة ومن ثم الى الضابط) ها.. فهمت.. فهمت يا سيدي.

الضابط: فهمت ماذا؟

الشرطي: (يهزّ رأسه وهو يشير الى المرأة) تفهمني سيدي.. أنت تفهمني، وأنا تلقّفتها وهي طائرة لكني لا أستطيع أن أبوح بما فهمته.

الضابط: (نادبا حظّه) يا الله، ما الذي اوقعني في شلّة المجانين هذه. (ينظر الى المرأة) وأنت، ألم أطلب منك أن تذهبي؟

المرأة: ظننت أن الشرطي عرف قضيتي!

الضابط: (ساخرا) ما هذه الظنون التي تغلّفك.. كل شيء عندك بالظنّ (يشير الى الشرطي ومن ثم الى المرأة) أنتما تلعبان بي. يبدو أنكما متفقان على شيء لا أعرفه..

الشرطي: أنا يا سيدي؟

الضابط: (مهددا) أخبرني، ما الذي تنويان فعله؟

الشرطي: ظننت يا سيدي..

الضابط: (مقاطعا) أنت أيضا تظنّ.. ظنونكما تفقدني عقلي. (يخرج من خلف المنضدة ويقف بينهما متوعدا) ما الذي تظنّان ما سأفعله بكما.. (بصوت عال) ها.. أخبراني.. والله ان لم تقولا الحقيقة فلن تخرجا من هنا سالمين.

الشرطي: هناك سوء فهم في القضية يا سيدي..

الضابط: سوء فهم.. هيا فهّمني، يبدو إني بطيء الفهم.. فهّمني ما هو سوء الفهم هذا..

المرأة: أنت لم تعطني الفرصة لأفهّمك بقضيتي بينما تمنح هذا الشرطي الفرصة. أين عدالة الحكومة؟

الضابط: (هازئاً) اهتفي عالياً.. بصوت أعلى، هيا، اهتفي.. أين عدالة الحكومة (يصفق ساخراً) سؤالك هذا ألهمني في أن اعيد النظر بخططي الأمنية، ويتطلب مني أن اضع خطة أمنية محكمة. مذ جئت الى هذا المركز المشؤوم والسرقات في الحيّ تزداد (يشير الى المرأة) أنت تبحثين عن العدالة (يلتفت الى الشرطي) وأنت (يصمت قليلا) تظنّ وتظنّ.. بينما أنا (بزهو) أحافظ على أمنكم.. هذه هي العدالة. تنامون آمنين مطمئنين وأنا يلازمني الأرق.. هذه هي العدالة. أليس من الأجدر أن تعدلوا أنتم مع الحكومة وتنصفوها (مؤكدا) أقصد معي أنا…

المرأة: أتظنّ أن بيوتنا آمنة؟

الضابط: (متندرا) لست من الظانين يا امرأة.. قلت لك ألف مرة دعي عنك الظنون أنت في دائرة الحكومة.

المرأة: لم تعد بيوتنا آمنة حضرة الضابط.

الضابط: (يهز رأسه) بدون ظن.. جميل.. جميل (يكررها حتى ينقطع صوته)

المرأة: ما الجميل في الأمر حضرة الضابط؟

الضابط: الجميل أن بيوتكم آمنة..

الشرطي: هي قالت يا سيدي ليست آمنة..

الضابط: هل سمعتها أنت؟

الشرطي: (يشير الى أذنيه) باذنيّ هاتين..

الضابط: (يمسك أذنه بقوة) سأقطعها لك كي لا تغيّر ما تسمعه من كلام..

الشرطي: (متألما) آخ.. آخ.. والله سمعتها يا سيدي.. لكن ان أردتني أن أغيّر من إفادتي فأنا حاضر.. قل لي ما الذي تريدني أن أقوله لأُسمِعُك ما تحب سماعه!

الضابط: قل الحقيقة، لا أريد أن اسمع منك الا الحقيقة.

الشرطي: أظن أني سمعتها…

الضابط: (صارخا به) وتظنّ مرة أخرى، ألا تعرف كم تزعجني هذا الكلمة؟

الشرطي: أيّ كلمة يا سيدي.. لا أعرف عن أي كلمة تتحدث..

الضابط: قلت لك تزعجني ولا أريد أن انطقها بلساني.

المرأة: (الى الشرطي) يقصد حضرة الضابط كلمة الظن!

الضابط: (بانزعاج) وتقولينها بعظم لسانك.

المرأة: والله احترت معك حضرة الضابط.. أخبرني ما تحب أن اسمعك ايّاه لكي ترضى ولا تنزعج..

الضابط: ما لا يزعجني أن تتركاني وحدي. أنا منشغل بتدبير خطة أمنية محكمة للمدينة البائسة وانتما تؤخرانني.

المرأة: لم تكن بائسة من قبل.

الضابط: (يهز رأسه مفكراً وبصوت منخفض) قبل مجيئي لم تكن المدينة بائسة.. ها.. حسناً، هذا يعني أن وجودي على رأس الأمن زادها بؤساً.

المرأة: لم أقصد ما ذكرته الآن.

الضابط: (مؤكداً) لم تكن المدينة بائسة من قبل (يهمس في أذن المرأة) أليس هذا ما قلتيه للتوّ…؟

المرأة: نعم، قلت هذا، لكني لم أكن أقصد حضرتكم.

الضابط: (بغضب وسخرية) وحضرتنا فهمها هكذا.. المدينة لم تكن بائسة من قبل ومن قبل يعني قبل أن استلم مسؤولية أمن مدينتكم، هذا ما فهمته، وبعد ذلك ستحملونني مسؤولية كل السرقات التي حدثت.. هذا ما فهمته من إفادتك!

الشرطي: أرجوك سيدي، فقط اسمعني، نحن في مأزق.

الضابط: مأزق؟ وهل هناك مأزق أكبر مما أنا فيه، أقف بينكما تاركاً خطتي الأمنية.

المرأة: أرجوك حضرة الضابط، استمع لشكواي.

الضابط: ألم أطلب منك أن تذهبي للرجل صاحب النظارات السميكة.

الشرطي: (متدخلا) كاتب العرائض لم يأتِ اليوم يا سيدي.

الضابط: ومن طلب منه أن لا يأتي…؟

الشرطي: لست أنا يا سيدي. الغائب حجّته معه!

الضابط: ومن اتهمك بغيابه..

الشرطي: لأن كل ما يحدث هنا تتهمونني به..  

الضابط: ولماذا لم تخبرني صباحاً بغيابه؟

الشرطي: لم تسألني يا سيدي..

الضابط: ألم أطلب منك من قبل أن تخبرني بكل شاردة وواردة تحدث هنا.

الشرطي: كاتب العرائض يا سيدي ليس من الشاردة ولا هو من الواردة.

الضابط: (ينظر له هازّا رأسه) حقّاً كما قالوا..

الشرطي: ماذا قالوا يا سيدي؟

الضابط: (مبتسما بسخرية) الغباء موهبة!

الشرطي: نتعلّم منك يا سيدي.

الضابط: تتعلم ماذا؟ ها.. (يمسكه من ياقته) قل لي ما الذي تعلمته مني وأنت تركت الحبل على الغارب.

الشرطي: لم تطلب مني حبلا يا سيدي.

الضابط: غباؤك هذا يزعجني (يتركه ويعود الى كرسيه)

الشرطي: لا أريد ازعاجك يا سيدي، وما عاش من يغيّر مزاجك، ولكن لم تقل لي أي نوع من الحبال تريد؟

الضابط: (صارخا به) اصمت أيها الغبي، ثرثرتك وغباؤك تشيران الى أنك في المكان الخطأ..

الشرطي: (يحاول ان يغيّر مكانه) والآن يا سيدي، هل أنا في المكان الصحيح.. وهل يناسبك مكاني هذا؟

الضابط: (يرميه بالقلم الذي يمسكه) أي بشر أنت.. ما الذي تخبّئه في رأسك؟

الشرطي: (يتحسس رأسه) لا شيء يا سيدي.. لم أضع شيئاً لم تره، هذا شعري وهذه بيريتي.

الضابط: (متضايقا) أووف، أي كلام تريدني أن أقوله كي تفهم.

الشرطي: (بغباء) أنا افهمك يا سيدي، أنا يدك اليمين يا سيدي.

الضابط: (بغضب) سأقطعها.. سأقطع يدي لو كانت أنت، والله اقطعها.

الشرطي: وكيف ستكتب الخطة الأمنية يا سيدي؟ لا بل كيف ستأكل (يصمت قليلا مفكر) ها.. فهمت، ستأكل بيدك اليسار أو سأكون طوع أمرك أطعمك من يدي.

الضابط: (يضع رأسه على الطاولة بين يديه)

الشرطي: ها سيدي، ما الذي تأمرني به، هل أجلب لك باراسيتول، أرى أن رأسك يوجعك.

المرأة: (الى الشرطي) لقد أوجعت رأس حضرة الضابط. دعني أتكلم (تتقدم من الطاولة) حضرة الضابط، اعرف أن المسؤولية عليك ثقيلة ولكن هذا لا يمنع من أن تستمع لشكواي.

الشرطي: أي شكوى يا امرأة؟ سيدي الضابط مشغول، ألا ترينه يفكر؟

المرأة: يفكر بماذا؟ وهل هناك ما يستحق التفكير الا الكارثة التي وقعت بها.

الشرطي: كارثة…؟ يا ساتر!

المرأة: لكن حضرة الضابط لا يريد أن يسمعني.

الشرطي: مزاج سيدي ليس على ما يرام، اذهبي وعودي غداً ربما سيكون مزاجه رائقاً.

المرأة: وما علاقة عملكم بالمزاج؟

الشرطي: اسمعي يا امرأة، صرت تلحّين كثيراً وهذا الإلحاح ليس في صالحك، ألا ترين سيدي وانشغالاته..

المرأة: أراه جيداً، ولكن عليه أن يراني أولا.

الشرطي: أي مصيبة حلّت علينا اليوم.

المرأة: مصيبتي أخي الشرطي.

الشرطي: ليس أكبر من مصيبتنا.

المرأة: المصائب لا تأتي الى الحكومة، كل المصائب تقع على رؤوسنا.

الضابط: (يرفع رأسه) هل انتهيتما؟ ها.. هل انتهيتما؟

الشرطي: تركناك تنعم بالقيلولة يا سيدي.

الضابط: النعمة الوحيدة التي أرغب فيها هي ألّا أراك هنا ثانية.

الشرطي: حسنا يا سيدي، اسمع مني فقط ما أريد أن اخبرك به ومن ثم وعد مني أنك لن تراني ثانية.

المرأة: ليسمعني أنا أولاً.

الشرطي: بل يسمع منتسبه أولا.

المرأة: المواطن أولا.

الشرطي: الحكومة أولا.

الضابط: (صارخا به) لا أنت ولا هي ولا حتى أنا. يا جماعة، أريد أن أحظى بنهار هادئ لا أن أستمع لثرثرتكما. اتركاني الآن.. غادرا المكان.

الشرطي: لكنك لم تفسح لي المجال لأخبرك بما حدث يا سيدي.

المرأة: أنا أيضا، لم تعطني الفرصة لشرح قضيتي.

الضابط: (مازال غاضبا) قلتها لكما ولا أزيد، لا أنت ولا أنتِ أيضا، لا أريد أحدا، اذهبا وثرثرا كما تريدان خارج مكتبي.

المرأة: أريد أن أقدّم شكوى، ومن واجبكم أن تلبّوا لي طلبي.

الضابط: (بهدوء) غدا ان شاء الله ألبّي طلبك.

المرأة: لا أستطيع حضرة الضابط الانتظار حتى الغد، الأمر مهم جدا.

الشرطي: ليس أهم مما لديّ.

المرأة: لا أعتقد أن هناك ما هو أهم من مشكلتي.

الشرطي: مشكلتك يمكن تأجيلها الى يوم غد، لكن مشكلتنا لا يمكن تأجيلها.

الضابط: (الى الشرطي) صرت تتحدث بلساني. ها. من أعطاك الحق في أن تتلفظ بهذه الألفاظ.

الشرطي: المشكلة يا سيدي تتطلب مني أن أخبرك بها.

المرأة: ومشكلتي أنا، من يستمع لها؟

الضابط: (الى المرأة) اذهبي الى مختار محلّتكم هناك ستجدين الحل.

الشرطي: نفّذي ما أمرك به سيدي.

المرأة: ذهبت الى المختار ولم أجده. قالت زوجته انه مسافر للعلاج.

الضابط: (الى الشرطي) لا توجّه لها أي كلام بوجودي (الى المرأة) هناك من ينوب عن المختار.

المرأة: ذهبت له أيضا ولم أجده، قال لي ابنه أنه مسافر أيضا.

الضابط: كلاهما مسافران، ما الذي يحدث في هذه المدينة، لا كاتب عرائض موجود ولا المختار موجود ولا نائبه أيضا.. كيف تُترك المدينة هكذا بلا رابط.

الشرطي: الرابط موجود سيدي.

الضابط: (بتوبيخ) ومن سألك انت؟

الشرطي: أنا يا سيدي أدافع عن شرفي الشرطوي!

الضابط: (هازئا) وأين هو شرفك هذا؟

المرأة: (تتوسل فيه) حضرة الضابط، دع الشرف لأهله، واستمع إليّ لأنني تأخّرت كثيراً.

الضابط: وماذا أقول عني، من أخّر عملي غيركما. لولا ثرثرتكما لما خسرت كل الوقت.

الشرطي: لم أكن أثرثر يا سيدي. كل ما في الأمر أردت أن أخبرك بما حدث.

الضابط: (صارخا به) وما الذي حدث غير هذه المصيبة التي تقف أمامي.

الشرطي: أكيد لست أنا.. (ينظر الى المرأة) أنت.. المصيبة أنت.

المرأة: صرت أنا مصيبة حضرة الضابط..

الضابط: كلكنّ مصائب! كل مصيبة وراءها امرأة!

المرأة: وماذا وراءكم أنتم معشر الرجال غير الهم والغم؟

الضابط: هكذا ترين زوجك؟

المرأة: لا يختلف عن غيره لكنّه مات قبل سنتين. لم أرَ منه خلال حياتي معه الا ما ألصقته أنت بنا.

الضابط: هكذا تترحمين على المرحوم؟

المرأة: الموتى لا يؤلمون أنفسهم بل يؤلمون من يخلّفونهم.

الضابط: اذن، أنت تتألمين لفقده.

المرأة: بل تؤلمني الديون التي أوقعها على رأسي، والمشاكل التي لا تنتهي.

الضابط: (مفكرا) لهذا جئتِ كي تقدّمي الشكوى ضدّه.

الشرطي: (متدخلا) الشكوى تسقط يا سيدي بوفاة الجاني.

الضابط: (ينهره) كم مرة تريدني أن أكررها عليك، لا تعطي رأياً بوجودي.

الشرطي: (مبررا) هذا ليس رأيي يا سيدي. أنا تعلّمته منك. كل قول يخرج من لساني هو منك.

الضابط: وأنا لا أريد أن أسمعه منك. ولا أريدك أن تطلق أي كلمة بوجودي (الى المرأة) وأنت، استمعت لشكواك ولأن الجاني قد مات فأننا مضطرون لغلق القضيّة.

المرأة: أي قضيّة حضرة الضابط؟ أنا لم أخبرك بقضيّتي بعد.

الضابط: (حائراً موجها كلامه الى الشرطي) ألم تسمعها وهي تشرح قضيّتها؟ ها.. تكلّم، ألم تسمعها أنت؟

الشرطي: (صامتا)

الضابط: ما بك تقف جامدا، صامتا، أجبني، ألم تسمعها؟

الشرطي: (لا يتكلّم)

الضابط: يا الله، أنت أصم أم تستهبل؟

الشرطي: أنا أنفّذ ما أمرتني به يا سيدي، طلبت مني أن أبقى صامتاً بوجودك.

الضابط: طلبت منك أن لا تبدي رأياً لا أن تجيبني على اسئلتي.

الشرطي: فهمت يا سيدي.

الضابط: تفهم بعد خراب البصرة!

الشرطي: البصرة ما زالت عامرة يا سيدي. لم تخرب بعد.

الضابط: ألم أطلب منك أن تبقى صامتا؟

الشرطي: أنا في حيرة من أمري يا سيدي. هل تريدني أن أصمت يا سيدي أم أتكلم؟

الضابط: اصمت وتكلّم في الوقت الذي يستدعي ذلك!

الشرطي: من يستدعيني للكلام يا سيدي؟ أنت…؟ نعم، أكيد أنت..

الضابط: (مؤكدا) الوقت هو الذي يستدعي صمتك وثرثرتك أيها الأبله.

الشرطي: وأين أجد الوقت.. هل تقصد أن هناك أحداً اسمه وقت؟

الضابط: (صارخا به) الغباء موهبة.. والله والله موهبة!

المرأة: حضرة الضابط، أنت تنساني دائماً بينما تتحدّث من شرطيّك هذا.

الضابط: غباؤه يُنسيني كل شيء.

المرأة: وهل سأبقى هكذا معلقة ما بينك والشرطي؟ عليك أن تنظر بأمري لا أن تتجادل مع هذا الشرطي المسكين.

الشرطي: (معترضا) لست مسكيناً يا امرأة. (يعدّل وقفته بزهو) أنا شرطي محترم.

الضابط: (يشير الى الشرطي ان يصمت)

الشرطي: (يضع كفّه على فمه)

الضابط: أكملي، انا استمع اليك.

المرأة: هل تعرف ما يجري في المدينة حضرة الضابط؟

الضابط: وكيف لا أعرف وكل التقارير تصلني أولا بأول.

الشرطي: لكنك يا سيدي لم تسمع التقرير الأخير.

الضابط: (يرمقه بشزر) قدّمه لي مساءً

الشرطي: الموقف لا يحتمل التأجيل.

الضابط: أعرف ما يدور في رأسك، نظرية المؤامرة التي صدّعت دماغي بها كل يوم أعرفها، العريف الفلاني يتلاعب بحصّة المنتسبين الغذائية، والشرطي الفلاني يصفني بكذا وكذا.. أليست هذه هي التقارير التي ملأت أدراج مكتبي؟

الشرطي: لكن الموضوع في هذه المرّة يختلف يا سيدي.

المرأة: ألم يحن الوقت لتضع مشكلتي مع تلك الأوراق؟ والله لقد تركت ولدي في المنزل وحيداً.

الضابط: مدينتنا آمنة. وهذا هو الدليل في أن تتركي ولدك لوحده في المنزل.

المرأة: الم تقل قبل قليل أن السرقات تملأ المدينة، وأوراقك تشير الى حجم المأساة التي نعيشها.

الضابط: تلك سرقات على الورق. وليست دليل على فقد الأمن يا امرأة. الواقع الذي أراه أنا آمناً..

المرأة: تراه آمناً، ومن يراه غيرك آمناً (تلتفت الى الشرطي) أنت أيضاً تراه آمناً.. (الى الضابط) شرطتك حضرة الضابط يرونه آمناً، مثلك تماماً. ما شاء الله، الناس يعيشون في نعيم بلا مشاكل. وإذا كان الأمر هكذا فلماذا لا تغلقون مركز الشرطة. لا حاجة لنا به ما دمنا ننعم بالراحة والاطمئنان.

الضابط: أنت تسخرين مني. اعلمي أن كلامك هذا يزعج الحكومة.

المرأة: وأينها الحكومة التي أغمضت عينيها عنّا؟

الشرطي: الحكومة موجودة هنا (يشير الى الضابط)

المرأة: وما نفع الحكومة ان لم تنظر في مشاكل الناس؟

الضابط: قلت لك. الأمن مستتب (يوجه كلامه للشرطي) قل لها، أليس الأمن مستتب في المدينة.

الشرطي: مستتب يا سيدي لولا..

الضابط: (مقاطعا) لولا ماذا؟ الأمن وحدة واحدة لا يمكن أن يستثنى منه جزء.

الشرطي: استثني منها ما حدث في المركز يا سيدي..

الضابط: (مستغربا) أي مركز؟

الشرطي: مركزنا يا سيدي.

الضابط: لم أرَ أو أسمع أن شيئاً قد حدث هنا.

الشرطي: لأنك لم تدعني أن أقدّم لك الموقف الأخير يا سيدي.

المرأة: ربما يقصد الموقف الذي أنا فيه حضرة الضابط.

الشرطي: ليس هذا يا امرأة. مشكلتك ليست مثل مشكلتنا. (ينظر الى الضابط وبعد تفكير) لقد سرقوا كل الأسلحة في المشجب يا سيدي.. سرقوا مركزنا.

الضابط: ماذا…؟

المرأة: ما اصابكم قد أصابني، جئت اشكو سرقة داري عندكم (ضاحكة بسخرية) لمن تشكون أنتم ما اصابكم..

الشرطي: (بغباء) الشكوى لغير الله مذلّة!

اظلام

ستار

البصرة في 5-6-2022

Share: