عمارة 19

شخوص المسرحية:

  1. الاستاذ : معلم متقاعد ارمل واولاده خارج البلد
  2. احسان: بائع صحف اكمل دراسته ولم يحصل على عمل
  3. الشيخ ابو خزامة: رجل دين متشدد
  4. الجابي: يعمل لدى صاحب العمارة
  5. غيداء: راقصة شعبية تعمل في الافراح وفي ملهى ليلي
  6. سرمد: مدير اعمال الراقصة غيداء

الفصل الاول

مبنى قديم جدا (عمارة) من ثلاثة طوابق آيل للسقوط يسكنه عدد من الناس منذ زمن.. الجابي يتحدث مع الاستاذ وبائع الصحف احسان وهما من سكان العمارة.

الجابي: اخواني انا عبد مأمور عليّ بتنفيذ ما يملي علي صاحب العمارة..

الاستاذ: لكننا غير موافقين على ذلك

الجابي: هذا امر راجع لكم ولسيدي صاحب العمارة الذي قال لي بالحرف الواحد ان من لا يقبل العرض بمضاعفة الايجار ليرحل من شقته فهناك كثيرون يبحثون عن سكن..

احسان: هو قال ذلك..

الجابي: (مؤكدا) بالحرف الواحد لم اضف اي كلمة على ما قاله ولم انقص..

احسان: ليس من المعقول ان يضاعف الايجار في كل عام..

الجابي: وليس من المعقول ان يبقى الايجار كما هو.. الوضع تغير يا اخوان الاسعار ارتفعت في السوق..

الاستاذ: وما علاقة اسعار السوق بايجارات شققنا..

الجابي: كل شيء مرتبط بالآخر.. ترتفع الاسعار هناك فترتفع هنا ايضا..

احسان: هكذا اذن .. تسعّرون شققنا وفقا لاسعار الطماطم والبصل..

الجابي: (مؤكدا) والدولار.. هل نسيت ارتفاع سعر صرف الدولار..؟ تلك الورقة التي تتلاعب بنا..

احسان: اللعنة على تلك الورقة التي لم ارها في حياتي..

الجابي: المهم، غدا صباحا سآتي لاستلم الايجارات واعدكم بأني لن انقل اي كلمة سمعتها منكم لسيدي صاحب العمارة..

الاستاذ: (بتهكم) واضح جدا انك تخاف علينا!

الجابي: بل اخاف على صحة سيدي صاحب العمارة، حين يسمع ما سمعته منكم سيرتفع عنده الضغط وكي لا يصاب بالجلطة الدماغية بسببكم طبعا سأكتفي باخباره ان يوم غد هو يوم جمع الايجارات.. (مؤكدا) لا تنسون غدا الساعة الثامنة صباحا مثل هذا الوقت اخبروا جيرانكم بذلك.. (يخرج)

احسان: (متذمرا) يا له من شخص وضيع يخاف على سيده ولا يفكر باحوالنا.. والان قل لي يا استاذ ما الذي سنفعله..؟

الاستاذ: مثلك انا حائر بأمري.. راتبي التقاعدي لا يصرف الا بعد اسبوع..

احسان: هل نرفض العرض ولا ندفع..؟

الاستاذ: صاحب العمارة رجل متهور اعرفه جيدا.. كان تلميذا فاشلا عندي يظن ان المال هو كل شيء في الحياة واذا ما امتنعنا عن الدفع سيلقي باغراضنا في الشارع..

احسان: وهل من حل اخر ..؟

الاستاذ: افكر في ان نقترح عليه امهالنا اسبوع آخر وهذا سيوفر لنا الوقت..

احسان: لكننا في الأخير سندفع..أليس كذلك..؟

الاستاذ: ما باليد من حيلة..

(تدخل الراقصة غيداء وخلفها مدير اعمالها سرمد)

سرمد: هذا كل ما في جدول اليوم يا آنسة..

غيداء: حسنا، ولا تنسى جدول يوم غد ايضا..

سرمد: لا يختلف عن جدول اليوم عصرا لدينا حفل زفاف وفي الليل في الملهى ..

غيداء: (تنتبه لوجود الاستاذ) الاستاذ هنا..؟ ياااه.. لم ارك يا استاذ اعذرني.. لم ألق عليك التحية..

الاستاذ: لا بأس عليك اعرف مسؤولياتك وانشغالاتك..

غيداء: لكنها لا تحرمني من القاء التحية عليك فأنت استاذنا اهم من كل الانشغالات..(تنظر الى احسان) وها انت ذا ايضا يا احسان.. اخبرني ماذا كتبت الجرائد عني هذا الاسبوع..؟

احسان: كل يوم اضع لك جريتك تحت الباب ..ألم تقرأيها..؟

غيداء: (باستغراب) اقرأها..؟

سرمد: (يتدخل) لم يسعفها الوقت لقراءتها..ستقرأها لاحقا..

غيداء:(تمسكه وتهمس به) كيف اقرأها وانا لا اعرف القراءة ولا الكتابة..

سرمد : (بهمس) لا تفضحي نفسك آنسة..

غيداء: حسنا.. لم تقل لي ماذا كتبت الجرائد عني..؟

احسان: هناك من يحمد وهناك من يذم..

الاستاذ: هذه هي الحياة لا تستقر على حال..

غيداء: كلامك عسل يا استاذ.. الحاسدون يذمون والمحبون يحمدون..

سرمد: (هاتفا) وهل هناك من لا يحب اشهر راقصة في هذا القرن..

غيداء: (بغنج) الحسّاد كثيرون

سرمد: نعم.. نعم الحسّاد

غيداء: لم تقل لي يا استاذ ما الذي جمعكم في هذا الصباح..؟

الاستاذ: صاحب العمارة ارسل الجابي لاستلام ايجارات الشهر..

غيداء: ها تذكرت.. (الى سرمد) سرمد ضع مبلغ الايجار في مظروف وسلمه الى الجابي..

احسان: الذي لا تعرفينه انه ضاعف الايجار..

غيداء: يا له من طماع.. ماذا يظن نفسه .. اتعب النهار والليل كي املأ جيبه..

الاستاذ: امرنا الى الله..

غيداء: اذا سلمناه هذه المرة سيطمع بنا اكثر واكثر..لينظر بعينه ويرى حال عمارته.. هل تسمي هذا مبنى..؟

احسان: ليته يهتم بها.. فهي آيلة للسقوط في الاسبوع الماضي سقطت الشرفة الشرقية والحمد لله لم يكن احد من الاولاد في الشارع..

الاستاذ: ما الذي نفعله، ازمة السكن تجبرنا في ان نبقى هنا ونرضى بجشع صاحبها..

سرمد: لدي اقتراح يا سادة.. لم لا تتظاهرون..

احسان: في العام الماضي تظاهرنا امام العمارة واوعدنا صاحبها انه سيهتم بمطالبنا وسينفذها لكنه بدلا من ذلك قام بزيادة الايجارات..

سرمد: هكذا هم الاغنياء لا يهمهم احد، لا يهمهم ان سقطت العمارة على ساكنيها او تلفت خدماتها.. ما يهمهم هو حلب الساكنين وتفريغ جيوبهم!

غيداء: ما الذي سأفعله، الملهى لم يعد كما كان وانا تعبت من الرقص والهز من أجل أن اوفر مبلغ الايجار..

احسان: وماذا تقولين عني، اجلس في الشارع النهار كله ولا أحد يشتري مني جريدة واحدة.. الناس لا يقرأون.. كلنا في نفس الهم، عمنا الاستاذ مثلنا ايضا ينتظر راتبه التقاعدي فيما صاحب العمارة لا يهمه أي شيء.. أي بشر هذا..؟

سرمد: قلت لك، هكذا هم الاغنياء..

(يدخل الشيخ ابو خزامة وحينما يرى غيداء يدير وجهه)

ابو خزامة: (مع نفسه) اعوذ بالله من الشيطان الرجيم!

غيداء: (تسمعه) وما الذي رأيته يا شيخ لكي تستغفر.. شياطين امامك أم بشر؟

ابو خزامة: ( يستغفر مع نفسه)

غيداء: (مستمرة) وفّر بسبساتك لنفسك وعش في قمقمك فالجمال لا يعنيك..

ابو خزامة: لمّي لسانك يا امرأة صوتك العالي عورة..

غيداء: (بغنج مصحوب باستياء) عورة..؟ هل شتمت احدا..؟ هل اغتبت احدا..؟ اذا كان صوتي هذا عورة فماذا تسمي صوتك..؟

ابوخزامة: اتركيني لحالي يا امرأة .. من الذي سلطك عليّ..؟

غيداء: بل قل من الذي سلطك عليّ كلما رأيتني تعوذت بالله وادرت وجهك.. ما الذي فعلته لك كي تتصرف هكذا.. اعرف انك مؤمن بالله وايمانك هذا لا يعطيك الحق بان تنظر لي بتلك النظرية الدونية.. من قال لك اني لا اؤمن بالله مثلك او افضل منك..؟

ابوخزامة: لوكنت كذلك لاتقيت الله في افعالك وغطيت جسدك وشعر رأسك..

غيداء: انا اتقي الله في تعاملي مع الناس لا اتدخل في شؤونهم ولا اكفرهم..

ابو خزامة: (مع نفسه) من رأى منكم منكرا فليغيره..

الاستاذ: (مقاطعا) ما هذا يا شيخ..؟ غيداء جارتنا ولم نر منها الا ما يسر فهي نعم الجار تساعد كل الناس..

ابوخزامة: تساعد الناس بمال حرام..

غيداء: (غاضبة) وما يعنيك انت من هذا.. حلال ام حرام..انا احصل على المال بجهدي وتعبي ألا تقل لي انت من اين يأتي لك المال..؟

الاستاذ: كل امرئ حر بما لديه.. كفا عن هذا الامر ولنجد حلا لمصيبتنا..

ابوخزامة: يا ساتر.. مصيبتنا..؟ اي مصيبة يا استاذ (وهو ينظر الى غيداء) كفانا الله شر المصائب..

غيداء: لا تنظر الي هكذا.. لست بقرة كما تتوهم..

الاستاذ: استهدي بالرحمن .. (الى ابو خزامة) مصيبتنا يا شيخ ان صاحب العمارة ضاعف علينا ايجار شققنا..

ابوخزامة: لا حول ولا قوة الا بالله.. الا يشبع هذا من السحت..؟

احسان: قلناها قبلك..

ابوخزامة: ساشكوه لمفتينا..

الاستاذ: هذا ملك خاص يا شيخ ولا سلطة لاحد عليه..

ابوخزامة: لكنه يستغلنا بدلا من ان يمد يده لنا لمساعدتنا..

غيداء: اذهب اليه بنفسك واهديه أليس هذا منكرا..؟ ستخلصنا منه وتزيد من حسناتك..(تضحك)

ابوخزامة: احتراما للاستاذ لا ارد عليك.. الحسنات والسيئات لا يعلمها الا الله..

احسان: اذهب اليه يا شيخ.. تحدث معه وذكّره بالايات والاحاديث ربما يرق قلبه لحديثك..

ابوخزامة: مثله لا يرق قلبه..

احسان: (ضاحكا) ليس اقسى من قلب ابي سفيان..!

ابوخزامة: لسنا في عصر النبوة.. لو كنا هناك (وهو ينظر الى غيداء) لما رأيت الموبقات تسرح في الارض..

غيداء: (غاضبة) اسمع يا هذا…

الاستاذ: (مقاطعا) الشيخ لا يعني احدا.. (الى الشيخ) اسمع يا شيخ ابو خزامة من رأيي ان تذهب له وتسمع منه ربما لم يكن الجابي صادقا معنا..

احسان: (فرحا) عدّاك العيب يا استاذ انا مع رأيك.. حين يرى صاحب العمارة وجه الشيخ الذي يشع نورا سيرأف بحالنا..

ابوخزامة: لا نستجدي من احد..

الاستاذ: ليس استجداءاً يا شيخ قل هي طلب مرحمة!

احسان: (ما زال فرحا) ما هذا يا استاذ كأنك في قلبي ..طلب مرحمة هذا ما كنت اقصده..

ابوخزامة: ولو ان الامر صعب لكني ساسعى من باب ان السعي لخير الناس فعل يرضي الله.. ما اريده يا استاذ قبل ان اذهب له هو قائمة الطلبات كي نذبحها على قبلة كما يقولون ولا نعود مرة اخرى الى نفس المشكلة..

احسان: انا احتفظ بقائمة طلبات تظاهرتنا في العام الماضي.. بما انه لم يحقق منها شيئا فلا بأس في ان نقدمها له من جديد..

ابوخزامة: لكني لم اكن موافقا على الفقرة الرابعة منها..

الاستاذ: التي تخص استماعنا للموسيقى..؟

ابوخزامة: وبصوت يصل الى شقتي..

الاستاذ: اتفقنا ان لا يكون الصوت مؤثرا على الجار..

ابوخزامة: الابواب متهرئة ولا تحجب صوتا..

احسان: في الفقرة السادسة طلبنا ان يهتم بالبنية التحتية ومنها اصلاح الابواب وبهذا لن يصل اليك يا شيخ اي صوت.. اما عن الاستماع للموسيقى والغناء فهذه حرية شخصية..

ابوخزامة: (بصوت عال) لست حرا في كل شيء.. اذا اصطدمت الحرية بتعاليم الدين الحنيف فبئسا بها..

الاستاذ: لا نريد ان ندخل في مجادلة بالدين..

غيداء: الدين لله والعمارة للجميع!

ابوخزامة: ابق في وهمك.. سيأتي اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون وعندها لا ينفع الندم..

غيداء: ها قد عاد لتصرفه يا استاذ.. يحسب هذا الرجل انه القيّم على الدين .. (تتوجه الى الشيخ) قل لي ياشيخ، انا كفلت يتيمين فكم يتيم انت كفلته..؟

ابوخزامة: لا يكلف الله نفسا الا وسعها..

غيداء: لنترك هذا.. وماذا عن عائلتك.. زوجتك وعيالك..

ابوخزامة: ما بهم..؟ وفرت لهم كل سبل العيش ويعيشون بايمان..

غيداء: سجنتهم في الشقة الضيقة وحرمتهم من التعليم ومشاهدة التلفاز .. هل يرضى الله بذلك..؟

ابوخزامة: تلك امور شخصية لا احبذ الخوض بها وهو امر لا يعنيك..

غيداء: مثلما لا يعنيك أمري.. ما دمت لم اجبرك على ان تكون جارا لي..

ابوخزامة: انت تخوضين بامر لا احتمله..

احسان: احمل اخاك على سبعين محملا..!

ابوخزامة: ليست اختا لي.. لو كانت كذلك لـــ…..

غيداء: لذبحتني..ها..؟ قلها.. (بصوت عال) لو كنت اختا لك لذبحتني..

الاستاذ: اذكري الله وكفاكما عن الجدال.. لنهتم بامرنا..

غيداء: ليس قبل ان يتركني وشأني..

الاستاذ: لم يقل الشيخ شيئا يجرحك..

غيداء: كل هذا ولم يقل شيئا.. كلماته وتلميحاته تلك تثيرني..

الاستاذ: الى هذا الحد وكفى.. حق الجار على الجار.. نحن في ورطة وليس من الصحيح ان نختلف لنؤجل خلافاتنا وننقذ وجودنا في العمارة..

احسان: عين العقل ما قاله الاستاذ.. والله كأنك في قلبي يا استاذ.. لو ضاعت العمارة سنضيع جميعا..

ابوخزامة: حسنا، حسنا.. انتظر منك ورقة المطالب ضعها في جيبك سأنهي بعض الاعمال واعود لآخذها منك.. (يخرج ابو خزامة بينما تتبعه غيداء بنظراتها)

الاستاذ: (يشير الى غيداء ان لا تتفوه بأي كلمة قبل خروجه)

احسان: ما رأيك يا استاذ..؟ هل سينجح الشيخ في اقناع صاحب العمارة ويحقق لنا مطالبنا..؟

الاستاذ: لا اعتقد.. لأني اعرف صاحب العمارة جيدا، هذا النوع من البشر لا يلين الا مع المال..

احسان: مع المال فقط يا استاذ..؟

الاستاذ: (ضاحكا) المال وما يتبعه!

احسان: (ينظر الى غيداء)

غيداء: (باستغراب) ها.. ما بك؟

احسان: (يضحك بخبث) لا تفهمينني خطأ..!

غيداء: اعرف ما يدور في رأسك.. تريدني ان اذهب اليه..

احسان: (ضاحكا) أنت قلتيها وليس أنا!

غيداء: (باستهتار) وماذا عن صاحب الوجه النوراني الذي يشع بالايمان..؟

احسان: (يضحك) وهل هناك من هو أكثر اشراقا من هذا الوجه ..

الاستاذ: (بضحك) يا لكما من مهرجَين..

سرمد: ايّاكِ ان توافقي على الذهاب.. دعي ذاك المخبول يذهب لوحده..

غيداء: من أجل راحة الاستاذ أقوم بكل ما يطلبه مني.. انتما لا تعرفان الاستاذ، لولاه لما كنت أنا.. لا أنسى موقفه الانساني معي يوم هربت من بيت زوج امي بعدما تحرش بي ولم اجد ماوى في الشارع.. الاستاذ الطيب هذا هو من آواني وحماني وقدم لي العون.. وفّر لي الملبس والمأكل.. كان يقتطع من راتبه قبل أن يحال على التقاعد جزءا لتوفير احتياجاتي..

احسان: حقا يا استاذ.. أنت تعرفها منذ زمن..؟

الاستاذ: لم ارد ان اسمع منها هذا..

غيداء: هذا فضل لن انساه ابدا يا استاذ..

الاستاذ: اتفقنا ان يبقى الأمر سرا بيننا..

احسان: ليس من العدل ان يبقى عمل الخير سراً..

الاستاذ: كنت أرى فيها اولادي الذين تركوني وحيدا وهاجروا بعيدا..

احسان: الم يسألوا عنك؟

الاستاذ: بين حين وآخر..

غيداء: سيعودون يا استاذ..

الاستاذ: في مثل هذا الوضع الذي نعيشه لا اريدهم أن يعودوا .. هم يعيشون هناك بسلام وكرامة..

احسان: أكثر عليك المواجع يا استاذ..

الاستاذ: لا بأس.. المهم يا شباب علينا ان لا نفرط بهذه العمارة ..

غيداء: لكن ما يطلبه صاحب العمارة منا كثير..

الاستاذ: سنتعاون جميعا ونقطع الطريق عن جشعه.. (الى احسان) اذهب أنت واجلب ورقة المطالب واعطها للشيخ.. تلك هي آخر الحلول..

                                            اظلام

الفصل الثاني

( في مكتب صاحب العمارة الحاج مراد، الجابي واقفا وهو يمسك ورقة بيده بينما الحاج مراد يقفل خزانة النقود)

الجابي: غدا صباحا سيدي ستكون الايجارات هنا على المنضدة..

مراد: ألم يعترض أحد على قرار مضاعفة الايجار..

الجابي: كلهم استجابوا يا سيدي لم يرفض احد..

مراد: (مبتسما) ألم اقل لك ذلك.. اذا اردت البقاء روّض من حولك..طبعا يستجيبون فلا مكان لهم الا في تلك العمارة..

الجابي: ولكن يا سيدي أخشى أن تقع عليهم..

مراد: (يضحك) حتى أن وقعت فلن اخسر شيئا..

الجابي: سيطالبوننا بالتعويض..

مراد: لا تهتم لهذا.. لم اوقع معهم عقدا ولا يلزمونني بشيء..

الجابي: (مفكرا) رائع! خطة عظيمة.. ليتني امتلك نصف عقلك يا سيدي..

مراد: (يضحك) لن تحصل على الربع منه ايضا..

الجابي: طبعا.. ومن أنا كي اصل اليك..

مراد: لكنك ذراعي وخدماتك كبيرة لي..

الجابي: خادمك الأمين يا سيدي.. استمد القوة منك وبك اشد ازري..

مراد: (ينهض من كرسيه ويتقدم نحوه) سالتك بالأمس عن راقصة تسكن في عمارتي.. ذكّرني باسمها..

الجابي: غيداء.. اسمها غيداء يا سيدي..

مراد: هل لديك صورة لها..؟

الجابي: للسف يا سيدي لا امتلك صورة لها..

مراد: أرأيت.. هذا هو خطأك، ألم أطلب منك من قبل أن تحتفظ بصور ساكني العمارة..

الجابي: نعم سيدي طلبت ووضعت الصور في ملف ساكني العمارة وينقصها صورة الراقصة غيداء..

مراد: (بغضب) لماذا لم تضع صورتها..؟

الجابي: لم احصل عليها لنها مشغولة كل الوقت .. تصور يا سيدي حتى مبلغ الايجار ترسله بيد مدير اعمالها..

مراد: ولديها مدير اعمال ايضا..؟

الجابي: نعم يا سيدي.. ان لم احصل على صورة لها منها ساقتطع واحدة من الجرائد..

مراد: عظيم.. وتنشر الجرائد صورها..(يصمت قليلا) هل هي جميلة..؟

الجابي: نعم يا سيدي، لم ار في المدينة من هي أجمل منها.. رايتها مرة واحدة قبل سكنها حين جلبها الاستاذ معه..

مراد: (باندهاش) الاستاذ..؟ وما علاقة الاستاذ بها..؟

الجابي: لا أعرف العلاقة التي تربطهما.. لكنه يهتم بها كثيرا..

مراد: لم تكن للاستاذ رغبة في النساء.. كيف تغير ذلك..؟ اسمع عليك بمعرفة سبب الاهتمام بها.. ضع عينا لنا في العمارة لنعرف كل ما يدور هناك..

الجابي: حسنا يا سيدي ساقنع احد الساكنين بأن يكون عينا لنا..

(يدخل الشيخ ابو خزامة)

مراد: (ينظر له بذهول)

ابوخزامة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مراد: (الى الجابي) من هذا.. وكيف دخل هنا؟

ابوخزامة: عليك برد السلام قبل السؤال..ألست مسلماً..

الجابي: اهلا بك يا شيخ..(مع مراد) هذا شيخ ابو خزامة من ساكني عمارتك..

مراد: تفضل..

ابوخزامة: زاد الله من فضلك

مراد: ان كنت جئت كي تدفع الايجار فعليك ان تدفعه لجابينا كي يثبت الاستلام في سجلاتنا..

ابوخزامة: ما جئت لهذا..

الجابي: اذهب يا شيخ وغدا صباحا ساكون معكم..

ابوخزامة: الامر لا يحتمل.. (يخرج ورقة المطالب) هذه ورقة بمطالب ساكني العمارة..

مراد: اي مطالب..؟

ابوخزامة: مطالبنا بتحسين الخدمات والنظر في مبلغ الايجار..

مراد: (الى الجابي) ألم تخبرني انهم وافقوا على قرارنا..؟

الجابي: (باحراج شديد) نعم يا سيدي لم يعترض احدا.. لا اعرف من اين أتى الشيخ بهذه المطالب..

ابوخزامة: هي ذات المطالب التي قدمناها لك قبل عام ولم ينفذ منها شيئا..

مراد: (الى الجابي) خذها منه.. (الى ابي خزامة) حسنا سننظر بها..

ابوخزامة: ليس قبل ان آخذ منك كلمة بأنك ستنفذها..

مراد: ما هذا..؟ ان لم يعجبكم السكن اخلوا العمارة واختاروا سكنا آخرا..

ابوخزامة: انت تطردنا..؟

الجابي: ما بك يا شيخ.. الحاج لا يطرد احدا كل ما في الامر انه حريص على املاكه..

ابوخزامة: ومن سيحرص على ارواحنا..؟ العمارة ستنهدم وهو لا يفعل شيئا لترميمها..

مراد: (مهددا) اسمع يا هذا.. انت الان في وضع لا يسمح لك بالتفاوض..

الجابي: (يقترب من مراد ويهمس باذنه) هو ذا الشخص الذي نبحث عنه ليكون عينا لنا في العمارة..

مراد: (بهمس) كيف.. ألا ترى وجهه العبوس..؟

الجابي: ما لنا ووجهه.. نستطيع ان نروضه ونقنعه .. انا اجيد التصرف مع مثل هذه الاشكال لا يهمها الا مصلحتها..

مراد: حسنا جرب معه ولكن اياك أن تفصح عن كل شيء..

ابوخزامة: (يبدو عليه الضجر) ألم تنتهيا من الهمس.. هذا خلاف ما اوصانا عليه ديننا الحنيف..

الجابي: امور تتعلق بالشغل يا شيخ، الامر لا يخصك.. عليك بالجلوس لنتفاهم..

ابوخزامة: (ينظر الى مراد)

مراد: اجلس يا شيخ.. من لا يعرفك لا يثمنك..اخبرني الجابي عنك وعن خصالك الحميدة..

ابوخزامة: (ينظر الى الجابي)

الجابي: ما قلته لك يا سيدي قليل بحق شيخنا الجليل..هو قمة في الايمان والصدق.

ابوخزامة: (يبتسم) الحمد لله على كل شيء..

مراد: اجلس يا شيخ ..

ابوخزامة: (يجلس)

مراد: انا يا شيخ طوع امرك ما تفصله لنا انت نحن نلبسه..

ابوخزامة: (يندهش للتغيير الذي طرأ على مراد)

مراد: أعرف أني اثقلت عليك وضاعفت الايجاء لكني ما كنت اعرفك جيداً والعيب فيّ لأني لم ابادر في أن التقي بك من قبل..

ابوخزامة: ربما العيب فيّ أنا لأني لم ازرك..

الجابي: (صائحاً) حاشاك من العيب يا شيخ.. نحن من يتعلم منك ..

ابو خزامة: والله اخجلتموني بكلامكم العطر هذا.. ما كنت اظنك بهذا اللطف..

مراد: أنا واحد منكم وانتم اهلي..

ابوخزامة: اذن قضية المطالب اعتبرها منتهية وقد حلّت بإذن الله..

مراد: بالنسبة لك لا تفكر بهذا، اسقطنا عنك مضاعفة الايجار وسيقوم الجابي غدا بجرد ما يمكن اصلاحه في شقتك..

ابوخزامة: وماذا عن بقية سكان العمارة..

الجابي: فكّر بنفسك يا شيخ، هم يريدون توريطك معنا لكن والحمد لله دفع الله ما كان اعظم..

ابوخزامة: لم افهم ما تقصدان..

مراد: اسمع يا شيخ، من الآن وصاعدا انت لا تدفع الا الايجار الذي كنت تدفعه من قبل ..

ابوخزامة: لكني جئت من أجل العمارة كلها..

الجابي: ولا تزر وازرة وزر اختها..

ابوخزامة: (ينظر اليه مندهشا) بل قل ولا تزر وازرة وزر أخرى هكذا هي الآية الشريفة..

الجابي: ألم اقل لك، نحن نتعلم منك؟

ابوخزامة: حسناً، واذا سألني سكان العمارة عن قضيتهم، ماذا اقول لهم..؟

مراد: لا عليك.. اترك الأمر لنا..

ابوخزامة: (مفكرا) لا أعتقد أن عرضكم هذا دون مقابل..

مراد: (ضاحكاً) يا لنباهتك يا شيخ!

الجابي: ألم اقل لك يا سيدي.. نبيها وذو عقل كبير..

ابوخزامة: ماذا عليّ ان اقدمه لكما..

مراد: (ينهض من مكانه ويجلس بقربه) أنت تعرف أن ادارة العمارة بحجمها هذا هي مسؤولية كبيرة ونحن مسؤولون أمام الله اولا وامامكم ثانيا في كل ما يحدث.. فكرت يا شيخ أن تقوم انت بمسؤولية ادارة شؤون العمارة..

ابوخزامة: (متعجبا) أنا..؟

الجابي: وهل هناك من هو أفضل وأحرص منك ..؟

ابوخزامة: لم افهم ما الذي تعنية بادارة شؤون العمارة.. ما هو العمل بالضبط..؟

مراد: الموضوع سهل يا شيخ وأنا على يقين أنك ستتقن العمل.. كل ما في الأمر هو أن تراقب كل ما يحدث فيها صغيرا كان ام كبيرا..

ابوخزامة: أتريدني ان اتجسس على الجيران؟

الجابي: ليس تجسساً.. هي خدمة للناس من اجل توفير الأمن لهم..

مراد: وسنعطيك مقابل هذا العمل مرتبا محترماً..

ابوخزامة: (يصمت ويفكر قليلا)

الجابي: لا أعتقد أن الأمر يحتاج الى تفكير..

ابو خزامة: (ينظر اليهما وما زال يفكر)

مراد: إن وافقت فسأصرف لك مرتبك من الآن..

الجابي: (يهمس في اذن ابو خزامة) ان لم ترض بالعمل فسيرضى به غيرك، وافق يا شيخ، بذلت جهدا كبيرا لإقناعه بان تكون انت وليس سواك من يقوم بهذا العمل..

مراد: ها.. ماذا قلت.. نحن لا نريد احدا غيرك..

ابوخزامة: حسنا.. أنا موافق..

الجابي: ألم أقل لك يا سيدي، شيخ جليل ولا يرضى بالباطل..

مراد: ارجو ان يكون الأمر سرا بيننا..

ابوخزامة: ولماذا سراً..

مراد: لأن الباقين لو عرفوا بطبيعة عملك سيتحاشون القيام بأي فعل امامك..

ابوخزامة: ها.. فهمت.. حسنا ليبقى الأمر سرا بيننا.. ومتى أباشر بالعمل؟

مراد: (ضاحكا) مجرد موافقتك هي مباشرتك بالعمل.. أنت باشرت الآن..

ابوخزامة: (ينهض وهو غير مصدق) حسناً.. باشرت.. ساذهب الان..

(يخرج ابو خزامة )

مراد: (ينظر الى الجابي)

الجابي: ما بك يا سيدي..؟

مراد: كنت أظن أن في راسك جزمة، لكنك الآن اثبت لي أن في راسك عقل!

الجابي: (فرحا) أتعلم منك يا سيدي..

                                          (يضحكان)

                                 اظلام

                             الفصل الثالث

(سكان العمارة يتجمهرون امامها)

احسان: اين ذهب الشيخ ابو خزامة..؟

غيداء: (ساخرة) اظنه ما زال يتعبد

الاستاذ: (ينظر اليها وينهرها) كفي عن اللغو..لسنا في محل للسخرية..

غيداء: كنت ابرر له.. ماذا اقول يا استاذ..؟ هل ذهب الى قاعة السباحة (تضحك ويضحك معها احسان)

الاستاذ: كل امرئ حر بتصرفه.. هل اجبرتك على شيء من قبل..؟

غيداء: (بغنج) زعلت مني يا استاذ..

احسان: الا ستاذ لا يريدك ان تصطدمي مع الشيخ..

غيداء: لكنه لا يتركني لحالي..

الاستاذ: بعد حديثنا معه لا يمكن ان يفعل شيئا تجاهك المهم ان تلتزمي الصمت ان حضر..

غيداء: (بغنج) انت تأمر يا استاذ..

(يصل ابو خزامة .. الجميع يقتربون منه)

الاستاذ: هل ذهبت اليه..؟

ابو خزامة: (بتباه) وجلست معه..

احسان: وسلمته المطالب..؟

ابو خزامه: استلمها بيده !

الاستاذ: ماذا قال عنها.. هل شعرت بتجاوبه معها..؟

ابو خزامة: لم يقل شيئا طواها ووضعها في جيبه..

الاستاذ: وانت ماذا قلت له..؟

ابو خزامة: شكوت له حال العمارة وذكرته بانه مسؤول عن رعيته..

احسان: (مندهشا) الرعية..؟ هذا كل ما عندك يا شيخ..

ابو خزامة: وماذا تريدني ان اقول..

احسان: مضاعفة الايجار الذي يثقل كواهلنا..

ابو خزامة: كل ذلك مذكور في المطالب وهي بين يديه وسينظر بها.. اعذروني لدي عمل !

(يذهب عنهم بينما راحوا ينظرون له بتعجب)

احسان: لا .. هذا ليس هو .. اشعر ان كارثة في الطريق..

الاستاذ: اعرف جيدا صاحب العمارة واعرف ان لا احد يؤثر عليه

احسان: لكن الشيخ ليس سهلا وبامكانه اقناعه..

الاستاذ: ذاك لا يهتم لامر هذا

احسان: ما زلت اشعر ان كارثة قادمة

غيداء: شيخك هذا هو الكارثة بعينها (تضحك)

احسان: انه لامر غريب، ذهب وهو يشتد غيظا وعاد هادئا باردا كأن في الامر شيئا لا اعرفه.. يا ترى هل قام بتخديره..؟

الاستاذ: كف عن اوهامك سنعرف ذلك فيما بعد

احسان: ألم تلاحظ عليه التغيير الذي لاحظته يا استاذ..؟

الاستاذ: (يكتفي بالنظر له)

غيداء: سبحان مغير الاحوال

احسان: (ما زال باندهاشه) لم اره من قبل بهذه الاريحية

غيداء: كأنه خرج توا من ملهى (تضحك)

الاستاذ: الرجل غائب ولا يحق لكما ان تذكراه بسوء

احسان: ومن تحدث عنه بسوء.. الشيخ لا يعنينا قدر ما تعنينا مطالبنا التي اخذها معه..

غيداء: اشك انه سلمها اليه..

احسان: هل يكذب؟

الاستاذ: مثله لا يمكن ان يكذب..

غيداء: لم لا تذهب انت يا استاذ الى صاحب العمارة ألم تقل لنا انك كنت معلمه في المدرسة..

الاستاذ: كنت … اما الان فهو يسوق مصائرنا حيثما يريد..

احسان: اذهب اليه يا استاذ وتأكد ان كان الشيخ قد سلمه المطالب ام لم يسلمها..

الاستاذ: (الى احسان) لم لا تذهب انت..

غيداء: فكرة جيدة، اذهب يا احسان بحجة انك تعطيه جريدة اليوم وانتهز الفرصة واسأله عن ورقة المطالب..

احسان: (مفكرا) هل تأتين معي..؟

غيداء: أنا..؟ بالرغم من اني لم اره في حياتي الا ان ما سمعته عنه منكم يشعرني بالخوف منه..

احسان: كيف تخافينه وانا معك..

غيداء: (تضحك) ماذا يقول الاستاذ..؟

الاستاذ: ارى ان صاحب العمارة لا يمكن ان يغير طمعه وجشعه شيء

غيداء: هل اذهب..

الاستاذ: الامر متروك لك..

احسان: لنذهب معا وهناك سنعرف ما جرى للشيخ

الاستاذ: حسنا اذهبا

غيداء: (وهي تهم بالخروج) لن نتأخر يا استاذ

احسان: (يتبعها)

الاستاذ: (مع نفسه) اي حياة هذه التي نحياها مصائرنا بيد طماع جشع رجل فاشل في كل شيء الا في جمع المال.. يبدو ان الثرثرة في هذا الامر لا ينفع لاذهب واستريح..

(يذهب الى داخل العمارة)

(يدخل الشيخ ويبدو انه كان يراقبهم من نافذة شقته)

ابو خزامة: طماع وجشع ورجل فاشل ، ما لك والناس يا استاذ.. ترى ما الذي ستقوله عني ان كنت وصفت صاحب العمارة بهذا الوصف البشع المقرف..حقا ان الامر لا يطمئن ومن حق صاحب العمارة ان يفعل باولئك الناس ما يريد.. ولكن اين ذهب بائع الجرائد وتلك الغانية لم اسمعهما جيدا..

(يدخل سرمد سكرتير غيداء)

سرمد: (بميوعة مبالغ فيها ) هلو شيخ !

ابو خزامة: (ينظر له بشزر وينهره) من اي طينة خلقت انت..؟

سرمد: (بميوعة مبالغ فيها) من الطين الحرّي

ابو خزامة: (ما زال في غضبه) ما بك لا تتحدث مثل البشر؟

سرمد: قل لي بربك كيف يتحدثون..

ابو خزامة: (مع نفسه) حمدا وشكرا لله

سرمد: (يحاول استرقاق السمع) ها.. ماذا قلت..؟

ابو خزامة: امر لا يعنيك.. والان ما الذي تريده؟

سرمد: جئت اصطحب الانسة لحفلة رقص

ابو خزامة: رقص..؟ اعوذ بالله

سرمد: هذا عمل يا شيخ حاله حال اي عمل

ابو خزامة: (يصطنع الابتسام)

سرمد: ها انت ذا تضحك.. ما الذي يضحكك

ابو خزامة: (بسخرية) وانت.. هل ترقص ايضا

سرمد: انا لا ارقص.. انا اجمع ما يلقيه المعجبون من اموال واحمي الانسة

ابو خزامة: انت تحميها..؟ انت..

سرمد: ألم تسمع بالبودي غارد

ابو خزامة: (ساخرا) وانت من يحميك؟

سرمد: يحميني الله

ابو خزامة: وهل تعرف الله تعالى كي يحميك..؟

سرمد: لم لا اعرفه..هو ربي مثلما هو ربك

ابو خزامة: (مع نفسه) ولله في خلقه شؤون

سرمد: ها قد عدت للبسبسة.. ماذا قلت يا شيخ

ابو خزامة: (ينهره) اذهب عسى الله ان يهديك

سرمد: ويهديك ايضا

ابو خزامة: (ينظر اليه بضجر)

سرمد: ما لي اراك عابسا كل الوقت

ابو خزامة:اتريدني ان ارقص معكما

سرمد: قلت لك انا لا ارقص لكن ان رغبت انت في الرقص عليك بحلق لحيتك.. لا يجوز الرقص بلحية طويلة مثل هذه (يمد يده الى لحية الشيخ)

ابو خزامة: ارفع يدك قبل ان اقطعها

سرمد: تقطع يدي من اجل شعيرات

ابو خزامة: (ما زال غاضبا) اغرب عن وجهي ايها التافه انا لا احتملك

سرمد: حسنا..حسنا يا شيخ لا تغضب، لنعقد صفقة

ابو خزامة: يبدو اني ساقترف جريمة هذا اليوم

سرمد: لماذا كل هذا العبوس، لست بالسوء الذي تظن، انا في حياتي لم اغضب احدا ولم اكره احدا ولا اؤذي.. لو صفعتني الان بيدك على هذا الخد ساعطيك الخد الاخرى لتصفعه..

ابو خزامة: ولماذا اصفعك..؟

سرمد: ربما تحتاج الى من تريد ان تفرغ فيه ما سبب لك العبوس والغضب.

ابو خزامة: (يصمت ويكتفي بالتحديق فيه)

سرمد: اسألك يا شيخ.. ألم تر راقصة الشعب

ابو خزامة: راقصة الشعب؟

سرمد: لقب اطلقه الجمهور

ابو خزامة: (مع نفسه) جمهور عفن مثلكما

سرمد: اوووه بدأت تبسبس.. قل لي ياشيخ هل رأيتها..؟

ابو خزامة: خرجت مع بائع الجرائد

سرمد: الا تعرف الى اين ذهبا

ابو خزامة: (يدفعه) لم لا تتوقف عن هذا الخريط

سرمد: وتسمي سؤالي خريطا

ابو خزامة: لانك تععلم علم اليقين ان لا علاقة لي بها

سرمد: غريب امرك يا شيخ، هناك من يحلم بكلمة واحدة منها وانت تقول هذا

ابو خزامة: الطيور على اشكالها تقع

سرمد: اقول لك شيئا يا شيخ ولكن اوعدني ان لا تغضب

ابو خزامة: لقد اكثرت من الاسئلة

سرمد: هو سؤال اخير.. هل تعرف يا شيخ ما الفرق ما بيننا وبينك

ابو خزامة: (ينظر له بغضب)

سرمد: ها.. غضبت.. أرأيت.. هذا هو الفرق بيننا ، نحن نضحك دائما وانت دائم الغضب

ابو خزامة: ليس هذا الفرق ايها الجاهل، الفرق ما بيني وبين امثالك هو القرب من الله.. انا الاقرب وانتم بعيدون جدا

سرمد: وكيف عرفت ذلك..؟ هل ان القرب من الله بهذه اللحية ام بالعبوس الدائم..؟

ابو خزامة: (يستشاط غضبا) اغرب عن وجهي ايها الملحد

سرمد: وكيف عرفتني ملحدا.. هل انت وكيل الله على الارض..؟

ابو خزامة: اطبق ما يرضي الله في ملكه

سرمد: وهل يرضيه ان تكون غليظا فجا هكذا.. أليس الله محبة وهو غفور رحيم

ابو خزامة: غفور رحيم بعباده

سرمد: ألسنا عباده؟

ابو خزامة: (باندهاش) اقنعني انك من عباده، بميوعتك هذه..؟ بممارستك الرقص والغناء واللهو والفجور..؟

سرمد: وما يدريك ما في داخلي..؟

ابو خزامة: لم ار الا شيطانا رجيما

سرمد: يا اخي افتح قلبك للناس وقبله عقلك.. لم يطلب منك الله ان تتدخل في شؤون الاخرين ولم يرض بعبوسك وغلاظتك.. اعرف ان الله يريدننا ان نعمر الارض ونعيش حياتنا..

ابو خزامة: تعمرونها باللهو واللغو قبحكم الله..

سرمد: يبدو ان الحديث معك لا يؤدي الى نتيجة فعقلك مقفل لاذهب وألحق براقصة الشعب..

(يخرج سرمد مسرعا بينما ابو خزامه يتبعه بنظراته)

ابو خزامة: ما الذي يجري هنا.. يبدو ان صاحب العمارة على حق فهناك كثير من الريبة في تصرفات الناس ساكتب تقرير اليوم واسلمه له .. ياله من عمل مريح ومربح!

                              (يخرج – اظلام)

                                 الفصل الرابع

(في مكتب صاحب العمارة.. الجابي يدخل مسرعا وصاحب العمارة ينظر له باستغراب..)

صاحب العمارة: ما بك يا رجل ..؟

الجابي: شيء لم يخطر على بال.. (بفرح غامر) يا لك من محظوظ..!

صاحب العمارة: (باستغراب) اختصر ما عندك.. (يفكر قليلا) تعال انت.. من قال لك اني لم اكن محظوظا ..؟

الجابي: وهل يجروء احد ان يقول هذا..

صاحب العمارة: قل لي ما عندك..

الجابي: لقد جاءت يا سيدي.. (بسعادة مبالغ فيها) لقد جاءت..!

صاحب العمارة: (ينهض من مكانه فزعا) زوجتي..؟!

الجابي: كلا يا سيدي ليست زوجتك وليتها تكون..!

صاحب العمارة: ما هذا الذي تقوله.. فسّر كلامك ايها الغبي..

الجابي: الغبي هذا جاءك بخبر سيفرحك..

صاحب العمارة: افصح عما عندك..

الجابي: لقد جاءت الراقصة.. (يغمز) الراقصة يا سيدي..

صاحب العمارة: (يصمت قليلا ثم يصرخ به) أين هي.. ادخلها..

(الجابي يسرع نحو الباب الا ان الراقصة واحسان يدخلان، الراقصة تدفع الجابي حيث يسقط على الارض)

الجابي: راقصة ام لاعبة تايكواندو !

غيداء: (تنظر له )

الجابي: (مع صاحب العمارة) أرأيت يا سيدي.. هذا ما يفعلونه بي دائما والحمد لله ان هذا حدث امامك..

صاحب العمارة: ألم تخبرني انهم ودودون معك..؟

الجابي: (لا يجيب)

غيداء: (تقف قبالة صاحب العمارة وما زالت غاضبة) اسمع يا استاذ، انا لم اعرفك من قبل لكن تصرفاتك معنا تجعلني ان اكون هكذا معك..

صاحب العمارة: (يحاول تهدأتها) تفضلي.. اجلسي

غيداء: لا اجلس قبل ان تجيبني على سؤال واحد..

صاحب العمارة: اجلسي وساجيبك على كل اسئلتك..اجلسي

غيداء: (تنظر الى حسام ثم تجلس)

صاحب العمارة: والآن ماذا تشربين..؟

غيداء: قل لي اولا لماذا ضاعفت مبلغ الايجار هذا العام ألم تضاعفه في العام الماضي..؟

صاحب العمارة: (مبتسما) لا يليق بالجميلة ان تغضب..

غيداء: (دون ان تأبه لكلامه المعسول) ألا تفكر بالناس.. بالرغم من انهم يعيشون في تلك الخربة الا انهم يدفعون دوم قلوبهم من اجل ان يوفروا لك مبلغ الايجار..

صاحب العمارة: السوق يا سيدتي والغلاء ماذا افعل كل ذلك يجعلني ان اضاعف الايجار..

غيداء: عذر اقبح من فعل!

احسان: (يلكزها ويهمس باذنها) لم نتفق على اسلوبك هذا..

غيداء: (تكتفي بالنظر الى احسان)

صاحب العمارة: المهم..انا مثلكم انسان ولدي مشاعر واحاسيس ولا اعرف ظروفكم ولو جاءني احد منكم وشرح لي وضعكم لتوصلت معكم الى حل..

غيداء: ألم يأتك الشيخ؟

صاحب العمارة: (يصطنع ابتسامة) ومن هذا الشيخ..انا لم ار شيخا..(ينظر الى الجابي) هل يسكن في العمارة شيخ..؟

الجابي: نعم يا سيدي اسمه مكتوب في قوائم الدفع لكني رفعت عنه صفة الشيخ ووضعت بدلا عنها دائرة حمراء كبيرة..

صاحب العمارة: (ضاحكا) ولم الدائرة الحمراء..؟

الجابي: لكي اعرفه

صاحب العمارة: وهل رأيته عندي..؟

الجابي: (متلعثما) كلا..كلا يا سيدي

صاحب العمارة: أرايتما لم يزرني شيخ

غيداء: حسنا، الان انا جئتك لاشكو خيباتنا فماذا تقول..؟

صاحب العمارة: ما هذا الكلام..؟ لا تقولي هذا..انت مرحب بك في كل وقت نهارا او ليلا (ينظر الى الجابي) أليس كذلك..؟

الجابي: نعم نعم مرحب بها ليلا ونهارا

غيداء: والان ماذا قررت..هل تبقي مضاعفة الايجارام تلغيه..؟

صاحب العمارة: (ينظر الى احسان والجابي) حسنا، لنبق وحدنا ونتفاهم!

احسان: (معترضا) انا من سكان العمارة وما تتفق معها يهمني انا ايضا..

الجابي: (يمسك به ويسحبه) تعال يا اخي لنخرج انت يأتيك الصافي!

احسان: (يحاول الافلات منه) لن اتركها لوحدها..

صاحب العمارة: (ينظر له بغضب)

الجابي: (يمسك احسان ثانية ويجره الى الخارج) تعال معي ساشرح لك كل شيء..

                              (يخرجان)

غيداء: والان صرنا لوحدنا.. ماذا عندك.. اي سر تخفيه عنا..

صاحب العمارة: (مبتسما) اي سر تتحدثين عنه.. لا سر عندي بل قولي اتفاق وتفاهم

غيداء: الاتفاق يجب ان يكون مع سكان العمارة

صاحب العمارة: (بنبرة اخرى) لا يهمني من يسكن العمارة

غيداء: لا يهمونك كلهم

صاحب العمارة: الا أنت..(ينهض من مكانه ويجلس لصقها)

غيداء: (مستغربة وهي تحاول الابتعاد عنه ) أنا..؟!

صاحب العمارة: نعم انت.. اعجبتني طريقتك بالدفاع عن الناس، واعجبني غضبك..لا اعرف لماذا يجعل الغضب من الانثى كائنا غريبا..غضب الانثى مثل رذاذ المطر يشعرني بالانتعاش..

غيداء: (تدفعه) والان قل لي ما الحل..؟

صاحب العمارة: الحل ليس عندي..

غيداء: (مستغربة) ألست صاحب العمارة..؟

صاحب العمارة: نعم صاحبها

غيداء: اذن الحل عندك

صاحب العمارة: بل الحل عندك انت..

غيداء: كيف تريدني ان احل مشكلتي ..يبدو انك تحب الالغاز هل هذا لغز؟.

صاحب العمارة: الانثى الذكية تعرف فك الطلاسم وتعرف حل الالغاز..

غيداء: (تصمت قليلا وقد عرفت نواياه)

 صاحب العمارة: صمتك هذا هل اعتبره موافقة..؟

غيداء: (تتظاهر بالغباء) موافقة..؟ على ماذا..؟

صاحب العمارة: على الذي دار في رأسك لحظة صمتك

غيداء: (تصمت)

صاحب العمارة: بامكانك فعل الكثير لك وللناس.. (يهمس) انتظرك الليلة لنكمل حديثنا..

غيداء: لم لا نكمله الان في الليل اكون منشغلة بعملي..

صاحب العمارة: ساعطيك ضعف ما تجنينه من عملك وبالعملة الصعبة!

غيداء: تغريني بعرضك هذا لكنك لا تعرف اهمية عملي بالنسبة لي..

صاحب العمارة: اعرف..اعرف

غيداء: ما الذي تعرفه..؟

صاحب العمارة: اعرف انك تعملين راقصة في الملهى الشعبي..

غيداء: هذا عملي وانا مرتاحة به

صاحب العمارة: ليست هناك اي مشكلة.. هناك ترقصين وهنا ترقصين ايضا..

غيداء: ارقص هنا..؟ لمن ارقص..؟ للطاولة والكرسي..

صاحب العمارة: (يقترب منها) ترقصين لي..

غيداء: بامكانك ان تذهب للملهى

صاحب العمارة: لا اريد احدا معنا.. اريدك ان ترقصي لي وحدي..انا وانت فقط..

غيداء: ما هذا يا سيد..؟

صاحب العمارة: انا مغرم بك، انظري الى تلك الصحف كل صحيفة تنشر صورتك اضعها امامي..

غيداء: مغرم بي وتؤذيني، تضاعف الايجار لتأتي وتقول انك مغرم بي، ما هذه السادية يا سيد..؟

صاحب العمارة: لم اقصد ايذاءك ابدا.. واكراما لك سيكون سكنك في العمارة مجانا..

غيداء: وماذا عن الناس..؟

صاحب العمارة: فكري بنفسك لا تهتمي للناس

غيداء: لو قلت لي انك ستتنازل للناس وتترك امري لرضيت ..

صاحب العمارة: لا اصدق ما اسمع!

غيداء: ذلك لانك لم تعش ما عشناه.. جئت الى الحياة وفي فمك ملعقة ذهب، لو عشت الحرمان والعوز لما قايضتني على نفسي..لو رميت نفسك في حضن البؤس ورضيت بعمل ينهش فيه الجميع كرامتك لما طلبت مني ان ارقص لك وحدك.. جشعك وطمعك واموالك جعلتك تظن انك باستطاعتك ان تمتلك الناس.. اسمع يا سيد من العيب ان تقايضني على جسدي من اجل حق نطالب به.. اسمع يا هذا انت وامثالك لن تنالوا الا الخيبة..

                            قطع

                                      اظلام

                                           البصرة 23 تموز 2018

Share: