الدستور العراقي والمال العام

من خلال تواصلنا مع الشارع العراقي وتحدثنا مع طبقاته وفئاته المختلفة اتضح لنا ان ما نسبته اكثر من ثمانين بالمئة من الناس لا يعرفون ما تنص عليه مسودة الدستور العراقي الذي صادقت عليه الجمعية الوطنية..الأمر الذي جعلنا نطالب في عمود سابق في ان توزع مسودة الدستور مع مفردات البطاقة التموينية (هذا إن بقيت المفردات على حالها!)) وقد استبشرنا خيراً في عملية التوزيع ولم ننظر الى المبالغ الطائلة التي صرفت من اجل ذلك وقلنا ربما تأتي هذه العملية ثمارها خاصة وأن كثير من العراقيين يتساءلون: ماذا يريدون منا يوم 15/10 (ولا ندري لماذا هذا التأريخ بالذات الذي يذكرنا بيوم الاستفتاء والزحف الكبير المقيت) ؟ وهذه الـ(ماذا) غدت على كل لسان ذلك لأن الناس لا يعرفون ما الذي يعنيه الدستور لهم، حقاً هم لا يعرفون، واسألوهم مباشرة فسترون العجب العجاب!!.. ومرة أخرى نقول وقد يسخر بعضهم من طرحنا الموضوع بهذه الصيغة وكأننا نريد أن نظهر للعالم أن العراقي غير جدير بالرأي لأنه بلا وعي! وهذا كلام خاطئ ذلك لأن الواقع يقول ان العراقيين من أكثر شعوب الأرض احساساً بالمخاطر وأنهم يستطيعون أن يستخرجوا الضار من النافع وأنهم قادرون على تحقيق ما لم يستطع تحقيقه بقية شعوب العالم لأن الأمة العراقية انعجنت في بحور الدم والحديد والرصاص.. 
نعود الى الدستور وانتظار العائلة العراقية بالمفردة الأضافية التي اضيفت الى مواد الحصة التموينية، ولم يبق من الإستفتاء الا أيام معدودات ولم تصل المسودة إلى البيت العراقي ولم تصل الحصة التموينية (وهي الأهم في نظر من التقينا بهم!) أيضاً ، ولم يستلم مواطننا ما يشير الى الدستور وأخشى أن تأتي اللحظة التي يصيح فيها العراقيون وبشكل كورالي: ( راحت فلوسك يا صابر!!)
منذ ان صادقت الجمعية الوطنية على مسودة الدستور بدأت الصحف والإذاعات تشير الى مؤتمرات عديدة تعقد من أجل شرح مسودة الدستور.. وهناك مؤتمر موسع.. وهنا اجتماع شامل.. وفي الجنوب نشاطات كبيرة.. ووصلت قوافل شرح الدستور الى القرى والقصبات النائية من زاخو الى رأس البيشة، وعقدت المنظمة الفلانية ندوة في المحلة الفلانية، وغادر عضو الجمعية الى ايطاليا لشرح المسودة وغادر آخر الى اميركا للتعريف بالدستور وآخرون غادروا الى (قبائل الزولو) ليشرحوا لهم طرقنا الديمقراطية المطعمة باللون الأميركي.. كل ذلك باسم الدستور ولسان حالنا يقول: (الساعة خمسة جنيه والحسابة بتحسب!!).. وللأسف الشديد ان الإجتماع الشامل الذي نشرته الصحيفة الفلانية لم يكن حاضراً فيه الا عشرة افراد، والندوة الكبرى التي اقيمت من اجلها الدنيا ولم تقعدها لم يحضرها الا ثلاثون والقافلة لم يذهب فيها الا أصحاب المواهب (الباحثون عن الدسم) وبقي شعبنا ينتظر مسودة الدستور الغائبة عنه وهو مثل الطالب الذي ينتظر امتحاناً عسيراً دون ان تتوفر له المادة الدراسية او الدفاتر والمحاضرات، الوقت يدركه، والامتحان يستل سيفه في وجهه وهو لا حول له ولا قوة.. نحن نتساءل بعد ان بدأت الروائح تظهر على السطح والهمس يكثر في زوايا مختلفة من العراق عن الأموال الطائلة التي تقدمها الدول المانحة من اجل تنفيذ المشاريع التي أغلبها كانت وهمية او لم تكن بالمستوى المطلوب اين ذهبت تلك الأموال (والأموال عراقية صرف تُحلب من الشعب العراقي وليست من خزينة أميركا او بريطانيا).. على لجنة النزاهة ان تتوسع عملها ليشمل كل المتعاملين بأموالنا وأن تصل الى معرفة كيفية انفاق هذا المال، وكم عدد المستفيدين الحقيقيين وليس المذكورين في سجلاتهم منه.. وأذكر ان احدهم جاء لي طالباً بتوسل ان اوقع له وصلاً بقيمة ثلاثة آلاف دولار!! لأنه طولب بتسديد المبالغ الممنوحة له من منظمة تدّعي بانها أنسانية ويريد هذا المستفيد ان يوقعني بشركه لكنني قلت له: بأي حق تأكلون اموال شعبنا؟ ومنه هناك كثيرون اتخذوا من الدستور و (سوالف) الدستور وسيلة لكسب المال.. لا نريد ان نحدد ولكن على لجنة النزاهة أن تكون جادة في معرفة طرق انفاق المبالغ التي صرفت باسم الدستور وما زالت تصرف فليس من المعقول أن يقدم هذا المشروع للأنتخابات ويقدم نفس المشروع الى الدستور بعد اجراء تغييرات طفيفة وفي الحالتين لم يكن عدد المستفدين يزيد عن أصابع الكف الواحدة وليس الأثنتين!
اتقوا الله يا من لم تشبعوا بعد من حلب العراق.. وانظروا الى أبناء شعبكم المغلوب على امرهم، أنظروا الى الشباب الذين يجلسون على قارعة الطريق بانتظار من ينتشلهم من البطالة التي شلّت قواهم.. انظروا الى عوائل الشهداء الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل وطن حر.. انظروا الى شيوخنا وهم يجوبون الشوارع وهم يبيعون البالات واللنكات والطاطلي!! أليس من الأجدر أن نتجه الى هؤلاء وننتشلهم من ضيم السنوات العجاف التي مرت ومازالت تاكل بهم؟ سؤال يحتاج الى ضمير صاحٍ.

الحوار المتمدن-العدد: 1381 – 2005 / 11 / 17

Share: