بـلا رتـوش.. التلميذ.. المدرسة ما بينهما

في كل صباح جديد تمتلئ شوارعنا بمئات التلاميذ الذين يحملون حقائبهم المدرسية, جماعات مثل أسراب العصافير تشعرنا بالحب, هم أبناؤنا وفلذات أكبادنا (تمشي على الأرض!).. تسمع كركراتهم عن بُعد حتى تكاد الشوارع ترتقص تحت أقدامهم.. تركوا أحلامهم على جفون الليل وبدؤا يوماً ازداد عنفواناً.. بهم تكون الشوارع مثل حدائق يانعة, وبهم نرسم وجه مستقبلنا الجميل… حاولنا أن نكون قريبين منهم لنسمع همساتهم, وأحاديثهم, عن البيت والمدرسة والأتاري وأفلام الكارتون! ربما حملوا كراسة الرسم وحملوا معها (توم وجيري) و(الكابتن ماد) و(باباي!).
أحدهم أراد أن يقلد (كاسبر) تلك الشخصية الكارتونية الشبحية التي تخترق الجدران وتطير في الفضاء بلا أجنحة.. وحاول دس رأسه في كتاب القراءة ليلعب مع العصفور أو ربما ليكون حرفاً أو كلمة يقرأها زملاؤه.. وحين لم يفلح بذلك قال لزميله: غداً سأصير غيمة! عالم جميل, فيه من الفانتازيا ما لم يستطيع أن يصل إليه أي قلم.. عالم أحلام لا تنقطع فما بين القلم الملون وكراسة الرسم صورة ذهنية خطتها مخيلة الصغير.. 
من أي باب تدخله, هذا العالم المفتوح, البريء, الشفاف.. ربما تستطيع أن تستعيد لحظات طفولتنا بالشكل والمضمون الذي نراه اليوم..؟ اختلف كل شيء, ويؤكد الاختلاف ما صارت عليه الحياة اليوم, لم تبق الأشياء كما هي, وكذلك الإنسان.. كل شيء اختلف ولم يعد كما كان.. لهذا لابد من الخوض في غمار عالم الطفل من جديد, لنقف عند محطاته الأساسية, وأولها المحطة التي يبدأ منها الطفل مشروعه في الحياة وهي المدرسة.. فما بين التلميذ والمدرسة كثير من الأفكار حتى وإن كانت بسيطة لكنها- بالتأكيد- نثري ذلك العالم الجميل. 

• ما قاله الآباء!
جمعتني جلسة وبدون سابق موعد مع آباء لطلبة وتلاميذ, لم يكون في البدء الحديث عما أروم إليه إنما كانت موضوعة البلد ومستقبله الأمني وما إلى ذلك من حديث يومي هي الموضوعة التي خضناها دون أن نهيئ لها.. حاولت أن أسوق موضوعة التلميذ والمدرسة خاصة وأن أوليات نتائج الامتحانات في المدارس لا تسر أحداً..
قلت: نتائج هذا العام مزرية وإن نسبة الرسوب وصلت إلى أكثر من 60% في مدارسنا..
هذه الكلمات كانت كفيلة في أن يدلي كل من كان حاضراً بدلوه.. 
قلت: ترى ما هي الأسباب؟
قال الرجل الأول: المدرسة هي السبب!
قال الثاني: أؤيد ذلك.
قلت: لماذا؟
– لأن المدرسة لم تقم بواجبها بصورة صحيحة.. 
– وكيف تقوم بواجبها؟
– أن تدرس التلاميذ كما يجب..
– هل نكتفي بالمعلم..؟
– المعلم هو الأساس..
– وأنت ما واجبك؟
(توقف الرجل الأول عن الكلام وحاول ابتلاع ريقه) ثم قال: 
– ولماذا أنا؟
قلت: لأنك تتهم طرفاً واحداً هو المدرسة.. لكن أما كان من الأجدر أن تسأل نفسك كعائلة ماذا قدمت لابنك؟ كثير من الأولاد يسرحون ويمرحون في الشوارع والأسواق بدراية أهلهم ولم يسألهم أحد عن مستواهم العلمي..
قال: نحن لا نقرأ ولا نكتب فمن أين لنا معرفة بطرق التدريس؟ 
قلت: لا نريد أن تعرف طرق التدريس ولكن عليك السؤال عن ابنك في إدارة المدرسة.. وهناك اجتماع لمجلس الآباء والمعلمين.. هل حضرت اجتماعاً مثل هذا؟ 
قال: (وهو يهز يده) لم أرَ من المدرسة إلا بابها الخارجي!
– وتعاتب المدرسة يا أخي؟ 
تدخل طرف في الحديث قائلاً: ولكن المدرسة تتحمل المسؤولية الكبرى في التدريس.. والتعليم وحتى التربية!
قلت مستغرباً: التربية؟ 
قال: ألم يسمونها بالتربية والتعليم.. 
– أنت في هذا تلغي دور الأسرة.. هل تستطيع أن تقدر الوقت الذي يقضيه ابنك في المدرسة..
– نهار كامل!!
– بل قل أربع ساعات إذا كان خمسة دروس.. هل يعقل أن يتربى طفل بأربع ساعات في اليوم يقابلها ثمان ساعات من النهار لا تدري أين يقضيها..؟
استمر الحديث ووصل إلى درجة الجدال الحاد ولم أخرج معهم بنتيجة ذلك لأنني أتحدث بلغة وجدوها غريبة لكنني أيقنت أخيراً أن الأسرة (وهذا لا يعني كل الأسر) لم تقم بواجبها بصورة صحيحة.

•  ما قاله الأبناء :
سامر (تلميذ – السادس ابتدائي)
 يقول : احضر دروسي قبل اللعب دون أن يسألني أحد في البيت.. أعرف واجبات (باجر) وأحل التمارين.
المهدي (تلميذ – السادس ابتدائي) هناك وقت للعب وآخر للدراسة وأهلي يساعدونني دائماً ويراقبونني في دراستي. 
جلال (تلميذ – الرابع ابتدائي) أدرس في بيت الجيران لأن أبي مشغول دائماً وأمي لا تستطيع أن تساعدني.. آراء مختلفة من تلاميذ في المرحلة الابتدائية اختصرناها بالإجابات الثلاث الواردة لكنها تنم عن كارثة حقيقية إذا لم تنهض وزارة التربية والتعليم بإعادة النظر في طرق التدريس وفي أساليب المعلمين وفي المنهج الدراسي وهذا هو المهم حيث أن أكثر الآباء والأمهات درسوا مناهج غير التي تدرَّس اليوم ولهذا تجد من الصعوبة عليهم أن يتأكدوا بأن ما يدرِّسونه لأبنائهم صحيحاً..
دعوة للنهوض بالتعليم فهو أساس بناء مجتمع قوي..

نشر في موقع الناس بتاريخ السبت 27/1/ 2007

Share: