مقاربة نقدية لعرض مسرحية (كاروك) بقلم: د. علي عبد الحسين الحمداني

تحليل مسرحية كاروك
تأليف : عبدالكريم العامري 
إخراج : د.حميد صابر
حكاية المسرحية :

في مسرحية ( كاروك) تدور الحكاية في بيت النجار ( الأب) وبالتحديد في ورشة النجارة , حيث يعمل مع ابنه في صناعة التوابيت , والأبواب , والمواد التي يدخل الخشب في صناعتها . 
و( الكاروك) هو المهد الذي يوضع فيه الطفل عند ولادته . ويتم التركيز على مفردتي ( الكاروك) و ( التابوت) في النص , يأتي من شمولية الفكرة التي يطرحها المؤلف . 
حيث يعبر ( الكاروك) عن الولادة وبداية الحياة . بينما يعبر (التابوت) عن الموت ونهاية الحياة . فهي إذن حكاية كونية , أي بمعنى , إن الحيز ألزماني والمكاني الذي تعبر عنه , مما يمكن أن يضم بين جوانحه الكثير من القصص والأحداث الحياتية التي تمثل تلك الفترة مابين ولادة الإنسان وموته .
ولكي لا يحيلنا المؤلف , إلى آفاق مبهمة , في حيزية المكان الحكائي , فانه , ومنذ الدخول الأول للمجموعة , يصدح صوت ( الأب) بالغناء .
الأب : أيا ليل كانون حين ادلهم الردى 
وراح الغراب يدق البيوتات دون اكتراث 
أما كنت تدري بان الصبايا نيام ؟
وان العراق الذي لم ينم 
على شاطئيه يرف ّ السلام ( النص ص2) 
فالمكان قد اتضح من هذه المقدمة الغنائية , ثم تتوالى الأحداث داخل هذا السقف الحكائي , فتدخل المرأة التي تنتظر مولودها الجديد , لذلك فهي تبادر إلى صنع ( كاروكا ً) له . وقد كانت لتلك المرأة قصة حب قديمة مع ( سعيد ) الرجل المعوّق , ولكنها تزوجت بغيره , عندما غاب (سعيد) في ظروف الحرب . وزوجها الحالي , هو الآخر قد هاجر الى خارج الوطن . وفي تبريرها لزواجها من الآخر تقول المرأة :
المرأة : أتريدني أن انتظر رجلا ً غاب .. لااعرف هل يرجع أو لا 
تزوجت .. بعد أن يأست .. وما عاد طيفه يشغلني ..
انظر سيعود زوجي .. انظر .. رسالة منه .. سأهديه 
أجمل طفل .. (ص 34)

ولكن سنين الانتظار تلك لم تثمر شيئا , فالوالد لم يعد , فقد غيبته الغربة .. والطفل الموعود لن يأت هو الآخر , ففي نهاية المسرحية تقول الجوقة :
الجوقة : مات الولد ..
مات الولد .. 
مات الولد … (ص 66) 
وتموت معها حكايتها , ككثير من حكايات الحرب الموؤدة . وان كان الطفل الموعود , قد مات , فان (ياسة) لم تمت , فتلك قصة حب كانت تربطها مع ابن النجار , وصارت زوجا لغيره 
النجار : ابنة عمك ما عادت لك .. 
الابن : لكنها لي .. اجّلني الموت كثيرا كي أحظى بلقياها 
أتعرف كيف يكون الحب أمام الموت ؟
النجار : صارت زوجا ً .
الابن : بل قل جارية تخدم سيدها العاجز عن طرح رجولته .
اعرف ياسه أعرف ..( يقترب من الكاروك) لو كانت لي 
لامتلأ الكاروك بطفل يحمل اسمي , واسمك .
هل كان أخوك يشك باني ساحيا ؟ .. (ص6)
و ( ياسه) تلك تزوجت رجلا ً آخر بعد إن ذهب (ابن النجار) إلى الحرب , حتى ظنوا انه فقد فيها , ولم يعد لها وجود في حياته , انها مجرد ذكرى . وفي داخل الحكاية الإطار أيضا ً , نتعرف على حكاية المعلم , الذي أجبرته الظروف القاسية على بيع السكائر .
المعلم : يا لضريبة هذا العمر .. ندفعها قسرا ً 
تعبت إقدامي من لفّ الطرقات .. كنت أعارض من
كان يدخّن .. صرت أبيع الدخان على كل الناس 
عرفت الآن كيف يكون جبين المرء كجذع يابس .. (ص26)

وحكاية ذلك المعلم , مع طالبه الكسلان , تشبه آلاف الحكايات , التي افرزها الزمن الصعب 
المعلم : احد الطلاب .. كان كسولا ً .. وكنت أوبخه .. قلت لعل
التوبيخ يشده للدرس .. عاف المدرسة ومن فيها .. بالأمس 
يعيّرني .. أوقف سيارته الفاخرة السوداء .. ورمى لي بقطعة 
نقد ..
تذّكرني .. طالبك الكسلان
قال ومد أصابعه في عيني ..كمن يرمي كلباً ..صرت كلبا 
ما نفع الكلب إذا شاخ ..؟ (ص27)

وعلى توالي تلك الأحداث المأساوية , يدخل رجل ( قالوا عنه مجنونا) , وهو يصرخ ( السكف ..ديروا بالكم من السكف) تلك الجملة التي ستصبح لازمة حوارية , لدخوله أو خروجه , في كل المشاهد التي يتواجد فيها . 
فهذا الرجل ( المجنون ) يقتحم الخشبة بجملته تلك , قبل بدء أحداث المسرحية , ثم يتابع , تدخله بالأحداث , وعلى طريقته الخاصة .
المجنون : راح عيد .. واجه عيد 
يا دولاب الطفل الباكي 
افتر .. افتر 
وزع أفراحك للأطفال الحلوين 
افتر يا دولاب العيد 
كم عيد مر ّ ولم تأت الطفلة 
كم عيد مر ّ ولم تأت ( نور) 
قالوا إن لرَحلتها في الصف نشيجا 
يسألني الشارع عنها 
وملابسها في الكنتور 
نفنوف العيد ودميتها , وشرائط حمراء , توزع بسمتها 
في كل الأنحاء 
( يصرخ) كيف يكون البيت الآمن قبراً يجمع أهل البيت (ص10-11)
فهذا الرجل فقد زوجته وابنته (نور) أثناء القصف , وقد وقع السقف عليهم , وقد عاد من السوق بعد أن اشترى لابنته هدية العيد ..
المجنون : اختبأت .. امرأتي اختبأت معها .. اختبأت .. لااعرف أين
معها نور .. اختبأت .. لااعرف أين .. لكن الناس تقول .. اختبأت 
تحت السقف ..لا .. بل السقف تدانى واختبأ تحت عباءتها 
هل يختبئ السقف وينزف .. 
هذه نور .. هذه .. انظروا ,, انظر 
هل شفتم ضحكتها .. مَن يملك تلك الضحكة , كيف يموت ؟ (ص 23)
إن دخول ( المجنون) وخروجه لا يخضع لسير الأحداث وتتابعها , وإنما افترضه المؤلف كشخصية حرة الحركة , وخاصة في تدخله بالأحداث , والتعليق عليها , أو لمجرد التحذير من السقف.
المجنون : يحاصركم الموت 
أغلقوا الأبواب 
لا تنظروا إلى السقف
الموت يأتيكم من السقف 
الموت يأتيكم من السقف 
انتبهوا يا أهل الدار 
الموت يأتيكم من السقف 
أغلقوا النوافذ والأبواب 
الابن : توقف يا أبا نور ..
المجنون : نور .. هل قلت نور 
قالوا في العيد يأتي الأطفال 
لمن أعطي هدية هذا العيد 
مَن يأخذها مني 
يا أهل الأرض .. 
عيدية نور من يأخذها مني ؟
يا سقف البيت 
أكنت تريد الموت لنور 
أم كنت تقبلها فهويت .. ( ص47) 
ومن الحكايات الأخرى التي تدخل في بنية الحكاية الإطار , هي قصة ( سعيد) الرجل المعوق الذي فقد ساقيه ورجولته في الحرب, وهو صديق لمروان ابن النجار .
الابن : مَن .. سعيد ؟
سعيد : مروان .. هذا أنت ؟ أو ما كنت تفكر بالهجرة .. 
ظننتك هاجرت .. 
الابن : واترك ما ضحيت لأجله , وكل سني الحرب .. لمن ؟ (ص14) 
إنهما رفيقا درب , عاشا سويا ردحا ً من الزمان , وخاصة في ظروف الحرب , التي رغم جراحاتها المؤلمة , إلا أنها أفرزت صدق الإنسان ومعدنه الأصيل . 
إن ( مروان ) هذا قد أنقذ حياة ( سعيد) في إحدى المعارك القتالية , وسعيد يدين له بذلك , وهو أيضا صديقه الذي يشكوه همومه .. 
سعيد : ماذا أقول لخيبات العمر 
هذا البطل هجرته امرأة اكتشفت أن رجولته 
قد شلت 
ماذا أقول ؟
الابن : إن الرجل يقاس بمقياس بطولته في الحرب 
أتذكر صولات كان الموت بها تحمله على الأكتاف 
تدحرجه تحت بساطيل أتلفها الملح 
سعيد : مَن يفهم هذا ؟ 
أتفهمه امرأتي وهي تعوف البيت لرجل عجز عن غسل 
يديه ( مستدركا) واللحظة تلك ( يصمت) من يجعلها 
تفصح عن الم كان بحجم الموت .. (ص30)
ان ( سعيد) لم يفقد ساقيه فحسب , بل وفقد زوجته أيضا . بعد العجز الذي المّ به , ولم تبق إلا ذكرى ساقيه المؤلمة ..
سعيد : من أين أجيء بنصف آخر .. نصف جسدي الميت 
مَن يأتي ليعوضني النصف الأسفل 
من أين أجيء بساقين 
كان عليّ أن أموت معهما 
مع تلك الساقين الجريئتين 
كيف تموت الساقين , ويبقى الرأس 
حيّـــا (ص42)
ولكن تلك غاية أحر ما تشتهى , أن تعود الساقين , ضرب من التخيل . بل انه التخيل عينه . وعلى هذا الحال يمضي ( سعيد) في رحلته الحزينة , في الذكريات , والذاكرة المرّة المليئة بالآلام , شأنها شان , زوجة النجار التي قتلها اليورانيوم ..
الابن : قتلوها الأنذال .. قتلوها .. ذاب اليورانيوم بدمها
مثل النار .. لو كانوا رجالاً ما صبوا النار علينا عبر 
القارات .. (ص18)
وعلى هذه المتوالية في الأحداث , في تراكبها , وتداخلها , تستمر حكاية النجار وابنه , حتى ختام المسرحية , بموت الطفل الموعود , ووئد الأمل المنتظر .
ويرى الباحث , من خلال ما تقدم من أحداث , هيمنة فكرة الحرب . وان المؤلف أعطى انطباعاً عاما ً لشخصياته بالروح الانهزامية , وعدم التصدي ومواجهة الظروف التي مرت بها .
فالمعلم يبيع بيته وكتبه , ويظل بلا دار ولا مأوى . و(سعيد) هو الآخر يبيع ماتبقى له , ليبقى في الطرقات يبحث عن أمل مفقود . وأخيرا المرأة التي ولدت طفلا ميتا . وهو عبارة عن الأمل المرجو الذي يولد ميتا.
وهذه الأحداث , فضلا عما ابتدأه المؤلف , من اقتطاع جزء من خشب التابوت لصناعة ( الكاروك) هي أمثولة فلسفية , إحباطية –ان صح القول- ربما تعود الى الرؤية الفكرية والحياة الذاتية , التي كان يعيشها المؤلف خلال كتابة نصه المسرحي .
ومن المؤكد لم , ولن تعبر , عن الموقف الايجابي الآخر الذي على الإنسان ان يتخذه في مثل هكذا ظروف قاسية . أي بمعنى موقف الانسان المتحدي , الذي يرنو الى المستقبل بعين ملؤها الأمل القادم .

مسرحية كاروك

تحليل الأداء التمثيلي 
في ضوء المبنى الحكائي للمسرحية , كان على المخرج ( حميد صابر) ان يسلك طريقين رئيسين في ما يتعلق بالرؤية الإخراجية للنص . احدهما الأسلوب التنفيذي للنص أي بمعنى المحافظة على مهيمنات النص اللفظية , والتركيب البنائي للمشاهد والأحداث , ثم تحويلها الى تشكيل حركي على المسرح , وهو ما يسمى بالمحافظة على أفكار ورؤى المؤلف , مضافا لها , رؤية المخرج التنفيذية .
والأسلوب الآخر , هو القراءة الإبداعية التي تركن الى النص كمعطىً فكري وفلسفي وجمالي , قابل للتأويل والإحالة , ومن ثم تعددية الرؤية الإخراجية.
ومن هنا تنشأ إشكالية العلاقة بين المؤلف كباث أول للنص المسرحي , والمخرج كمؤلف محتمل لذلك النص . وحول آلية اشتغاله على النص المسرحي , يقول المخرج حميد صابر( ان النص هو مشروع العمل , وليس نص العرض الذي سوف اعتمده , بل ان النص هو جزء واحد من وحدة العرض الكلية .
وعلى وفق هذا المفهوم يأتي عملي مع الشاعر عبدالكريم العامري , بدءا ً من مسرحية قيد دار , حيث أعملت مقصي على النص , في حدود المختبر التطبيقي اليومي , في الحذف والإضافة , وإعادة الصياغة لبعض العناصر , حتى اكتمال النص بصورته النهائية ) . 
ولا تقف حدود الاشتغال على النص , لدى المخرج ( حميد صابر ) في حدودها الأولية مع المؤلف , كما تقدم , وإنما تتعداه إلى المرحلة التجسيدية على خشبة المسرح . حيث كان يعمل على منظومة أسلوبية بصرية , لا تترجم النص فقط , بل تحيله إلى معادل فلسفي يواكب النص , ولا يفسره مباشرة .
وعملية التجسيد الصوري تلك , هي ليست غاية شكلية بحد ذاتها , وإنما هي الانطلاق من موضوعة النص الفلسفية بغية ( خلق هوية لعرض مسرحي محلي , لا يغرق في الآني واليومي , بقدر ما يرتقي إلى مستوى ً حضاري يبتعد عن المباشرة التسجيلية ) . 
ولذلك عندما تقرأ المخطوطة الكتابية لنص مسرحية ( كاروك) نجدها تبدأ بدخول الجوقة , وهي تردد ( ايا ليل كانون .. حين ادلهم الردى ) . ( ص1)
ولكن المخرج ( حميد صابر) أحال المقولة الى حركة مركبة , تمثلت بدخول ( الذي قالوا عنه مجنونا ً ) وهو يلقي لازمته الحوارية التي أصبحت سمة مميزة له طوال العرض وهي جملة ( دير بالك من السكف ) وهي مرموز لفظي باللهجة الشعبية , أضافها المخرج , لتحقيقها علاقة تواصلية مع المتلقي , من خلال المزاوجة بين الهم الشعبي المتمثل باللهجة الشعبية , وبين الهم الإنساني , المعبر عنه بلغة شعرية , ترتقي الى الرؤى الشاعرية في العرض .
ولم يتوقف التغيير في ترتيب الأحداث , بل عمل المخرج على تركيب الأحداث في مشاهد كثيرة , وتقسيم المشهد الواحد أحيانا ً إلى مقطعين وفي أماكن مختلفة , كما في مشهد (سعيد) وعلى وفق ضرورات الخطة الإخراجية. 
ومن المشاهد المبتكرة انطلاقا من معطيات النص , هو دخول وخروج ( المعلم) التي هيمنت في دخولها وخروجها , أكثر مما كانت في النص الأصلي . وهذه هي الرؤية التأويلية التي أرادها المخرج . 
وتساند ذلك , حركة المجموعة ( الجوقة) التي جاءت , بتشكيلات الكتل المتحركة , ولغة الجسد المرنة , التي تتحول من دلالة الى أخرى , وتنقل المشاهد بانسيابية واضحة , وتشكلات جمالية مهيمنة . 
وتلك إحدى النقاط الارتكازية للرؤية الإخراجية , فهي التركيب الداخلي والفكري للعرض , حيث يقول المخرج ( عملي مع هذه الفواصل الصورية من خلال مجموعة الشباب التي امتلكت مهارات تجسيدية , وحطمت الاستجابات الجسدية المفتعلة , والمقحمة والتقليدية . وخلقت لغة جسدية مغايرة , منسجمة مع المعنى العام للعرض . ولم تكن حركة المجاميع بمعناها الانتقالي الآلي والمبرمج , بل تحولات مرئية لكوامن في العمق , بمستوياته من حيث مخاطبته للعقل والوجدان والذاكرة الجميلة ) . 
وعلى وفق هذا التصور الإخراجي , فقد عمد المخرج الى حذف بعض الحوارات التي كانت تلقيها المجموعة ,واستبدلها بفعل حركي جماعي معبر عن الحالة الشعورية , مما خلق الموازنة مع حركة الشخصيات الأخرى وحواراتها , وأضفى نوعا من الدينامية الحركية , التي تميز توالي الأحداث , وتواترها وصولا الى النهاية .
وقد اعتمد المخرج ( حميد صابر) التدريسي في كلية الفنون الجميلة في جامعة البصرة , في تجسيد العرض على مجموعة من طلبة قسم الفنون المسرحية ومن مراحل دراسية متنوعة , ولذلك لاعتماده على تفاعل الخبرة الدراسية لدى طلبة المراحل الدراسية . ولم يتوقف عند هذا , بل أغنى التجربة بطلبة من خريجي الكلية , ممن يعملون معيدين في القسم , مما يعطي التجربة العملية , والممارسة المباشرة , بعداً مضافا ً لمجموعة العرض المسرحي .
ويرى الباحث , في هذه المقدمة , في ما يخص الرؤية الإخراجية , لازمة ضرورية , لان التحليل الذي سيعتمده للأداء التمثيلي , ينطلق من نص العرض , الذي اجترحه المخرج , وعلى وفق بنائية تركيبية , ممسرحة , تختلف كثيرا عن بنية النص الأصلي , لذلك كان تعامل الممثل وطريقة أدائه , منبثقة من تلك الرؤية الإخراجية . وبالتالي اكتسبت دلالاتها التعبيرية من خلال علاقاتها بمكونات العرض السينوغرافية بمجملها .
وقد انطلق المخرج في بناء مفردات الديكور , من مهيمنة النص الحوارية المتعلقة ب( الكاروك) التي تتحول الى تابوت , وما بينهما من رحلة الحياة والموت . فالخشب الذي تشربت به رئتا (النجار) و(ابنه) , هو ما يمكن إن يتحول الى تلك الدالة العلامية , التي تختزل في كلمة (كاروك) و( تابوت) رحلة الحياة الإنسانية من الولادة حتى الموت .
وقد نفذت المفردة الديكورية على إطارات من الخشب , على شكل مستطيل , وأحيطت بعض تلك الإطارات , بقطعة قماش كاملة , أو ممزقة في بعض جوانبها , أو مثقوبة بشكل يحولها الى سجن أو شباك . وقد استخدمت ( البارتشنات) أيضا في استعمالات عدة , منها السبورة , والحائط , والسقف , وجدار الملجأ , وكثير غيرها ناتج , من انفتاح وتحول العلامة الديكورية الى عدة استخدامات .
إن تلك التشظيات في مدلول مفردات الديكور , فرضت على الممثلين , التعامل معها , من منطلق اللياقة البدنية العالية , في الحركة لحملها من مكان الى آخر , وتشكيلها من جديد , أو تركها على الأرض , والتعامل معها , بهيئة أدائية جديدة .
ولما كانت الإطارات , بمجموعها , تأخذ حيزا مكانيا , فوق خشبة المسرح , فقد ساهم هذا الى حد كبير , في تنسيق وتنوع حركة المجموعة , حيث رسمت الخطوط المتقاطعة , أو الأفقية للحركة , والدخول والخروج , من خلال حركة تلك الإطارات أيضا , وفق تناغم صوري معبر أضفى نوعا ً من هارمونية الحركة , وتآلفها في النسق الحركي العام .
وقد كان وضع الإطارات الخشبية الى الخلف ووجود المجوعة أمامها , وهي تؤدي حركة تعبيرية راقصة , وسقوط ظلال أفراد المجموعة , على الخلفية نتيجة للضوء المسلط عليهم من أسفل مقدمة المسرح , دلالة صورية أعطت تزايدا لعدد المجموعة الراقصة , وإضفاء طابعا ً جمالياً , من خلال تناغم حركة المجموعة , وظلالها على الخلفية , ما ولد انطباعا ً حسيا , أن هناك مستويات تأويلية متعددة للأداء التمثيلي.
إن الحركة المتناسقة للمجموعة , قد أسندت الفعل الأدائي للمثلين بشكل عام , وشكلت خلفية أدائية لبعض المشاهد التي كانت تجري في وسط المسرح . كما أنها ساهمت في كسر المدرك الإيهامي للمتفرج , من خلال حركة قطع الديكور , ونقله وتركيبه من جديد أمام المتفرج , دون قطع أو إظلام للمسرح .
وكانت شخصيتا ( الأب ) و( الابن) هما الشخصيتان المركزيتان في فعل الأداء التمثيلي العام للعرض , كونهما يمثلان الإطار العام للحكاية , التي من خلال , تتواجد الشخصيات الأخرى , وخضوعها لمرموز فكري عام هو الحرب .
النجار : يا ولدي ظننتك قد خلّفت الحرب وراءك 
ما بالك تذكرها ثانية … (النص ص5)
في هذا المقطع يقف النجار( الأب) خلف الإطار , ولا يظهر إلا رأسه , ويلقي الجملة السابقة , وهو يوجه حواره إلى ابنه الذي يجلس إلى يسار الإطار ما يعطي , إيحاءا بان الأب , أنما يوجه حواره للجمهور الجالس في الصالة . 
وبعد هذا الحوار تسمع أصوات المجموعة من خلف الكواليس , وهي تردد..
المجموعة : ها ..ها … هه … ( أصوات صراخ وألم ..) 
ومع تلك الهمهمات والأصوات , تتناغم حركة الابن الجالس , مع تصاعد تلك الأصوات , وكأنه يتعرض للضرب بالسياط , وتؤلمه الواضح من خلال تلك الحركة , وعلى إيقاع صوت المجموعة ذاتها .
الابن : لو كانت لو تترك أثرا ً ما كنت سأذكرها . ( ص5) 
ومع تتابع الحوار بين الأب وابنه , حيث يصل الحوار إلى الجملة التالية .
الابن : هل في العمر متسع لأشهد حربا ً أخرى .. ( ص7)
عندها تسمع ضربة موسيقية عالية , ودخول المجموعة , بحركة فوضوية , وهم يصرخون بكلمة ( حرب) مع تصاعد ضربات إيقاعية متنوعة , وتغير في الإضاءة , لإعطاء أجواء الحرب . ثم تخرج المجموعة , يتعقبها صوت الأب :
الأب : أيا ليل كانون .. حين ادلهم الردى …. ( أغنية المقدمة)
الابن : نقتص فيها مما علق فينا من أدران 
نقتص فيها من أنفسنا 
من اغبرت غطنا حتى اليافوخ .. ( ص7)
وهنا يدخل ( المعلم) وهو دخول لم يكن في النص الأصلي , وإنما افترضه المخرج , (على وفق رؤية جديدة , هي صياغة صورية جديدة توليدية للمشهد المسرحي , على أساس فهم دقيق لمقتضيات التجريب الذي يشتغل على تفعيل الأدوات والعناصر السمعية والبصرية في آن واحد , لتشكل البنية الكلية للعرض المسرحي . من خلال الدلالة والعلامة التي يقودها فعل الممثل في فضاء العرض ) . 
وقد تميز المشهد السابق بين الأب والابن , بالتركيز على الأداء الصوتي المعبر , تعويضا ً أدائيا ً للحركة الموضعية التي اقتضتها طبيعة المشهد , مع الإشارة الى الطاقة الصوتية الجيدة التي يتمتع بها ممثل شخصية الأب الطالب ( علي عادل) الذي أدى المقاطع الغنائية وفق هارمونية دالة , توحي بان الطالب يتفهم النغمة الموسيقية , وذلك من خلال أدائه الأغنية بطور (الساعدي) وهو من مقام (المحمداوي) و(البيات) وهو من الأطوار الجنوبية .
ويتميز هذا الطور الغنائي بالشجن , والحنين الى الأيام الماضية . ويقول الطالب ( علي عادل) عن قدرته الأدائية في الغناء ( أنا أحب الموسيقى , كما أحب التمثيل , وقد توفرت لي بعض المعلومات الموسيقية من خلال تعلمي العزف على آلة العود الموسيقية ) . 
وبالعودة الى شخصية ( المعلم) ودخوله بتلك (الكارزما) التي يجسدها الممثل ( بلال منصور) في طول قامته , ونحافته الواضحة , وارتداؤه النظارات الطبية , هي أول التشكلات الصورية , التي تعطي انطباعا ً ايقونيا ً لما تحمله ذاكرة المشاهد , من صور للمعلم ومآسيه الحياتية , من خلال ممارسة مهنة التعليم , في الزمن الصعب : 
المعلم : انتبه ..انتبه 
قيام .. جلوس .. 
جلوس 
درسنا لهذا اليوم .
هو الفاعل ….. ( ص7) 
وبحركة رشيقة يأخذ احد (البارتشنات) ليوقفها بشكل يوحي بالتعبير على انها سبورة لكتابة الدرس , ثم يكتب عليها وبحروف كبيرة الفاعل , ويبدأ أفراد المجموعة بالتسلل سريعا وكتابة كلمة الفاعل بشكل إيحائي وهو يخرجون مسرعين , ويختفي آخر فرد من المجموعة خلف السبورة المفترضة , ليتوقف المعلم عن الكتابة ..
المعلم : درسنا لهذا اليوم ..هو الفاعل ..
( ثم يرمي الطباشير وبحركة سريعة الى الخلف .. وهو يصيح)
جكاير .. (ص7) 
ومع هذه الكلمة الأخيرة يستدير باتجاه أعلى المسرح , بانكسار وألم , ويخرج وهو يردد كلمة ( جكاير) وعلى وفق درجات صوتية ملؤها الشجن ,أوضحت القدرة التعبيرية التي يمتلكها الممثل , وتحكمه في أدواته الصوتية , مع تركيز واضح على كلمة ( جكاير) كونها تمثل دلالة لفظية , لهذه المهنة التي أبدلت قسرا ً بمهنة التعليم .
كما كان لحركة الممثل الجسدية , حضورها المميز , من خلال توافق حسه الأدائي الداخلي , مع المهيمنات اللغوية التي يتلفظها , وقدرته التعبيرية في الانتقال من حالة التقمص السابقة التي مثلت دور المعلم الجاد , الى كسر الحالة الأدائية وفق المنهج ( البرختي) وتحوله الى بائع سكائر محطم البنية , وتهدل الكتفين , وهي قدرة طيبة في التحول في الأداء التمثيلي بين مستويين أدائيين .
وعن الأداء المتميز لتلك الشخصية , قال الممثل ( بلال منصور) ) لقد تعاملت مع الشخصية وفق أسلوبين أدائيين , وكما درسناهما في الكلية . الأول يعتمد التقمص للشخصية المسرحية من خلال دراسة أبعادها الدرامية , وقد اعتمدت على ذاكرتي في استحضار شخصية معلم , كنت اعرفه , .ثم الأداء على وفق المنهج البرختي , الذي يعتمد على التغريب وكسر حالة الاندماج لدى المتلقي , والتحول الى موقف انتقادي في الأداء ) . 
وبدخول شخصية ( قالوا عنه مجنونا) التي جسدها الممثل ( نزار كاسب) وهو احد خريجي كلية الفنون الجميلة في جامعة البصرة , شكّل ما يا يمكن تسميته ( داينمو) الفعل الأدائي , في العرض المسرحي . وهذا ينبع من كون الممثل يمتلك ذخيرة معرفية وعملية , فهو من خريجي معهد الفنون الجميلة في البصرة , للعام الدراسي 1983/1984, فضلا عن تخرجه من الكلية , فهو يمتلك تلك الخبرة الطويلة في ميدان الأداء التمثيلي . 
فضلا عما تقدم فان علاقته مع الطلبة , مقدمي العرض , كونه معيدأ ً في الكلية , اتسمت تلك العلاقة , كعامل ايجابي تحفيزي , ساهم في الارتقاء بالأداء التمثيلي في المشاهد التي يدخل فيها الى المسرح , وبقدرته على التقمص , أو التغريب وكسر الحالة الإيهامية , يقول الممثل ( نزار كاسب): تمتد تجربتي , الى ما يزيد على العشرين سنة , قضيتها في المسرح , وقد أعطتني هذه الفترة , قدرة جيدة , في التعرف على المناهج الدراسية الأدائية , وأساليب المخرجين , التي يمكن ان أتعامل معها , وموقعي في الكلية يتيح لي ان أمارس دور المدرب مع الطلبة) . 
ومن الملامح الأدائية في شخصية ( المجنون) التي أضافها الممثل إلى الشخصية,كسر اللغة العربية الفصحى , بكلمات شعبية , تعبر عن واقع حال الشخصية التي يجسدها , فضلا عن تناغمها شعوريا مع المتلقي في الصالة , كون ان الغالبية العظمى منهم , تتعاطف مع الحس الشعبي للهجة , دون التفاعل مع اللغة الفصحى .
وما تلك اللازمة الحوارية ( ديروا بالكم من السكف) وتفاعل الجمهور معها ايجابيا , إلا إحدى تلك الاستخدامات اللغوية التي تميزت بالتأكيد على كلمة (السقف) وتركيزها من الجملة صوتيا ً , بعدّها مرموزا ً لفظيا يحيل إلى من تسبب في مأساته بفقده زوجته وابنته (نور) التي لم تمنحه المأساة فقط , بل منحته الحكمة أيضا :
المجنون : يا رب .. أرجوك 
قل للنار كوني بردا ً وسلاما ً على أهل الدار 
ستكون ثلجا 
ستكون أمنا ً ( ص37) 
أو لفلسفته في تبرير سقوط السقف على أهل الدار …
المجنون : يا سقف البيت 
أكنت تريد الموت لنور 
أم كنت تريد تقبيلها فهويت .. ( 47)
لقد كان أداء الممثل ( نزار كاسب) علامة تواصلية جيدة مع المتلقي , عبر تحويل الرسالة التي أنتجها , الى شفرات اتخذت شكل علامات سمعية وبصرية , حيث استخدم صوته في بث الإشارات عبر الموجات الصوتية .
كما استخدم جسده ليرسل تعبيراته إلى عين المتفرج . وهدفه من ذلك فك مغاليق الأنساق ذات الصبغة العلامية التي يطرحها النص , وإعادة تشكيلها وتركيبها حركيا . 
ان دور ( المجنون ) دور مركب , أداه الممثل بشحنات وجدانية محلقا ً بشجن عفيف , في يوتوبيا اسقاطية عن كارثة مفجعة , بإتقان حالة فقدان التوازن النفسي , وخلل الاتزان العاطفي , مجتازا ً تلك المسافة الخطرة بين المأساة والسخرية المرة الناقدة , بعدد خارجية , مسندة ومتواشجة بمشاعر داخلية فاعلة .
وتدخل شخصية المقاتل السابق ( سعيد) الذي كانوا يلقبونه ( الذئب) الذي تحول الى رجل عاجز , فقد ساقيه ورجولته في الحرب , فاثر ذلك سلبا ً على حالته الزوجية , فهجرته زوجته .
سعيد : وماذا كانت تفعل بي ؟
ماذا تفعل برجل عاد من الحرب بلا ساقين ؟ 
ماذا تفعل بي ؟ في الأيام الأولى كانت تحنو علي . كانت تمطرني 
بالعطف .. تخرجني للنزهة .. وتشاركني الهم اليومي .. كانت 
كل الأيام تمر بطيئا .. بطيئا جدا .. حتى أبطأ يثار القلب .. 
وراحت تبعد عني .. كأن الحب .. ملح ذوبه عجزي .. ورحت 
أقضي الليل وحيدا .. وعرفت ان الفشل صار يغطينا بعباءته 
السوداء … وراحت ..
الابن : ألم تسأل عنها ؟
سعيد : لم افعل .. لكني بعت الدار .. (ص 25) 
وقد رأى المخرج ان يستخدم ساقين مقطوعتين من( الفخذ) ثم يعلقهما برقبة ( سعيد) حيث يتنقل بهما من مكان إلى أخر . فهما صورة فجيعته التي حلت به . وخلال المشهد السابق ينبطح ( سعيد) الذي أدى شخصيته الممثل ( عماد تومان) أرضا ً وهو يذكر حالته مع زوجته , وكأن الساقين هي زوجته , ويروح في غزل حميم معها ,بما يوحي بممارسة الحب الذي لا طائل منه, حتى يصل إلى مرحلة اللافائدة من تكرار فعل غير مجدي , لارتطامه بعامل العجز الذي خلفته الحرب.
وقد كان الأداء التمثيلي للممثل , ينم عن معي , وتفهم للدوافع السيكولوجية للشخصية , وهذا ما تعكسه حركته الجسدية المنسجمة مع الحوار . ولكن الخلل الأدائي الصوتي الذي وقع فيه الممثل , هو في انخفاض الطبقة الصوتية , مع انخفاض درجة الأداء الجسدي المعبر عن العجز . وهذا بدوره اثر على الإلقاء , ما تسبب في ضياع بعض الجمل الحوارية . 
وهذه إحدى المعضلات الأدائية الصوتية التي تعتور الممثلين , وخاصة الطلبة الذين لا يملكون خبرة وتجربة طويلة , فضلا عن عدم تمثلهم للمناهج الدراسية التي درسوها في الكلية . 
وفي هذه الحالة يلجأ الممثل الى الانخفاض في درجة الصوت , تناغما مع الحس الأدائي , للحالة الشعورية للشخصية , في حين ان المطلوب منه , هو أن ينتبه , إلى درجة التوصيل في الطبقة الصوتية , وليس اعتماده على العلاقة الايقونية في أسلوب المحاكاة , حيث حين يتماثل الأداء الصوتي مع الواقع الحياتي المعاش يوميا ً .
إن الممثل وطريقة أدائه الصوتي , إنما يشكل مصدرا ً دلاليا ً لبث علامات النص المعلنة , وغير المعلنة . عبر تركيب الوحدات البنائية الصغيرة المنسجمة التي تمثل الإشارات والإيماءات الصوتية والحركية الدالة , عبر تجريد أو استعارة 
ايقونية , وتركيبها المتزامن مع سائر انساق العرض الأخرى .
وهنا تتضح الصورة أكثر عندما يكشف التطابق بين نسق الحركات والإيماءات المستخدمة , وعلاقته بالنسق الصوتي اللغوي وغير اللغوي . وتخضع عملية التطابق هذه إلى تنظيم مسبق وفقا لمتطلبات البواعث التي تحدد بالنتيجة طبيعة التوافق بين كل حركة وصوت .
ويبذل الممثل في هذا الأداء قصارى جهده , للوصول إلى بث هذه العلامات , عن طريق تبني الحالة وتقمصها , فيكون الممثل في مثل هذا الموقف حاملا ً لصفات وسلوك الشخصية المسرحية بالطريقة التي تدعو المتفرج ان يقتنع بما يقدم من أصوات وحركات مشابهة للواقع المشار اليه , مع اضافة قيم دالة لا تقلل من شان المشابهة كون ان المسرح يتجاوز الواقع لتحقيق قيم إنسانية وجمالية بذات الوقت .
ولإكمال صورة العرض الأدائية , لابد من تحليل الأداء التمثيلي لشخصية الأب والابن , اللذين هما الممثلان ( علي عادل ) في شخصية الأب . والممثل ( نصير نمير ) في شخصية الابن . 
ومن خلال الملاحظة الكلية للعرض , تتضح الفوارق الأدائية بين هذين الممثلين , كونهما يمتلكان خبرة متنوعة , تختلف عن بعضهما , فالممثل ( علي عادل) يمتلك خبرة عملية جيدة في ميدان المسرح , على عكس الطالب( نصير نمير) حديث الخبرة العملية , وهو وان كان جيدا في الدروس اليومية , الا ان الوقوف على خشبة المسرح , يتطلب مرانا وتجربة عملية .
والمستوى الأدائي الذي مثله الطالب ( نصير نمير) هو ان الشخصية التي يمثلها , أي شخصية ( الابن) ذات تركيبة درامية تكميلية , أي انها تخضع لواقع الفعل الدرامي , المتمثل بالأب , والمرجع ايقونيا ً , في ذهن المؤلف .
وترتب على ذلك ان يتركب الحوار الدرامي على تلك التوافقية الهرمية من الأب نزولا إلى الابن , وخاصة الأفكار والمشاعر , والتطلعات . فمنذ حوارهما الأول , نلاحظ الأسلوب الأبوي التربوي , الذي به يكلم النجار ابنه .
النجار : يا ولدي .. ظننتك قد خلفت الحرب وراءك 
ما بالك تذكرها ثانية … (ص5)
فهذا الحوار وغيره , افرز نمطا ً أدائيا ً مقابلا من قبل الابن , أي ان عليه ان يتعامل بتلك الروح الأدائية التي يتعامل بها الأبناء مع أبائهم في الحياة اليومية بعيدا ً عن دلالات الحالة الشعورية للشخصية المسرحية .
وهذه إشكالية التفسيرية التي وقع بها الممثل ( نصير ) لقصر تجربته العملية . ولذلك اتسم أداؤه عموما بالحركة النمطية القصيرة , التي توازي أو تتوازن مع حركات النجار الأب , واللتان كونتا بمجملهما الإطار الحركي العام للعرض .
وقد غلب الأداء الصوتي للممثل(نصير) البكائية , التي وسمت أداءه بشكل عام , حيث لم يركز على المعنى الدقيق للحوارات ودلالاتها اللغوية , والاشارية , ومن ثم اختيار النسق الأدائي المناسب لها . 
وانما كانت حواراته , تتسم بإيقاع رتيب واحد , ونغمة بكائية , أفرزت ضعف الممثل في الأداء الصوتي , الذي يمكن ان يكون سببه , ضعف الممثل في الإلمام بلغته , أو ما يسمى بالكفاية اللغوية , وعدم امتلاكه مرونة صوتية عالية في أعضاء النطق .
مع ملاحظة ضعفه في معرفة أصول البنى التقليدية للغة , التي تنسجم , مع الإشارات الصوتية اللغوية , وغير اللغوية . فالخطاب السمعي للممثل يتكون من تظافر الاتصال اللفظي بالاتصال غير اللفظي , بما يتضمنه من مميزات وفواصل , مرافقة أو بديلة أو مستقلة .
ان إهمال الممثل للمستوى الأدائي للغة , وعدم استثمار الدرس الأكاديمي النظري في تعميق بنية خطابه الصوتي , عد ّ قصورا في تركيبة الممثل في الأداء التمثيلي في إطاره الصوتي .
وفي المقابل فقد كان الأداء الصوتي للممثل ( علي عادل ) في شخصية الأب , حضورا دلاليا ً واشاريا فاعلا ً , من خلال ( الكارزما) التي يمتلكها الممثل ( علي) وطواعية جسده , في الأداء الحركي , انطلاقا من الحركة الموضعية التي حتمها وضع قطع الديكور , ما دفعه إلى اللجوء إلى إيماءات الوجه , التي تقدمت أكثر العلامات اقترانا بالإلقاء , وأكثرها دعما للعلامة السمعية , حيث تتساوق في ذات أو عكس الاتجاه الذي يسلكه الالقاء , بتوافق وانسجام دلالي . فهي تقوم باغتناء التعبير التصوري الذي يفرضه الإلقاء كالحزن أو الفرح أو غيره من المشاعر والأحاسيس .
اما الحركة الانتقالية للممثل ( علي عادل) فقد كانت تتزامن أدائيا مع حركة قطع الديكور , وتشكلاتها الصورية مما أضفى عليها نوعا من السرعة والفاعلية أحيانا , والبطء والترهل في أحيان أخرى .
ان ربط الصورة الكلامية , بصورة حركية تعبيرية دالة , بتركيب متزامن , ساهم في بلورة الفعل الدرامي الذي يعطي لكل موقف أو حالة تبريرها وبواعثها .
وان جسم الممثل بحركاته وتنقلاته , وبناءه التشكيلي , يتحول من صورة إلى أخرى , ومن تعبير إلى أخر وصولا لتحقيق نوعية التحول الذي يبرز الكثافة الدلالية والمحفزات , الناتجة عن توليد دلالات جيدة , عن طريق التشكيل الحركي الذي يعد نظاما علاميا يكشف عن دواخل الشخصية بصيغة تعبيرية تكشف بدلالتها عن كل الأفعال والأفكار التي لاتستطيع اللغة المنطوقة وحدها عكسها أو التعبير عنها بشكل تام , كحالات الخوف , والفزع , والإثارة , بما يتلاءم مع الحالة التعبيرية المراد إيصالها للمتلقي .
وقد أشار الباحث إلى ان الحركة الانتقالية في هذا العرض أضحت مقيدة , بفعل تراكب وتداخل القطع الديكورية , التي حددت إلى درجة معينة حركة الممثلين , مما تسبب في فرض نوع من الحركة التقليدية على العرض أحيانا , أي ان يقرأها المتلقي بشكل مسبق .
ومن تلك الحركات , حركات الأب التي كانت في اغلبها من اليمين إلى اليسار ومن اليسار إلى اليمين . أو من الأسفل إلى الأعلى وبالعكس , وبخطوط مستقيمة , عبرت عن سكونية الأداء الحركي , في معظم مفاصله الأدائية .
وقد دفع هذا الوضع الممثل إلى الاستعاضة في الأداء الصوتي , معتمدا في ذلك على طاقة صوتية مرنه , وخاصة في أداء المقاطع الغنائية , وعلى وفق المقامات الموسيقية الجنوبية , ما أضفى على أدائه الصوتي جمالا قرب المسافة البنائية بين الأداء الصوتي والحركي .
وفي أداء المجموعة يبرز لنا أداء الممثل ( عبدالزهرة سامي) في شخصية (هو) وهي شخصية صامتة , ولكن الأداء الجسدي المتقن من قبل الممثل ومرونته الجسدية , من خلال التحكم الجمالي في مفردات جسده قد انطق تلك الشخصية بتعابير دلالية , ساهمت إلى حد كبير في سد الكثير من الثغرات الأدائية الجسدية التي تتطلب حركة مرنة .
وكان ذلك الحضور الطاغي للممثل وخاصة في مشاهد الرقص على الايقاعات , والحركات التعبيرية الدالة .ما أدى إلى الارتفاع بطاقة العرض الجمالية , وخاصة في المشاهد التي يتابع بها شخصية ( المجنون ) كشخصية ظلية متابعة .
والشخصية النسائية الوحيدة في العرض هي شخصية (المرأة) التي فجعت مرتين بسبب الحرب . الأولى هي سفر زوجها إلى الخارج وعدم عودته إلى الآن . والثانية وفاة طفلها الوليد , الذي كانت طلبت من النجار ان يصنع له (كاروكا) وبالتالي تصطدم أحلامها بصخرة الواقع المريرة , التي تمثل الانثيالات الحزينة المأساوية للحرب وبشاعتها .
وقد اسند الدور للطالبة ( خلود جبار ) وهي إحدى خريجات معهد الفنون الجميلة في البصرة . وقد اتضح منذ الدخول الأول للممثلة إلى المسرح , وتابع الأحداث التي تتواجد فيها , إنها اعتمدت على مفهوم قاصر للدوافع التركيبية للشخصية , وسماتها التي ينبغي ان تؤسس عليها أداءها التمثيلي , ما افرز اداءا شكليا ً اعتمدت فيه الممثلة على الحركات الجسدية النمطية الجاهزة , التي لا تحيل إلى مدلولات اشارية فاعلة .
ولا تترك ما يسمى بالفجوات الأدائية التي تترك فيها مساحة لتأويل المتلقي , ليساهم في إنتاج العرض , وبرؤية إبداعية مضافة . وقد اعتمدت الممثلة على مخزونها الشخصي في الحركات الجسدية الجاهزة , مسندة ذلك بأداء صوتي ’ تميز بطابع البكائية والصراخ , الذي أدى في نهاية العرض الى حصول شرخ في صوت الممثلة .
وهذا ناتج من محدودية قدرات الطبقة الصوتية للممثلة , فضلا عدم تفهمها للحالة الشعورية للشخصية , التي تتطلب حسا شعوريا عاليا ً بالمأساة وليس الصراخ , والارتفاع في الطبقة الصوتية مما أضاع فرصة أدائية لهذه الممثلة , بان تقدم الشخصية من خلال رؤية أدائية أخرى .
ان هيمنة الخطة الإخراجية , على مفاصل العرض , أفرزت مستويات متعددة , من الأداء التمثيلي لمجموعة الممثلين , الذين تنوعت قدراتهم الأدائية , على وفق معطيات عديدة , يقف في مقدمتها , التجربة العملية , والوعي الفكري والجمالي لفهم الشخصية .
فضلا عن الإدراك العالي في فهم وتفسير الشخصية الدرامية , والمستوى المعرفي الناتج من استيعاب وفهم الدروس النظرية لمادة التمثيل . 
كل تلك العوامل أفرزت تعددية الأساليب الأدائية بين الشخصيات , وفي داخل الأداء التمثيلي للشخصية الواحدة , في بعض الأحيان . فمن شخصية ( المجنون) يمكن رصد الأداء التمثيلي الذي تميز بمستويين , أولهما : الاندماج والتقمص في أداء الشخصية . 
وثانيهما : كسر الإيهام بالإغراب , وكسر الجدار الرابع , وقد اتضح ذلك التنوع في الأداء الصوتي والحركي , التي ميزت قدرة الممثل الأدائية في الصوت , والتلاعب بالطبقة الصوتية , من الحزن الى الفرح , ومن البكاء الى الضحك , وبانتقالات فجائية في الأداء الراقص المعبر الذي أداه مع المجموعة , وتلاعبه بالألفاظ والكلمات , تحويلها من كلمات فصيحة الى كلمات شعبية , تتناغم مع الحس الشعبي للمتلقي .
تلك العوامل ساهمت , في تشكيل الثنائية الأدائية للممثل , مع مفردات العرض , وتعامله معها , وخاصة في مشهد ( الحج) الذي تستخدم فيه المجموعة (البطانيات) العسكرية , كملابس (إحرام) لتأدية فريضة الحج .
وتقوم المجموعة بإلقاء تلك ( البطانيات) على ( المجنون) حتى يختفي تماما ً , وهو يستغيث من السقف . وبرد فعل معاكس , يبدأ بإلقاء تلك ( البطانيات) في اتجاهات مختلفة من المسرح . وفي الحقيقة فهو يرميها و بتناسق حركي مع الصوت الى أصحابها من أفراد المجموعة .
ان التحول الدلالي , لمفردات العرض الخشبية , التي تتحول من ( كاروك) الى (تابوت) و( باب) و(سبورة) و( سجن) الى غيرها من العلامات الاشارية الفاعلة .
وقد أفرزت معها تحولا دلاليا متعددا , لمستويات الأداء التمثيلي . الذي عبرت عنه مجموعة العمل , من الممثلين الطلبة , الذين تمايزت درجات أدائهم على وفق قدرتهم على فهم واستيعاب المناهج الدراسية , في الكلية , ثم تجسيدها عيانيا على خشبة المسرح . 
فضلا عن مجموعة الطلبة خريجي معهد الفنون الجميلة , وخريجي الكلية في السنوات السابقة , وتمثلهم المناهج الدراسية , وصهرها في الميدان العملي , من خلال الأعمال المسرحية التي شاركوا فيها

Share: