الباب وغريب داخل اسوار المنزل بقلم : د. طالب هاشم بدن

قراءة نقدية تحليلية لمسرحية ( غريب)

ضمن النشاطات الثقافية الفنية في محافظة البصرة عرضت دائرة السينما والمسرح / الفرقة القومية للتمثيل المسرحية الهادفة بعنوان ( غريب ) على قاعة المسرح المركزي في كلية الفنون الجميلة / البصرة وهي مسرحية للكاتب البصري عبد الكريم العامري ، بتاريخ الأمس الموافق 19/12/2021 وكانت من اخراج علي عصام الشاب البصري وتمثيل بدور العبد ألله الشابة المتألقة الحاصلة على جائزة أفضل ممثلة في مهرجان المسرح لهذا العام ، والممثل أحمد الشمالي و نور محمد تقي .
تناولت فكرة العمل الدرامي موضوعة اجتماعية تجلت في معانة المرأة ومكابداتها مع زوج لا يعي القيمة الانسانية والاخلاقية لهذا الكيان الملائكي ، إذ وضع كاتبنا مسرحيته على وفق نظام تنامي مستوى الحبكة والصراع بطريقة بنائية حاذقة مستعيناً بالباب الذي عد الفاصل ما بين عالمين وهو ذروة الصراع الذي تجلى في عمق الأفكار الدرامية. ان الحاجز ما بين عالمي المرأة والرجل ( بدور وزوجها ) أفصح عن صدأ العلاقة وتهشمها مع تراكمات أوجاع باتت واضحة للعيان ما بين اندثار المرأة واضطهادها وبين الإهمال المتعمد للزوج بحجة إن المرأة لم تك وعاءً صالحا للإنجاب لا دخل لها به حملت سوءة زوج همجي ، وعلى وفق هذه الحلقة من الصراع تنامت احداث المسرحية بشكل متصاعد ، إذ كشف المخرج ( عصام) مجموعة من المشكلات التي صاغها بطريقة دراماتيكة حاجزها باب ضاع قفله عمداً وبقيت تلك الثيمة شاخصة لمدة ليست بالقصيرة ومن خلف ذلك السد المانع جمعت أفكاراً وتداخلات ، إذ إن الزوج المنهك القوى لم يبال سوى بالراحة الجسدية وبقي خلف الباب تحت أشعة الشمس يحاور زوجته المسكينة تارة بالوعيد وتارة بسيل من الشتائم التي أخذت على تقبلها منذ زمن طويل وصارت لعنات الزوج غير مؤثرة عليها ، هنا تجدر الاشارة إلى ان الزوجة قد فقدت بريق انوثتها وبقيت متلاصقة مع بقايا بيت متهالك تمارس طقوس الغسيل المتناثربشتى أنواعه بملابسها التي بدت بالية كما هي وتحاول اهدار الوقت بأعمال المنزل وكأنها آلة لم تجد أنيس لنفسها سوى إعداد المائدة والغسيل . يرينا مخرج مسرحية غريب ان الفارق هو بوهيمية الحوادث وتشظي العلاقة التي سرعان ما تبدد بريقها وما الصوت إلا صحوة ، صحوة إمرأة فقدت انوثتها بين جدران أربع وظلت تعاني بسبب إنها امرأة شرقية لم تستطع ان تحقق فحولة زوجها المفتول العضلات وهو غير قادر على الانجاب ، إذ ان تداخل العلاقات وترابطها أدى الى اظهار العمل وكأنه كتلة مترابطة المعنى والدلالة عبر سيميائية التشكيل المسرحي وقد وجد المنظر ان هناك ضرورة في تحريك الشخصيات على وفق ديناميكية الاحداث على الرغم من وضع الباب بشكل غير مناسب ، وتعدد وتكرار الحركة وضياع بعضها خلفه ، لكنها جاءت لتناغم سير الحبكة المرسومة وبقيت الحوارات على وتيرة واحدة اخذت من زمن العرض الشيء الكثير التي كان بالامكان تكثيفها واختزالها بطريقة فنية ، وربما هنالك خلل تقني في بث المؤثرات الصوتية إذ انها لم تك منتظمة وضيعت بعض من أهداف الحوار والصورة الدلالية للعمل وهذا غالبا يحدث في عالم الدراما إذ إن الصوت يأتي متأخراً نوعا ما ويتقطع تارة ويعود خالقا فراغاً في عالم الدراما يعبر عنه على انه صمت لا يفي بالغرض ولم يكن معبراً عن حركة نقطة الصراع وتصاعدها. غير ان الموسيقى على الرغم من دلالاتها المتعددة جاءت متوافقة مع سير العمل الفني بشكله المتناسق. استخدم الممثلون أدواتهم الجمالية ولغة الجسد من أجل التعبير الدلالي للعمل الفني المسرحي وقد ساعد في ذلك نفث الدخان وتطاير الغبار للدلالة على ضبابية الحالة التي تمر بها الزوجة وتمهيداً الى دخول شخصية ( العملاق ) كما هو واضح من الازياء والكعوب التي ارتادها على الرغم من التقيد في حركته إلا ان الممثل حاول جاهداً استخدام صوته الجهوري وشكله ليوجد معادلاً بينهما وبين الشخصية التي وضعها له مخرج العمل المسرحي . إذ اضافت شخصية ( العملاق ) رؤية درامية جديد ربما أراد من خلالها المخرج التعبير عن زمن اللامعقول ودخول عالم طوباوي إلى عالم الانسان وهو المخلص للمعاناة المستشفقة التي تمر بها شخصية الزوجة . وعلى وفق هذا الرأي ظهرت الشخصية بهيكلها العملاق بعد أن كانت صوتاً يخاطب الزوجة من خلف ستار لم تكن كاشفة عن كنه عملها على الملاْ ، إذ ربما كان تأخير ظهورها من أجل الاثارة والتشويق وهي فكرة أصبحت مستهلكة نوعاً ما على الرغم من دلالتها الفنية فما الصوت إلا باعث أراد من خلاله الكشف عن الرفض لما تمر الزوجة به ويعزى ذلك الى الانتقال والتحول من حال إلى حال وتذهب بنا إلى الكشف عن ولادة شخصية جديدة تملك القوة والقدرة على قول ( لا ) التي تأخرت كثيراً في عوالم الماضي ، ونحن على أعتاب مراحل من التجديد وطرح الافكار وتبادل الرؤى . نعم حقق عرض مسرحية غريب اهدافاً حيوية اجتماعية أهمها التغيير والامتناع عما هو قاهر وظالم . إذ ان التغيير يأتي من الداخل وبدايته النفس والارادة التي بدت واضحة على الرغم من التفوه بها على لسان العملاق والتي عاشت مع الزوجة بلا حراك . ان محاولة فتح الباب وغلقه بسرعة ما هي إلا حركة مقصودة أراد من خلالها المخرج أن يوصل رسالة أن الفرصة لم تأت إلا مرة وعلينا اغتنامها ، وما قامت به الزوجة بعد غلقها الباب والذي عد الحل الاساس والثاني ما هو إلا بداية لفتح أفق جديد في تطور حركة الفعل وتناميها وصولا إلى العقدة وحلها . ختاماً شكراً لهذا الجهد الكبير الذي قلما نجده بأمكانيات محدودة وشكراً لهذه المتعة المعرفية نصاً واخراجا وتمثيلا .

المصدر: موقع الفرجة المغربي

Share: