ليلة القبض على الكهرباء
مواطنون: الدولة لا تهتم لأمرنا جعنا أم متنا حراً
الآن فقط استطيع ان اضع مرساتي في مرفأ بعيداً عن التقولات والاتهامات والكلام الذي لا (يجيب) ولا (يودي)!! الآن فقط استطيع ان احمل قلماً من الم ما زال يعتصر قلبي بعدما أدمته سنوات ثلاث من الخراب والهم والمعاناة.. يقول الشاعر خليل الحاج ناصر: (خاف ما طاح الصنم!).. وهو سؤال غاية في الأهمية خاصة وهو يقولها متلفتاً هنا وهناك.. فاي صنم يخشى عدم سقوطه؟ هل حقاً سقط الصنم؟
المتابع للأحداث سيكون أمام حقيقة أن الاوضاع التي انتظرنا زوالها ما زالت تعشعش فينا.. بدءاً من مفردات البطاقة التموينية وليس انتهاءاً ببرمجة الكهرباء الثلاثية الأبعاد!.. ولا ندري لماذا برمجت على هذا الشكل القميء والذي ما زال مسؤولو الكهرباء يطبقونه رغم الغاء جميع قوانين النظام البائد.. الاحداث هي هي، والعراق لم يتغير خلال الثلاث سنوات التي خلت.. لا بل ازدادت الحياة صعوبة، وبدأت موجات الهجرة من مدينة الى أخرى، وموجات أخرى من العراق الى خارجه.. امتلأت دول العالم بعراقيين هربوا بجلودهم من لظى نار جديدة.. وهُجّر آخرون من مدنهم تاركين بيوتهم وجيرانهم واعمالهم ليتخذوا من الخيام والمدارس منازل لهم.. هذه هي الحقيقة و (خاف ما طاح الصنم).. سيبقى (عمو ناصر) يصرخ بذلك البيت الشعري الى أجل غير مسمى.. وسيصرخ معه آخرون ممن لفهم الضيم والعذاب وعملت بهم المصائب ندبات لا يمكن مسحها مهما مر الزمان.. هذه الحال جعلتنا نأسف على ما ضاع من شبابنا ومن أعمارنا ونأسف على ارواح ضحايا الزمن المر من اولاد واخوان وصحبة..
الكهرباء واحدة من المعضلات التي تواجه حكومتنا، وهي بالنسبة لنا هم دائم لا يمكن انهاؤه الا باتخاذ موقف صادق مع النفس قبل ان يكون مع الرعية .. الكهرباء الصعبة، سهلة بالنسبة لعراق مليء بالنفط والخيرات من الثروات الأخرى، فهناك الكثير من الشركات تنتظر اشارة واحدة منا للبدء بالاعمار، وهناك من يدفع مقابل استثمار ما يمكن استثماره في العراق ، والعراق يبقى اولا وأخيرا مملكة العسل التي لا تنضب، وهو خزان خير كبير لا يمكن ان ينتهي.. لهذا تجيء المطالبة بتوفير الكهرباء وحل الازمات المتالية التي عصفت بالعراقيين، فما يمر يوم دون أن تقوم قائمة أزمة أو مشكلة.. وغريب جداً أن تكون هناك أزمة خبز، وبنزين، ونفط، وماء، وكهرباء، وبطالة، ورشوة، ومفاسد لا أول لها ولا آخر.. أمن أجل كل ذلك سالت دماء أبناء العراق الشهداء الأفذاذ؟ أمن أجل أن يرتشى الموظف وتمتلئ بطون بعضهم بالسحت الحرام قدم ملايين الشهداء أرواحهم؟ ماذا سنقول لأبنائنا الذين قضوا على يد سلطة القمع..؟ ماذا سنقول لأمهاتهم اللاتي ما زلن ينتظرن من حكومتنا القليل القليل.. فلا يردن شيئاً سوى الكرامة والعزة بعد ان دفعن بأولادهن وفلذات اكبادهن الى آتون حروب لا تنتهي..؟ ماذا سنقول لأجدادنا الذين سلمونا أمانة الوطن.؟ ماذا سنقول لأجيالنا الذين نتمنى ان يستمروا بالبناء لا ان يستمروا بالعدوان والقتل والتنابذ والفرقة..؟ ماذا سنقول للعراق الذي انتظرناه ان يتعافى طيلة تلك السنوات التي خلت..؟ انتركه وحيداً لا ناصر له ولا معين، وننقض على خيامه وننتهك حرماته؟ اهكذا نتعامل مع الحالة العراقية..؟ أسئلة كثيرة، بلا اجابات.. بل تحتاج الى اجابات واقعية بعيداً عن الأخوانيات والخال وابن اخته.. و(انا وابن عمي على الغريب وانا واخوي على ابن عمي).. وما الى ذلك من مفردات دخلت حياتنا العراقية وقلبت موازيننا وغيرت من اخلاقنا..
• كهرباء ولكن:
قد يبدو استطلاعنا غير مستساغ كونه يدور حول حلقة مفرغة من الواقع العراقي المؤلم.. وقد نكون ثقلاء على بعض من لا يعنيهم امرنا، فثلاث سنوات ونيف كافية لتقديم خدمات كفيلة بانتشال العراقيين من آلامهم المستديمة.. ثلاث سنوات ونيف كافية لأن نجعل من العراق بلداً من الطراز الأول لا الأخير.. فماذا حل بنا بعد زلزال الاحتلال..
هناك برمجة وهي ارث من النظام السابق، وهناك كهرباء ضعيفة جداً حتى تصل الى بيوتنا بقوة 180 فولت أو أقل (ومعذرة لست عارفاً بالمصطلحات الكهربائية)، وبعض الواصل منها أتلف أجهزتنا الكهربائية، من ثلاجات وتلفزيونات ومكيفات هواء، لا بل ان مكيفات الهواء لا تعمل خلال فترة الثلاث ساعات لبرمجة أهل الكهرباء (اطال الله باعمارهم وجعلهم مناراً لنا).. هم يتهربون من المشكلة، وهناك جواب واحد غدا مثل الاسطوانة المشروخة.. الاعمال الإرهابية هي التي هدمت البنى التحتية للكهرباء.. والحل….؟ لا جواب البتة!
الإرهاب هو السبب، والإرهاب هو الذي جعل بلادنا عرضة للخراب، والإرهاب هو الذي جعل موظفنا (النزيه) ان يرتشي.. والإرهاب هو الذي جعلنا نخرب دوائرنا وشوارعنا، ونتلف شبكة الكهرباء ونتجاوز عليها، والإرهاب هو الذي ألقى بشبابنا على قارعة الطريق تستنزفهم البطالة والعوز.. والإرهاب هو الذي جعل خزينة العراق العامرة بالخير فارغة ويغني بها (حضيري)! كل ذلك بسبب الإرهاب اللعين.. وهكذا نحن نجلس القرفصاء بانتظار الفرج والخروج من أزمة الإرهاب وهي (شماعة) صالحة دوماً للأستخدام البشري!!
وللحق نريد ان نتساءل، ما نسبة الإرهاب الى الإعمار؟ اوالعكس.. بالتأكيد انها نسبة غير متساوية ففي الوقت الذي لم يشهد البلد أي اعمار حقيقي هناك عمليات اجرامية متفرقة وفي مناطق معروفة..
يجب ان تكون هناك منافسة على الإعمار بين الولايات العراقية، فولاية البصرة اذا ما بدأ فيها الإعمار ستكون في مرمى منافسة ولاية النجف أو الموصل.. حتى يصل الأمر الى أن سكان تلك الولايات والتي تشهد عمليات قتل مسلحة يطالبون بالبدء بالإعمار على غرار ما تشهده ولايات الجنوب أو الشمال.. هذا ما نتمنى ان يكون عليه الحال.. في النظام الفيدرالي او غيره، المهم ان تقدم الخدمات للمواطن، وأن تشهد المدن العراقية حملة صادقة ونزيهة لأعمار الكهرباء اولاً.. تلك المعضلة التي لا تنتهي ابداً الا بقرار حازم وحاسم من الحكومة التي نعرف انها تعمل من أجل اسعاد المواطن العراقي..
العراقيون لا يريدون زيادة في الحصة التموينية في هذا الصيف اللاهب قدر حاجتهم الى الكهرباء، فالحصة التموينية التي وزعت قبل اشهر كافية لكي تشعرهم بأنهم مواطنون من الدرجة العاشرة.. الطحين غير صالح، والصابون رديء، والشكوى لغير الله مذلة!
وبعد، ماذا يسعنا أن نقول في زمن بات فيه القول كالنفخ في قربة مثقوبة لكن حسبنا الله ونعم الوكيل.
الحوار المتمدن-العدد: 1685 – 2006 / 9 / 26
اترك تعليقا