مسرحية جعبان وثنائية الدال والمدلول بقلم: د. منتهى طارق المهناوي

تنطوي موضوعة العرض المسرحي على شكل اتصال جمالي مع عين المتلقي وذلك باخذ الحركة شكل الحيز الدلالي على تكوين دلالة الصورة المسرحية. فكان اللقاء الاول للمسرحية عندة عتبة مهمة، للدخول والولوج الى المنجز الابداعي، هذه العتبة هي العنوان الذي شكل سطوته وجبروته على (المتلقي / قارئ العرض ) و الذي من خلاله يمكن الايذان بالدخول الى عوالم العرض المسرحي. فالعنوان هو الكاشف الاول ومن خلال بروزه تتشكل الصورة الايقونية والحيز الذي يشغله فكر المتلقي الذي يكون بدوره مدعاة للتأويل السيميائي، والذي توقفنا عنده كثيرا باستغراب وحيرة ( جعبان….؟) هذا الاسم حيرني ودعاني للتساؤل والسؤال والبحث الى ان توصلت واتمنى ان اكون قد توصلت للمعنى الصحيح ان جعبان هي حشرة صغيرة جدا تنخر وتاكل دون ان نشعر بها. من هنا شكل العنوان بعدا قصديا لا اعتباطيا يحيلنا الى مابعد العنوان .
تحكم المخرج بمنجزه باسلوبية ذكية اذ جمع بين صورتين متزامنتين( تجسيد + جسد ) من خلال صورة رسمت العمق المسرحي وهي تفسر مايدور في مقدمة ووسط المسرح محاكاة وتفسير دلالي حركي جسماني (كيروكراف ) وفق احساس عالي من مجموعة شباب مبدع وبصورة تعبيرية تنسجم عبر ايقاعاتها المتشابهة بين الصورتين بانسيابية عالية بثنائية (الكلام + الجسد) من جهة ومع الجو العام للمسرحية من جهة اخرى، ايقاعية اعاد المخرج خلقها من جديد بتحويل الفكرة والجمل الحوارية الى بديل حركي ضمن فلسفة / مفاهيمية لواقع مرير.
ابتكر المخرج نظام فكرة المشاهد من خلال توظيفه للاضاءة التي لعبت دورا مهما في صنع الرؤيا الجمالية المشهدية … ليضعنا بذكاء من خلالها بمشاهد متداخلة ضمن استعارات لغوية بلسان الشخصيات بين الواقع والتاريخ لتكون هناك عدة استعارات مهيمنة ظاهرة في تحقيق امتداد حضاري وعرفي وتركيبي كما هو الحال في التيه عند بكت، السنوات العجاف عند سيدنا يوسف و عبارة ( لاتستطيع معي صبرا) مرافقة نبينا موسى لسيدنا الخضر وكذلك واقعة الطف عند سيدنا الحسين مزاوجة ترمز بان التاريخ لايموت بل هو امتداد و عودة وتكرار بشكل اخر.
لقد كان للمثلة (الدكتورة ثورة يوسف) التي رمزت للارض المعطاء وهي تنذر اولادها وتردد ( دللوه) في سبيل الحرية والسلام دورا كبيرا افرحتنا به بعد غياب لسنين عدة بخلق مناخ تنغيمي مرصع بدلالات السجع بانسيابية وايقاعية ترفة هادئة .. اما الممثل المبدع (مجيد عبد الواحد) الذي كان يمثل رمزا للبطولة والتضحية والفداء جسد باحساس جمالي وبايقاع داخلي بث لنا دفعات من الاحساس الجمالي بحب الوطن… فمن خلال هذه الشخصيتين كان هناك استحضار للموت المرتقب الذي رمز له المخرج بابداع واسلوبية ميزته، من خلال مرافقة للشخصيتان شخصية اخرى راقصة لها، وفق حركات تعبيرية تجسد التصاق لعنة الحرب بهذه الارض انين والم اصوات مؤلمة حركت مشاعر الخوف والدمار والهجرة عن ارض الوطن التي تنبأ بها المخرج وكانه قارئ للمستقبل، كل ذلك تجسد ضمن صورة جمالية تعبيرية. ثم يعود بنا المخرج مرة اخرى الى الشخصيتين الرئيسيتين الرجل/ المراة ليكون بهما معادلة التوازن (القوة / الضعف) ثنائية ايقاعية اخرى تتوضح من خلال محاسبة الواحد للاخر معادلة العراق (ضعف + قوة = صراع ) هذه المعادلة تعود لعنوان المسرحية جعبان هذه الجعبان اي ( الدود ) الذي ينهش بجسد العراق، من، ارهاب، وفساد سياسي واقتصادي، وماجاوره من بلدان.. وعلى صعيد اخر تفصح المرأة عن تكرار جملة ( أأأأأه) ياضيق الصدر لولدها المحارب في سبيل الوطن بتركيبة صوتية مؤلمة تهز وجداننا لما لها من بعد دلالي مثلها المخرج برمزية القوة المتمثلة بالوطن و صورة الحرب ( احنة مشينا مشينا للحرب) صورة استفزازية للمواطنة العراقية من خلال جمالية تعبيرية باجساد تملك من اللياقة والجمال الحركي، متداخل عبره الامل والبقاء حيا باذان يكبر ورجل يتوضأ لقيام الصلاة ليختمها المخرج بصورة رمزية خلقت لدى المتلقي دفعة نفسية تفاعلية مع القيمة الدلالية لتكون القيمتان معا انتاج صورة جمالية هذا التوازي شكل مهيمنا اسلوبيا عند المخرج برسم لوحات تشكيلية ابداعية استنطقت الواقع والهم المشترك ليقف معنا عند عتبة هذه اللوحة الاستعراضية بدلالية تعبيرية و بحرفية مشهدية بارعة وبصرخة مدوية ( يمة ابني يمة عدوك عليل وساكن الجول)، مما جعلنا ندهش ونردد الله لما لامس احساسنا من هم مشترك لتكون الخاتمة. مع اروع نص واخراج وتقنيات وتمثيل ادائي وجسدي ليقول المخرج المتالق ( حازم عبد المجيد ) كلمته الاخيرا ( هنا البصرة … هنا الابداع… هنا الجمال)

مجلة بصرياثا الثقافية الأدبية بتاريخ  أبريل 10, 2016

Share: