البطانة…!

قال رسول الله محمد (ص) كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.. حديث شريف نحلم في ان يجسده أصحاب القرار في عراقنا الصابر المبتلى بالاحتلال وندمائه.. هذا الحديث الانساني يعلمنا كيف نتعامل مع من هم أدنى منا، كيف نتعامل مع الذين يظنون أن مصائرنا بايديهم وارزاقنا بقراراتهم وأرواحنا بفوهات بنادق حماياتهم.. هذا الحديث الشريف يضعنا على طريق واضح فمن تبعه فاز ومن انحرف عنه لقى ما لاقاه من ارتدى رداء الكبرياء ورأى الناس اصغر منه وأدنى!

مشكلتنا اليوم ليس في الراعي، انما فيمن يحيطون به من بطانة لا تفكر الا بنفسها، ولا تعمل الا على وضع غشاوة فوق عين الراعي.. ولو كان حريصاً على رعيته لخرج يتحسس همومهم، ويعيش معاناتهم، ويرى بأم العين ما يُفعل بهم..

الراعي الحريص على رعيته ويمتثل لقول الرسول الكريم لا يتركهم عرضة لبائعي الضمائر واصحاب الشيطان، لا يتركهم فرادى يئنون تحت وابل الجوع والبطالة، لا يدعهم مرتعاً خصباً للانتهازيين وضعاف النفوس.. الراعي الحريص على رعيته يعيش معهم ويئن لأنينهم، يسمع مطالبهم لا أن يحشر نفسه في غرفة أضيق من قبر ويكتفي بتقارير المهزومين من العدالة والانصاف.. الراعي الحريص على رعيته لا يدع عينيه تغمض فيما هناك اعداد من المظلومين والمهضومين والمحتاجين.. الراعي الحريص على رعيته لا يعيش لنفسه، يوفر لها متع الدنيا ويملأها سحتاً وكرهاً وظلماً.. الراعي الحريص على رعيته لا يستمع لأحد دون أن يرى بعينه، ولا يقرر دون أن يضع الله وضميره أمامه.. فدعوة المظلوم لا ترد، وصرخته يسمعها الله وملائكة السماء..

العراقيون وعلى مدى تأريخهم مظلومون، هذه حقيقة يعرفها القاصي والداني، رغم انهم أهل حضارة وتأريخ وثقافة قلما تجدها في شعوب أخرى، يقول التاريخ ان العراقيين اخترعوا الكتابة والتدوين، وكتبوا القانون، واخترعوا العجلة، واخترعوا البطارية واخترعوا اجهزة التبريد واخترعوا كثير من الآلات التي نراها محدثة اليوم.. لكنهم لم ينعموا بتلك النعم، لا في القانون ولا في التاريخ ولا في البطارية ولا في غيرها.. ربما شيء واحد لمسوه بايديهم وهو اختراعهم للديكتاتور وللزعيم والقائد فلا يخلو عقد من الزمان دون أن يكون لهم زعيم يرفعونه على رؤوسهم لكنه يسحقهم ببطانته.. منذ سقوط الملكية حتى يومنا هذا، وربما يستثني بعض العراقيين الزعيم عبد الكريم قاسم رحمه الله فقد قيل لي انه مات دون ان يجدوا في جيبه سوى نصف دينار أو اقل..

البطانة هو ما يسحق العراقيين، وينكل بهم، والبطانة هذه توسعت واخذت مديات اكبر، فمن القريب جداً حتى قريب القريب.. وصار الراعي بدلاً من أن يضع عيوناً في الأزقة لمعرفة احتياجات الناس والمعوزين صار يغيّب من ورد اسمه في تقرير المخبر السريّ.. هكذا نحن، في كل زمان لنا تقرير، وبعد ان تندرنا بالميم والخط المائل وهذا المصطلح يعرفه العراقيون وطالما تجرعوا سمّه، اصبحنا مبتلين بالمخبرين، وزوّار الليل..

البطانة تسلخ جلود العراقيين والراعي ينام قرير العين، البطانة تنكل بالشرفاء وابنائهم والراعي ياكل ويشرب ويلبس هادئاً مطمئناً، البطانة تحرم العيال من ابيهم والراعي يهدي آخر موديل من السيارات لابنه او ابنته.. البطانة تترصد الناس بعيون كالمسامير والراعي يبتسم أمام الكاميرات ليقول جملة مقتضبة: نحن مع المظلومين والمحرومين!

اتقوا الله في هذا الشعب الوفي الأمين الصابر.. اتقوا الله في العائلات التي تنتظر الآباء والابناء الذين غيبتهم تقارير المخبرين وفاقدي الضمائر.. اتقوا الله ان كنتم تعبدونه في عباده الباحثين عن خبز وشرف وسكينة.. اتقوا الله ان كنتم اياه تعبدون في خلقه الذين (طشرتموه) في بقاع الدنيا.. اتقوا الله ان كان محمد قدوتكم في الحياة في الايتام والارامل وذوي الدخل المحدود.. اتقوا الله في المعوزين من ابناء عراق الخيرات والنفط وحرروا أنفسكم من فتنة الدنيا وزهوها ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ويوم تكوى الجباه بما كنزتم من مال فيه حق للفقير والضعيف.. اتقوا الله في العراقيين الذين لا يريدون ملك سليمان انما مبتغاهم الحياة الحرة الكريمة.. اتقوا الله الذي لا تغمض عينه فهو يمهل ولا يهمل، يوم لا ينفعكم هذا المنافق او ذاك (العلاّس)، ويوم تتبرأ منكم بطانتكم وشياطينكم..

26 فبراير 2011

Share: