مولانا وحبّة العدس.. مسرحية في فصلين

شخوص المسرحية:

1- الرجل الطاعن بالسن

2- الوزير

3- تاجر/1

4- تاجر/2

5- تاجر/3

6- حسّان

7- كلثوم- زوجة حسّان

8- التاجر أبو عباد

9- الصانع

10- المهرج ميمون

11- قائد الشرطة

12- امرأة/1

13- امرأة/2

14- مجموعة نساء ورجال

الفصل الأول

المشهد الأول:

باحة كبيرة في قصر مولانا يتوسطها عرش بير يجلس عليه الرجل الطاعن بالسن بلحية طويلة وشعر انسدل على كتفيه، يرتدي ثوبا فضفاضا، ويمسك بيده اليمنى عصا يبدو أنه يتكئ عليها.. عيناه جامدتان ولا تبدو عليه أي حركة.. ثمة كتاب كبير مفتوح وضع على ساقيه.
حارسان يقفان على جانبي الرجل الطاعن بالسن .. لا يتحركان.
صوت جلبه في الخارج. يخرج الوزير من خلف الرجل الطاعن بالسن.
الوزير
: يبدو انه لم يتعظوا في المرة الأولى. ها قد عادوا من جديد. (يصرخ باتجاه جهة الصوت) ادخلوهم.. ثلاثة منهم فقط ليس جميعهم.
(يقف بانتظار الرجال الثلاثة الذين سيدخلون وهم من تجار المدينة، ينظر لهم وهم يتقدمون نحوه وقد استشاطوا غضبا)
الوزير
: ما هذا يا سادة؟ صوتكم يزعج مولانا!
تاجر/1: لم نقصد ازعاج مولانا لكننا أردنا أن نوصل صوتنا له..
الوزير: هو يسمعكم دون أن تصدروا صوتاً كهذا، ألا تعلمون أن مولانا يعرف ما تكنّه الصدور..؟
تاجر/2: هو ذا العام السابع ولم تجدوا لنا حلا، فقدنا بضاعتنا وتوقفت تجارتنا..
الوزير: أنتم محط اهتمام مولانا ورعايته ومن الواجب أن تردوا الجميل وهو شرف كبير لكم.
تاجر/3: دفعنا كل ما لدينا، لم يبق عندنا ما يكفي.
الوزير: دفعتموه لمن..؟ لدولتكم ! تلك التي تحميكم..
تاجر/1: نحن بحاجة الى قروض كي نستطيع تدبّر امورنا، لم يبق في مخازننا ما نبيعه للعامة.
الوزير: وما شأنكم والعامة..؟
تاجر/2: كيف ذلك يا سيدي الوزير..؟ العامة يتهموننا بتجويعهم.
الوزير: لا عليكم، ليقولوا ما يقولون، المهم أنتم في حماية مولانا.
تاجر/3: ربما يشتد غضبهم..
الوزير: عندنا ما يكفي من أفراد الشرطة والعساكر. لا تخافوا. ما دمتم في رعاية مولانا لن يجروء أحد على الإقتراب منكم.
تاجر/1: لم نعد نأمن على مخازننا..
الوزير: سنكلف بعض الشرطة لحمايتها.. ولكن، (يصمت قليلا ويحدق بهم واحدا تلو الآخر) هذا سيكلفكم بعض الأموال. أنتم تعرفون أن بلاط مولانا يحتاج للمزيد من المال. (يصمت قليلا) كل ما تدفعونه لمولانا سيزيد البركة بتجارتكم.
تاجر/2: أي تجارة تتحدث عنها سيدي الوزير، لم تعد لدينا أي تجارة. مخازننا فارغة!
الوزير(غاضبا) اصمت يا هذا.. التبرك بمولانا يغنيك عن أي تجارة.. أنتم محظوظون في هذا فغيركم يتمنى أن يقبّل قدم مولانا..
تاجر/2: نحن نقبّل نعله (يذهب حيث الرجل الطاعن بالسن)
الوزير
: تعال هنا.. لا تقترب من مولانا..
تاجر/2: (بخوف) حسناً . حسناً. فقط أرشدنا سيدي الوزير الى حل يخرجنا من هذه الضائقة..
الوزير: (مفكرا) كل شيء بالمستطاع. لا عليكم، سنبسط ايديكم على العامة، ونغض الطرف عن كل ما تفعلونه. زيدوا من أسعار ما بقي من بضائعكم. خذوا منهم ما تريدون وان اشتكى أحد منهم سنردّه!
تاجر/1: (متوسلا) يا سيدي الوزير حتى ان ضاعفنا الأسعار فلا نستطيع تعويض ما خسرناه!
الوزير: (بغضب) هل فقدت عقلك؟ ما الذي خسرتموه أمام رضا مولانا…؟
تاجر/1: (متراجعا) أطال الله في عمر مولانا، ومن لنا غيره. نحن نطمع في أن يرعى مصالحنا.
الوزير: أكثر من تلك الرعاية…؟ ما الذي تريدونه بعد…؟ ألا يكفيكم رضاه عنكم…؟ كنتم تتوسلون على اعتاب قصره في ان يحميكم يوم تعرضت البلاد للحرب..
تاجر/1: وهل قصّرنا يا سيدي الوزير؟ حين نشبت الحرب ملأنا الثكنات بالسلاح، لم نبخل على مولانا بشيء..
الوزير: السلاح الذي اشتريتموه يا سادة كان مقابل أن لا نسوق أولادكم للحرب.. هل نسيتم هذا؟
تاجر/3: لكننا أقنعنا عبيدنا والناس في أن يذودوا عن البلاد وهذا ما فعلوه. قاتلوا بشرف وبشجاعة وردوا الأعداء على اعقابهم!
الوزير: لولا حكمة مولانا ونبوءته لما انتصرنا!
تاجر/1: كنا نظن أنه بعد الانتصار سينتشر الرخاء. ويعم الأمن. وتتضاعف ارباحنا..
الوزير: ربحتم أنفسكم وعيالكم. هل هناك ما هو أغلى من الروح؟
( اظلام)
—————–
المشهد الثاني:
منزل حسان، منزل بسيط لم يبق من أثاثه الا القليل بعد ان باع ما فيه. كرسي ومنضدة وسجادة قديمة.
كلثوم
: انزل الى السوق وابتاع لنا شيئاً نأكله. لم يبق لدينا طعام.
حسّان: ومن اين لي المال كي ابتاع طعاماً..؟
كلثوم: خذ من المنزل ما تشاء وبعه!
حسّان: كل الناس بدأوا يبيعون اغراضهم فمن ذا الذي يشتري تلك السجادة القديمة. الوضع في المدينة أصعب صعباً.
كلثوم: كنت قد طلبت منك أن نغادر هذه البلاد ونبيع المنزل لكنك رفضت بحجة أنك لا تريد ان تترك المنزل الذي ولد فيه ابنك..
حسّان: كان يحب هذا المنزل، وتلك غرفته التي أعددناها لزواجه ما زالت على حالها. ما الذي أقوله للقدر الذي قطف زهرة شبابه.
كلثوم: (باكية) لعنة الله على الحرب التي سرقته منا!
حسّان: هو ذا اجله. لا يمكننا تأخيره أو تأجيله.
كلثوم: لو لم يلتحق بالحرب لكان الآن بيننا..
حسّان: استغفري ربك يا امرأة. هذا أمر الله.
كلثوم: ألا يحزنك فقدك لبنك الوحيد..؟ كأنك غير مهتم لهذا.
حسّان: وما أدراك ما يستعر في صدري؟ لو لم أكن مهتما لبعت المنزل مثلما طلبت. لو لم أكن مهتما لما تركت غرفته معطرة كل يوم. بموته يا كلثوم انكسر ظهري!
كلثوم: (صارخة) وماذا أقول انا…؟ كبُر امام عينيّ . فرحت به، وانتظرت اليوم الذي أزفّه بيديّ. وأربّي عياله ثم بين ليلة وضحاها تذبل كل أحلامي وتنطفئ.
حسّان: لست وحدك يا عزيزتي. هناك كثيرات فقدن ابناءهن في الحرب.
كلثوم: لكنه ولدي الوحيد. سرقوه مني!
حسّان: شرّفنا بدفاعه عن البلد.
كلثوم: كلام باطل. ما كان أولاد مدينتنا يدافعون عن البلد ابداً.. قل كانوا يدافعون عن مولانا وزبانيته.
حسّان: اخفضي صوتك يا امرأة (بحذر شديد) الحيطان لها آذان!
كلثوم: صرنا نخاف من الحيطان. يا لبؤسنا! أي حيطان تلك التي نخشاها..؟ ألهذا الحد زرعوا فينا الشك حتى جعلونا نخاف من أنفسنا ومن الحيطان. يا لبؤسنا!
حسّان: قلت لك لا تصرخي هكذا.. لم يبق زقاق في المدينة دون ان يزرعوا فيه عيوناً.
كلثوم: مزقونا بتلك العيون. متى نتخلص من هذه المهزلة. ألا يكفيهم ما أخذوه منا..؟ زجّوا بأولادنا في أتون حروبهم. حرب تتبع أخرى. قوافل من الشباب القتلى وبيوت خلت من كل شيء كل ذلك من اجل أن ينعم مولانا بحياة هانئة!
حسّان: كل نعمنا ببركات مولانا!
كلثوم: أي نعمة تتحدث عنها؟ نعمة الخراب أم نعمة الموت او نعمة انتظار المجهول..؟
حسّان: ايّاك أن تقولي هذا امام جاراتك. احترسي يا امرأة فالوضع في المدينة قلق جدا.
كلثوم: كلهنَّ فقدنَ اولادهن مثلي ويتمنين لو لم يلدن حطبا لحروب مولانا!
حسّان: ما مضى قد مضى.
كلثوم: بعد كل حرب نقول هذا. وما هو الذي مضى؟ ولدك وأولاد الجيران؟ الفرح الذي لم تره بيوتنا الخاوية؟ كرامتنا التي تهان ونحن نكتم احزاننا…؟ نعم، كل شيء جميل قد مضى بعدما حلّ الخراب.
حسّان: كل شيء سيعود. البلاد التي تبتلى بالحروب تحتاج الى وقت لكي تستعيد عافيتها.
كلثوم: ونحن…؟ متى نستعيد عافيتنا ونعيش كما يعيش الآخرون..؟ الأعوام تمضي ونحن من سيء الى أسوأ.. كلما تنتهي محنة تبدا أخرى.. وما أكثر محن البلاد. اشعر ان البلاط يعيش على المحن ولولاها لما استمر كل تلك السنوات.
حسّان: تشعرينني بالقلق. أتدرين أن كلامك هذا قد يوصلنا الى المقصلة. عليك ان تبلعي كل ما قلتيه واحتفظي بما لديك لنفسك. لسنا بحاجة الى مزيد من المشاكل. والآن سأذهب الى صديقي التاجر أبو عباد لاستدين منه مبلغا أجلب فيه بعض الطعام.
كلثوم: خذ ذاك الكرسي وبعه أو خذ تلك السجادة أو خذ الأثنتين وبعهما خير من ان تستدين من صديقك التاجر الذي ان اعطاك ديناراً يأخذ منك دينارين.
حسّان(ينظر الى الكرسي وثم الى السجادة مبتسما) لا تستعجلين عليها سياتي دورها..
(يخرج حسّان بينما تنظر كلثوم له بدهشة)
كلثوم: (مع نفسها)
 لا أعرف من أي كوكب جاء هذا الرجل. برودة اعصابه تثيرني. لا اراه منشغلا بشيء حتى عمله الذي طرد منه بسبب عدم وجود أموال كافية في خزينة البلاد لدفع مرتبات العاملين لا يهمه أيضا. يوم طردوه جاءني ضحى باسما وقال ببرود وداعا أيها العمل! . معمل الفخار الذي كان يعمل فيه أغلق مثل كثير من المعامل فمولانا لا يرى ضرورة لوجودها وهي تثقل الخزينة. الأزقة أضحت مزابل فمولانا لا يرى ضرورة للنظافة الا في قصره. الأطفال يتسولون في الشوارع فمولانا لا يرى ضرورة لأن يبقى الجياع في منازلهم. المهم ان يبقى مولانا سالماً منعماً وليذهب الشعب الى الجحيم!
(اظلام)
————
(المشهد الثالث)

(في السوق. محل التاجر أبو عباد)
(يجلس التاجر أبو عباد وهو ينتظر صانعه الذي يبدو أنه قد تأخر.. بعد قليل يدخل الصانع)
أبو عباد
: اين كنت أيها الصبي..؟
الصانع: ذهبت الى الدكاكين التي ارسلتني اليها لبلغهم بالأسعار الجديدة.
أبو عباد: أربعة دكاكين في هذا الجانب وثلاثة في الجانب الآخر وتتأخر كل هذا الوقت..؟ ماذا لو ارسلتك الى خارج المدينة…؟
الصانع: كل دكان اخذ مني وقتا لقنع صاحبه.
أبو عباد: قلت لك ليس عليك اقناع أحد.. فقط أخبرهم أن الأسعار تغيرت وعليهم دفع المبالغ اليوم قبل وصول البضاعة..
الصانع: هم سألوني عن البضاعة وقلت لهم انها في الطريق..
أبو عباد: حسناً فعلت!
الصانع: أحدهم أخبرني أن هذا هو الشهر الثاني ولم يستلم حصته من البضاعة الموعود فيها وطلب استرجاع المبلغ.
أبو عباد: ما يدفع لا يرد. هذا هو قانوننا!
الصانع: لكنه قد يشكو أمرك لمولانا.
أبو عباد: دعه يقم بما يريد لن ينال مني شيئا. لا بل قد أطالب بتعويض ورد اعتبار لإساءته بالشكوى.
الصانع: أوعدتني يا سيدي أنك ستعطيني اجري وطلبت مني أن اذكرك بهذا.
أبو عباد: سأعطيك اجرك بعدما تصل البضاعة.
الصانع: أعرف أن لا بضاعة في الطريق كيف ستصل؟
أبو عباد: حين ستقر الوضع تنتعش تجارتي واعطيك كل ما بذمتي من اجر لك.
الصانع: لكنني بحاجة الى المال.
أبو عباد: حسناً. بين يوم وآخر اعطيك ماعونين من العدس تطعم به عيالك فما حاجتك للمال…؟
الصانع: كل يوم اطعمهم عدساً.. ما هذا؟ هل تعرف يا سيدي انهم ما عادوا يستسيغونه.
أبو عباد: ليشكروا الله على هذه النعمة. غيرهم يحلم بطبق عدس!
الصانع: يا سيدي عيدان مرّا ولم اشتر لهم ثياباً جديدة..
أبو عباد: كل أيام الله عيد. الفرح والسعادة في القلوب وليس في الثياب الجديدة.
الصانع: لكنك ترتدي ثياباً جديدة في كل عيد.
أبو عباد: (غاضبا) أجننت يا صبي؟ أتساويني بعامة الناس..؟
الصانع: عفوا يا سيدي، لا أجد فرقا ما بينك والناس.
أبو عباد: (يستشاط غضبا) اصمت والا قطعت لسانك. ألا تعرفني من أنا؟ انتشلتك من الوحل وجعلتك انساناً لتقول هذا..؟
الصانع: معذرة يا سيدي لم اقصد الإساءة اليك فأنت ولي نعمتي لكني لم أجد ما يميزك عنّا. أنت لديك عينان وهم كذلك. كلنا مخلوقون من طين!
أبو عباد: ليس هذا أيها الغبي. أنا لدي الجاه والسلطان والمال فما الذي يمتلكه أولئك الصعاليك.؟
الصانع: (بنبرة تمرد) لسنا صعاليك يا سيدي. أولئك الصعاليك لديهم ما لم تمتلكه أنت، من يدري ربما هم الأفضل عند الله منك.
أبو عباد: صار لسانك طويلا. من علّمك هذا؟ ها.. يا الله، أنت لست انت يوم جئت بك لتعمل صانعاً عندي.
الصانع: لا أنكر فضلك عليّ، وفّرت لي العمل لكن ذلك لا يعني أن أوافقك الرأي في كل شيء. أنا انسان، لي عقل أفكر فيه وأستطيع أن افرّق ما بين الأسود والأبيض. أنا انسان يا سيدي. انسان حر وليس عبداً!
أبو عباد: أنت تكسح نعمتك!
الصانع: لا تزول النعم الا بما يغضب الله.
أبو عباد: يا الله! ما هذا؟ ما ظننتك تنقلب هكذا. ما الذي جرى لك؟ من الذي غيّرك.؟ من الذي لعب في عقلك وجعلك تتصرف معي هكذا؟ أنا لا اصدق نفسي. وكيف اصدقها وأنا اسمع ما سمعت. كنت مطيعاً لي، باراً بولي نعمتك. ما خذلتني يوماً. منحتك ثقتي ولم احاسبك يوماً. (يقترب منه)أسألك. ما الذي تغيّر؟
الصانع: الوضع يا سيدي. الفقراء الذين يتضورون جوعاً وأنا واحد منهم فيما لا يهم تجار المدينة الا الحصول على مزيد من المال. لم ار تاجراً طرق باب فقير وأعطاه مما رزقه الله. البارحة مات ابن جاري جوعاً. دفناه بجوعه. أيرضيك هذا؟
أبو عباد: لماذا لم تخبرني عنه؟
الصانع: المدينة يا سيدي تعيش كلها في جوع. هل أخبرك عن واحد، اثنين، عشرة.. كل بيوتنا فارغة وها آنذا أمامك واحد من أولئك الناس اطالبك بحقي واجوري وتعطيني ماعون عدس بدلا عنه!
أبو عباد: العدس الذي لا يعجبك فيه طاقة خلاّقة!
الصانع: (بسخرية) اعلان مجاني للعدس!
أبو عباد: ماذا افعل، لم يبق في مخازني الا العدس.
الصانع: وها انت ذا تستبدل اجوري به. انتفخت بطوننا منه. بعد أيام لن ترى في الشارع اناساً يمشون انما سترى أشجار عدس تتحرك هنا وهناك.
أبو عباد: وما البديل عن العدس..؟ ليس لدينا غيره ثم انه من البقوليات التي ذكرت في القرآن وتناوله بركة (يصمت قليلا) تعال أيها الصبي.. (يمسكه من ذراعه) جرجرتني بالكلام كأنك تحاول أن تنسيني ما قلته.
الصانع: لم أقل ما يسيء لك يا سيدي. كل ما في الأمر أردتك أن تكون الى جانب الفقراء والمحتاجين لا عليهم.
أبو عباد: ومن قال لك أنا عليهم..؟ بالعكس أنا معهم. التجارة التي آتي بها من بلاد بعيدة لمن..؟ قل لي لمن..؟ أليست لهم..؟ وفرت لهم الغذاء أيام الحرب هل نسيت ذلك أيضا..؟
الصانع: تسمنون أولادنا لتلقوهم في فكوك الموت!
أبو عباد: ها قد عدت لعنادك. يبدو ان يومك هذا لن يمر عليك بسلام.
الصانع: ان كان هذا الكلام يغضبك وتنوي طردي فالأمر لا يختلف معي. ان بقيت أو غادرت فبقائي معك لن يغنيني!
أبو عباد: لم أعد احتملك أيها الصبي الثرثار. ولأنني ليس كما تظن أنت بأني لا اشعر بمعاناة الناس سأكتفي بطردك ولا أحيلك الى محكمة المدينة لأن ما سمعته منك يمكن أن يقطع رأسك.
الصانع: هكذا أنتم. قول الحق لا يرضيكم. ولا يعجبكم سماع ما يدور في الشارع.
أبو عباد: هكذا انتم، تنشرون الاشاعات وتستغلون وضع البلاد. هل هذا هو رد الجميل لمن حماكم وجعلكم آمنين؟ مثلكم عليه أن يدعو لمولانا بطول العمر!
الصانع: لم تعد دعواتنا مستجابة.
أبو عباد: لأنكم نقضتم عهودكم ولم تكونوا أوفياء ابداً. اذهب (بزجر) اذهب الآن ولا تعد.
الصانع: أنا ذاهب. وسأذكرك في يوم ما كم أنت واهم يا سيدي!
(يخرج الصانع مسرعاً)
أبو عباد: (مع نفسه)
 ما الذي جرى لهؤلاء الناس..؟ يكفرون بولي نعمهم وينشرون الأكاذيب على من كان حاميهم. هذا الصبي الثرثار كان وفياً لكن لا أعرف من الذي غيّره.
(يدخل حسّان، ينظر اليه عباد مبتسماً)
أبو عباد
: جئت في الوقت المناسب. يا سبحان الله يقولون أن الأرزاق تأتي دون حساب!
حسّان: مثلما قلت يا صاحبي. جئتك بطلب وارجو أن لا تردني .
أبو عباد: وأنا طوع أمرك.
حسّان: أنت تعرف ظروف المدينة والكساد الذي حلّ بها.
أبو عباد: لا تهتم يا صديقي كل شيء سيعود الى ما كان عليه قبل الحرب. فقط اصبر وسترى. (يصمت قليلا) علمت ان معمل الفخار الذي كنت تعمل فيه قد اغلق.
حسّان: كثير من المعامل والمصانع أغلقت والناس في حيرة من أمرهم.
أبو عباد: عليهم أن يصبروا. ها قد حلّ السلام وسيعود الرخاء.
حسّان: الأمر يحتاج الى وقت ونحن في وضع مزر.
أبو عباد: حسناً يا صديقي. ماذا لو عملت معي فمخازني تحتاج الى من اثق به ولا أجد من هو أفضل منك لهذا العمل.
حسّان: أعرف ان لديك صانع.
أبو عباد: طردته! لم يكن حريصاً على نعمته. سرقني وطردته!
حسّان: لكنك اخبرتني قبل ذلك أنه صادق وأمين.
أبو عباد: كنت أظنّه هكذا لكنّه خيّب ظنّي!
حسّان: أتريدني أن أعمل صانعاً؟
أبو عباد: (بدهاء) حاشاك أن تكون صانعاً. أنت صديقي وأنت رب العمل.
حسّان: (مفكراً)
أبو عباد
: الأمر لا يحتاج الى تفكير. أنت بحاجة الى عمل وأنا بحاجة الى من يحافظ على تجارتي ومخازني، بمعنى، أنا احتاجك وأنت تحتاجني وهكذا ستكون مصلحتنا واحدة!
حسّان: لا ما نع لدي على الأقل اقضي وقتا معك لكني جئتك اليوم لتقرضني بعض المال لشراء الطعام.
أبو عباد: (بخبث) وما حاجتك للمال والحبوب عندي. خذ مكيالين من العدس دون أي مقابل.
حسّان: زوجتي لا تحب العدس.
أبو عباد: اقنعها يا صديقي، العدس الذي لا تحبه زوجتك فيه طاقة خلاّقة.

(اظلام)
————

المشهد الرابع

(في قصر مولانا، الرجل الطاعن بالسن ما زال جالساً ذات جلسته في المشهد الأول. الحارسان ثابتان في مكانهما. الوزير يقف حائراً)
الوزير
: لا بد من إيجاد حل. لا يمكن ان يستمر الوضع في البلاد هكذا. العيون التي زرعناها في الشوارع والأزقة كلها تشير الى غضب الناس. لا بد من إيجاد حل سريع والا حصل ما كنت اخشاه.
(يدخل المهرج ميمون حزيناً. الوزير ينظر له مستغرباً)
الوزير
: ما بك يا ميمون..؟
ميمون: (لا يتكلم)
الوزير
: ألم تسمعني أيها الصعلوك.؟
ميمون: (يرفع راسه وينظر الى الوزير دون أن يتكلم)
الوزير: (يقترب منه ويحدق فيه)
 ما لي أراك حزيناً..؟
ميمون: الجوع يا سيدي. الجوع!
الوزير: أي جوع هذا..؟
ميمون: جوعي أنا. معدتي فارغة منذ يومين لم يدخلها طعام!
الوزير: وما الذي منعك من تناول طعامك..؟
ميمون: امتنع الطباخون عن اعطائي الطعام بحجة أنه لا يكفي.
الوزير: (مستغرباً) ماذا..؟ هل فرغت مخازن القصر من الحبوب..؟
ميمون: هم يقولون ذلك وها آنذا أكاد ان اموت جوعاً.
الوزير: اسمع يا هذا. اذهب الى زريبة كلاب مولانا وخذ منها ما يملأ معدتك.
ميمون: وماذا يوجد في زريبة كلاب مولانا يا سيدي الوزير غير العظام..؟
الوزير: (بدهاء) اطحن العظام وسد جوعك.
ميمون: (ينظر اليه ويهز راسه موافقاً) حسناً سأفعل!
الوزير: (محذراً) ولكن ايّاك أن تأخذ الكثير منها. عظم واحد اطحنه يكفي.
ميمون: وماذا عن جواري مولانا يا سيدي الوزير..؟
الوزير: لا تقل انهن جائعات ايضاً..
ميمون: نعم سيدي الوزير، هنّ جائعات أيضاً.
الوزير: (غاضباً) يا الله! ما الذي افعله لهنّ.. ألا يوجد في هذا القصر فرد لا يطلب الأكل.. كل من يجيء اليّ يخبرني بانه جائع. ما الذي أفعله أنا..؟
ميمون: ماذا لو أمرت بجلب كل الحبوب التي في مخازن التجار الى مخازن القصر عندها ستحل المشكلة.
الوزير: (مفكراً) فكرة لا بأس بها! (مع نفسه) لماذا لم أفكر بهذا، أيعقل أن يكون هذا الصعلوك أفهم مني.. فكرة جيدة يمكن ان نستدر ولاء الناس بإعطائهم شيء منها.. (يلتفت الى المهرج ميمون) اذهب أنت الى قائد الشرطة وأخبره ان يجيء حالا.
ميمون: (ينحني له احتراماً) أمرك سيدي الوزير
(يخرج المهرج ميمون ويبقى الوزير مفكراً مع نفسه)
الوزير
: هذا الصعلوك المعتوه أخرج درة ثمينة من فمه. كيف غابت عني هذه الفكرة.. لماذا لم آمر التجار بجلب كل الحبوب الى القصر. نحن في حالة طوارئ وكل ما أفعله لن يلومني عليه أحد. يكفي ان أصدر أمراً باسم مولانا (يشير الى الرجل الطاعن بالسن) حفظه الله ورعاه! فمن يجرؤ على أن يعصي امراً لمولانا (ينظر الى الرجل الطاعن بالسن ثانية وبدهاء) أطال الله بعمره!
(يدخل قائد الشرطة مسرعاً)
قائد الشرطة
: طلبتني سيدي الوزير وأنا طوع أمر مولانا (يشير الى الرجل الطاعن بالسن)
الوزير
(يقترب منه ويهمس بإذنه) تلميحاتك تلك لا تعجبني يا قائد الشرطة. كلنا هنا طوع أمر مولانا حفظه الله ورعاه.
قائد الشرطة: اقولها فقط للتذكير يا سيدي. ربما نسيت اتفاقنا!
الوزير: (يلكزه بقوة) لم انسَ.. لم انسَ. ثم ان هذا لا يدفعك الى ان تلمح بذلك كلما دخلت البلاط. لم أنسَ اتفاقنا ولا يمكن أن أنقضه الا اذا لعبت في ذيلك.
قائد الشرطة: (متردداً) ومن لي غيرك سيدي الوزير أنت الآن بمقام مولانا.
الوزير: (يلكزه ثانية) قلت لك لا تلمّح.. لا تلمّح! هو ذا مولانا أطال الله بعمره معافى ويحكم البلاد.
قائد الشرطة: بنباهتكم وذكائكم!
الوزير: بل قل بولائي الذي لا يوصف لجلالته (يصمت قليلا) دعنا من هذا الكلام. أمر مولانا أن تنقل كل الحبوب التي في مخازن التجار الى مخازن قصره العامر وعلى وجه السرعة.
قائد الشرطة: هل ستدخل حرباً أخرى؟
الوزير: حالة طوارئ بعدما قرعت المجاعة اجراسها.
قائد الشرطة: حسناً فعل مولانا. أغلب أفراد الشرطة يتضورون جوعاً وانا عاجز عن تقديم الطعام لهم.
الوزير: أخبرهم أن الطعام آتٍ. اذهب الآن ونفذ الأمر.
(قائد الشرطة يلقي التحية على الوزير ويخرج)
الوزير: (يتجه صوب الرجل الطاعن بالسن)
 الآن يا مولانا سيكون كل شيء على ما يرام. سأشبع جواريك وحراسك وسأحافظ على كل من في القصر. وسأنفذ مقولتك التي كثرما رددتها أيام الحرب جوّع كلبك يتبعك! وهذا هو سلاحنا للدفاع عن ملكك!.

(اظلام)
————-
الفصل الثاني
المشهد الأول
( في السوق أمام متجر أبو عباد ، الناس يتجمهرون، أبو عباد وحسّان يحاولان ابعادهم)
أبو عباد
: اخبرهم يا حسّان هم يثقون بك. أخبرهم أن المخازن فارغة.
حسّان: لم يقتنعوا . حاولت معهم.
أبو عباد: (ينادي بالناس) أيها الناس. اعلموا ان مخازني فارغة.
رجل1: مللنا من هذه الأكاذيب. كيف تكون فارغة.
أبو عباد: أقسم لكم بجلالة مولانا أنها فارغة.
رجل1: عيالنا جياع وأنت تقسم لنا بجلالته. ما الذي حصدناه من الحروب التي دفعنا شبابنا في آتونها. هل يرضى مولانا بالحالة التي وصلنا اليها..؟
حسّان: أنا شاهد. كل ما في المخازن صودرت.!
رجل2: من صادرها؟ تهربونها الى الخارج لتحصلوا على الأموال وتتركون الناس هنا يتضورون جوعاً.
أبو عباد: لم تخرج حبة قمح واحدة الى الخارج. كل ما لدي استحوذ عليها قائد الشرطة. من لم يصدق ليدخل الى المخزن ويرى بعينه!
رجل1: قتلتم أولادنا في الحرب وتقتلوننا أيضا بالجوع! لا يمكن السكوت بعد الآن.
أبو عباد: يا اخوان! أنا واحد منكم. مسّني ما مسّكم!
رجل2: لست منّا. أنت واحد منهم. تحرموننا من حقّنا في العيش. ما الذي ستفعلونه بعد هذه المجاعة..؟ البلاد التي كانت ذات يوم جنّة الله في الأرض عبثتم بها حتى استحالت الى خراب. أوقفتم المصانع. قطعتم الماء عن المزارع. زرعتم الفرقة بين الناس وصار الأخ لا يحب أخاه. وضعتم في كل دار مخبراً سريّاً وملأتم السجون بأخيارنا.. ماذا بعد؟ (ينظر الى حسّان) وأنت يا حسّان. ما الذي غيّرك؟
حسّان: (منتفضاً) ما الذي تقوله يا رجل؟ ألا تعرفني؟ أنا لم أتغيّر ابداً.
رجل2: نراك تدافع عنهم.
حسّان: قلت لكم الحقيقة. المخازن فارغة. فرّغت الشرطة كل ما فيها. حاولت منعهم ولم أستطع!
رجل1: اليد الواحدة لا تصفّق.
أبو عباد: ماذا تقصد يا رجل؟
رجل1: ما يؤخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة.
أبو عباد: أنتم تلعبون بالنار.
رجل2: أفضل من ان تلعب النار بنا!
حسّان: (ينضم الى الناس) أنا معكم. يدي في ايديكم. افعل ما أنتم فاعلون.
أبو عباد: هل جننت يا حسّان؟
حسّان: السكوت على الظلم بعد اليوم لا ينفع. لابد من استعادة الحقوق. لا أستطيع ان اقف مكتوف اليد وأنا أرى الناس هكذا. الجوع في البيوت الفقيرة والتخمة في القصور! (ينظر الى الناس) أيها الناس. من لديه عصا. أو فاساً ليحملها معه. أمامنا يوم طويل سيكون الفاصلة ما بين الحق والظلم!
(هتافات متواصلة بين الناس)
أبو عباد: (يقف على مصطبة وينادي الناس)
 أيها الناس. أنا معكم. لا اريد أن أكون سبباً في ايذائكم وأنا على يقين أن التاجر الشريف ليس عدواً لكم!
رجل1: هذا عهدنا بك يا أبا عباد. أهلا بك بين اهلك واخوتك. المعدن الأصيل مهما غطّاه الغبار يبقى اصيلاً.
حسّان: هيا يا رجال. الى الخلاص حيث انتزاع الحقوق التي انتظرناها وضحى من اجلها شبابنا.
أبو عباد: هل تعرف يا حسّان كم عدد حراس القصر. هم كثيرون ولا يمكن بعددكم القليل هذا أن تحققوا شيئاً.
حسّان: الايمان بالقضية يغلب الكثرة!
أبو عباد: لماذا لا نأخذ الأمور برويّة. أن نشكّل وفداً ونقابل مولانا!
حسّان: أنت أكثرنا معرفة بهم. رأيت بعينيك كيف يغدرون. ان ذهبنا لن يستمعوا لنا. غرّتهم الدنيا وهم طمّاعون بها!
أبو عباد: مولانا رجل حكيم!
حسّان: حكمته التي تتحدث عنها تلك اوصلتنا الى هذه المجاعة. أي حكمة تتحدث عنها بعدما اكلتنا ثلاثة حروب لا ناقة لنا فيها ولا جمل. أي حكمة تلك التي اوصلتنا الى هذا الحال؟
أبو عباد: نذهب لمولانا ونشكو الوزير. نعم الوزير. هو من اوصلنا الى هذا.
حسّان: الوزير هو العصا التي يجلد فيها ظهورنا. هو السيف الذي يحزّ فيه رؤوسنا!
أبو عباد: ربما لا يعرف ما نحن فيه.
حسّان: لا خير في الراعي ان لم يعرف أحوال رعيته.
رجل1: مولانا الذي تتحدث عنه لم نره منذ سنتين. كان في كل عام يلقي خطبته.
أبو عباد: أحوال البلاد ربما شغلته عنّا.
رجل2: نحن قررنا. ولا تراجع. قلت يا أبا عباد أنت واحد منا وعليك أن توافق على ما قررناه.
رجل1: لنقتحم القصر ونرسم فجراً جديداً لبنائنا.
(تزداد الجلبة بين الناس)
حسّان
: هيّا بنا أيها الرجال.
(يخرج حسّان ويتبعه الناس بينما يبقى التاجر أبو عباد لوحده)
أبو عباد: (مع نفسه)
 هل سينجحون في مسعاهم.؟ ما الذي ستحققه تلك العصي والفؤوس؟ (يصمت قليلا) ماذا لو فشلوا..؟ سيكونون حتماً طعاماً لكلاب مولانا. أي حيرة تلك التي تلفّني! أنا حائر. ان فشلوا سيفشون بي وسيكون عقابي عظيماً! .. ولكن (يصمت قليلا) ماذا لو نجحوا..؟ وصار حسّان حاكماً للبلاد. هل سيختارني وزيراً؟ يا رب. انا حائر بأمري .. المهم أنهم اقتنعوا بانضمامي لهم وحسّان هذا صاحبي لا يمكن ان يخذلني.

(اظلام)
—————-
المشهد الثاني
(في منزل حسّان، كلثوم زوجته تجتمع مع عدد من النساء)
كلثوم
: بعدما فتكت الحروب بفلذات قلوبنا. واستفحل الجوع بنا. وساد الظلم ولم نعد نستطيع أن نصرخ دون أن يسجنوننا. هذا هو الحال الذي وصلنا اليه. سكتنا وقلنا غداً سيكون أفضل. لكن الغد لم يكن أفضل من الأمس. الرجال انتفضوا. وسيقولون كلمتهم وليس من العدل أن نتفرج دون أن نقوم بأي عمل. فماذا ترون انتن…؟
امرأة1: أعطيت ولدين في الحرب. وصبرت كثيراً لكن صبري نفد. لم اعد قادرة على الاستمرار وأنا أرى صغاري يتضورون جوعاً.
امرأة2: زوجي مات في السجن بتهمة أنه شتم مولانا! قضى سنتين في زنزانة تحت الأرض. منعوني من زيارته لكنهم أخبروني بموته. قالوا أنه أصيب بالسل. تركوه يعاني دون علاج حتى قضى نحبه!
امرأة3: أنا لا أحد لي. فرّ ولدي بجلده ظنّاً منه أنه سينجو منهم. لكن عيونهم التي زرعوها في كل البلدان أجهزت عليه. قتلوه واطفأوا أحلامه في أن يعيش بكرامة بعيداً عن الحرب والقمع والظلم!
كلثوم: كل بيوتاتنا تعاني. ما من بيت الا وأخذ حصّته من الظلم. لنشدّ همم الرجال. نؤازرهم. نقف معهم فالفرصة قد حانت وعلينا اقتناصها!
امرأة1: ثأراً للراحلين الذين غيّبتهم السجون والموت فهذا هو يوم الحساب!

(اظلام)
————–
المشهد الثالث

(في القصر. الوزير يقف خائفا وحوله عدد من افراد الشرطة. جلبة في الخارج. يدخل قائد الشرطة مسرعاً)
الوزير
: اخبرني . ما الذي يجري في الخارج؟
قائد الشرطة: هاجم الناس ثكناتنا وانقضوا على عساكرنا وهم نيام.
الوزير: نيام؟ كيف ينامون في وضع كهذا..؟ ألم اعلن حالة الطوارئ؟
قائد الشرطة: الجوع يا سيدي الوزير أرهقهم.
(أصوات الناس تسمع من خارج القصر)
الوزير
: اخرج لهم واخبرهم ان مولانا سيعفو عنهم وسيوزع الطعام على كل البيوت بالمجان!
قائد الشرطة: أنهم غاضبون! من الصعب التفاهم معهم. لماذا لا تصعد انت سيدي الوزير الى الشرفة وتخاطبهم.
الوزير: أنا لا اخاطب المتمردين. عزز قوتك وادفع بالشرطة ليوقفوا هذه المهزلة.
قائد الشرطة: (ما زال واقفاً)
الوزير
: ألم تسمعني. اذهب وقاومهم.
قائد الشرطة: بعض أفرادنا انضموا لهم.
الوزير: (غاضباً) خيانة. مؤامرة. سألقنهم درساً لن ينسوه ابداً.
قائد الشرطة: الغضب يا سيدي لا يحلّ مشكلة. نحن في ورطة!
الوزير: وكيف نسكتهم..
قائد الشرطة: الأمر متروك لك. أما أنا فسأغادر من الباب الخلفي.
الوزير: وتترك مولانا لوحده (يشير الى الرجل الطاعن بالسن)
قائد الشرطة: (ينظر الى الرجل الطاعن بالسن بخبث)
 مولانا..؟! أين هو مولانا. هذا..؟ (يشير الى الرجل الطاعن بالسن) الجثة الهامدة..!
الوزير: روحه تملأ المكان.
قائد الشرطة: بل طمعك بالبلاد الذي احرق الأخضر واليابس.
الوزير: أنا يا قائد الشرطة أم اقتراحاتك التي جعلت العامة يتمردون. نحن شريكان بالبلوى ولن تخرج من هذا القصر قبل ان تجد حلاّ!.
قائد الشرطة: بعد ان وصل الأمر الى هذا الحد لا يمكنني ان افعل شيئاً.
الوزير: وأين تقاريرك اليومية عن الشارع والناس..؟ كنت تكذب على مولانا.. (يقلده) الأمن مستتب. الوضع تحت السيطرة. الناس يحتفلون بميلاد مولانا. الناس يشكرون القصر. وكثير من تلك التقارير الكاذبة.
قائد الشرطة: وما الذي تريدني أن اكتب. هل أقول لك ان الشارع بدأ يغلي. وأن الناس ما عادوا يستسيغون سماع كلمة منا. وان بركان الغضب الشعبي سيثور في أي لحظة. هذا هو الواقع الذي لا تريد سماعه. كنت أكذب من أجل أن لا أزعجك.. والآن عليّ أن اغادر القصر!
الوزير: وتتركني أنا ومولانا!
قائد الشرطة: تدبرا امركما.
(يخرج قائد الشرطة من الباب الخلفي بينما بدأ الناس برمي الحجارة على القصر)
(الوزير يقف حائراً، ينظر الى الرجل الطاعن بالسن. يقترب منه)
الوزير
: قل سيئاً يا مولانا. ها هم يتمردون. سيدخلون القصر. قل شيئاً يمكن أن ينجينا.
(الوزير يهز الرجل الطاعن بالسن بقوة حتى يسقطه على الأرض بينما يهرب الحارسان من الجهة الأخرى)
الوزير
: عليّ أن اخلّص نفسي الآن. يبدو أن لعبتك قد انكشفت.
(يخرج الوزير من الباب الذي خرج منه قائد الشرطة.. يدخل المهرج ميمون وهو يصيح على الوزير)
ميمون
: الى اين سيدي الوزير. الى اين؟ ( يصمت وهو يستمع الى صياح الناس . ينظر الى الرجل الطاعن بالسن وهو ملقى على الأرض) ما هذا..؟ (يقترب منه) من الذي فعل بك هذا يا مولانا..؟ ( يدنو منه أكثر) أمر غير معقول.. مولانا ميّت! (يجسّ نبضه) حقاً انه ميّت.. (يضع رأسه على صدره) ومتخشّب ايضاً! (ينهض وبحزن شديد) أيعقل أنه كان ميتاً طيلة تلك السنوات؟ (يضحك بهستيريا) مولانا ميّت.. وأنا كنت ارقص لرجل ميت. مولانا ميّت وأنا كنت اسرد الطرائف على رجل ميت.. يا الله . كان يحكمنا رجل ميّت!
(يضحك بهستيريا وسط أصوات الناس)

اظلام
————–
المشهد الرابع

(في القصر. بعد انتصار ثورة الجياع. حسّان يقف مع مجموعة من الناس المنتفضين)
حسّان
: يا سادتي. ما فات فات. نحن الآن نبدأ مرحلة جديدة. وقبل أن نخطو خطوتنا الأولى علينا ان نختار من يحكم البلاد.
رجل1: انت قدّتنا للنصر. أنت قائدنا. وحاكمنا!
رجل2: كلنا موافقون على ذلك.
حسّان: لكني لا اعرف بأمور البلاد. هناك من هو أفضل مني في هذا.
رجل1: لا يوجد من هو أفضل منك. نحن نضع ثقتنا بك.
حسّان: أنا سأعود الى معملي. معمل الفخار. وسنفتح جميع المعامل والمصانع ونعطي للتجار الحريّة في تجارتهم.
رجل2: ولكن من سيحكم البلاد؟
حسّان: الحكم يحتاج الى قدرة وبصيرة نافذة ومعرفة بالسياسة والاقتصاد. سننتظر قليلا ونختار أول من يدخل من هذا الباب (يشير الى باب القصر)
رجل1
: ربما الداخل لم يكن مؤهلا لهذه المسؤولية.
رجل2: ما قاله حسّان عين الصواب بالرغم من أني ما زلت مصرّاً على ان يكون هو الحاكم.
حسّان: حسناً يا سادة. افتحوا الباب لنرى من سيدخل أولاً.
(الجميع ينظرون الى جهة الباب. يدخل التاجر أبو عباد ويبدأ اللغط)
حسّان
: هو ذا قد جاء!
(أبو عباد ينظر لهم ينتابه الخوف وهو لا يعلم ما يحدث)
رجل1
: لا يمكن ان يكون. هذا من أعوان النظام السابق!
حسّان: اتفقنا على ان نطوي صفحة الماضي فالبلاد تحتاج الينا جميعاً.
رجل2: لكنه التاجر أبو عباد. ألا تعرفه؟
حسّان: أعرفه جيداً. هو صاحبي وايّد ثورتنا على الظلم.
رجل1: كان جزءاً من الظلم الذي وقع علينا والمجاعة التي طالتنا.
حسّان: لم يكن جزءاً منه. كان مجبراً على ذلك مثله مثل كثيرين كانت قلوبهم معنا.
رجل2: نحن نثق بك وباختيارك.
أبو عباد: (مازال لا يعرف شيئاً، يقترب من حسّان ويهمس بإذنه) هل ستحاكمني يا حسّان..؟ كنت معكم وشاركت في ثورتكم.
حسّان: اطمئن يا صاحبي . لقد اخترناك حاكماً للبلاد.
أبو عباد: (يتفاجأ، ينظر الى الناس ومن ثم الى حسّان) ما الذي أسمعه.؟ أنا..؟ أنا حاكم البلاد..؟ لا يا صاحبي، أنت أحقّ مني بهذا.
حسّان: قرار شعبي لا رجعة فيه. عليك ان تختار وزيرك وافراد حكومتك. الأمر متروك لك. أما نحن سنعود الى أعمالنا. البلاد تحتاج منا العمل!(يقترب من ابي عباد ويهمس بإذنه) أرجو أن تكون جديراً بالثقة.
(أبو عباد يهز راسه موافقا بينما يبدأ الجميع بالخروج من القصر ويبقى أبو عباد لوحده غير مصدق بما حدث)
أبو عباد: (ينظر الى الكرسي الذي كان يجلس عليه الرجل الطاعن بالسن ..يقترب منه)
 بالأمس ما كنت أجرؤ على البوح بما في نفسي أمام هذا الكرسي واليوم ار ملكاً لي. هكذا هي النعم لا تدوم لأحد. (يتحسس الكرسي بيديه) هل هو حلم أم حقيقة؟ أكاد ان لا اصدق ما حدث. (يتشبث بالكرسي) أيها الكرسي. أنت الآن لي. لي وحدي. البلاد كلها لي الآن بتجارتها ومصانعها ومزارعها ونسائها ورجالها.
(يدخل المهرج ميمون هاتفا)
ميمون
: مبارك لمولانا الجديد. فرحتي لا توصف بك.
أبو عباد: (ينظر له مستغرباً)
ميمون: (مقتربا منه)
 خادمك المطيع ونديمك الوفي ميمون.
أبو عباد: ما الذي جاء بك يا ميمون؟
ميمون: جئت لخدمك يا سيدي. كنت مختبئاً في جناح الجواري يوم هجم الناس على القصر.
أبو عباد: هل ما زلن في جناحهن؟
ميمون: كلهن يا سيدي هناك لم تغادر أي واحدة منهن.
أبو عباد: حسناً. أنت ستكون مسؤولاً عن الجناح. في كل ليلة عليك بجلب واحدة منهن الى مخدعي. الفرصة لن تجيء مرتين وعليّ اقتناصها بشكل جيد!
ميمون: وسأكون قريبا منك متى ما احتجتني. اسليك وانادمك.
أبو عباد: (يغمره الفرح) اذهب واخبر الحراس أن يغلقوا أبواب القصر وان لا يسمحوا لأي أحد بالدخول.
ميمون: هناك بعض الناس عند الباب يرغبون بلقائك وتهنئتك ولديهم بعض المطالب.
أبو عباد: اخبرهم أني مشغول الآن بامور البلاد. لا وقت لدي للاستماع الى أي مطلب..(يصمت قليلا) واخبرهم أن ينادونني بمولانا!
ميمون: أنت مولانا وتاج رؤوسنا!
أبو عباد: ( يجلس على الكرسي منتشياً)
ميمون: (يقترب من الباب وينادي بأعلى صوته)
 أيها الناس. مولانا حفظه الله منشغل الآن بامور البلاد. الزيارات ممنوعة. الاقتراب من القصر جريمة يعاقب عليها القانون.
اظلام
ستار

البصرة في 17 شباط 2019

نشرت في موقع الانطولوجيا

Share: