ليس بالخبز وحده…

الشخوص:

1. الزوج
2. الزوجة
3. المستعصم بالله
4. الحاجب
5. مجموعة جنود

المكان: صالة في داخل منزل، نافذة مغلقة تتوسط الجدار، بابان احدهما في اليمين والاخر في اليسار، مكتبة صغيرة تحتوي على بعض الكتب المختلفة، منضدة صغيرة تتوسط الصالة، المكان معتم، ثمة خيط ضوء يخترق المكان من النافذة.

أصوات لطائرات حربية تحلق في السماء مع صافرة انذار متقطعة تمتزج بصوت مؤذن يسمع من مسجد قريب.

بعد انتهاء صوت المؤذن تدخل الزوجة وبيدها قطعة قماش لتنظيف المنضدة.. أصوات الطائرات ما زالت تسمع.

الزوجة: (تنظر الى اعلى بخوف، تقترب من النافذة وتنظر الى الخارج) أما كفاهم النهار حتى يغيروا في الليل، الملاعين يحلقون فوق رؤوسنا كالغربان لاهم لهم سوى بث الرعب في نفوسنا (تحاول اضاءة مصباح قريب منها وتفاجأ ان الكهرباء مقطوعة، تصرخ غاضبة) اللعنة على الكهرباء (ترفع قنديلا وتتأكد من وجود الزيت فيه) الحمد لله ما زال محتفظا بزيته (توقده بعود ثقاب ثم تنظر الى المصباح الكهربائي) ابق على ما انت عليه فلا حاجة لنا لخدماتك (تدور في الصالة ثم تنظر الى ساعة الحائط) الثامنة والنصف ولم يأت، أين تراه قد ذهب في هذه الساعة (تغير نبرة صوتها بقصد تقليد صوت زوجها) ساعتان واعود اليك محملا بالطعام (تضحك هازئة) انتظريني يا عزيزتي سأكون في المنزل قبل السابعة مساء (تضرب المنضدة بقطعة القماش بقوة تعبيرا عن غضبها) هذا ما قاله لي لكنه تأخر، تأخر كثيرا (تدور في الصالة حائرة، تفكر) ماذا لو سقط السقف على رأسي وأنا وحدي في هذا المنزل الخاوي، (بأسً) البارحة جمّعوا أشلاء جارتنا لميعة، لم يجدوا تحت الانقاض سوى طرف واحد وبقايا احشاء (غاضبة) لعنهم الله، الملاعين (تنظر الى السقف) آه ايها السقف كأنك تتوثب للانقضاض عليّ (تتأفف متضجرة) أنا خائفة، أين تراك قد ذهبت، ألم ترهم يدورون حول منازلنا، ألم تفكر بأن لك زوجة في المنزل تنتظر، سامحك الله، ستجيء وتمطرني بأعذارك التي لم أعد احتملها (تشغل نفسها بتنظيف المكان) .

(صوت صرير الباب، يفتح، يدخل الزوج وهو يحمل مجموعة من الكتب وكيسا فيه بعض الخبز).

الزوجة: (تنظر له مستغربة)

الزوج: (يضع الكتب على المنضدة ويقدم كيس الخبز الى الزوجة)

الزوجة: (تنظر الى الكيس، تتأمله)

الزوج: (معتذرا) هذا كل ما استطعت الحصول عليه..

الزوجة: (تنظر في الكيس) أتظنه يكفي..؟

الزوج: على الأقل لهذه الليلة..!

الزوجة: (باندهاش) وغدا..؟

الزوج: (متأففا) يفتحها الله !

الزوجة: (بعصبية) اعتقدت ان تأخرك هذا سيوفر لنا طعام اسبوع على الاقل.

الزوج: (ضاحكا بسخرية) اسبوع..؟! الحمد لله اني جئت في الوقت المناسب، لو كنت تأخرت دقيقة واحدة لظننتيني اني سأجلب لك شاحنة من الطعام..

الزوجة: (ما تزال غاضبة) كان عليك ان تعتذر لا ان تستهزئ بي..

الزوج: أنا أمزح معك..

الزوجة: لا وقت للمزاحن ألم تر الطائرات..؟

الزوج: (باندهاش) الطائرات..؟ ها، الطائرات… نعم، نعم الطائرات..رأيتها.. (مفكرا ثم ملتفتا لها) ما بها..؟

الزوجة: (بغضب) ما بها..؟ تسألني ما بها..؟ ألا تدري ما الذي تفعله الطائرات..

الزوج : (ببرود) دعيها وشأنها، لا تشغلي فكرك بها، لو فكرنا طول النهار بالطائرات لما تحركنا حركة واحدة..

الزوجة: (بخوف) ولكني أخافها..

الزوج: (بسخرية) وهي تخاف منك أيضا.. لا تجعلي الطائرات تعرف خوفك..

الزوجة: وماذا تريدني ان افعل….ها…. اصعد الى السطح واومئ لها ان تقترب، اقول لك طائرات.. (بصوت عال) طائرات من نار وحديد تحلق فوقنا، ألم تخف منها..؟

الزوج: لا شيء لدي أخاف عليه، لم يبق في المنزل شيئا لم أبعه.

الزوجة: ألا تخاف على نفسك.. عليّ، ألسنا بشرا..؟

الزوج: كوني مطمئنة، لا يموت الانسان الا بأجله.. واذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون.

الزوجة: (بهدوء) ونعم بالله، لكنني خائفة.

الزوج: (ساخرا) هذا من فرط جوعك.. هيا (يفتح الكيس ويقدم خبز لها) تناولي هذه وستشعرين بالامان.

الزوجة: (تضحك مستهزئة) أنت تثير دهشتي، أين عقلك يا رجل..؟

الزوج: (ضاحكا) تركته في الخارج، هناك (يهمس لها) المهم ان قلبي معك.

الزوجة: (بدلع) لا مزاج لي كي اسمع هذه الكلمات ما دام الموت يترصدنا، موت هنا وآخر هناك.

الزوج: (بخطابية) لنحاربه بالحب.. بالحياة.

الزوجة: احتفظ بهتافاتك لنفسك، دعنا من كلام لا يشبع,,

الزوج: (يقترب منها اكثر ويهمس بأذنها) لنمارس الحب رغم انوفهم وليكتشفوا اننا معشر الفقراء لا نأبه بهم! ألم يقولوا ان اقمارهم الاصطناعية ترصد افعالنا، لنمارس الحب أمام انظارهم لنغيظهم.

الزوجة: (تنظر له مستغربة) هل أنت عاقل..؟

الزوج: (يقترب منها حتى يلتصق بها) بل مجنون بحبك ايتها الخائفة..

الزوجة: (تتخلص منه بقوة، تنظر له باستغراب)

الزوج: (يكمل) اتعلمين ما الذي يفعله الخوف بك، يجعل وجنتيك مثل تفاحتين ناضجتين، دعيني اتلذذ بهما ما دمت لم اذق طعم التفاح منذ اعوام!

الزوجة: (بغضب) اوووف ..أنت تثيرني.

الزوج: (بهمس) وأنت تثيرينني أيضا..!

الزوجة: الناس تتضور جوعا وانت لا همّ لك الا بكلام فارغ..

الزوج: اذا فرغت البطون عمرت القلوب (يضحك)

الزوجة: (تهم برفع الكيس وتحاول الانصراف)

الزوج: (ينظر لها مندهشا) الى أين..؟

الزوجة: (ساخرة) اعد لك بعض الاطباق الفارغة..

الزوج: ها انتذا بدأت تفهمينني..

الزوجة: ألم تكن تلك تعليماتك، ان نجلس على طاولة الطعام امام الاطباق الفارغة عل الله يرحم من في المنازل الخاوية ويملأها..

الزوج: ستمتلئ، صدقيني سيأتي اليوم الذي تصرخين فيه ألما من معدتك المتخمة.. (يصمت وكأنه يتذكر) أرايت ديك الجيران..؟

الزوجة: (باستغراب محذرة) اياك وديك الجيران، لم نملأ بطوننا بالحلال كي نملأها حراما..

الزوج: أقول لك رأيتيه..؟

الزوجة: نعم رأيته …ما به؟

الزوج: قضى ليلة البارحة بالصياح..

الزوجة: المسكين يصرخ من جوعه هو الآخر، تبا لهم حتى الحيوان لم يسلم من حصارهم..

الزوج: لم يكن جائعا، بل عاشقا، كان على موعد مع عشيقته الدجاجة لكنها أخلفته. (يضحك)

الزوجة: (تضحك ساخرة) ها…ها…ها… تغيضني بلامبالاتك، ليتني امتلك قلبا مثل قلبك.

الزوج: لا مانع لدي ان اعيرك قلبي.

الزوجة: (تنظر له بسخرية وتنصرف)

الزوج: (مع نفسه) مسكينة زوجتي، اردت تسليتها فانزعجت (ينهض ويحمل كتبه من المنضدة ويعيدها الى المكتبة القريبة، ينظر الى الكتب)

ايه يا صديقي الفراهيدي، اردت بيعك كرها والحمد لله لم يشتريك احد، وأنت ايها الجرجاني اما ساعدتني على تجاوز المحنة ونظرات زوجتي المتطفلة (يتوقف عند كتاب ثالث) بودلير ايها العزيز، عذرا اذا كانت الشمس قد احرقتك فهي الاخرى كادت ان تفجر رأسي.. ثلاثة ايام وانا اضعك على الرصيف ولا احد يقترب منك..(يعيد الكتاب الى المكتبة)

الزوجة: (تدخل وهي تحمل بعض الاطباق، تنظر له)الا تساعدني على اعداد المائدة..

الزوج: اعيدي الاطباق حيثما كانت، لا حاجة لي للطعام، اشعر بالتعب!

الزوجة: (مستغربة) تشعر بالتعب..؟ قبل قليل كنت تسخر مني وتهزأ بي و……..

الزوج: (مقاطعا) لم اهزأ بك بل كنت الاطفك..

الزوجة: لم تكن تلك عادتك..

الزوج: علمتني الحياة ان لا اهتم لشيء ما دامت الاشياء لا تهتم بي..

الزوجة: حسنا سأعيد الاطباق..

الزوج: وانا ساستريح هنا، لدي بعض الكتابات المؤجلة.

الزوجة: كتابة أيضا..؟ لو تركت قلمك الملعون هذا لصرنا باحسن حال.

الزوج: (يرمقها بنظرة مشوبة بالعتب)

الزوجة: (تكمل) زمن الكتابة ولى، نحن في زمن البحث عن الخبز، قل لي بربك تلك كتبك تأخذها كل يوم الى السوق من يشتريها..؟

الزوج: (مفكرا)

الزوجة: زماننا يحتم علينا ان نملأ بطوننا لا ان نملأ بيوتنا بالكتب.

الزوج: (ساخرا) أتقصدين أن اكون حماراً..؟

الزوجة: بل ان تكون رجلا..

الزوج: (ينظر من مكانه ساخرا ومفكرا)  أن أكون رجلا.. نعم (يهز رأسه) نعم ان اكون رجلا..لم لم افكر بذلك من قبل، لم نسيت ذلك..؟

الزوجة: كف عن المزاح يا رجل.

الزوج: (وكأنه اكتشف شيئا) رجل…؟ كرريها ثانية، رجل…ألم تقولي رجلا..نعم انت قلتيها..نعم سمعتك وهذا اعتراف منك، اذن انا رجل (يدور حول نفسه ويقف كالمهرج) هل ابدو غير ذلك..؟

الزوجة: (وهي تحمل الاطباق) اووووف…انا ذاهبة لانام.

الزوج: (ضاحكا وغير مكترث) ليلة هانئة.

الزوجة: (ترمقه بنظرة وتنصرف)

الزوج: (ما زال ضاحكا، يهم باخراج عدد من الاوراق يضعها امامه على المنضدة) اعتقد اني وجدت موضوعا اكتب فيه (يجلس، يتأمل الاوراق، يكتب بعض الكلمات وهو يدندن مع نفسه، يمزق ورقة بعد اخرى، ينهض من مكانه وبيده آخر ورقة، اصوات رياح شديدة في الخارج ، الستارة تتحرك بقوة.. اظلام )

(بقعة ضوء على رجل يرتدي زيا لخليفة عباسي –المستعصم بالله)

المستعصم: (ينظر الى الزوج) هل ستمزق الاخرى..؟

الزوج: (ينظر الى الورقة التي ما زالت بين يديه ومن ثم الى المستعصم)

المستعصم: (مؤكدا) قلت هل ستمزق الورقة التي بين يديك..؟

الزوج: كأن عقلي جفّ، لا أفكار لدي..

المستعصم:وكيف ذلك والافكار بين يديك..

الزوج: لم استطع الامساك بها..

المستعصم: حاول ثانية ستجدها طوع امرك..

الزوج: (وكأنه ينتبه) وأنت، من تكون.. ومن أين أتيت..؟

المستعصم: أنا منك وفيك..

الزوج: أتكون واحدا من شياطين كتاباتي..

المستعصم: لست كذلك، أنا يا سيدي الأديب المستعصم بالله..

الزوج: (مفكرا) قلت المستعصم بالله؟ تقصد الخليفة العباسي..؟

المستعصم: هو أنا..

الزوج: (بدهشة) كيف دخلت منزلي..؟

المستعصم: لم أدخل كما تظن، أنا موجود قبل ان تكون..

الزوج: لا افهمك.

المستعصم: موجود فيك، تحملني اينما ذهبت..

الزوج: (بعد صمت قصير) آه فهمت، فهمت، ألست الخليفة الذي سلّم بغداد لهولاكو..؟

المستعصم: (بصوت خافت) ما كانت غلطتي.!

الزوج: بل هو ذنبك.

المستعصم: لا احد لا يحمل ذنباً ما دامت النزوات تغلّف بصائرنا..

الزوج: عذر أقبح من فعل..

(أصوات في الخارج لتكبيرات وصهيل خيول)

الحاجب: (يدخل راكضا) مولاي..يا مولاي!

المستعصم: ما خطبك ايها الحاجب..؟

الحاجب: أتيتك بأمر ما كنت لاصدقه حتى اكده لي ثقاة القوم..

المستعصم: آت خبرك..

الحاجب: بلغني أن الوزير مؤيد الدين ما زال موجودا في بغداد..

المستعصم: (مستغربا) ماذا..؟

الحاجب: كما سمعت يا مولاي..

المستعصم: وعدني انه سيعيد الصلح مع هولاكو..

الحاجب: لو يأذن لي مولاي، أرى في الامر خيط خيانة..

المستعصم: ابن العلقمي لم يعص لي أمراً..

الحاجب: لكنه فعلها يا مولاي وجند هولاكو يقتربون من الاسوار بينما الاشاعات تملأ الحارات، اننا محاصرون يا مولاي!

المستعصم: محاصرون..؟

الحاجب: والمغول يرمون نبالهم المحملة بالنار حتى دنت من شرفات المنازل.

المستعصم: (يقاطعه) هذا يكفي، انصرف الان..

الحاجب: (ينصرف)

المستعصم: (قلقا)

الزوج: (بفتور) أتثق به..؟

المستعصم: (يكتفي بالنظر اليه)

الزوج: قلت أتثق بوزيرك ابن العلقمي..؟

المستعصم: (صامتا)

الزوج: صمتك هذا يعني أنك لا تثق..

المستعصم: (غاضبا) لو كنت أعلم ذلك لما أبقيت رأسه بين كتفيه..

الزوج: لكنه فعلها.!

المستعصم: (مستسلما) من ذا الذي يستطيع اعادة التاريخ..

الزوج: لا احد يستطيع القيام بذلك، لكن ما حدث لبغداد يتكرر ثانية.

(الاصوات تعود من جديد، تكبيرات وصهيل خيول وصليل سيوف تمتزج بصافرات الانذار وازيز الطائرات الحربية)

الزوج: (يرفع رأسه الى اعلى) انهم يعودون!!

المستعصم: (بلهجة آمرة) ايها الجند، حصّنوا الاسوار، اصبروا وصابروا ولا تتركوا ثغرة تمكّن هولاكو وجنده منكم!

اصوات متداخلة للجند: الله اكبر…الله اكبر…الله اكبر

(اضواء متداخلة، حركات جند يتراكضون باتجاهات متفرقة وهم يحملون سيوفا وبنادق)

صوت من الخارج: هولاكو يقتحم الابواب، يدخل المدينة..

صوت آخر: انهم يحرقون المنازل ويستبيحون حرمتها..

صوت ثالث: امتلأت دجلة بالكتب، انهم يتلفون المكتبات..

اصوات متداخلة: قتل الخليفة ..قتل الخليفة..

(اظلام تام، تختفي الحركة، الهدوء يخيم على المكان، بقعة ضوء حمراء على الزوج وهو امام المنضدة)

الزوج: (يمسك بالاوراق وينشرها باتجاهات مختلفة، يدور حول نفسه صارخا) الى كل من يهمه الأمر، صغيرا كان او كبيراً، فقيرا او غنيا، متورطا او بريئا، اسمعوا وعوا، في زمن ما من القرن العشرين…….

(تدخل الزوجة مسرعة)

الزوجة: ما الذي يجري هنا..؟

الزوج: (ما زال يردد نداءه) في هذا الزمن الاغبر كما في الازمنة الغابرة، كانت بغداد أسيرة، يستبيحها الجناة القتلة..

الزوجة: (مع الجمهور) ألم أقل لكم انه يفقد عقله..

الزوج: (ما زال يوزع الاوراق على شخوص وهمية) خذ هذا النداء، وانت تعال خذ هذا، احموا مدنكم، نساءكم، اولادكم، الزمان يعود، الزمان يدور!!

الزوجة: كان الله في عوني.. وعونكم..

الزوج: اذا كان لا بد من الجوع بشرف فمرحبا به…اذا كان لا بد من الموت بكرامة فمرحبا به..

الزوجة: ها هوذا يتقيأ كتباً..

الزوج: (يقف بشموخ ويمد يده الى امام) سعد باشا، رشيد عالي الكيلاني، عمر المختار، عبد القادر الجزائري،عبد الكريم الخطابي، شعلان ابو الجون، انفضوا غبار السنوات العجاف عن جسد الأمة..

الزوجة: (هازئة) أيها المشاهدون الكرام بعد هذا الفاصل ستاتيكم نشرة الاخار الكاملة، فاصل ونعود..برم برم برم..

الزوج: (يضحك بصوت عال) لقد ألقوا يوسف في الجب وابيضت عينا يعقوب وقد قميصه من دبر وامتلك خزائن الارض وردت بضاعتهم اليهم..هي ارادة الرب!!

الزوجة: (تقترب منه، تنظر له، تهز جسده بيديها) انه نائم (تحدق به ثانية) ويشخر ايضا..(تهزه بقوة) اصح يا رجل..اصح..

الزوج: (ينتبه لها)

الزوجة: ألم اقل لكم..

الزوج: (يبحث في المكان) أين هم..؟

الزوجة: (تحدق به باندهاش)

الزوج: أين ذهب المستعصم بالله..أين ذهب الجند..

الزوجة: أي مستعصم هذا..؟

الزوج: الخليفة العباسي، كان هنا، هنا أمامي..

الزوجة: الخليفة العباسي هناك (تشير الى الكتب) أنت تحلم يا زوجي العزيز..

الزوج: كان يحدثني، رأيته وهو يقاوم الحصار عن بغداد..

الزوجة: حصار آخر…؟ لعن الله الحصار..حتى احلامك محاصرة..

الزوج: لم يكن حلما، بل كان حقيقة، كان يقف امامي.

الزوجة: لقد عاد صاحبك الى مخدعه هناك (تشير الى الكتب ثانية)

الزوج: (يجلس متعبا يضع رأسه بين يديه)

الزوجة: (تقترب منه مواسية) ألم أقل لك يا عزيزي ابتعد عن الكتب..

الزوج: (يرفع رأسه) سأتبعه واخلص بغداد من هولاكو..

الزوجة: (مستغربة) مجنون أنت، تتبع رجلا مضى على موته مئات السنوات..

الزوج: لكن بغداد لم تمت، ما زالت باقية..

الزوجة: المدن تبقى والناس يموتون..

الزوج: اجسادهم تموت وافعالهم تبقى..

الزوجة: ونعم ما قلته، بالله عليك كيف تخلص بغداد من يد هولاكو ذاك وقد بادت عظامه..

الزوج: (ينهض) لكل عصر هولاكو، ساقاومه بهذا (يخرج قلما من جيبه) لولاه لما كانت الامجاد!

الزوجة: ولولا الخبز ما عاش انسان..!

الزوج: ألم يقولوا، ليس بالخبز وحده يحيا الانسان..

الزوجة: والآن ألم يحن الوقت لتنام..

الزوج: ما زلت أعمل..

الزوجة: (قبل ان تنصرف) اعمل لكن اياك ان تحلم، لا تجعل الجيران يدفعون ضريبة احلامك.. (تنصرف)

الزوج: (ينظر لها، يجلس متأملا اوراقه..)

                                      اظلام- ستار

                                                       البصرة

                                                   15-5-1999