ديكتاقراطية
في الجيش، عُيّنَ لوحدتنا آمرٌ جديد، وصلتنا الاخبار عنه وعن سيرته حيث قيل عنه انه رجل ديمقراطي، يستمع للآخر، وينصف المظلوم، ويعتبر الجميع، جنوداً كانوا او ضباطاً، اخوة له.. وفي اليوم الاول لتسلمه مسؤولية الوحدة، جمعنا في ساحة العرضات، وخطب بنا خطاباً جنجلوتياً طويلاً مثل تلك الخطابات التي كنا نسمعها لأسياده.. تحدث عن الوطن والدفاع عنه، وحق الفرد فيه ان يعيش آمناً عزيزاً كريماً..وبعد انتهائه من الخطاب الجنجلوتي طلب منا ان نعرض عليه همومنا ومشاكلنا ليجد حلاً مناسباً لها.. فانبرى احد الزملاء وهو جندي اكلت الشمس وجهه فقال: عرفناك يا سيدي ديمقراطياً وتحب الجنود لهذا فأنا اشكوك سوء الغذاء الذي يقدم لنا فقد مللنا مرق البيذنجان كما ان قاعات المنام بحاجة الى تدفئة!.. كنت واحداً من الذين اقتنعوا بالكلام الذي سمعناه عن الآمر الجديد قبل ان يأتي، ورغبت في ان ارى ما سمعته مجسداً في ارض الواقع، لكن المفاجأة جاءت من لسان الآمر الديمقراطي حين امتعض من كلام زميلنا الجندي وقال بنبرة آمرة: خذوه الى السجن واحلقوا شعر رأسه!!
هذه القصة تذكرتها وانا اشهد اليوم العراقي الديمقراطي بكل الوانه واشكاله.. تذكرتها وانا استمع لعدد من التصريحات والخطابات الجنجلوتية لبعض سياسيينا والتي لا تتفق مع تصرفاتهم، فالحديث عن الديمقراطية سهل جداً، لكن العمل به صعب للغاية..وهنا اطرح سؤالاً لكل المعنيين بالسياسة: هل نحن بلد ديمقراطي..؟
اعتقد جازماً ان نتعامل مع الديمقراطية من فوق، لم نبنيها من تحت، وتصرفاتنا مهما كانت بعيدة عن الديمقراطية التي نسمع عنها.. فالاب في بيته ليس ديمقراطياً، والاستاذ في جامعته ليس ديمقراطياً، والسياسي في موقعه ليس ديمقراطياً.. والشخصية العراقية التي عاشت سنوات الديكتاتورية منذ التكوين اي منذ الحضارات القديمة لبلاد وادي الرافدين حتى الان لا يمكن ان تتغير بسهولة، فسلطة العصا ما زالت ماثلة امامنا وتلغي سلطة الضمير، حتى وان كان هناك عدد منا يمارس الديمقراطية ولكن هذا قليل امام العدد الهائل الذي تربى على واقع ديكتاتوري.. للان لم نر كتلة سياسية او حزباً اجرى انتخابات وغيّر في قياداته، كل رؤساء الاحزاب بقوا في مواقعهم ولم يجر تغيير ديمقراطي في هيكلة هذا الحزب او ذاك.. وهذا كفيل بنا ان نقول اننا ما زلنا على هامش الديمقراطية، واذا كانت الانتخابات التي مضت هي ممارسات ديمقراطية فهذا لا يعني اننا نعيش عصر الديمقراطية المثالي فما زال هناك من يتعامل بفوقانية وديكتاتورية لا مثيل لها.. ان ما يسود العراق من نظام سياسي اليوم يمكن ان نسميه نظاماً ديكتاقراطياً وهي الصفة التي تليق به حتى اذا ما رأينا ان الموظف الفلاني يتصرف مع المراجع بصدر رحب ديمقراطي عندها نقول اننا دخلنا بوابة الديمقراطية التي وعدنا بها طيب الذكر بوش الابن.
الحوار المتمدن-العدد: 2830 – 2009 / 11 / 15
اترك تعليقا