شيوعيو العراق المستقبل آت..

(قراءة في ضوء نتائج انتخابات مجالس المحافظات)‏

النتائج الأخيرة لانتخابات مجالس المحافظات أظهرت عدم حصول ‏قائمة الحزب الشيوعي العراقي على مقعد في المحافظات التي ‏جرت فيها تلك الانتخابات تدعونا للتوقف عند اسبابها خاصة وان ‏الحزب الشيوعي هو من الاحزاب العريقة والمعروفة بنضالها منذ ‏منتصف القرن الماضي..‏
لماذا حصلت هذه النتيجة في الوقت الذي حصلت فيه قوائم وأفراد ‏لم تكن معروفة بجماهيريتها بمقاعد في عدة محافظات..؟ هل يكمن ‏السبب في برامج الحزب التي طرحها في الانتخابات ام في الوعي ‏الجمعي للمجتمع العراقي..؟
لا نعتقد ان السبب يكمن بالبرامج خاصة وانها تمس حاجات العائلة ‏العراقية وتتأمل ان ترتقي بالانسان العراقي بعد الخراب الذي حل ‏به.. ربما لم تكن الدعاية الاعلامية بالحجم الذي يحمله التاريخ ‏النضالي للحزب، ولم تحظ القائمة بالدعم المادي الذي حظيت به ‏بعض القوائم المتنافسة.. ولم يدخل بيوت العراقيين أي منشور ‏اعلامي عن المرشحين الشيوعيين.. ولهذا كانت القائمة غائبة في ‏الانتخابات فضلا عن الحملات الاعلامية الجبارة التي قام بها ‏رؤساء القوائم الأخرى في الجنوب والوسط وغرب البلاد وشرقها.. ‏
وبينما كانت الفضائيات تبث صورا واعلانات عن تلك القوائم وهي ‏كثيرة لكن قائمة الشيوعيين بقيت بعيدة كل البعد عنها فهم لا ‏يمتلكون فضائية تروج لهم ولبرامجهم التي نجدها قريبة كل القرب ‏من الواقع العراقي.. ولم تكن لديهم الامكانية لتوزيع البطانيات او ‏المدفأت النفطية (بدون نفط) او الهدايا للناخبين في مدن العراق ‏وهكذا ضاعت الجهود، وذابت الاسماء وسط امواج المرشحين ‏الذين أجمعوا على انهم سيجعلون العراق جنة الاحلام!‏
لم يكن الحزب الشيوعي وطيلة نضاله بعيدا عن العراقيين، بل كان ‏هو أملهم في وطن حر وشعب سعيد منذ الخمسينيات من القرن ‏الماضي وكان الغالبية العظمى من أعضائه هم من الفلاحين ‏والعمال والكادحين.. كان يعبر عن أملهم وتطلعاتهم في حياة حرة ‏كريمة.. ‏
نعتقد ان ما تعرض له الحزب الشيوعي في العراق خلال سنوات ‏ماضية من حملات تتهمه بالالحاد وبأنه يروج لفكرة ان الدين أفيون ‏الشعوب (والأمر هذا شمل تعريف العلمانية ايضاً) جعلت بسطاء ‏العراقيين وبما يحملونه من ارث ديني ان يبتعدوا من الانخراط في ‏صفوفه رغم انه ليس بالصورة التي رسمت له، فهو حزب عراقي، ‏واعضاؤه عراقيون لا يختلفون عن غيرهم في ممارسة طقوسهم ‏الدينية وعباداتهم لكنهم لا يتخذون الدين وسيلة لتعاطف الجماهير ‏معهم.. ومن غرائب الامور ان كثير من العراقيين البسطاء يرفض ‏رفضا قاطعا العلمانية دون ان يعرف عنها شيئاً وهذا ما لمسناه في ‏تحقيق تلفازي قدمته فضائية عراقية التقت فيه بعدد كبير من ‏العراقيين ومن مختلف شرائحهم وسألتهم سؤال واحد: (ما هي ‏العلمانية..؟) وكانت الاجابات عجيبة وغريبة في آن، فمنهم من قال: ‏‏(انها ضد الدين) وآخر قال: (لا اعرف ما هي لكني ارفضها!).. ‏وهذا يدل على ان هناك تعتيما كبيرا يرافقه تفشي الامية في صفوف ‏الناس ما جعل اخوتنا الشيوعيين (وهم الحاملون لواء العلمانية) في ‏وضع يحسدون عليه.. ‏
لا نعتبر النتائج الأخيرة لانتخابات مجالس المحافظات نكسة ‏للشيوعيين (رغم خطورتها) أنما هي فرصة لقياديي الحزب لقراءة ‏واقع الحزب في ضوء تلك النتائج وقراءة النتائج في ضوء الواقع ‏العراقي ومراجعة الاسباب التي حالت دون الحصول على مقاعد ‏في مجالس الانتخابات خاصة وان الانتخابات البرلمانية ستجرى في ‏نهاية هذا العام.. ‏
المستقبل آت، وهو لكم أيضاً، نستشفه من مراحل النضال الكثيرة ‏والطويلة في سفر الحزب، فبالرغم من كل الهجمات والضربات ‏التي تلقاها الحزب لم تنته ارادته، ولم تنطفئ ناره، وتلك قصبات ‏الأهوار، وجبال كوردستان، تتذكر ذلك السفر المجيد، وما زال ‏أصدقاء الحزب يتذكرونكم ويثنون على دوركم البطولي.. وهذه هي ‏المسيرة، ومثلما هناك نجاحات هناك كبوات، والفارس الأصيل لا ‏تثنيه عن عزمه كبوة. ‏

الحوار المتمدن-العدد: 2628 – 2009 / 4 / 26

Share: