الطريق الى المدينة.. مدن مع وقف التنفيذ!

مشاهدات: عبد الكريم العامري

لم اكن انتظر احداً كي يخبرني عن الطريق الى الإمارات العربية المتحدة وعاصمتها دبي.. لكني كنت احتاج الى من يخبرني ان مشاهدات جديدة هل يمكنها أن تلغي ما علق في رأسي من صور مدن العراق الصابر.

الطريق الى دبي استغرق ساعة وخمسة عشر دقيقة تقريباً، في سفرة على خطوط اسمها (سلفر للطيران)، ولأن السفر لم يكن بالسهولة المعروفة الذي ابتدأ من مطار البصرة وانتهى في اللحظة التي انقشعت الدهشة من الذهن.. فقد كان الوقت يرسم صواً شتى لما قد نراه من صور قد لا يستوعبها عقل!

قد (نظلم) المدن الحديثة (وهذا ما يؤسفنا فعلاً) اذا قلنا ان البصرة أو العمارة أو الناصرية مدن، بالصورة التي هي عليه المدن اليوم.. لا تشكل المدن العراقية نقطة مهمة لمن اراد ان يقارنها والمدن الكونكريتية القابعة في بلدان العالم التي لم تشهد حروباً، ورغم أهمية مدننا الجغرفية والتاريخية،الا أن ذلك لا يضعها في خانة المدن المشار اليها.. ذلك لأن الناس لا يريدون نبش التاريخ وحمله في رؤسهم طوال العمر ليخرجوا منه نادمين، بل لا يريدون ان يحصروا أنفسهم بين جدران التاريخ ويصيحوا باعلى اصواتهم: (نحن اسسنا دولة بابل وآشور وسومر.. و..و..) وما الى ذلك من جمل رنانة في الوقت الذي نرى فيه مدننا خاوية.. العمارة، البصرة، الناصرية، السماوة، الديوانية، الكوت..و..و.. كل المدن العراقية باستثناء مدن الشمال المتمدن!

وليس المدن فقط تلك التي خوت، أنما امتد الخواء الى الإنسان، حتى بتنا نشعر باليأس تارة وبالرتابة تارة أخرى ونحن نشاهد العالم وهو يتقدم خطوات الى امام دون أن نستطيع أن نفعل شيئاً سوى الندم على عمر ضاع وحياة اضحت هباء.. هناك طاقات كبيرة في الأمة العراقية لكنها مجمدة، ومؤجلة الى أمر لا يعلم به الا الله..طاقات امتدت الى بقاع شتى من العالم بينما تموت في بلد هو احوج اليها!.. الانسان العراقي الذي اصيب بالخواء ويبست حياته جراء الأعمال الكارثية التي تلحق به وباسرته وبمدنه، جعله يبحث عن مدن اخرى ربما لا يجد مثيلاً لها الا في الخيال..

ذاك الأمر شغلنا كثيراً، لماذا لا تصبح مدننا مثل مدن دول الخليج العربية وهي القريبة منا لا بل أن بلدنا هو واحد من تلك الدول؟.. لماذا لا نصبح مثل اولئك الناس الذين يبدأون يومهم بنهار نظيف بلا نفايات ولا قمامة ولا احتياجات انسانية؟.. ويبدأ اطفالهم بمدرسة مكيفة وكاملة وألعاب لا نظير لها؟.. نعتقد أن الأمر ليس صعباً اذا ما اخذنا الموضوع بنظر الاعتبار.. ليس صعباً بالصورة التي يلوح بها بعض من لا يريدون لمدننا السلام والأمان والتجديد.. ليس بالأمر الصعب أن تشمخ مدننا من جديد بعد دمار هائل، فمدن العراق مثل ناسها تصبر على الخراب والجوع، لكنها قد تنهض في أية لحظة، اذا ما وجدت قيادة قادرة على فعل ذلك.. واذا ما وجدت أناساً قادرين على التغيير… ونعتقد ان ابناء الأمة العراقية قادرون على ذلك..

  • أسئلة ولكن:

نتمنى ان نقدم ما يمكن ان يطور قدرات ابنائنا او على الأقل نطور من نظرتنا لمدننا، ونتمنى أن نخرج من شرنقة النظرة التشاؤمية من استحالة تغيير وجوه مدننا المتعبة.. تلك النظرة التي قادتنا لأن لا نفكر بجمالية المكان..

المدن التي زرناها لا تختلف عن طبيعة مدننا الجغرافية، لا بل مناخها هو ذات المناخ في الجنوب العراقي.. ما ينقصنا فعلاً هو التخطيط العمراي الصحيح، وبناء المدينة وفقاً لتطور الحياة، أن نرسمها بمهارة، مثلما يفعل الرسام وهو ينقل على القماش الصورة التي في مخيلته.. بجمالها وأبعادها.. اركانها وحدودها، نعتقد أن المهندس المعماري العراقي قادر على فعل ذلك.. وهو قادر بالفعل لما يمتلكه من مهارة في المعمار.. واذا عدنا الى ما بدأنا منه ونظرنا الى المدرسة المستنصرية أو بوابة عشتار وبناء مدينة بابل الأثرية وملوية سامراء، وغيرها من الشواخص المعمارية سنجد ان المهندس العراقي قادر على بناء مدن عصرية.. مدن تختلف عن مدننا الحالية، أو خرائبنا الحالية.. ونعتقد أيضاً أن البناء لا يتطلب سوى تخطيط جيد وأموال وايد عاملة وكل ذلك موجود في العراق فما الذي يمنعنا ن حقيق حلم العراقيين في تغيير وجوه مدنهم الكالحة؟ وللحق نقول أن كثير من الناس ممن هم خارج العراق يتألمون لمنظر تلك المدن أكثر مما نتألم نحن.. فهذا يقول كيف لبغداد وهي أم المدن أن تكون هكذا؟.. وآخر يقول كيف للبصرة وهي عروسة الخليج تخرج للناس بثوب بالٍ وجسد متيبس؟ وثالث يقول كيف لبابل وهي أم الحضارات ان نراها متعبة.. وهناك من يشير الى الناصرية التي ضمت أول مدنية في سومر أن تكون كما هي عليه اليوم؟.. اسئلة كثيرة لم نجد اجابة يمكن ان تقنع اولئك الناس حتى بعد ان قلنا لهم أن بلدنا انهكته الحروب والصراعات بحيث أنه لم يأت عقد من الزمان الا وشهد اهله حرباً ضروس!! لك العراق ورغم كل ذلك ما زال يحمل قوته بابنائه الأصلاء…

الا يمكن أن نطالب بالاعمار بعد مرور أكثر من ثلاث سنوت على سقوط نظام الخراب؟

نترك الباب مفتوحاً للحكومة الجديدة عسى أن تلتفت الى مدننا وترسم ابتسامة جديدة على وجهها الذي سره ان يحصل تغيير النظام وهي تنتظر التغيير في النفوس والبناء..

الشارقة 2006

Share: