ضحايا حروب الأمس

لم يشهد العراق ومنذ بداية العصر الحديث الى اليوم ما يمكن أن نسميه استقراراً مثالياً أو حتى نسبياً حيث لا يمكننا أن نطلق على الجمهوريات الأربعة التي سبقت عهد الغزو الأميركي للعراق الا عصر التذبذب والتغيير الآني لسياسة هذا الطرف أو ذاك فما ان يعلن الإنقلابيون بيانهم رقم واحد الذي يدرجون فيه خططهم وسياساتهم وعلاقاتهم مع الخارج حتى يبدأ التغيير بعد اشهر قليلة في تلك السياسات وهذا يشمل أيضاً ما يتعلق بعلاقة أولئك بأبناء البلد.. وآخر تلك الجمهوريات وأكثرها بلاءاً على العراقيين هي جمهورية الخوف والفزع والموت المجاني والحروب المستمرة.. جمهورية البعثيين الذين نفذوا أطماع الديكتاتور وحلمهم الكبير في إنشاء إمبراطوريته العربية حتى ولو على حساب الآمنين من أبناء العرب لهذا وبفعل القبضة الحديدية، قبضة النار والدمار، استمرت تلك الجمهورية الى مدى لم تصله أية جمهورية بعد النظام الملكي الذي أسقط في الرابع عشر من تموز عام 1958 خلال سنوات الحكم الثاني للبعث في العراق بدأت تتغير كثير من المبادئ التي طرحها انقلابييو تموز 1968 بحيث لم يبق من النزاهة التي بشروا أبناء شعبنا بها ما يمكن لمسه في أي تصرف أو قرار، وتجويع الشعب وحصاره وزجه في الحروب الدمارية خير شاهد على ما نتحدث به، ومن بين تلك الحروب التي زج بها النظام أولادنا تأتي الحرب مع ايران والتي استمرت الى ثمان سنوات أكلت فيها كثير من الشباب العراقي الذي كان من المفروض أن يزج في ساحات البناء والتطوير لو كان هناك نظام وطني كما يدعون.. تلك الحرب لم تبقِ على شيء وتركت عوائل بلا معيل، وأبناء بلا آباء.. وأمهات يندبن حظهن.. وهو ما وجدناه في رد فعل العراقيين يوم أعلن عن انتهاء تلك الحرب، يوم خرجت الجموع الغفيرة وعلى مدى ثلاث أيام، تحتفل بالخلاص من الموت وصورها النظام على أنها احتفالات بيوم النصر العظيم وهي في الحقيقة كانت أشبه باستنكارات شعبيه لسياسة النظام التوسعية الفاشستية فلا يمكن ان نرى مصيبة اكبر من مصيبة الشعب العراقي التي ما زالت تدور رحاها لتأكل ما لم يؤكل بعد.. في حرب ايران راح الكثيرون ومن أجل امتصاص السخط الشعبي في فقد الأولاد اعطى النظام عوائلهم راتباً تقاعدياً باسم رواتب عوائل الشهداء واستمرت تلك العائلات تستلم رواتبها التي تذكرها بأحبتها الذين غادروها ولم يعودوا ابداً.. تلك الفئة من مجتمعنا وهي من ضحايا النظام خصتنا برسالة معاتبة الحكومة في الراتب القليل الذي تتسلمه حيث تتسلم العائلة راتباً تقاعدياً مقداره (95) ألف دينار للشهر الواحد ويدفع كل شهرين وهو ما يعادل 75 دولار أميركي.. أيعقل ذلك..؟ الانتخابات على الأبواب ، والقوائم بحاجة الى أصوات واهم تلك الأصوات هي اصوات فقراء العراق الذين يزيد عددهم على أكثر من عشرين مليون عراقي وهو ما جعل اصحاب القوائم الانتخابية يضربون على وتر تحسين الحالة المعيشية لأفراد الشعب العراقي لكننا في الجولة السابقة من انتخابات العام الماضي شاهدنا كيف ابتعد اعضاء الجمعية الوطنية عن الناس وراحوا يطالبون بتحسين رواتبهم وحقوقهم التقاعدية..
ضحايا حروب الأمس هم فئة عراقية كادحة لا ذنب لهم ولا لأبنائهم الا أنهم خدموا العراق وزجهم النظام بحروب لا ناقة لهم ولا جمل وعلى الحكومة انصافهم قبل فوات الأوان.

الحوار المتمدن-العدد: 1391 – 2005 / 12 / 6

Share: