حقوق الإنسان في العراق هل تحتاج الى وزارة؟
اهتمت كل دول العالم ومنذ زمن بعيد بحقوق الإنسان ذلك لما يشكله الفرد من قيمة ذات أهمية في بناء المجتمعات واذا كانت المجتمعات العربية قاطبة ولا استثني منها مجتمعاً قد داست هذه الحقوق ببساطيل العسكر وجعلت الإنسان العربي عبداً ذليلاً ينتظر قدره الذي تحدده السلطة أي كانت فليس هذا معناه أن الفرد العربي لم يشعر بوجوب المطالبة بحقوقه رغم ما يلاقيه من وسائل ترهيب تحت ايدي عناصر المخابرات التي تفوح روائحها حال وصولك أي بلد من تلك البلاد.. وهنا اتذكر أنني وبعد شظف العيش والبحث عن اللقمة الحلال في الزمن الحرام حملت جسدي النحيل (آنذاك) واتجهت الى دولة عربية وما أغراني للذهاب الى تلك الدولة هي طوابير العراقيين الذي بدأت بالتدفق على تلك البلاد حتى غدا العراقيون أكثر عدداً من نفوس أبناء تلك البلد الحقيقيين وليس المتجنسين، وقبل أن استقل الباص كنت اظن ان مخابرات نظام بلدي الوحشية سوف (تغلفني) وتعيدني الى العراق ولكن والحمد لله استطعت النجاة وخرجت ولكن الذي حدث بعد ذلك لا يسر صديق عندما احتجز جواز سفري في حدود تلك البلاد وأخبرني الأخوة العرب أن اراجع دائرة المخابرات!!
للحق أقول ان تصرفهم معي لم يكن بالصورة التي رسمتها في ذهني وأنا استمع لضابط الحدود وهو يقول لي راجع دائرة المخابرات، كنت أظن ان الدائرة ستكون بقسوة وعنجهية (الليث الأبيض) وهو اسم أطلقه العراقيون على دوائر الأمن في العراق.. كانت معاملتهم معي طبيعية رغم الحذر الكبير الذي اتخذته وشكوكهم في كل حركة أقوم بها، كان ذلك في الشهر الأول من عام 1995، تخلصت منهم بعد كتابتي تعهداً بأن زياتي هذه هي الأولى لبلدهم، ولا ادري كيف اقتنعوا بالتعهد الذي بات عندنا في العراق لا يساوي شيئاً خاصة بعد ان تغيرت النفوس!
هذه الحكاية تذكرتها وأنا أقوم بكتابة تحقيق عن حقوق الإنسان التي صار الجميع ينادي بها في العراق الجديد رغم الانتهاكات الفاضحة لقوات الاحتلال ومن يقف وراءهم.. وتذكرتها وأنا اقرأ موضوعاً عن وزارة في العراق اسمها وزارة حقوق الإنسان وتساءلت مع نفسي: هل تحتاج حقوق الإنسان الى وزارة؟
• ما بقي من الحقوق:
قال لي رجل ضاع عمره في البحث عن الهدوء والسكينة وغدا مثل ريشة في مهب الريح تتقاذفه الأيام والشهور والسنوات وتأكل من جرف عمره المتاعب اليومية: هل يمنحنا وزير حقوقنا الضائعة بعدما كانت حكومة الأمس تعتبرنا مواطنين من الدرجة العاشرة..؟ وكيف نحصل على حقوقنا خاصة وان الإدارة تحتاج لإثبات الانتهاكات التي تعرضنا لها الى شهود وأدوات وما الى ذلك مما يحتاجه التحقيق… العراقيون جميعهم أهدرت حقوقهم ولن تعيدها لهم وزارة؟
• ولكن هي فرصة للحصول على ما لم نحصل عليه بالأمس؟
– وماذا سيعطوننا..؟ الكرامة التي انتهكت؟ العمر الذي ضاع؟
• هذا أمر بحاجة الى تأمل؟
– وهل في العمر متسع للتأمل يا عمي؟ الضاع ضاع والقادم لا يشفي الغليل!
• ولكننا بحاجة الى وزارة لمثل هذا الأمر..
– نحتاج الى ما هو أهم……..
• أهم من حقوق الإنسان؟
– نحتاج الى ضمير صاحٍ!
• أتشك ان الوزارة تخلو من الضمير الصاحي؟
– لا اشك في ذلك يا عمي ولكني أتخوف من أن تكون هذه الوزارة هي المدافعة لأساليب الحكومة المقبلة!
• الا أن وجودها ضروري في هذه المرحلة؟
– لا أدري، ولكن كيف تستطيع هذه الوزارة ان تحمي الإنسان وتصل الى أبعد المناطق في العراق والتي تنتهك فيها الكرامة للعراقي البسيط.. من يستطيع ان يحمي المراجع لدائرة ما من انتهاكات تلك الدائرة بدءاً من الاستعلامات حتى غرفة (السيد المدير).. هل تدري أن في دوائرنا أناس يحتقرون الآخر او المراجع.. واذا جلسوا على كراسيهم وتشدقوا بها بعد إن يعلقوا ضمائرهم على الحائط البعيد يبدأ فصل فضيع من الصراخ والغضب في وجه المراجعين.. أتريدني أن أشير الى تلك الدوائر؟
• لا حاجة لذلك فأولئك الناس يعرفون أنفسهم جيداً ..
– ألم اقل لك لا يغيّر الله قوماً حتى يغيّروا ما بأنفسهم.
• رأي آخر:
بعد هذه المحاورة القصير كان لا بد ان نستطلع بعض آراء الناس الذين هم بحاجة فعلاً الى من يطالب بحقوقهم بعدما أدوا ما عليهم من واجبات تجاه بلدهم وأولها أنهم قوم أصلاء محبون للتراب الذي عاشوا عليه ومخلصون لتراث أجدادهم..
(محمد حسن كامل 20عاماً) قال: أتمنى أن أجد أناساً مخلصين لأبناء شعبهم يطالبون بحقوقهم ويدافعون عنهم وأتمنى أن تأخذ الوزارة هذه المهمة بجدية وإخلاص..
(أبو عبد السميع) قال: أكثر من عام ونحن نطالب بأن تكون رواتبنا شهرية ولا أحد يسمعنا نحن المتقاعدين.. أليست هذه واحدة من واجبات وزارة حقوق الإنسان وهي أن تضع كبارنا ممن أفنوا أعمارهم في العمل نصب أعينها وتطالب لهم براتب كريم يستلمونه بعيداً عن المتاعب التي تواجههم؟ لا نقول لهم أننا نريد يوصلوا رواتبنا إلى بيوتنا أنما نريده أن يكون شهرياً مثل كل الناس في هذا العالم.
(جواد العلي- سائق): لا ندري كيف ستصير عليه الأمور خلال السنة القادمة وما بعد الانتخابات ولكن نتمنى أن تراعي الحكومة حقوق العراقيين الذين تعبوا كثيراً..
(جاسم عبد الصمد –مزارع): لا يهمنا إن كانت هناك وزارة لحقوق الإنسان أو لا ولكن الذي يهمنا من يعطينا حقنا الذي سلبه النظام السابق.. أنا كانت عندي ارض زراعية فأتلفها النظام في شط العرب ولم يعوضني احد رغم مرور أكثر من عشر سنوات وأنا أعيش بعيداً عن تلك الأرض.. أما كان على الحكومة الجديدة أن تسأل عن الذين سلبهم النظام أموالهم وأملاكهم.. لقد عبث النظام بأرضي وسرق النخيل منها فمن يعطني حقي؟
• أمانٍ وحقوق:
بعد هذا العرض السريع، أليس من الحق ان نتساءل: أما حان الوقت لكي تفتح ملفات المحرومين والذين انتهكت حقوقهم وسلبت أموالهم وبيوتهم وأراضيهم من قبل حكام الأمس…؟ عامان مرا والعراقيون يعيشون أحلام الحياة الجديدة دون ان يلمسوا أي شي.. فما تزال نخيل الحاج جاسم التي سرقت من أرضه في شط العرب واقفة في مزارع تكريت وقصور صدام فمن يرجع لأولئك الناس حقوقهم؟ ومن يمنحهم الثقة بالحكومات الآتية بعدما ملوا من الوعود العرقوبية؟ دعوة الى إيقاد جذوة الضمير قبل إيقاد شمعة وزارة حقوق الإنسان.
العراق- البصرة
————————————————————————-
• عبد الكريم العامري: شاعر وكاتب مسرحي وصحفي عراقي صدر له:
1- لا احد قبل الأوان ديوان شعر جامعة البصرة 1998
2- مخابئ ديوان شعر البصرة 2000
3- الطريق الى الملح رواية الطبعة الأولى دار الشؤون الثقافية/ بغداد 2001
4- الطريق الى الملح رواية الطبعة الثانية الدار العربية للدراسات /بيروت 2002
5- مسرحيات البصرة 2003
قدم للمسرح العراق عدة مسرحياة منها (قيد دار) مهرجان المونودراما الثاني بغداد1998 ومسرحية (كاروك) مهرجان المسرح العراقي الخامس بغداد2000 ومسرحية (دعوة للمحبة) مهرجان مسرح الطفل الثاني بغداد 2001 ومسرحيات اخرى.
الحوار المتمدن-العدد: 1383 – 2005 / 11 / 19
اترك تعليقا