ضوء على المربد.. الشعر على ايقاع البيبسي كولا

عقد المربد، كالعادة، في ربيع عراقي جديد، ربيع خالٍ من الحدائق الغناء والنسائم العليلة، ربيع ليس كما حلم به الشعراء وصوروه في قصائدهم، ربيع دامٍ سلب لب الصغار والكبار على حد سواء، ربيع للقتل والمفخخات والتلويح للحرب الطائفية.. في البصرة، تلك المدينة الجنوبية والتي يحلو لبعضنا ان يسميها البقرة الحلوب، وهي تحمل مظلومية أبنائها في يد ، وتحمل تأريخها في اليد الأخرى وتستمع للشعر.. عقد المربد الذي أطلق عليه المربد الثالث ناسفين في ذلك كل المرابد التي شارك فيها فطاحل الشعراء من أمثال الجواهري وسعدي يوسف..وكأن القائمين عليه ارادوا أن يلغوا تأريخاً عظيماً للمربد الذي عقدت دورته الأولى في السبعينيات من القرن الماضي.. مسترضين في ذلك ربما أطراف لا تأبه بتاريخ المربد رغم أن الصور التي ازدانت بها القاعة تشير الى ذاك التاريخ الكبير لعراق الأدب والشعر والمربد..
في قاعة المركز الثقافي النفطي، كنا على موعد مع الشعر، وكنا ننتظر شعراً حقيقياً بعدما امتلأت القاعة بضيوف المهرجان، وجوه عراقية تشير الى حبها للأرض والناس.. لكنها في الوقت ذاته جاءت تحمل هماً عراقياً خالصاً صعب على ساسة البلاد الاستماع اليه في خضم (الظروف الأمنية)!
ولأن المربد كبير، فلا بد ان يكون فيه كل شيء كبيراً..او هكذا على الأقل، بدءاً من الإفتتاح حتى الجلسات.. ومن الغريب ان نجد فرقة هواة تبدأ الحفل، لطلبة ما زالوا في بداية مشوارهم الفني، ونحن لا نريد أن نغبط حقاً لهم، لكن ألم يكن من الأجدر الإستعانة بدائرة السينما والمسرح والفرقة التابعة لها وهي مؤسسة تابعة لوزارة الثقافة؟ ألم يكن من الأجدر أن نستعد لتقديم تراثنا بصيغة أخرى تحيي فينا ذاك الأثر الخالد..؟
وبالرغم من الجهود الكبيرة التي بذلت، والأموال التي رصدت للمربد، لكنه في يومه الأول جاء مرتبكاً، بدءاً بالتشريفات التي لم تكلف نفسها بحجز مقاعد الضيوف في الصفوف الأمامية مما اضطر احد اعضائها الى الطلب من الفنانة الرائدة شذى سالم ان تغيّر مكان جلوسها لتفسح المجال للآخرين!! هل يعقل ان يطلب من فنانة قدمت للفن والمسرح الأصيل عصارة شبابها ذلك؟ أيعقل ان لا تعرف لجنة التشريفات تلك الفنانة التي ما زالت المسارح العراقية تصدح بصوتها وحركاتها.. أننسى بطلة الجنة تفتح أبوابها، وفتاة العشرين، وما الى ذلك من أعمال خالدة سجلت لهذه الفنانة المجيدة؟ واذا كان التصرف مع فنان عراقي وفي مهرجان عراقي بهذه الشاكلة فكيف سيكون الحال مع أولئك الذين لم تبدأ الأضواء بعد بإظهارهم؟ كل تلك الأسئلة نضعها أمام القائمين على المربد عسى ان لا تقع اللجان المشكلة بأسماء ملأت سبع صفحات من كراسة المهرجان بما وقعت فيه!
وجاء الشعر، في جلسة امتازت بالصخب واللغو في قاعة مكتظة بالناس حتى تكاد لا تسمع غير (قرقعة) علب المرطبات، قرأ الشعراء قصائدهم وهم ينظرون لجمهورهم (اللاهي) بشرب البيبسي كولا وأكل (كيك) المهرجان.. ولم تستطع القصائد إيقاد الجمر غير قصيدة قرأها المبدع كاظم الحجاج والتي أشارت الى الخطر الذي ما زال يداهمنا فكان الحجاج كعادته صادقاً شفافاً فأسكت من جاء لينعم ببيبسي المهرجان وشده اليه!
وهكذا، ازدان المهرجان بصور فوتوغرافية لوجوه عراقية متعبة وأطفال غيبتهم الحروب وأثقلت طفولتهم الحالمة، فكان معرض الصور قريباً من حياة العراقيين، ولصيقاً بهم..
تحية للمربد في دورته الجديدة ولا نقول الثالثة.. وتحية للشعراء العراقيين المغتربين في المنافي او في بلادهم وهم ينشدون الشعر من اجل ترسيخ قيم مجتمع عراقي جديد.

الحوار المتمدن-العدد: 1536 – 2006 / 4 / 30

Share: