هل قرأت النص جيدا؟
- محاكاة لمأساة ولدي مسلم بن عقيل (ع)
شخوص المسرحية:
- المخرج
- المؤلف
- عاصم بدور محمد بن مسلم بن عقيل (صبي)
- منقذ بدور (عبد الله بن مسلم بن عقيل (صبي)
- الممثل بدور الحارث – خمسيني ضخم الجثة
- الممثلة – بدور زوجة الحارث
- فليح- مولى الحارث وهو شاب حبشي
- عامل الإكسسوار والاضاءة
(مسرح فارغ، يقف على خشبته جميع الممثلين، الجميع يمسكون أوراق النص..)
المخرج: (وهو داخل) هل حفظتم أدواركم..
الجميع: نعم حفظناها..
الممثل: (وهو ينظر في الأوراق) أي دور هذا…؟
المخرج: دورك في المسرحية..
الممثل: وكيف يمكنني ان استمر في تمثيل هذا الدور؟
المخرج: عليك بتقمص شخصية الحارث..
الممثل: أتريدني ان أكون نذلا…؟
المخرج: وقاسيا أيضا..
الممثل: لا يمكنني تقديم دور الحارث. رجل بلا قلب ولا اخلاق.
المخرج: ان تمثل شخصيته..
الممثل: وان يكن.. كلما اقرأ النص اشعر بأني لست انسانا.. أكان هذا اللاأسميه حقيقيا…؟
المخرج: شخصية استقاها المؤلف من التأريخ
الممثل: أي تاريخ هذا؟
المخرج: تأريخنا العربي!
الممثل: تاريخ ملطخ بالدم.. وجوه مسودة وقلوب حجر. كيف لنا أن نفخر بتأريخ كهذا؟
المخرج: نحن نقدم للناس عبرا ودروسا من التأريخ..
الممثل: أي دروس تعطيها هذا النذل. المجرم. ما هو الا قاتل سيلعنه التاريخ..
المخرج: الدروس التي اعنيها ليست فيه. انما في فعله بالصبيين اللذين قتلهما. هل قرأت النص جيدا؟
الممثل: قرأته وليتني لم افعل.
المخرج: ليتك لم تفعل. وكيف ستؤدي الدور؟
الممثل: منذ عام وأنا انتظر دورا في أي مسرحية حتى جئتني بهذا الدور الذي ما كنته اتوقعه. قرأته وكل حوار فيه كاد يفطّر قلبي. سألت نفسي كثيرا، من أي طين خلق ذاك الكائن.
المخرج: علينا ان نقدم الحدث كما حدث بلا رتوش فكثير من الناس لا يعرفون بتلك الفاجعة. نحن امام محاكمة للتأريخ ففيه انتهاك صارخ لحقوق الطفل والانسان بشكل عام.
الممثل: أنا أسألك عن ذاك الكائن. الحارث. من أي طين خلق؟
المخرج: إذا تصفحت التأريخ ستجد هناك كثيرا من شاكلة الحارث. هم موجودون اليوم بيننا أيضا يعيشون بقلوب لا تعرف الرحمة. هل نسيت ما حدث هنا وهناك في كثير من البلدان. هؤلاء فرع نجس من شجرة أولئك. لا تستغرب يا صديقي الممثل فكل زمان فيه من الشر ما يفوق الخير. (يصمت قليلا) والآن لنبدأ في التمرين على المشهد.
(اظلام. تدخل الممثلة وهي تنظر لزوجها الممثل الحارث)
الممثلة: (بقلق) يا الله، ما الذي افعله الآن، ليت الليلة تمر على خير. أي بلاء هذا الذي انا فيه. ان جاء زوجي الحارث ووجد الصبيين ما الذي سيفعله؟ قد لا يبقي على حياتهما وهو الذي ما زالت يداه ملطختان بدم اهلهما. (ترفع يديها بالدعاء) يا رب انت تعلم كل شيء. لا حول ولا قوة لي. كن رحيما بي وبهما.
(يدخل الممثل الحارث. ينظر لها مستغربا وهي ما زالت ترفع يديها بالدعاء)
الممثل: أراك تتعبدين. ألم تتعبي من هذا التعبّد؟
الممثلة: (تنتبه لحضوره وتحاول ان تمسك نفسها) أناجي ربي. ما الذي يغضبك أنت؟
الممثل: لو كان تعبّدك يغضبني لاكتفيت.
الممثلة: وما غيره؟
الممثل: الجائزة قد تفلت من يدي هذه المرة.
الممثلة: أي جائزة قد تفلت منك بعد قتلكم للحسين؟
الممثل: (يستشاط غضبا يمسكها بقوة) ايّاك ان تذكري هذا الاسم ثانية.. (يدفعها) لو لم يرد الموت لما جاء بعياله في مواجهة امير المؤمنين يزيد.
الممثلة: وما الذي أجبر اميركم على قتله؟
الممثل: (يقترب منها ثانية غاضبا) سؤال آخر منك وأقطع لسانك. نحن عبيد ننفذ ما نؤمر به.
الممثلة: حتى ان امركم بقتل ابن بنت نبيكم؟
الحارث: (يستل سيفه غاضبا لكنه يتوقف صامتا)
الممثلة: وتستل سيفك على زوجتك…؟ أي عمى هذا الذي انت فيه.. ما الذي يجبرك على طاعة الباطل.؟
الحارث: (صامتا ويكتفي بالتحديق بها)
المخرج: (يقترب منه) أكمل حوارك يا رجل.. (ينظر الى أوراق النص الذي بيديه) أكمل الحوار لماذا توقفت؟
الممثل: لا أستطيع. لا أستطيع. لا تحملني ذنبا لم أفعله.
المخرج: انت تمثل يا رجل. وهذا دورك لا علاقة لك بما حدث.
الممثل: كيف ولساني ينطق بما لا أريد.
المخرج: هذا لسان الحارث وانت تنطق بلسانه وتعيد ما قاله.
الممثل: (يرمي الأوراق على الأرض) قلت لك لا أستطيع اكمال هذا الدور.
المخرج: (ينظر له مستغربا ويقوم بجمع الأوراق من على الأرض) انا لا افهمك يا رجل.. حسنا خذ وقتا للراحة (يقترب من الممثلة) وانت عليك ان تتحدثي معه كزوجة. لا تتحدثي وكأنك قاض.
الممثلة: (تشير الى النص الذي تحمله) لم آتي بشيء من عندي. كل هذا مكتوب في النص.
المخرج: لا اتحدث عن النص انما عن طريقتك بإلقاء الحوار.
الممثلة: انا اقرأ الحوار وهذا ما قمت به.
المخرج: القراءة شيء والالقاء شيء آخر. عليك ان تتفاعلي مع الحوار كزوجة للحارث تخفي صبيين وتحاول ان لا يعرف بأمرها زوجها. اخرجي من شخصيتك التي اعرفها قوية وتقمّصي شخصية زوجة الحارث الضعيفة.
الممثلة: بصراحة. لا أريد ان يصل المشهد للقبض على الصبيين.
المخرج: (باستغراب) أنت أيضا؟ يا رب من الذي ورّطني بهذه المسرحية.. (الى الممثلين) يا جماعة، ما مكتوب هنا في النص كان حادثا حدث قبل أكثر من ألف عام ونحن نقدمه للناس بكل تفاصيله.. (مقتربا من الممثلة) أنت ممثلة بارعة وبإمكانك اقناع الجمهور جيدا.
الممثلة: لم يكن حادثا عابرا سيدي المخرج. تلك الواقعة اختصرت كل آلامنا وجعلت كل أيامنا عاشوراء.
المخرج: لهذا نريد ان نجسّد الحدث. نختصر ذاك التأريخ بدقائق معدودات وعلينا ان نستثمر كل لحظة وكل كلمة كتبها المؤلف في النص. (الى الجميع) والآن هيا نكمل (يتقدم نحو الممثل ويسلمه الأوراق) خذ النص وارجوك ان تفهم أنك خارج هذا المكان هو أنت وأنت هنا هو الحارث.
الممثل: (ينظر الى أوراق النص ويمشي متثاقلا حيث كان مكانه في المشهد)
الممثلة: (تنظر الى الأوراق) الى أين وصلنا.. (تقلب الأوراق) ها.. من هنا.. (تعيد ما قالته في المشهد) وتستل سيفك على زوجتك…؟ أي عمى هذا الذي انت فيه.. ما الذي يجبرك على طاعة الباطل.؟
الممثل: (متضايقا) لنتجاوز هذا الحوار.. (الى المخرج) هل بالإمكان تغييره.؟
المخرج: ان غيّرنا الحوار هنا فسنغير كل شيء في النص وهذا ما لا يمكن القيام به دون الرجوع الى المؤلف واعتقد انه كتب التاريخ ولم يستثني شيئا منه.
الممثلة: حسنا يا سيدي المخرج. لنأخذ هذا الحوار.. اسمع (الى الممثل) من الصفحة التالية.. (تمثل) أي جائزة تخشى ان تفلت من يديك؟
الممثل: (بعد تردد) صبيّان هربا من السجن وخصص الأمير ابن زياد جائزة لمن يأتي بهما.
الممثلة: (بفزع) من هما…؟
الممثل: يقال ان اسميهما محمد وعبد الله
الممثلة: محمد وعبد الله؟ ابنا من هذان…؟
الممثل: ابنا مسلم بن عقيل.
الممثلة: (صارخة) ألا يكفي اميركم انه قتل اباهما…؟ متى يشبع هذا الزنديق من دم الطاهرين (تقترب منه متوسلة) بالله عليك يا زوجي دعك من أولئك القوم لا تكن منهم. كن حرا، عش حرا في دنياك. هل رأيت كيف تراودك الكوابيس بعد قتل الحسين.؟
الممثل: (يحاول الإفلات منها) تلك كانت أوامر امير المؤمنين يزيد بن معاوية.
الممثلة: ومتى صار يزيد أميرا للمؤمنين.. (متوددة) أنت رجل عاقل. تفرق بين الحق والباطل وما وجدتك في كل حياتي التي عشتها معك الا رجلا شهما. ما الذي غيّرك؟
الممثل: التقرّب من الأمير يزيدني شرفا.
الممثلة: ما أراه الا نارا.. ليس أكثر شرفا من الذود عن الحق.
الممثل: (غاضبا) أتريدين ان يصفني القوم بالجبن. لست جبانا.
الممثلة: لكن البطولة هي في ان تقف الى جانب الحق. ليس دون الحق بطولة.
الممثل: وحده الله يعرف من كان مع الحق.
الممثلة: وهل يحتاج الأمر الى كل هذا؟ ألا تعرف من كان الحق معه؟ الا تعرف ان الله وحده لا يخذل نبيّه ولا أهل بيته؟ من هو الحسين.. ألا تعرف انه فرع من شجرة النبي؟
الممثل: (بغضب) كفاك ثرثرة. لست بمزاج لأسمع منك هذا. يكفيني ما انا فيه وما حصل قد حصل.
الممثلة: ما حصل أمر لا تقبله السماء. أعرف ان كابوس يوم عاشوراء لم يغادرك. كل ليلة اسمعك وانت تئن وتتصبب عرقا وتهذي. لم تقل لي ما الذي يراودك في نومك لكني على يقين أنك كنت تسبح في بحر من الدم.
الممثل: (يستشاط غضبا) كفى يا امرأة.. كفى، جئت الى داري لأستريح لا لأسمع منك هذا وتلومينني على امر لا يد لي فيه. لست سوى فرد في جيش كبير.
الممثلة: (تقترب منه هامسة) وان كان الأمر بيدك فماذا ستفعل؟
الممثل: (يكتفي بالنظر فيها)
الممثلة: كنت ستطيع أمر يزيد. ها. أليس كذلك؟ وقفتم بكل ذاك الجبروت. روّعتم الأطفال وابكيتم النساء واحرقتم الخيام بعدما قتلتم أطهر وأشرف وأنبل الناس. هل هذه هي حربكم الضروس أيها الفارس؟
الممثل: الحرب كر وفر.
الممثلة: ذاك ظلم ما بعده ظلم.
الممثل: (يقترب منه أكثر غاضبا) بالله عليك أجيبيني ما الذي اتى به الى كربلاء. أما كان يعرف ان الخروج عن طاعة امير المؤمنين ستوقع به ما وقع له؟
الممثلة: كتبكم. رسائلكم. دعواتكم له ان أقدم فالناس ينتظرون المنقذ لهذه الأمة. ألم تكن أنت واحدا من الذين كتبوا اليه حتى جيء بعبيد الله بن زياد من البصرة وغيّرتم مواقفكم. اشتراكم بالمال ونقضتم عهودكم ونسيتم وعودكم.
الممثل: لولا تغيّر الأوضاع ما كنا ننقض عهدا قطعناه على أنفسنا.
الممثلة: بل قل لولا الأموال التي أغدقت عليكم لما وضعتم أنفسكم في الجحيم.
الممثل: أنت تعكرين مزاجي. دعيني أفكر كيف وأين سأجد الصبيين.
(صوت يسمع من حيث ينام الصبيين في الغرفة الأخرى)
الممثل: (ينتبه حيث جهة الصوت) كأنني سمعت صوتاً..
الممثلة: (خائفة) صوت…؟ أي صوت؟ لم اسمع صوتاً.
الممثل: صوت صدر من تلك الغرفة (ينظر اليها) كأنك تخفين شيئاً..
الممثلة: (تحاول ابعاده عن الموضوع) اجلس يا زوجي سأعد لك طعاماً يبدو أنك لم تأكل شيئا منذ ساعات.
الممثل: (يفكر مع نفسه) حقا انا جائع..
الممثل: (بارتياح) أجلس وسأعد لك الطعام..
الممثل: ليس قبل أن اعرف مصدر الصوت الذي سمعته..
الممثلة: (متوسلة) بالله عليك اجلس واسترح..
الممثل: (يحدق بها) ما الذي تخفينه عني؟
الممثلة: لم يبق لدينا من عذر إذا وقفنا بين يدي الله.
الممثل: (يزجرها) وما دخل الله بما سألتك.. ألم تسمعي سؤالي؟ (يصمت قليلا مفكرا) أيعقل أن من قضيت نهاري كله بالبحث عنهما أن أجدهما في داري!
الممثلة: (بتوسل) مجرد صبيين لم يعشا حياتهما.
الممثل: (مبتسما بخبث) هذا يؤكد أنهما في داري.
الممثلة: (ببكاء) كسرا قلبي. وما بيدي من حيلة الا اطعامهما وابقاءهما في الدار حتى طلوع الفجر.
الممثل: (غاضبا) تدخليهما داري بدون اذن مني؟
الممثلة: (بتوسل) أنا أم.. أتعرف ما يعني هذا؟
الممثل: يا لقلبك الطيب (ساخرا منها) وحنانك!
الممثلة: كن رؤوفا بهما مرة واحدة في حياتك.
الممثل: لا رأفة بقوم خرجوا عن طاعة أمير المؤمنين. أتريدينني ان اخسر جائزة اميري عبيد الله بن زياد.
الممثلة: ستربح نفسك وتفوز برضا الله.
الممثل: (ضاحكا) رضا الله…؟ من يقول ذلك…؟ أنت…؟
الممثلة: كن حرا والا خسرت نفسك مثلما خسر الآخرون أنفسهم.. لا تكن مثل شمر بن ذي الجوشن.
الممثل: وما به شمر؟ ليتني مثله! قرّبه الأمير وأغدق عليه ما لم يغدق على غيره.
الممثلة: (صارخة في وجهه) بل قل قرّبه الله من الجحيم هو ومن معه.
المخرج: (يصفق لهما) رائع.. احسنتما. هذا جيد. عليكما بحفظ هذا الحوار جيدا.
الممثلة: بقيت صفحة واحدة من هذا المشهد سيدي المخرج.
المخرج: نعم. اعرف. لكننا للآن نسير بشكل جيد لم يبق الا رمي هذه الأوراق بعد حفظكما الحوار.. (ينادي لمن في الخارج) ادخلا الصبيين.
(يدخل الصبيان عاصم ومنقذ الذين يمثلان دور ولدي مسلم بن عقيل محمد وعبد الله)
المخرج: تعالا هنا..
(الصبيان يتقدمان حيث امرهما المخرج)
المخرج: (الى عاصم) أنت يا محمد ابتعد عن عبد الله قليلا لا تلتصق به.
عاصم: أنا عاصم يا أستاذ. اسمي عاصم وليس محمدا.
المخرج: (مبتسما) نعم يا ولدي أنت عاصم هناك (يشير الى أسفل المسرح) لكنك هنا فوق الخشبة اسمك محمد (مؤكدا) محمد بن مسلم بن عقيل.
منقذ: (كأنه اكتشف شيئا) هيه.. انا عبد الله أليس كذلك يا أستاذ.
المخرج: (مبتسما) برافو. انت عبد الله بن مسلم بن عقيل وهذا أخوك محمد.
منقذ: لكنه ليس اخي يا أستاذ.
المخرج: هو اخوك في المسرحية. في هذا الدور. (الى الممثلين) هذا المشهد سيكون قبل مشهد الحارث وزوجته سيشترك فيه الصبيان وأنت (يشير الى الممثلة)
الممثلة: (تراجع الأوراق التي في يديها)
المخرج: (الى الممثلة) هل وجدت نص المشهد الأول؟
الممثلة: (تخرج بعض الوريقات) هذا هو..
المخرج: (الى الممثل) ابق أنت بعيدا عنهم (يصيح بصوت عال على عامل الاكسسوار) هات لنا فانوسا..
(عامل الاكسسوار يدخل وبيده فانوس يسلمه الى المخرج ويخرج)
المخرج: (يقدم الفانوس الى الممثلة) خذي هذا الفانوس.
الممثلة: (تستلم الفانوس)
المخرج: (الى الصبيين) انتما يا احبائي اجلسا هناك على تلك الدكة. اطرقا الباب وانتظرا ستخرج لكما زوجة الحارث. هيا نبدأ المشهد (ينادي على عامل الإضاءة) اظلام ما عدا بقعة صغيرة على الصبيين.
(اظلام)
الممثلة: (تخرج وبيدها الفانوس واوراق النص، تنظر الى الصبيين)
عاصم: يا خالة، نحن غريبان ولا نعرف طرقات المدينة وحل الليل علينا هل لنا ان نبقى عندك هذه الليلة؟
الممثلة: من أنتما، وكيف دخلتما المدينة ان لم تعرفا طرقاتها؟
منقذ: نحن ولدا مسلم بن عقيل لا بد أنك قد سمعت به وجدنا رسول الله. قادتنا قدمانا الى هذا المكان. لا أحد لدينا هنا نلجأ اليه.
عاصم: (يكمل) كنا مسجونين عند ابن زياد وساعدنا حارس من اتباع جدنا على الهروب..
الممثلة: (بفزع) هاربان من سجن عبيد الله بن زياد؟
عاصم: نعم يا خالة. أدخلنا السجن بعد فرارنا يوم مقتل جدنا الحسين بن علي.
الممثلة: لا حول ولا قوة الا بالله. ألا لعنة الله على الظالمين والله مصاب ابي عبد الله فطر قلبي لكني لا أستطيع ان آويكما فلي زوج من اتباع عدو الله ابن زياد وأخشى ان يظفر بكما ويقتلكما.
منقذ: لا بأس يا خالة. ان ظفر بنا فهو أمر الله ولا راد لأمره. إخفينا عندك الليلة ونعدك اننا سنخرج من دارك قبل طلوع الفجر.
الممثلة: انتما تضعانني في حرج لا أريد أن ألقى ربي بدمكما. زوجي قاس بلا قلب.
عاصم: هل هو في الداخل؟
الممثلة: لم يعد بعد.
منقذ: يا خالة لم يبق الا ساعات قليلة ويطلع الفجر وربما لن يأتي زوجك الليلة.
الممثلة: سيأتي. حتى وان تأخر فأنه سيأتي.
منقذ: نعدك بأننا سنختبئ بعيدا عنه ولن يرانا وإذا حصل امر الله وما انت خائفة منه سنبرأك أمام الله وسيشفع لك جدنا رسول الله.
الممثلة: بعد هذا الذي سمعته منكما لا كلام لدي فروحي فداء لكما.. تفضلا..
(تدخل الممثلة بينما يتبعها الصبيان)
المخرج: جميل جدا. عاصم ومنقذ كنتما رائعين في هذا المشهد.
عاصم: (يقترب من المخرج) هل سيذبحنا زوج هذه العجوز.
منقذ: (خائفا) لا أريد ان اموت هنا.
المخرج: لن يذبح عاصم ومنقذ زوج هذه المرأة. ذاك الشرير سيذبح يا احبائي ولدي مسلم بن عقيل.
الممثل: (من مكانه) ارجوك سيدي المخرج لا تطلق عليّ هذه الصفة. لست شريرا.
المخرج: متى تفهم يا رجل بأني اقصد الحارث ولم اقصدك انت.
الممثل: لكنه أنا. (مؤكدا) هو أنا!
المخرج: (بعصبية) أنت أو هو.. لستما واحدا.. انتما اثنان في جسد واحد.
الممثل: (بحيرة شديدة) أكاد لا استوعب شيئا. اختلطت عليّ الأمور..
المخرج: اسمع يا رجل. عندما تذهب الى بيتك فذاك هو أنت اما ان جئت الى المسرح وفي هذا العرض بالذات فأنت هو الحارث. الرجل الذي قتل ولدي مسلم بن عقيل. لا بد ان تعرف ان المشاهد المسرحية هي تجسيد لنص كتبه المؤلف.
عاصم: ألا يستطيع الأستاذ المؤلف أن يغيّر هذا النص…؟ بدلا من قتلنا ليجعلنا نعيش بسلام.
المخرج: لا لن يستطيع.
عاصم: يا له من مؤلف قاس. ما الذي سيخسره لو أعاد ما كتبه.
المخرج: يا ولدي تلك كانت واقعة حقيقية حدثت قبل أكثر من ألف عام ولا يد للمؤلف فيها. كل ما فعله هو انه أعاد تفاصيل الواقعة وأضاف عليها ما يمكن ان يجعل النص مقبولا. التاريخ يا ولدي لا يمكن اعادته. ما مضى قد مضى، هي احداث في زمان ومكان معينين دوّنت كما هي ونحن هنا ننقلها للناس لعلهم يتعظون!
الممثلة: وهل يتعظ من لا رحمة في قلبه؟ مأساة أولاد مسلم تحدث في كل زمان ومكان.
المخرج: ما دمنا لا نتخلص من الظالمين سيبقى الحال كما هو.
الممثل: من الصعب أن أجدني ظالما، او حتى أن أقوم بدور الظالم.
المخرج: ان لم تكن أنت فحتما سيمثل الدور ممثل آخر. الظالم الذي تتقمّص دوره ولّى وانتهى أما أنت فدورك ان تُري الناس ما فعله ذاك بالصبيين.
منقذ: (مؤكدا) وهل سيذبحنا حقا؟
المخرج: لا تخف يا ولدي. نحن لا نستخدم سيفا حقيقيا في المسرحية.. (الى الممثلين) والآن دعونا نكمل الحكاية. المشهد الآن هو حوار الحارث مع ولدي مسلم بن عقيل. (الى الممثلة) تفضلي هنا سيدتي.. وانتما (الى الصبيين) قفا أمام الحارث. (ينادي على عامل الإضاءة) ليكن الضوء خفيفا يظهر الشخصيات فقط ومعتم في باقي المكان.
(اظلام- الممثل يقف وامامه الصبيان)
الممثل: من أنتما أيها الصبيان لم أركما من قبل؟
عاصم: ان اخبرتك يا سيدي هل تعطيننا الأمان؟
الممثل: هو لكما.
منقذ: ليس قبل ان تقسم بالله.
الممثل: اقسم بالله انكما في امان.
عاصم: واقسم برسول الله.
الممثل: وأقسم برسول الله أيضا هو لكما. الآن إخبراني من انتما؟
عاصم: نحن أبناء من اقسمت باسمه جدنا رسول الله.
الممثل: (بخبث) فررتما من الموت لتقعا فيه وتدّعيان قربكما من رسول الله؟
منقذ: لكنك اعطيتنا الأمان.
الممثل: مثلي لا يعطي امانا لمن يخرج عن طاعة أميري.
الممثلة: (تقترب من الصبيين) دعهما يا حارث يمضيان من حيث جاءا.
الممثل: (بغضب) تتشفعين لمجرمين. اغربي عن وجهي والا لقيت ما سيلقيانه.
الممثلة: ما الذي فعلاه لك. ليسا سوى صبيين صغيرين.
الممثل: صبيان هاربان من سجن الأمير.
عاصم: خذنا اليه واترك امرنا له.
منقذ: أو بعنا في السوق واستفد من بيعنا.
الممثل: (ضاحكا) من يشتريكما والأمير يطلب رأسيكما؟
الممثلة: بالله عليك اتركهما. ما الذي ستقوله لجدهما يوم تلقاه. بأي وجه ستلقى رسول الله.
الممثل: قلت لك اغربي عن وجهي. انت تثيرين غضبي.
الممثلة: ألا تخشى غضب الله؟
الممثل: ليس أكثر من خشيتي لغضب الأمير ابن زياد.
عاصم: تخشى المخلوق ولا تخشى الخالق. عجبا كيف تفكر.
الممثل: لسانك طويل أيها الصبي.
عاصم: وعذابك سيكون طويلا يوم تقف بين يدي خالقك ويسألك بأي ذنب قتلت الاكرمين.
الممثل: ذاك يوم بعيد.
عاصم: بل هو أقرب اليك من حبل الوريد. ان موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب.
الممثل: مللت من ثرثرتكم.
منقذ: نريد ان نخرجك من النار وتقول ثرثرة؟
الممثل: ان لم افعل….. (يصمت)
عاصم: أكمل.. ان لم تفعل ماذا؟
الممثل: (ينادي على عبده فليح) أيها العبد.. تعال أيها العبد.
(يدخل فليح وهو شاب حبشي)
فليح: امرك مولاي.
الممثل: خذهما الى جرف الفرات ولا ترجع الا بقطع رأسيهما.
الممثلة: (صارخة متوسلة) بالله عليك يا حارث اتركهما..
الممثل: (يدفعها بقوة حتى تسقط على الأرض مولولة)
فليح: (يقيد الصبيين ويخرجهما)
(اظلام)
(المؤلف جالس وهو يكتب نص المسرحية، أصوات وقع اقدام تسمع، المؤلف ينظر يمينا وشمالا. في جانب المسرح العبد فليح والصبيان)
المؤلف: كأنني اسمعهما، تلك الخطوات المتجهة نحو الفرات، خطوات متعثرة. كأنني أرى الجسدين الغضّين بقيدهما، يجرهما الحبشي. يقع الصغير. يجره. يرسم في التراب جسدا يمتد حيث جرف الفرات. صبيان اعزلان وسيف يتأرجح في يد العبد (يصمت)
عاصم: (يحدق في العبد)
فليح: ما الذي يجعلك تحدّق بي. لماذا تنظر لي هكذا.. ان كنت تفكر بالموت فأنا اطمئنك ان موتك سيكون رحيما. ضربة واحدة وينتهي كل شيء.
عاصم: لم أخف من الموت ولا يهمني فكلنا نلاقيه لكني أرى سوادك اشبه بسواد بلال ابن رباح مؤذن رسول الله.
فليح: ومن أين تعرف أنت بلال بهذا العمر؟
عاصم: كثرما حدثنا أبي عنه.
فليح: ومن أباك؟
منقذ: أبانا مسلم بن عقيل وجدنا رسول الله.
فليح: (بذعر شديد يتراجع ويسقط السيف من يده) أحقا ما تقولا؟
منقذ: بلا أيها الحبشي.
فليح: (يحاول الهروب مذعورا)
الممثل: (من مكان بعيد) الى أين أنت ذاهب أيها العبد. أتعصي أمري أيها الحقير.
فليح: أنا يا سيدي في طاعتك ما دمت لا تعصي الله فأن عصيته فأنا بريء منك. أتريدني أن ألطخ يديّ بدم ابني رسول الله. لن افعلها والله لو قطعت رأسي (يفر هاربا)
الممثل: يا لك من عبيد حقير (يقترب من الصبيين) وانتما هل ظننتما أنكما بسحركما لعبدي ستنجيان من الموت. سأقتلكما بيدي هذه.
(اظلام)
المخرج: (الى المؤلف) هل انتهت الحكاية؟
المؤلف: لم تنته بعد. ما دامت القلوب حجر والعقول صدئة والبصيرة منطفئة والشر يغري من في نفوسهم مرض.
المخرج: لكننا نريد ان ننهيها.
المؤلف: ليس المهم ما جرى للصبيين. المهم يا صاحبي أن يعرف المشاهد الدرس منها. لا نريد أن نجعل منها مأساة عابرة. تؤثر في الجمهور قدر ما نريد أن يعي الناس دورهم في صناعة تاريخ مشرف لهم. بلا حقد ولا ظلم ولا قتل. آلة القتل لن تتوقف ما دمنا صامتين. السكوت على الظلم قد يظنه الظالم رضا الناس بفعله. الباطل لا يحتاج صمتا. لا يحتاج منا أن نجلد ذواتنا ونكتفي باللطم والبكاء. لا بد من صرخة توقظ الضمير وصوت يوقف من سولت له نفسه على ظلم الناس.
المخرج: الظلم موجود في كل زمان. لم ينج الأنبياء من ظلم قومهم.
المؤلف: لأنهم انبياء ولسنا مثلهم. لأنهم طاهرين ولا يمكن أن يلتقي الطهر بالعهر. لهذا لم يقفوا مكتوفي الأيدي. قاوموا الباطل بألسنتهم وافكارهم وقوتهم.
المخرج: لا أريد ان تظهر المسرحية وكأنها موعظة. لست واعظا ولن أكون.
المؤلف: الفن وسيلة. وهو وسيلتك. ورسالتك. وهو لا يختلف عن أي رسالة بما فيها رسالة الأنبياء. لا تضحك الناس ولا تبكيهم بل ضعهم على الطريق الصحيحة. انفذ حيث قلوبهم وعقولهم وغيّرهم نحو الأفضل.
(المخرج يتقدم نحو الممثلين)
المخرج: هذا ما أردناه في العرض.
عاصم: (فرحا) هل انتهينا يا أستاذ؟
المخرج: التمرين الأولي انتهى. عليكم بإكمال ما بدأناه.
منقذ: لم يقتلنا الشرير!
عاصم: سننجو بأنفسنا!
المخرج: ليتهم نجوا قبل وقوع الكارثة.
(اظلام)
البصرة في 11 أيلول 2019
اترك تعليقا