هذا أنا (سرد)

لست بأفضل من أحد، ولا أحد أفضل مني. ان تعيّرني بمهنة أجبرتني الظروف على مزاولتها، فهذا يدل على أنك انسان وضيع، تافه.في سنوات الحصار، في تسعينيات القرن الماضي، عملت مصورا جوّالا. وقبلها يوم كانت تعرض لي مسرحيتي “قيد دار” ببغداد كنت أعمل في خضّارة العشار، ما دعا الراحل القدير أحمد المظفر الى أن يقول للمحتفلين يومذاك: أن الذي تحتفون به لم يستطع الحضور، لأنه يعمل بالخضار!. لم استنكف من مهنة عملت بها بشرف، عكس من كان يحصل على لقمة بلا شرف! في التصوير، كنت أدور بين البيوت لتصوير أفراحها، وأتراحها، فيما كانت النار تستعر في صدري، والحزن يهصرني. بيوت كثيرة دخلتها، وحافظت على أسرارها. ويوم توقفت عن التصوير، بعد تغيير النظام في العراق، أحرقت كل الأفلام التي كانت تحتفظ بوجوه النساء، والأطفال والشيوخ والشباب. أحرقتها كل لا ابقي أسرار البيوت التي دخلتها، ووثقت بي.لم أدخل المجال الصحفي والثقافي متطفلاً، مثل كثيرين. دخلته وأنا أحمل أدواتي، وأسلوبي في الكتابة. القريبون مني يعرفونني جيدا. لهذا فمن العار أن استحي من مهنة عملت بها. المهنة التي يراها بعض المتنمرين عيباً استطاعت أن تحفظ كرامتي، وحققت لعيالي العيش الكريم، وأوصلتهم الى أعلى مستوى. لا أقول أن أبي كان غنيّاً. لا، لم يكن كذلك. كان سادوداً، يعمل في بناء الدور بالطين. وكان أميّاً، لكنه علّمنا، نحن الأخوة، كيف نحترم الآخرين، وكيف نعيش بكرامة. كان نبيّاً، حمل رسالة الطيبة، والزهد. ومات هكذا.اما القديسة أمي، فكانت قديسة بحق. لا أقول هذا لأنها أمي، بل لأني تعلمت منها أن الحياة رحلة قصيرة تجد فيها الغثّ والسمين، وتجد فيها الطيّب واللئيم، وتجد أيضاً البخيل والكريم. هي ذي أمي القديسة شيخة!وهذا أنا. فلا تظنن أنك أفضل مني.

Share: