كل عيد وانتم سالمين

الأيام تجري مسرعة حاملة معها أمنيات العراقيين بالخلاص من محنة السنتين الماضيتين بعد ان ودعوا تلك المحن التي رافقتهم طيلة ثلاثة عقود وهي محن من العيار الثقيل استطاعت ان تقوّض البناء الكلي للأسرة العراقية حتى غدت أواصر العلائق بين أفراد العائلة الواحدة مفككة وقد يقول قائل: ان تلك المحن لم تكن سبباً وحيداً في تفكيك تلك الأواصر، نعم، لكنها من أهم أسباب ذلك، وهي المحن الكثيرة التي مرت على أفراد شعبنا المسكين خاصة بعد ان غاب الآباء والأبناء في جبهات القتال وفي السواتر الأمامية ملفعين بغبار المعارك الطاحنة التي أحالت اخضرار حياة العراقيين الى يباس.. ذاك سبب، وتتفرع عنه أسباب أخرى تمتد الى حياة اليوم، بعدما حمل السيد بوش فأسه وراح يبحث عن عشبة الخلود في أرض العراقيين ذلك أن ارض الرافدين صالحة جداً للحرب على الإرهاب لأنبساط سهولها وطيبة أهلها وكثرة ثرواتها وهي صالحة أيضاً لمداهمة أوكار الشر الذي كان بوش يعتبر العراق ركناً أساسياً في تلك الأوكار وفي المحور الذي حدده بعد استشارة حميمه (المرحوم) شارون طبعاً! ولم تستطع العائلة العراقية البدء من جديد ذلك لأن الأجواء ملبدة بكل ما من شأنه زيادة الهوة بين الأخوة والأشقاء، نحن لا نريد أن نبحث في موضوع اجتماعي قدر اهتمامنا فيما يجري على أرض العراق من أحداث يومية قد يكون واحد من أسبابها هو التفكك الأسري وابتعاد الشباب عن أسرهم، لهذا تمر الأعياد باهتة بلا ألوان ليست كما كانت في خمسينيات او ستينيات القرن الماضي، ولم تعد الأسرة تجتمع كما كانت وإذا سألت احدهم ستفاجأ بقوله (يا أخي يا عيد هذا!).. لقد كان العيد في عراق الأمس واحداً من أسباب التقارب والتصافي والتآلف والتوافق بين أفراد المجتمع الواحد بحيث اذا أحس أحدهم أنه قصّر في أمر ما مع جاره أو صديقه فأنه لا يترك العيد يمر دون أن يتنازل عن عرشه ويعتذر له ولا يخرج منه الا إذا تأكد من ان كل شيء قديم قد زال وأن القلوب قد (تصافت).. هكذا كان العيد يمر في عراق الأمس، عراق الأهل الطيبين فأين نحن منهم ومن أيامهم الخالدة؟ صحيح ان الحياة تطورت ولكن بقيت الأرواح تلك الجنود المجندة والنفوس والقلوب كما هي وليس من المعقول أن نهنأ أهلنا بـ(مسج) من خلال جهاز (الموبايل) لا يحمل حرارة الشوق ورونق الفرح.. وليس من المعقول أن نقول لهم كل عام وانتم بخير عبر الهاتف وهم لا يبعدون عنا الا بضع كيلومترات.. ليس من السهل أن نفعل ذلك وآباؤنا ينظرون لنا بعيون الشوق منتظرين ان نلوذ تحت خيمتهم التي جمعتنا صغاراً وضيّعناها كباراً!.. علينا أن نقترب منهم أكثر وأكثر لنشعرهم بحميمية العلاقة وأنهم ما زالوا جزءاً منا.. 
فكل عام وكل الآباء والأمهات بخير.. 
وكل عام وكل العراقيين سامين غانمين.

الحوار المتمدن-العدد: 1426 – 2006 / 1 / 10

Share: