ثلاث قصائد

(1)
تلك حكمتك جياكوموليوباردي

ظلّنا المعقوف تحت الأعمدةِ الصدئة،
نحشرهُ ، كذيل كلبةٍ نزقةٍ
ما كنّا بنيناه في أول النهار
زخّات الليلِ تهدّمهُ..
مثل مشانق للدودِ، المصابيحُ المتهدلة ، تهتزّ:
مخبأٌ للخفافيش محاجرها
من خلل النوافذ المعتّقة بالصدأ،
العباءات تشرئبُّ 
سالكةٌ الطرقات لكنّها تعجُّ بالنباح..
على مرمى الحدقات يستفحلُ الضباب
موحشةٌ طرقُ الليل… تشربنا اسفنجةُ التعب
نحن الذين تحت أصابعنا
تشتت الدروب.
بين صفائح الذنوب، نجري : حيث لا ندري..
رؤوسنا المخضّبة بالزيت، نحملها،
تعكّر صفوَ الطريق، فنكتفي بالشتات
في الأبراج المحشوة بالسعال، نبحثُ عن خضابٍ
يليقُ بأوهامنا.. ندسّهُ في جيوب الباحثين
عن خلاص.
حريٌّ بنا أن ننامَ تحت الشمسِ
بينَ قبرين توسدتهما الحرب
نحلمُ بالخمرِ والهواء وأجساد لم يمسسها غبار.
تلك حكمة الرعاة الذين لم يطئوا السؤال..
وحشرجة الجدّ في النفقِ الأخير
تلك حكمة المنفى!
نمضغها قيظاً في حلبةِ الرقص..
كالدمى بأقدارها تشدّنا الخيوط: نتعانق..
نحبو… نسقط مرتين قبل ان ننزوي 
في علبٍ باردة.
نحلقُ كالعصافير حول اليمبوس
تحملنا يد الربِّ ، تجوب بنا الليل،
نحتمي تحت افياء الكنائس والقباب .
من فتحةٍ في المدى
نلتمس الرجوع..
فما كنا بنيناه في أولِ العمر،
هدّمهُ السواد:
تلك حكمتك جياكوموليوباردي!


(2)

عارياً تحت وطأة مخالبه

بجناحينِ دبقين ومخالب نتنة ، المحهُ..
من نافذة العمر ؛ ثاناتوس، يزرعُ أشباحهُ حولي..
يخلّفُ أشتاتاً من الخوفِ.
أنفاسهُ دخان تبعثهُ خياشيمه الصدئة..
في قبضاتهِ يتكوّر الزمان.. 
لمقلتيهِ بريقٌ يُخبِّئُ الأساطير ،
ويمسحُ الوجوهَ التي أفسدتها الغيوم.
أرمقهُ.. بفمهِ البئر، يسكبُ النهار.
أيدٍ تساقطت في المكان..
كان آيروس يجمعها تحت ردائهِ 
على أسرّة رمادٍ ..
يوزّعها ،
عارية تمسكُ ظلّها البعيد..
تتشبث بالمرايا
بينما التراب يسدّ النوافذ ، والهواء..
رويداً… رويداً يموت .
شمعةٌ لقداسهِ الأبدي
حملها الموج وألقت بها المناقير
فوقَ القباب.
حينها.. توّجت البيوت شرفاتها بالضوءِ
بعد ليلةٍ عفّرها التيه..
حاصرني ، بمخالب نتنةٍ وجناحين دبقين..
ولأن النافذة لا تسع : تركني،
عارياً .. تحتَ وطأة مخالبه.


(3)
أزمنة العرجون

قال: هذا طريق التأني
إلقِ مرساتكَ بين السطحِ والقاع
اخبرهم وأنت تبيع سنواتك
ان بضاعتكَ معلقة بين الأهداب
كن أكثر حرصاً وأنت تلملم عافية الوقت
وتصوغ لراعيةِ الإبلِ القصائد
تتربصكَ الحيّاتُ خلفَ تلِّ المراد
ترسمُ خطّاً للكرِّ
وآخر للنومِ على الطينِ…
اخبرهم وانتَ تعلّق قمصانكَ
على ندبِ الفجيعةِ :
ان القميص وهو يغوصُ بكفِّ الريح
ما لوّنت فرشاته الغسق..
وانّ مذاقَ الطلعِ مرتهنٌ بالغيمِ
وأنّ يدك البيضاء مورقة بالخوف..
اومئ للسحرِ يجيء اليك
بأجنحةِ الغابات…
يرممُ خطو الليل..
أومئ للطيرِ تاتكَ فرادى..
أومئ للطينِ يخطُّ على صدركَ 
كالعرجون نهاراتكَ القاحلة.
على مشارف الرمل خيمتكَ :
وتدٌ في أقصى الأرض
تنزُّ غباراً كأنها والريح بؤرة للضياع..
خلتكَ لم ترتوِ وانت تطوف
مشارقَ الروحِ ..
لكنكَ حينَ انستَ النارَ
رجعت بالعافية. 

الحوار المتمدن-العدد: 1425 – 2006 / 1 / 9 

Share: