اطفالنا.. حلم التمتع بطفولة سعيدة

الطفولة ، عالم البراءة، والحب، والأمان.. عالم الحلم الوردي الجميل والذي لم يتمتع به أحد من أطفالنا خاصة في الزمن الذي اقتيدوا فيه الى معسكرات ما كان يسمى بـ(معسكرات الأشباب).. تلك السنوات العجاف التي اكلت الصغير والكبير في حروب لم تنته الا بنهاية نظام الموت والدمار.. الأطفال العراقيون وعلى مدى سنوات طويلة لم يحظوا بفرصة حقيقية للتمتع بطفولتهم في الوقت الذي يتمتع فيه اطفال العالم بطفولة سعيدة..

زيارة واحدة الى اية دولة من دول الجوار، حتى تلك المحسوبة على دول العالم العاشر!! سنجد أنهم هيأوا لأطفالهم ما يمكن أن يوفر لهم متعة وفائدة.. فالطفل مثلما تقول الدراسات بحاجة الى ألعاب من أجل تفريغ شحناته الداخلية للتعبير عن ذاته.. ربما سيقول احد لنا أن هناك ألعاباً للأطفال في اسواقنا المحلية، نعم، هناك العاب.. ولكن اية العاب؟ بنادق ومدافع ومسدسات ودبابات وكل ما يتعلق بالحرب والموت والدمار.. لهذا فان شخصية الطفل العراقي تتشظى الى عدة شخصيات مما يجعله عرضة لكثير من المشاكل..

في دولة مثل دولة الامارات، ثمة طفولة حالها حال الطفولة في كل مدن الارض لكننا كنا على تماس معها هنا، في الامارات، المدينة التي انتصبت من بين الرمال لتصبح مدينة حديثة تضعها الى جانب مدن البلدان المتقدمة..التقينا بعوائل وأطفال وسمعنا منهم،كل شيء.. عن الطفولة.. واللعب.. والتمتع بما قدمته الدولة لهذا العالم الرائع.. في (ميغا- مول)، وهو عبارة عن سوق كبير، خصص الطابق الأخير الى الاطفال، فانتصبت مدينة العاب في الطابق الثالث عشر.. ألعاب من شتى الأنواع، الكترونية، يدوية، ميكانيكية، ذهنية.. جناح للحيوانات، جناح للكمبيوتر.. جناح لسينما ثلاثية الابعاد.. جناح لتسلق الجبال.. بينما تجد انواع الحلويات في كل مكان ويكفي الطفل أن يضع درهماً في شق الآلة الموضوة ليحصل على شوكولاتا أو أي نوع من الحلوى.. سرنا أن تحدث معهم..

 قلت لطفل: هل انت سعيد بهذا؟

 ضحك، واشك انه فهم ما اعنيه، خاصة وقد سمعته بعد حين يتحدث مع خادمته بالانجليزية!!

هنا يجد الطفل وقتاً للتعبير عن نفسه.. فالطفل بحاجة الى ذلك.. والرائع في الأمر أننا لم نجد احداً من الاطفال ممن يعبث بتلك الألعاب المنتشرة.. في الوقت الذي نجد فيه أن اطفالنا يعبثون باية لعبة نأتيهم بها وهذا يؤكد مدى الضرر الذي لحق بأطفالنا..

*طفولة غائبة:

في ورش المدينة الصناعية في البصرة، أو باقي مدن العراق، ومثلها في منطقة الشيخ عمر – كما حدثني احد الاصدقاء- ثمة اطفالبعمر الزهور، اصطبغت أيديهم بدهان السيارات وزيوتها، يحملون أثقالاً اكثر من أوزانهم بكثير، يتعرضون لشتى انواع الذل، والضرب أحياناً.. اولئك الذين زجّوا في العمل الشاق، لم يجدوا احداً ينصفهم، أو ينصف عوائلهم.. بعضهم خرج مضطراً للعمل بعد ان فقدت العائلة معيلها الكبير ولم يبق لها الا هذا الطفل الصغير الذي شمّر عن ساعديه وراح يعمل من أجل إعالة أم واخوة صغار ايضاً.. هذه حالة واحدة أمام عشرات الحالات التي لم نجد أي مبرر أن يُزجَّ الأطفال في العمل.. قلنا هذا سابقاً وفي استطلاعات أخرى عن الطفل والطفولة في المنارة، ولم نجد أي رد فعل رسمي أو شعبي أو أي رأي بصدد هذه الحالة التي نجد أنفسنا ملزمين ان نصرخ امام العالم: (دعوا اطفالنا ينعمون بالطفولة ويحلمون بعيداً عن القتل والتشريد)..

لم نجد مثل هذه الحالات في كثير من المناطق المشابهة في أي دولة من دول الجوار، وبالعكس كان الأطفال ينعمون بطفولة سعيدة.. لاشيء يتلف حياتهم، أو يعكر صفوها.. طفولة حقيقية بعيدة عن افكار الكبار..

أطفالنا يُزجون باحاديث عن السياسة والحدث اليومي ويشاهدون الأخبار التي تعرض من قنوات التلفاز المختلفة دون أن نعرف مدى الضرر الذي تلحقه تلك المتابعات الخطرة.. وفوق كل ذاك لم يوفر المجتمع لهم البيئة الصحية التي يمكن ان يترعرعوا فيها ليصبحوا شباباً نافعين في مجتمع هو أحوج اليهم من غيرهم!!

الطفولة العراقية الغائبة بحاجة الى اعادة نظر من قبل الجميع، ونقول الجميع ولا نكتفي بالحكومة والمؤسسات المعنية بالطفل، حتى منظمات المجتمع المدني، وهناك كثير منها في مدن العراق لكننا لم نجد لها ذاك التأثير الذي يمكن ان يغيّر من سلوكية بعض الأطفال، وتعويضهم عما فقدوه..

صديق قال: لي أربع اولاد اكبرهم عمره عشر سنوات، لم ار اية منظمة من تلك التي ترفع شعارات تنمية الطفولة قد زارتنا، او تابعت الأطفال في احيائنا الشعبية..

قلنا: لكنك تستطيع ان تزور تلك المنظمات..

قال: كيف؟

قلنا: هناك مقار محددة لهم وبامكانك ان تقدم لهم بمقترحاتك..

قال: وهل سيسمعني احد؟

قلنا: ربما..

قال: سافعل!!

ملاحظة: (الى لحظة كتابة هذا الاستطلاع لم يتصل بنا ذاك الصديق!)

* خاتمة:

ختامها مسك، هكذا يقولون، ونحن نقولها ايضاً، عسى أن تكون اطفالنا بمأمن عن الموت اليومي الذي يلوح في كل شوارع المدن العراقية بدون استثناء.. وأملنا أن ينعم اطفالنا بطفولة سعيدة كالتي نقلناها لكم في هذا الاستطلاع.

 جريدة المنارة 2006

Share: