عجيب امور غريب قضية

عجيب غريب أمر هذا البلد الذي كان يسميه والدي بلد الثورات لكثرة ثوراته، وعرفناه نحن ببلد المشاكل اللامنتهية رغم أنها لم تكن بالمشاكل الكبيرة خاصة وان حلولها مرهونة بتنقية النفوس أولاً..
عجيب غريب أمر هذا البلد المكتوب عليه أن يحمل جراحاته بعيون أبنائه ويمتطي صهوة القلق دائماً وأبداً وكان القدر قد سجل له ان يعيش متعباً تتقاذفه أهواء التيارات المتصارعة وأهله ينظرون الى المتصارعين في حلبة الوطن حائرين مشجعين الطرف الغالب وكأني بهم يرددون مقولة جدي رحمه الله (الذي يأخذ أمي اسميه عمي!).. 
عجيب غريب أمر هذا البلد بعد ان كثر الأعمام وصار من الصعب الصلح بين بعضهم وغدونا نبحث عن ضالتنا وسط تصريحات متشابكة وأقوال لا تؤدي بنا الا الى التهلكة ولا تمنحنا الا ما كنا نخشاه حين كانت الذئاب تصول وتجول في أزقتنا وحاراتنا وبيوتنا أيضاً..
عجيب غريب أمر هذا البلد الذي لم يعرف أبناؤه للآن دورهم الثانوي في المسرحية الكبيرة وصار من المحتم أن تسدل الستار دون أن نعي ذاك الدور الهامشي وسط رقعة شطرنجية كنا وما زلنا فيها جنوداً مجهولين لا هم لنا إلا حماية الملك ووزيره وربما حصانه أيضاً.. نتحرك هنا وهناك ولسان حالنا يقول (الى متى يبقى البعير على التل؟)..
عجيب غريب أمر هذا البلد الذي كنا قد افتديناه بأرواحنا وقدمنا له ما لذّ وطاب منها ومن أرواح أبنائنا ليأتي الوقت الذي نكون فيه مجرد وسيلة لاصطياد الحوافز والمكاسب والمناصب سائرين على خطا أجدادنا الذين قضوا وهم يشيدون جنائن معلقة لزوجة الملك.. او يحملوا حجراً لتشييد أهرامات مصر! هكذا هي الشعوب التي لم يكلف المؤرخون أنفسهم بالإشادة لمنجزاتهم ودمائهم وعرقهم الذي نضحوه وهم يرسون مجداً لمليكهم ومليكتهم وكأن أولئك الناس لم يخلقوا إلا لترديد شعار (عاش الملك.. عاش الملك).
عجيب غريب أمر هذا البلد المليء بالعبر والدروس والتي تصلح ان تكون أكاديمية للإنسانية جمعاء تعلم الناس الصبر والتضحية والتفاني ففي كل بيت عراقي قصة وفي كل صدر غصة وها نحن ندور في دوامة الأزمات فما ان ننتهي من أزمة لتباغتنا أخرى ومنها الى ثالثة ورابعة وهلم جرى. 
عجيب غريب أمرنا في عامنا الجديد الذي يحبو ونحبو نحن معه عسى ان يستد ساعدنا ويقوى عمودنا الفقري لنقف على أرجل قوية لا تهزها رياح الأزمات المتكررة ولا تثنها أعاصير الإرهاب والقتل اليومي ولا تؤثر فيها آلتا الحرب الأميركية و البريطانية..
عجيب غريب أمرنا ونحن ننتظر مالا يمكن انتظاره وغدا أمراً ميؤساً منه في رؤية الشباب العراقي هانئين فرحين بلا بطالة ولا تعطيل، لا همّ لهم إلا بناء وطنهم الذي دمره الغرباء وتجاوزوا عليه بعد ان عبروا القارات والبحار والمحيطات وراحوا (يكرفون) بنعم العراقيين التي منحها الله لهم حتى صرنا مثل سكان القارة السوداء الجائعة دوماً المنتظرة حلمها الكبير في تحقيق العدالة والمساواة بين أبناء الوطن الواحد في الملبس والمأكل وتوفير فرص العمل ومنح الحريات.. 
عجيب غريب أمر أوطاننا جميعاً، العربية، اذ يفر منها أبناؤها بعيداً عن البطش والتنكيل والإرهاب ليسقطوا ثانية فيما هربوا منه حتى غدت المنافي الاختيارية لأبناء العروبة حرائق لهم.
وأخيراً الى متى نبقى نردد ما ردده فناننا العراقي الكبير المرحوم جعفر السعدي الذي ودعنا في العام الماضي (عجيب امور غريب قضية)؟

الحوار المتمدن-العدد: 1418 – 2006 / 1 / 2 

Share: