كيف تحفظ عراقيتك ؟ وصايا من كتاب العراق
في البدء:
قبل أن نصطحبكم في جولة بين سطور كتاب العراق لابد أن نشير إلى أننا لم نخول بإعادة طبع الكتاب أو تسويقه ما لم نكن عراقيين حدّ النخاع، كما أنه لا يحق لأي أحد منكم أن يشير إلى فحوى الكتاب ما لم يكن عراقياً خالصاً مئة بالمئة!
بهذا، فنحن غير مسؤولين تجاه الأيدي الحواسمية، والرؤوس المحشوة بالشر والرذيلة عن أي تعدٍ على ما ورد في الكتاب.
• آه يا وطن!
استمعت إلى إحدى المحطات العراقية وهي تلتقي وبشكل مباشر مع فنان عراقي مغترب، وكانت المكالمات الهاتفية من كل بقاع البلد تحيي هذا الفنان وتطلب منه ما ترغب فيه من أغانٍ، لكن ما استوقفني في هذا اللقاء أن صوتاً جاء عبر الأثير مخاطباً الفنان:
– أريد أغنية عن الوطن!
تأوه الفنان حتى كدت أشعر بأنفاسه تخرج دافئة من ثقوب المذياع وصاح:
– آه يا وطن!
كم سمعنا هذه الآه وهي تخرج من صدور العراقيين كالحمم.. وكم جربناها ونحن في الغربة، وجربناها ونحن في الوطن.. نبحث عن لقمة بشرفٍ وعزٍّ وكبرياء يوم كان الخبز لا يأتي إلا بعد أن تخرج أرواحنا من (حلوقنا)! وكانت أجساد كثيرين منا تذبل وكروش آخرين تزداد سعة! حتى ظننا أنها ستبتلع ما بقي منا من عظام!
هذا الوطن الذي كابد كثيراً وهو في أسر أنظمة يديرها العسكر وعيون مخبريهم الذين زرعوا حتى في القدور خشية أن يشبع الجياع وتكون عافيتهم عليهم ويالاً.. مازال يكابد ويهصر روحه من أجل أن يسعَ الجميع، غنيهم وفقيرهم، كبيرهم وصغيرهم،لهذا نطلق أنَّاتنا تطهيراً لعقوق أجبرنا عليه! ونذرف الدموع في الغياب وفي العودة، لا نستثني أحداً من عراقين الأمس أما عراقيوا اليوم فالله أعلم!
الوطن غالٍ، عزة أبنائه من عزته، وكرامتنا من كرامته، وشموخنا لا يمكن أن يتحقق إلا بشموخه..
• في المتن:
عمر حضارتنا (والعهدة على المؤرخين) أكثر من 4500 سنة، وهذا يعني أننا أقدم شعوب الأرض وعلى هذا القول نستطيع أن نخرج بأستنتاج أن العراقيين هم أول من استوطنوا الأرض، والأرض ملكاً طبيعياً لهم! ولأننا أكبر سكان الأرض عمراً فلا بد أن نكون أعقلهم وأكثرهم إحساساً بالحياة والمشاعر الإنسانية، وهذا وارد من خلال كثير من الحكايات التي توارثناها ، تلك التي تحمل في طياتها المثل والمواقف الإنسانية الرائعة فيقال أن تجار الأمس إذا ما باع أحدهم حاجة لا يبيع أخرى ما لم يبع جاره مثله، وأن بنات المحلة هن (عرض) كل أولادها، فلا يتحرش أحد بواحدة، كما أن بيت جارك هو بيتك بكل ما تعنيه كلمة (بيتك) من معانٍ!
وإذا فرح بيت في المحلة غمرت السعادة الجميع، وإذا لفّهُ الحزن شاطره الجميع مصابه.. كان الناس يسعون لعمل الخير وقلما تجد أحدهم يستعين بمركز الشرطة ليشتكي على جار أو صديق.. صحيح لم تكن مدينتنا فاضلة مئة بالمئة، إنما كان فيها من الأخلاق ما يجعل الجميع مطمئنين على حياتهم وحياة عيالهم..
ما غلق أحدهم باب بيته بأقفال مثلما نفعل اليوم، ما انتقل شجار الأطفال إلى الكبار، لتتسع دائرة الخلاف مستخدمين فيه كافة الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة! وما دافع شيخ عشيرة عن فردٍ من عشيرته باطلاً، لا بل أنهم كانوا يطردون المخطئين بحق الناس.. و(يذبونه) من العشيرة.
وما استجار أحد بأخيه حتى أجاره.. ولا احتاج إلا ووجد الأبواب مشرعة أمامه.
للفقير حق في المدينة والغريب.. للقوي وللضعيف! تلك هي حياة أجدادنا فأين نحن منها؟
تداخلت ألألوان، واكفهرت الصدور، وصدرت شهادة وفاة الضمير الذي كان مجساً ورقيباً لكل التصرفات. ووصف العراقيون في أحاديثهم ذاك الزمان بـ(أيام الخير؟) ويقصدون بالخير سلوكيات الأفراد وتصرفاتهم.. ومن المؤسف حقاً أن الألسن لا تنطق فيما يضمره القلب، فهي تقطر عذوبة بينما يملأ الحقد القلب!.. تعددت الوجوه وتبرقعت وتقنعت بأقنعة شتى، فقبيح القول منقول وجميله مضموم .. التأزم والتشاؤم والقنوط صفات العصر .
(ملاحظة : بعض ما جاء في متن كتاب العراق)
• الأخلاق أولاً:
كثير من العراقيين الذين عادوا من منافيهم ذكروا أنهم لم يجدوا في كل بقاع الأرض أخلاقاً مثل أخلاق العراقيين، ومن يرغب في التأكد من ذلك فليهاجر!..
وللحق نقول: إن كثير من الناس مازالوا محتفظين بأخلاقهم، وهذا (الكثير) هم بقية الخير في زمن الأخير فيه!
قد تغيّر (الفلوس) النفوس عند البعض، لكنها في أحيان كثيرة لا تزحزح صاحب الأخلاق قيد أنملة.. وهذا ما لمسناه في مواقف كثيرة وهو ما يجعل الواحد منا أن يردد مع نفسه (لو خليت قلبت !!).
ولكن في المقابل نجد ما لا يسر، يقول أحدهم: أنهم شواذ المجتمع.. وهذا الشواذ إذا ما كثر واستفحل نقول: الأخلاق، ويقولون: الأخلاق، والجميع يؤكد على الأخلاق ولكن ….!
قال صاحبي: هل تصدق أن هناك من يدعي الضرر من شخص كي يوقعه في فخ الفصل العشائري و(الكَوامة) وما شابه ذلك..
وإذا سألت عن السبب فستعرف أن المال أول الأسباب.. وهو بيت الداء!
• في الهامش:
يبقى السؤال الذي يلح علينا دائماً: لماذا تغيّرت الأوضاع والتصرفات ولم تبق مثلما كانت، وهل من الممكن أن تعود تلك الأيام وأن يرى أولادنا ما عاشه آبائنا وكيف كانت العلاقات فيما بينهم؟
أسئلة كثيرة لا تجد جواباً شافياً سوى كان الله في عون العراقيين..!
وأنت- عزيزي القارئ- هل تجد نفسك ميالاً إلى تلك السنوات (الخضراء)؟
إذن، عليك بكتاب العراق، اقرأه جيداً وكن عراقياً خالصاً.
نشر في موقع الناس بتاريخ الجمعة 3/11/ 2006
اترك تعليقا