المواطن بين فكي كمَّاشة بيروقراطية الموظف وروتين الدائرة

– عمي ستر الله على الرشوة لو باقين عليها كان هم نعم الله! 
– وإذا ما عنده. منين يجيب؟ 
– يدبر حالة أحسن له من الإهانة!
لم تستسغ أذني الكلمة الأخيرة (الإهانة) وأنا استمع لحديث رجلين في باب إحدى دوائرنا العتيدة بعدما أعطيت لأذني حق التنصت على الآخرين مبرراً فعلتي تلك بضرورات العمل الصحفي ..
لماذا يهان المواطن وهو يطالب بحق من حقوقه؟ وهل من سبيل لردع الموظف الذي يتجاوز على الآخرين؟ 
التقيت بموظف وسألته هذين السؤالين فقال: 
– المراجع و الذي يتعدى على الموظف في الدوائر الخدمية خاصة في ظل هذه الظروف ويجب على المواطنين تقدير الجهد الذي يبذله الموظف وأن يكون التعامل معه بشفافية..
• لكن بعض الموظفين يعتبرون خدمتهم للمراجع (منّه)؟ 
– أنت قلت بعضهم وليس جميعهم.. 
• أتوافقني إذا قلت لك أغلبهم؟ 
– لا.. لا أوافقك الرأي! 
• والروتين؟
– ليس روتيناً إنما هو القانون..
• وهل يجوز أن نطبق القانون بحق هذا ونستثني ذاك منه؟ 
– الكل سواسية أمام القانون. 
• والأقارب والمعارف والأصدقاء؟ 
– أنت وضعت يدك على الجرح.. يا أخي بعض الأصدقاء الذين لا نفضلهم على الآخرين يعتبرون تصرفنا هذا من باب التكبُّر ونكران الواجب.. هل تصدق أن كثيرين قاطعوني لهذا السبب؟ 
• والرشاوى؟ 
ضحك ثم قال:
– عمي استر علينا!
• ما قاله المواطن:
رأيته يقف متذمراً في الطابور الطويل لدائرة الجنسية، ولأني أعرفه صبوراً منذ سنوات الحصار لكنه وفي هذه المرة بدا مختلفاً بعد أن أكلت الشمس يافوخه! 
قال لي: 
– وينكم أهل الصحافة.. ما تكتبون؟ 
قلت مبتسماً: 
• وماذا نكتب؟ 
قال:
– اكتب عن هذا.. 
وأشار إلى الأوراق التي يحملها وأردف قائلاً: 
– هذه هي المرة الثالثة التي أعود فيها إلى الطابور.. في المرة الأولى قال لي الموظف أن شهادة الجنسية العائدة لأبيك صادرة من البصرة وعليك أن تجلب شهادة صادرة عن بغداد وعندما حاولت إقناع الموظف الذي رفع يافطة مكتوب عليها (خدمة المواطن غايتنا!) بأن إصدار شهادة الوالد منذ عام 1970 يوم لم يكن للتزوير والتقفيص مكان في العراق ولا مبرر للبحث عن شهادة صادرة من عاصمتنا الحبيبة.. لم يلتفت لي وراح يصيح على مراجع آخر.. وفي المرة الثانية وحينما حصلت على شهادة لعمي صادرة من بغداد قلت لنفسي أنني قاب قوسين من الحصول على الشهادة التي ستثبت عراقيتي وكأن الأوراق أهم من الدم الذي نزفه شقيقي الشهيد ليثبت عراقيتنا!.. وحين تصفّح الموظف أوراقي قال لي: (ختم جنسيتك مثلث عليك بجلب جنسية بختم مدوَّر!) وهنا تذكرت مراجعتي لذات الدائرة قبل سقوط ديكتاتور بغداد حينما طلب مني الموظف آنذاك تبديل هوية أخي من الختم المدوَّر إلى الختم المثلث وهكذا ضعنا بين دائرة الروتين ومثلث برمودا! وضحك قبل أن يسترد أنفاسه وقال: 
– هل تصدّق أنني بعد أن أحصل على الشهادة سأذهب إلى الجوازات بجنسية ذات ختم مدوّر وهناك لا يريدون هذا إنما يريدون ختماً مثلثاً!! مثلما طلبوا من إحدى شقيقاتي. تركت صاحبي محتاراً بين ختمين. 
– هل ينتهي الروتين؟
تبقى دوائرنا منقادة لقوانين أكل الدهر عليها وشرب لتجعل المواطن حائراً في أمره وقد طلب منا أحد المراجعين أن نرفع مقترحه إلى المسؤولين في أن تقوم الدولة بإصدار البطاقة المدنية لتكون بديلة عن الجنسية وشهادتها خاصة وأن العالم يتجه الآن إلى الحكومة الإلكترونية وتمشية المعاملات عبر الانترنت مثلما يحصل الآن في بعض البلدان الأوربية والعربية!
وأخيراً: متى يفكر الموظف بأنه خادم للناس لا سيد عليهم؟

نشر في موقع الناس بتاريخ السبت 4/11/ 2006

Share: