فتنة طائفية
ثلاث سنوات خلت ونيف، والعراق يطفو فوق بحر من الدم، حتى غدا كل شيء فيه مباحاً، المال العام والخاص، الأرواح، حتى شرد الإلوف من ابناء هذا الوطن الذي ما شبع فيه المجرمون ولا اقتنعوا بشلالات الدم وطالبوا بالمزيد، المزيد، حتى تقرّ عيون شياطين السماوات والأرض بهم..كل تلك السنوات التي مرت ببطء شديد، تحملنا وزر العاقين ممن لم (يغزر) بهم ملح العراق، تحملنا الموت، والصبر على البلاء، ورؤية خرائب الحروب، والأنفس المنهكة، والمريضة، والصابرة! كل تلك السنوات ونحن نأمل أن يجيء اليوم الذي لم نسمع به انفجار سيارة مفخخة، أو جسد عفن.. حتى تغاضينا عن كثير من الأمور التي نجدها مهمة لحياة البشر، الماء والكهرباء والعمل والكرامة.. فضاعت مؤسساتنا، ونهبت اموالنا، وصرنا نستجدي الدولارات على بوابات دول العالم بعدما كنا من اغنى دول الأرض.. فما بقي الا أن نشهر افلاسنا ونرضى بحكم أمنا الكبرى (امريكا)! كل ذاك ونحن نلعق مرارة الصبر عسى أن يخلصنا الله من اولئك الذين اخترقوا حدودنا بسيارات الموت، ليقتلوا ام كاظم بائعة الثلج في سوق مدينة الصدر، والحاج عباس في احدى شوارع الحلة، والطفلة رنا في سيارة مدرستها، في البصرة، وكثيرون في مدن العراق، وسطها وجنوبها وشرقها وغربها.. الكل سواسية امام القتل ما داموا يحملون حب العراق.. لم نتعظ من تجارب الدول التي اكلتها الحروب، ولبنان قريبة منا، وتأريخها قريب ايضاً حين كانت العساكر والميليشيات تأكل شوارعها وبيوتها، فقتل جيل كامل، وشرد جيل آخر.. أيرضينا ان نكون كذلك..؟ من زار البلدان القريبة والبعيدة سيجد ان نسبة العراقيين الفارين بجلودهم كبيرة جداً، ربما تعادل اضعاف أضعاف المصريين الذين (تمسكنوا) ومن ثم (تمكنوا) في العراق في سبعينيات القرن الماضي..
يا عراقيي المدن المنهوكة، احذروا الغرباء، احذروا الفتنة، احذروا النفس الأمارة بالسوء..فقد يأتينا اليوم الذي لا ينفع فيه البكاء على بلد تداعى وصار رماداً.. وها قد بدأ العد التنازلي لذلك فهل نستطيع ايقاف العد قبل وقوع الكارثة؟ نأمل ذلك، ولكن……!
الحوار المتمدن-العدد: 1638 – 2006 / 8 / 10
اترك تعليقا