صندوق العائلة!

الشخوص:

(مجموعة من الأخوات يعشن في بيت واحد)

الأولى: هي الصغرى

الثانية: البنت الكبرى

الثالثة

الرابعة

الخامسة

المكان:

(صالة منزل، البنات الخمسة يتحلقن حول صندوق كبير وضع في المنتصف، يحدقن بالصندوق بحيرة وقلق)

الأولى: أيّ عذاب هذا الذي نحن فيه، لا يمكن أن يحدث بنا كل هذا..

الثانية: لولا دلالكنّ له لما أوقعنا أنفسنا في هذه الأحجية..

الثالثة: يكفيكما عتاباً، (الى الثانية) لم نقع في هذا إلا بسببك..

الثانية: (مستغربة) بسببي أنا؟ ما الذي فعلته له، كنت أخرج من الفجر حتى المساء لتوفير لقمة العيش اليكنَّ..

الرابعة: (مقاطعة) ليست أنت فقط، كُسِرَ ظهري أنا أيضاً على ماكينة الخياطة لأخيط لك الملابس التي تحتاجينها في العمل..

الثانية: كنت أدفع لك مقابل ذلك، لا تخيطين لي الا بعد أن ادفع لك.

الخامسة: (بعد صمت) يا الله، من المعيب أن تعاتب الأخت أختها بهذا الشكل.. كلنا أخوات ونعيش في منزل واحد.

الثانية: (مستاءة) وتسمين هذا منزلاً.. ما هذا إلا خربة حُشِرنا بها..

الأولى: احمدي ربك، غيرنا يعيش في المزابل..

الثانية: وتريدينني أن أعيش مثلهم، هذا المنزل، والحياة التي تعيشينها هي سقف طموحك..

الثالثة: طموحنا واحد، لا فرق بيننا، هذا المنزل لنا فيه ذكريات جميلة، عشنا به معاً مذ كنّا صغاراً، علينا أن نقبل بما تركه لنا الوالد رحمه الله.

الرابعة: اتركن هذا كلّه، علينا الآن أن نفتح صندوق الوالد.

الثانية: حتى لو تمكّنا من فتحه، ما الذي تتوقعون أن نجد فيه.. اقترح عليكن أن نرميه في حاوية القمامة ونمضي في حياتنا.. هذا ما كتبه الله لنا.

الأولى: (مستنكرة) نرميه في القمامة؟ أتريدين أن نرمي ما أوصى به والدنا في حاوية القمامة؟

الثانية: أيّ وصية هذه، أما كان عليه أن يترك وصيته هنا أو هناك بدلاً من فصل التعذيب هذا؟

الثالثة: لابد من حكمة في ذلك، وإلا لما أوصى في أن نفتح الصندوق.. 

الثانية: (بثقة) لا أعتقد أن فيه ما ينفعنا، منذ عشر سنوات وهو طريح الفراش، لم يسأل عنه أحد، ولم يزرنا أحد من أقربائه، ما الذي تنتظرن في أن تجدن في هذا الصندوق الصدئ؟

الرابعة: علينا أن نفكر في طريقة لفتحه دون أن نكسر القفل.

الثانية: (ضاحكة) دون أن نكسر القفل.. يا لخيبتنا، أعرف أن الوالد رحمه الله يحب الأحاجي ومثل هذه الأمور لكن إن يصل به الأمر في أن يورطنا بإحجيته هذا ما لا يصدقه عقلي.. ثم ما الحكمة من كل هذا..؟

الثالثة: هو قال إن لم نستطع من فتح الصندوق بعد اليوم السابع سيحترق كل ما فيه..

الثانية: أوووه… هذا شيء جديد.. ما هذه المفاجآت..؟ (الى الثالثة) وهل تصدّقين أنت هذه الخزعبلات؟

الثالثة: لماذا لا أصدقها.. ألم يكن الوالد كيميائياً وهو يعرف بهذه الأمور..

الثانية: لم أفهم، هل تقصدين أن في داخل هذا الصندوق مواداً كيميائية قابلة للاحتراق؟

الرابعة: ولِمَ لا… ربما مثل ما قلتِ..

الأولى: الوقت يمضي يا بنات، علينا أن نجد طريقة لفتح الصندوق.

الثانية: ابحثن انتن عن طريقة لفتح صندوقكن هذا أما أنا ففي حلٍّ فيما أنتن فيه..

الثالثة: وبرأيك ما الذي سيحدث؟

الثانية: صندوق مغلق، بمواد كيميائية مثلما تقولين، وأكيد هناك ضغط عالي.. فما الذي برأيك أن يحدث..؟

الرابعة: لا أعتقد أن والدنا يرغب في إيذائنا..

الثانية: فكرن بأسوأ الاحتمالات، فأنا لا أثق بأحد..

الأولى: (مستغربة) حتى بوالدنا..

الثانية: (باصرار) بالكون كلّه، (صارخة) لا أثق بكل ما حولي، لو عشتن ما عشته خارج هذا المنزل لما كانت لديكنّ ثقة قيد أنملة بأحد… الحياة يا أخواتي ليست كما تتصورنها، هي لعبة وعليكنّ أن تتقنّ اللعب معها..

الرابعة: يا سبحان الله، كل شيء عندكِ فيهِ إنّ… ارجوكِ، لا تعقدي الأمر علينا، صيري مثلنا نحن أخواتك..

الثانية: أنا لست مثلكنّ، أنا لست مثل أي أحد، أنا أرى الحياة ليس كما ترينها، قدري هذا الذي جعلني أن أكون اختكم الكبرى وان أحمل كل هذا الوزر والذي مضى.

الأولى: لم أركِ تشكّين بنا من قبل، ما الذي تغيّر اليوم كي نسمع منكِ كل هذا..؟

الثانية: لم تهتم أيّ واحدة منكن بي مثلما إهتممت بها، لم تسألني أي واحدة منكن يوماً من أين آتي اليكنّ بالمصروف، لم تسألنني أبداً كيف أقضي نهاري، وأين، وأيّ الطرقات التي تأخذني لطرقات أخرى..

الثالثة: لم يبدِ عليكِ ما نسمعه منكِ الآن..

الثانية: (بغضب مصحوباً ببكاء) وسمعتيه مني الآن، وعرفتيه جيداً، فمن يردّ لي تلك السنوات التي أكلت من جرف حياتي..

الرابعة: (تقترب منها وتحضنها) أنت أمنا بعد فقد الأم، أنت ملاذنا وسر سعادتنا..

(البنات الثلاثة يقتربن منها ويحضنها)

الأولى: سنعوضك يا أخت عن كل ما فات..

الثالثة: سنخدمكِ بأعيننا..

الثانية: (تنظر لهن) ليس لي في هذه الدنيا غيركن..

الرابعة: والآن، بعد ان صفا الجو، حان الوقت للتفكير في طريقة لفتح الصندوق..

(يحدقن بالصندوق)

الأولى: ربما يكون المفتاح هنا في المنزل، لنبحث عنه في غرفة أبي..

الثالثة: اذهبي أنت وابحثي هناك، أما نحن فنبحث هنا في الصالة..

الأولى: (تدخل الى غرفة الأب)

(بقية البنات يبحثن في الصالة عدا الثانية تبقى تحدق بالصندوق)

الرابعة: (وهي تبحث) قد تكون هنالك طريقة أخرى لفتح الصندوق غير المفتاح..

الثالثة: (وهي تبحث) الصندوق يحتاج الى مفتاح…

الرابعة: (ضاحكة وهي ترقص) والمفتاح عند الحداد..

الثالثة: (تنظر لها مبتسمة، وتكمل بغناء) والحداد يريد فلوس!

الرابعة: (مستمرة) والفلوس عند العروس,,

الثالثة والرابعة: (يضحكن، ويجلسن فوق الصندوق)

الثانية: (تنظر لهن بتعجب) 

الرابعة: لا شيء هنا..

الثالثة: ولا شيء هناك..  

الأولى: (تعود من الغرفة) لا شيء في غرفة أبي..

الثانية: لا تتعبن أنفسكن، أنتن لا تعرفن أحجية أبي مثلما أعرفها أنا..

الثالثة: (بتعجب) هل تعرفين سر هذا الصندوق..

الثانية: (تحاول أن تتذّكر، تهزّ رأسها إيجابا، تنهض من مكانها وتسير بضع خطوات) حين كنت صغيرة، جلب لي أبي صندوقاً صغيراً مثل هذا الصندوق..

الأولى: (تلحقها راكضة) هل هو معك الآن؟ أريد أن أراه..

الثانية: قلت لك، مذ كنت صغيرة، جلب لي الصندوق.. أين أجده الآن

الثالثة: أيعقل أن يكون هذا هو صندوقك الصغير وكبر..

الرابعة: (تضحك) يالك من ساذجة..

الثالثة: (بانزعاج) هذا ما توقعته، الأمر لا يستدعي الضحك.. (الى الثانية) اكملي، وماذا بعد..

الثانية: أخذت منه الصندوق بفرح، كان لونه أحمراً، وفيه أشرطة ملونة، حاولت فتحه، حاولت وحاولت ولم أفلح، كان أبي يومها يرمقني بنظرات غريبة، كأنه كان ينتظر مني تصرفاً آخراً، أو أطلب منه المساعدة..

الأول: (مقاطعة) أو كان يختبر ذكاءك..

الثانية: ربما، لهذا قررت مع نفسي أن أتحدى تلك النظرات وأحاول فتحه دون أية مساعدة.. ساعة مضت وأنا أحمله بيدي، وأقلّبه يميناً وشمالاً حتى…

الثالثة: (مقاطعة) حتى وجدتِ المفتاح.

الثانية: لم يكن هناك مفتاحاً، كان زر صغير مخفي أسفل الصندوق.

الأولى: (بفرح) وصلنا الى رأس الخيط..

الرابعة: (تلكزها) انتظري، أيّ خيط وصلت إليه..

الأولى: (مؤكدة) هي قالت هناك زر صغير أسفل الصندوق.

الثانية: ذاك الزر هو الذي أوصلني الى ما أبغيه..

الأولى: وهو فتح الصندوق.

الثانية: (تنظر لهن) نعم، هو كذلك، (بفرح) وفتحت الصندوق وصفّق لي أبي..

الأولى: (تصفّق) وصلنا، وصلنا.. لنقلب الصندوق ونجد الزر..

الثانية: لا أعتقد أن أبي استخدم مع هذا الصندوق ذات الفكرة..

الثالثة: لنجرب فنحن لا نخسر شيئاً..

(يمسكن بالصندوق ويحركنه وهن ينظرن بدهشة)

الأولى: ها هو ذا، أني أراه، الزر لكنه ليس صغيراً..

الثانية: لأن الصندوق أكبر من ذاك الصندوق..

الرابعة: لا يهم حجم الزر، المهم أننا سنفتح الصندوق قبل احتراق ما فيه.

الثالثة: أنا سأسحبه.. (تمسك الزر وتسحبه)

(الصندوق يرتجّ، اضاءة متداخلة وأصوات غريبة تسمع في المنزل، البنات الخمسة ينظرن بدهشة الى الصندوق، يبدأ الغطاء بالارتفاع، يمدنّ أعناقهن باتجاه الداخل حتى تصل رؤوسهن داخل الصندوق ويصرخن..)

الجميع: أيعقل أن يحدث هذا..؟

اظلام- ستار

البصرة

٧-٤-٢٠٢٣

١:٣٣ فجرا