وزن طلقة*!

المشهد الأول

(المكان الذي يمنحك عيشا كريما آمنا، هو ذا وطنك!)

الشخوص:

١- الرجل

٢- مهاجر

٣- المحقق

(مجموعة حقائب في المكان، الرجل يقترب من الحقائب، يتفحصها، يفتح واحدة ويخرج منها بعض الأوراق، يحدق فيها مبتسما)

الرجل: (وهو يمزق الاوراق) ما حاجتك لهذه الأوراق ما دمت ستمحو ماضيك وتغادر بلدك (ينثر الأوراق) يهربون محملين بماضيهم، أي هراء هذا، الأوطان التي تلفظ أبناءها لا حاجة لك بكل ما يربطك بها..

(مهاجر يدخل ويرى الأوراق المنتشرة في المكان، يمسك واحدة، يقرأها..)

مهاجر: (غاضبا) ما الذي فعلته بأوراقي؟

الرجل: (يتفحصه هازئا) اذن تلك كانت أوراقك.

مهاجر: (يشير الى الحقيبة) وهذه حقيبتي.

الرجل: (يدفع الحقيبة بقدمه) وهذه حقيبتك..

مهاجر: لماذا مزقت الأوراق؟

الرجل: وما حاجتك بها.. مزقتها لأنك لا تحتاجها.

مهاجر: من قال لك أني لا أحتاجها..

الرجل: تعلمني بعملي، كثيرون مروا من هنا، أعرف وجوههم، غادروا حيثما أرادوا..

مهاجر: لكنها أوراقي..

الرجل: الحقائب التي تغادر لا يحتاج أصحابها الى مثل تلك الأوراق.

مهاجر: (بألم) أنها تاريخي..

الرجل: ومن جعلك تقدم على الهروب غير تاريخك! ذلك التأريخ المليء بالدم والظلم.

مهاجر: تاريخ عائلتي..

الرجل: ابدأ من جديد، أليست هذه رغبتك؟

مهاجر: لم تكن رغبتي، أجبرت عليها، اضطررت للهروب.

الرجل: الهروب الذي تجد فيه خلاصك دون بلدك..

مهاجر: البلد الذي يأوي الشر ويعشعش فيه الظلم ويغمض عينيه عن ما يحيق بأبنائه لا يشجعني على أن أحمله في قلبي.

الرجل: ليس للقلوب أوطاناً!

مهاجر: ولا للأجساد!

الرجل: ما ان تضع قلبك في هذه الحقيبة حتى يُمحى ما فات من عمرك.

مهاجر: سنوات ونحن نعلّق القلوب والأبصار عند عتبات البيوت بانتظار الفجر لكننا يئسنا و مللنا الانتظار.

الرجل: اليأس عدو الإنسان.

مهاجر: والانتظار قاتل!

الرجل: ما الذي يجبرك على الهرب؟

مهاجر: ما الذي يدعوني لأن ابقى حبيس تلك الأمكنة الوسخة الطاردة.

الرجل: نظّفها بيديك.

مهاجر: بعض الأمور لا يمكن تنظيفها بالأيدي.

الرجل: استخدم عقلك يا أخي..

مهاجر: استنزفته ولم أعد قادرا على فعل شيء.

الرجل: ستضيع حتماً.

مهاجر: كلنا نخوض في متاهة.

الرجل: زدني بما لديك، ما حكايتك؟

مهاجر: (يجلس على الحقيبة ويتنهد) حكايتي مكررة، ذات الحكاية لآلاف المظلومين لا جديد فيها..

الرجل: سمعتها من أكثر من واحد، ما الذي يجري بحق السماء!

مهاجر: هل ترى تلك الحقائب؟ هي كل ما لدينا في هذا العالم المفطوم على ألم، لم نعد نملك غيرها.

الرجل: ليست كل حقيبة تصلح للهجرة، فهناك من لا يمتلك حتى حقيبة.

مهاجر: أنت لن تراها، هي مثل الأرواح الهائمة، تزدحم بها الأمكنة..

الرجل: لم تخبرني بحكايتك (مستدركا) قلها حتى وان كانت مكررة.

مهاجر: يبدو أنك تحب أن تسمع الحكايات المكررة.

الرجل: في كل حكاية أجد شيئاً جديداً، وهو ما يزيد فضولي.

مهاجر: حسناً، أنا مثل كل أولئك أصحاب الحقائب، لا شيء يشغلني الا أن أعيش بسلام حتى وقعت الواقعة..

-اظلام-

المشهد الثاني

  (غرفة تحقيق شبه معتمة، مهاجر يجلس على كرسي معصوب العينين فيما يقف في الجانب الآخر المحقق)

المحقق: (وهو يشعل سيجارة) هل تريد سيجارة؟

مهاجر: أنا لا أدخن.

المحقق: (هازئاً) صحيح، التدخين مضر بالصحة (يصرخ به) ألم تسمعني؟

مهاجر: (بفزع) سمعتك.. سمعتك سيدي.

المحقق: ما الذي سمعته؟

مهاجر: أنت قلت التدخين مضر بالصحة.

المحقق: (يقترب منه ويرفس الكرسي) ليس هذا يا كلب! (يمسك به ويهمس) ما الذي سمعته لكي تتفوه على سيدك؟

مهاجر: لم أسمع شيئاً، كل شيء مكتوب عندك..

المحقق: (يقترب من منضدة وضعت عليها مجموعة من الأوراق، يحدق بالأوراق) لا شيء ينفعنا في أوراقك..

مهاجر: كل سؤال سألتموني اياه أجبت عليه.

المحقق: (هازئا) لست في امتحان لكي تجيب على الاسئلة. أنت هنا متهم، هل فهمت.

مهاجر: فهمت، فهمت يا سيدي.. أنا قلت لكم بأني لم أفعل شيئا..

المحقق: والمخبر السري يقول أنك وصفت سيدنا بالحذاء! هل تنكر ما أخبرنا المخبر السري به؟

مهاجر: حاشا السيد أن يكون حذاءً!

المحقق: هناك من سمعك تقول هذا..

مهاجر: (متألماً) واجهني معه وستعرف الحقيقة.

المحقق: هل تكذّبني؟ 

مهاجر: وهل أستطيع يا سيدي.. من أخبركم بذلك يكذب، لم أقل أن السيد حذاءٌ..

المحقق: لدينا عيون وآذان في كل مكان.

مهاجر: وما دخلي أنا يا سيدي.

المحقق: لأنك متهم، وكل شيء مدون في هذه الأوراق..

مهاجر: لكنني لم أقل شيئاً، ولكي أريحك يا سيدي سأقولها لك بملء فمي، الحذاء أنا، وشرف لي أن أكون حذاءً في قدم السيد.

المحقق: (بنبرة غاضبة) وتريد أن تلوّث قدم سيدنا.. عليك اللعنة، لا يتشرف قدم سيدنا بك ان كنت حذاءً أو نعلاً..

-اظلام-

المشهد الثالث

(ذات المكان في المشهد الأول)

الرجل: (مستغرباً) أمن أجل حذاء تهرب؟

مهاجر: ملأوا أفواهنا بالأحذية دون ان نتفوه بكلمة. لم يعد لنا صوت.

الرجل: عد وقاوم!

مهاجر: العواصف أقوى وأخبث من أعواد السنابل.

الرجل: لا تقدر، ها..، لا تقدر، لكنك تستطيع أن تخفي رأسك في الرمل كالنعامة.. تهرب بجلدك لتترك البلاد لهم، كل البلاد، هم يتمنون أن يفرغوها منكم وأنتم تساعدونهم في ذلك..

مهاجر: هي ذي حتمية أقدارنا..

الرجل: إن أمّنت الجرذان المكان، ولم تر أحداً يقف في وجهها، ستقظم كل شيء، وتأكل ما بقي منكم، ولم تسلم منها حتى الأبواب والشبابيك.

مهاجر: لم يبق شباك او باب كما كان.. الجرذان تمكنت منا، وانسلت عبر الأبواب والشبابيك وصارت أكثر وأقوى منا..

الرجل: أنت يائس ولا ينفع معك الحديث.

مهاجر: معك حق، لكنك لا تعرف غربة أرواحنا ونحن نعيش تحت خيمة السيد.

الرجل: (ضاحكاً) تقصد الحذاء!

مهاجر: هو أرذل من أن يكون حذاءً..

الرجل: ها أنت ذا قد نطقتها بلسانك..

مهاجر: (بإصرار) ومصر عليها..

الرجل: إذن لا حاجة للمخبر السري فقد سمعتك بأذني هاتين..

مهاجر: سمعت ماذا؟

الرجل: وصفت السيد بالحذاء..

مهاجر: لست أنا، هناك كثيرون وصفوه بذلك..

الرجل: وأنت مصر على الهجرة..

مهاجر: حتى تنجلي العتمة وأجد ما يملأ حياتي بهجة..

الرجل: هل عرفتني..؟

مهاجر: ألست المهرّب الذي سينقلنا الى الجانب الآخر..؟

الرجل: لقد أخطأت هذه المرة، لست هو..

مهاجر: (مفكرا) هل يمكن أن تكون أنت…..

الرجل: (مقاطعاً) أنا بدمي ولحمي..

مهاجر: المحقق؟

الرجل: (ضاحكاً باستهزاء) المخبر السرّي.

-اظلام-

ستار

البصرة 

  • طلقة: رصاصة

ابتدأت في ٨-٣-٢٠٢٣ الساعة ٦ مساءً مقهى الرصيف الثقافي/ الجبيلة

انتهت في ٣-٤-٢٠٢٣ الساعة ٨:٢٠ مساءً مقهى الرصيف الثقافي/ الجبيلة

Share: