ديك القاضي
الشخوص:
- الشاب
- الحارس
- القاضي
- المستشار
- زوجة القاضي
المشهد الأول
سجن، المكان شبه مظلم، شاب بثياب بسيطة يجلس القرفصاء في زاوية من السجن، في الخلفية أصوات لديكة ودجاج..
الشاب ينهض من مكانه ويتقدم ممسكا بالمشبك الحديدي للسجن.
الشاب: (صارخاً) أيها الحارس.. أيها الحارس!
الحارس (صوت من الخارج): اخفض من صوتك يا لص.. دعني أنعم بالراحة قليلا..
الشاب: منذ ساعة وأنت تنعم بالراحة، متى أحصل عليها أنا..
الحارس (صوت من الخارج): وما الذي يتعبك أنت.. إسبوع وأنا أخدمك كأنك في فندق درجة أولى..
الشاب: أرجوك تعال هنا..
الحارس (صوت من الخارج): إن لم تعترف بفعلتك وتردّ ما سرقته لن أقترب منك.. قل ما عندك فأنا أسمعك!
الشاب: ما أريد قوله لا أريد أن يسمعه غيرك..
الحارس (صوت من الخارج): إن كان اعترافاً انتظر فسيدي القاضي في اجتماع مهم..
الشاب: لا علاقة بسيدنا القاضي فيما أريدك فيه.. هناك ما هو أهم..
الحارس (صوت من الخارج): ليس هناك أهم من فعلتك.. اعترف وأرح نفسك..
الشاب: أرجوك.. تعال واسمعني..
الحارس (صوت من الخارج): (متأففاً) أوووف.. ما هذا النكد.. حسناً.. حسناً فقط هذه المرة (يدخل ويقترب منه) ها.. ما الذي تريد أن تسمعني إيّاه؟
الشاب: اقترب مني قليلاً..
الحارس: (مهدداً) قل وإلا سأعود..
الشاب: (بإحراج شديد) لا يمكنني أن أقول أمام هذا الجمع (يشير الى جمهور المسرح)
الحارس: (ينظر له ومن ثم الى الجمهور) هل تتهم أحداً منهم.. هل لك شريك يجلس هنا…؟
الشاب: ليس هذا يا سيدي.. قرّب أذنك مني لأخبرك..
الحارس: (يتحسس أذنه) أيّ سر تخفيه لتبوح به لي.. هذا ليس من اختصاصي، أنا مجرد حارس بسيط.. إذا كان لديك أي شيء انتظر سيدي القاضي ريثما ينهي اجتماعه واخبره بما تشاء..
الشاب: (ممسكاً ببطنه متألماً) ليس هذا يا سيدي.. أرجوك ستنزل.. إن لم تسرع ستحدث الكارثة..
الحارس: كارثة؟ يا ساتر!
الشاب: (صارخاً بألم) زلزال يا سيدي..
الحارس: زلزال؟ أين سيحدث الزلزال…؟
الشاب: (يشير الى بطنه) هنا.. هنا يا سيدي.
الحارس: زلزال في بطنك؟ (مفكراً) ها.. أتريد أن تقول لي إنك أكلت ديك سيدي القاضي وهو الآن في بطنك.. هذا اعتراف خطير، يا لك من مسكين لماذا أجّلت اعترافك إسبوعاً..
الشاب: (متألماً) أنت لا تفهم ما أعنيه، أو لا تريد أن تفهم..
الحارس: (غاضباً) لعلمك أنا أفهم منك ومن غيرك.. خمسة محققين لم يتمكنوا من انتزاع اعتراف منك فيما أنا (مؤكداً بزهو) وبحكمة منّي، أنا الحكيم، تمكنت منك، وجعلتك تنطق بما احتفظت به طيلة إسبوع.
الشاب: (بألم وهو ممسك بطنه) يا سيدي الفهيم! افتح باب السجن هذا وارحمني!
الحارس: (بغباء) بعد اعترافك (مؤكداً) وبعظمة لسانك، لن تخرج من هنا..
الشاب: لا أريدك أن تطلق سراحي.. أريد فقط أن أذهب….
الحارس: (مقاطعاً) تذهب…؟ الى أين تذهب؟ (ضاحكاً وبسخرية) أتظن أن دخول الحمّام مثل خروجه…
الشاب: (صائحاً) ها.. الآن فهمتني..
الحارس: اذن انتظر واجلس هناك (يشير الى الزاوية البعيدة) وحين ينتهي سيدي القاضي من اجتماعه المهم سآخذك اليه لتعترف أمامه، حينها ستكون مكافأتي ثمينة.. (مع نفسه) الحظ يدقّ بابي هذه المرّة وعليّ استغلال الفرصة..
الشاب: أعدك أني سأمنحك مكافأة إن ساعدتني وخلّصتني من محنتي..
الحارس: (بقوة) هذه جريمة أخرى تضاف لجريمتك يا لص الديكة.. أعوذ بالله من الرشوة..
الشاب: (مازال يتألم) ما الذي تريدني أن أخدمك فيه.. خلّصني، تكاد تنفجر..
الحارس: (مقاطعاً خائفاً) قنبلة.. أين وضعتها.. (يبحث هنا وهناك) أرجوك لا تقم بتفجيرها لديّ عائلة، زوجة وأولاد.. (معتذراً له) اعتبرني لم أقل لك ما يشعرك بالإهانة.. ها.. اهدأ.. اهدأ.. امسك أعصابك.. أنا معك وليس ضدّك، فقط أخرجها وخلّصنا منها..
الشاب: (يشير الى بطنه) اطمئن، أنا أمسكها بصعوبة كي لا تنزل، لكنك إن أبقيتني هنا ستخرج لوحدها.
الحارس: اخرجها يا رجل.. اخرجها قبل أن تقتلنا..
الشاب: (متألماً) وما شأنك أنت.. إن أخرجتها أو أبقيتها..
الحارس: ألم تقل إنها ستنفجر…؟
الشاب: وستقتلني!
الحارس: وستقتلني أنا أيضاً! (بخوف) إسمع، إذا لم تهمّك حياتك وتريد أن تهرب من فعلة سرقتك لديك سيدي القاضي، فما ذنبي أنا؟
الشاب: كيف لا تهمّني حياتي، أنا أعيش من أجل أمّي، لا أحد لي في هذه الدنيا سواها، لا أعرف من أين جئت بهذا الكلام.. لست من الذين يؤذون الآخرين، وحتى ديك القاضي أنا لم أسرقه، ولا أعرف أين يسكن..
الحارس: أنت تنفي كل التهم، ديك القاضي والقنبلة!
الشاب: أيّ قنبلة تقصد…؟ هل سمعت مني ذلك؟
الحارس: بأُذنيّ هاتين (يشير الى أذنيه) قلت وبعظمة لسانك (يخرج لسانه) إن لم تساعدني فستنفجر!
الشاب: أنت واهم يا سيدي، (مازال ممسكاً ببطنه) نعم، قلت ستنفجر وهذا لا يعني أني قصدت أنّ قنبلة ستنفجر.
الحارس: بالله عليك، خلّصني من فزوراتك لم أعد أفهم شيئاً منك. ما الذي سينفجر هنا؟
الشاب: بطني يا سيدي، بطني ستنفجر!
(اظلام)
المشهد الثاني
(في دار القضاء)
القاضي جالساً والمستشار يقف أمامه
القاضي: لا أصدق أن الذي آويته طيلة سنتين، وعطفت عليه، وشغّلته في مزرعتي يقوم بهذا العمل..
المستشار: قلت لك يومها، جنابكم، علينا أن نتحرى عنه، فليس من المعقول أن يعمل في مزرعة جنابكم المبجّل أي أحد. لكن الآن بعدما وقع الفأس بالرأس لا نقول الا الحمد لله لم يرتكب جريمة كبرى.
القاضي: أليست هذه جريمة؟
المستشار: سرقة بسيطة!
القاضي: (بغضب) قلت لك أيها المستشار، لا فرق عندي ما بين من يسرق ديكاً أو من يسرق جملاً.. السرقة واحدة، حين نتغاضى على سارق الديك سيتمادى غداً ويسرق صاع الملك!
المستشار: لكنه ديك يا قاضينا المبجّل.
القاضي: حتى وان كان ديكاً لكنه ليس مثل أي ديك.
المستشار: أقدّر ذلك يا سيدي، وأعرف انه ديك جنابكم (رافعا يده للسماء) أعاده الله اليكم سالماً غانماً..
القاضي: وعليك أن تعرف أيضاً أن كل ما موجود هنا في دار القضاء أو في بيتي يعد من ممتلكات المملكة، وسرقة ديكنا تعتبر تعدياً على أملاك المملكة..
المستشار: ولكن يا قاضينا المبجّل هناك من يرى (متردداً) أقصد أولئك المتربصين لنا، يرون القضية لا تستحق كل هذا الاهتمام أمام كثير من القضايا، وربما يعتبرونها اضحوكة..
القاضي: (بغضب) اضحوكة؟! مستشاري الفهيم يقول اضحوكة!
المستشار: (بتلعثم) لست أنا يا قاضينا المبجّل.. قلت لك أولئك المتربصين بنا والعامة..
القاضي: (يهز رأسه مفكراً) ها.. قلت العامة.. (ينهض من مكانه) اذن عليك أن تحرر قراراً صادراً من دار القضاء بحجز كل من تسوّل له نفسه من العامّة، وتكثيف العمل مع المخبرين والعسس لحجز كل من ينبس ببنت شفة أو يذكر ديكنا بسوء..
المستشار: وهل تظن جنابكم أن هذا سيلجمهم؟
القاضي: (بحزم) السوط يلجم كل لسان!
المستشار: (صامتاً منكساً رأسه)
القاضي: إخبرني، هل اعترف اللص بفعلته؟
المستشار: حاولنا معه لكنه لم يعترف..
القاضي: شدّوا عليه أكثر، إرغموه على الاعتراف.
المستشار: استخدمنا معه كل الوسائل ولم يقل شيئاً سوى أنه اقترح أن يهدي جنابكم ديكه بدلاً من ديك جنابكم (يرفع يديه الى السماء) أعاده الله لكم سالماً غانماً!
القاضي: (بذهول) يا للسخرية، السارق يقترح.. أنها قمّة المهزلة.. ومن يظن نفسه ليساوي ديكنا العزيز بديكه الوسخ!
المستشار: لا يمكن أن يتساويان فديكه انتاج محلي بينما ديك جنابكم (يرفع يديه الى السماء) أعاده الله لكم سالماً غانماً، مولودٌ في دولة الهند! رغم أن الاثنين لهما ذات المنقار والريش..
القاضي: نفس المنقار والريش، مهما يكن، ولا يمكن أن نقارن ديكنا بديكة العامّة.. هل سمعت صياح ديكنا الهندي وهو يحرّك جناحيه؟
المستشار: سبق وان سمعت صياح ديك جنابكم الهندي..
القاضي: (يغمض عينيه ويرفع يديه) عندما يصيح تهيم روحك معه وكأنه يغنّي..
المستشار: الله.. الله.. رغم أني، جنابكم، لا أفهم اللغة الهندية الا أن ديك جنابكم، (يرفع يديه الى السماء) أعاده الله لكم سالماً غانماً، يذكرني بصوت لاتا مانغيشكار!
القاضي: (يتوقف وبتعجب) لاتا!! هل هذا اسم لدجاجة أو ديك؟
المستشار: (مبتسماً) لا دجاجة ولا ديك، جنابكم هذا اسم أفضل المغنيات الهنديات..
القاضي: (ضاحكاً) هذا إقرار منك في أن ديكنا له قيمة هذه لا…لا… ذكرني باسمها؟
المستشار: لاتا مانغيشكار جنابكم..
القاضي: نعم لاتا.. لاتا.. (بإصرار) وهذا ما يؤكد ما ذهبت اليه في انه لا يمكن أن نقارن أي ديك بديكنا العزيز..
المستشار: حاشا ديك قاضينا المبجّل ان نقارنه بتلك الديكة.. (بتردد) ماذا لو أنهينا هذه القضية بأقل الخسائر.
القاضي: (بتعجب) وهل هناك خسارة أكبر من خسارة مملكتنا وخسارتي أنا..
المستشار: اطمئن جنابكم، سنجده حتماً ولن تكون هناك خسارة لمملكتنا العزيزة.
القاضي: أسبوع مرّ ولم نجده وذاك اللص الحقير لم يعترف.. قل لي أين سنجده، في بطن مَنْ مِنْ أولئك الجياع؟
المستشار: (بثقة وبقوة) ديك جنابكم (يرفع يديه الى السماء) أعاده الله لكم سالماً غانماً، عصيٌّ على أيِّ بطن من بطون العامّة!
القاضي: (بارتياح) أنا مشتاق لسماع صياحه، (يقترب من المستشار ويمسح شعر رأسه وهو مغمض العينين بحالة حلمية) مشتاق لذاك الريش الناعم، امسحه بيدي، أتحسسه، ناعماً، دافئاً، أمسك منقاره، ينقر في راحة يدي، نقرات تشعرني بالمتعة، أحمله، احضنه (يحتضن المستشار) يرفرفُ في صدري، جناحاه يحلقان بي فأنسى نفسي.. أقبّله (يقوم بتقبيل المستشار) أهمس في أذنه: آهٍ.. لا أشبع منكيا ديكي الهندي الجميل.. تعال لأحضاني، لا تتركني، دونك لا يمكن أن أعيش…
المستشار: (بذهول يحاول أن يتخلص منه صارخاً) محتوى هابط.. محتوى هابط.. هابط…! استيقظ يا سيدي، أنا مستشار جنابكم ولست ديككم الهندي..
اظلام
الفصل الثالث
في السجن.. الشاب واقفا وأمامه الحارس..
الحارس: هل ارتحت…؟
الشاب: مشكلتي مع بطيئي الفهم، حاولت أن أفهمك لكنك بقيت متمسكاً بديك القاضي..
الحارس: واجبي أن أجبرك على الاعتراف، مضى أسبوع ونحن نحشو الطعام في بطنك دون أن نحصل على أي نتيجة..
الشاب: أي نتيجة تريد؟ قلت لك لا علم لي بأي شيء، أنا بريء..
الحارس: هل سمعت أحداً وضِعَ خلف القضبان لم يقل إنه بريء…؟ (بتودد) إسمع أيها الشاب، يبدو أنك إنسان طيّب، وربما هناك من وضعك في هذا المأزق.. فإن كان الأمر كذلك ما عليك إلا أن تخلّص نفسك.. (بثقة) اسألني أنا، هناك كثير من القضايا مرّت عليّ، وأعرف زواياها، الأشرار دائماً يصطادون الطيبين مثلك ويحاولون الإيقاع بهم، والتفرد بالغيمة..
الشاب: نصيحتك على رأسي، لديّ ديك، إذا أردتموه فخذوه..
الحارس: (مستغرباً) ديك القاضي؟
الشاب: وما الذي يختلف عن الديكة؟ عملت في مزرعة القاضي سنتين ولم أرَ ديكه في المزرعة..
الحارس: (بقناعة) ليس ديك مزارع ولم يكن عادياً،لو كان ديكاً عاديّاً لما اهتممنا به، يقولون إنه ديك مميز، بالصياح والرقص..
الشاب: (ضاحكاً) لم أسمع ما يقولونه عن الديك وتميزه، هل يبيض ذهباً؟
الحارس: كل شيء ممكن! (متفلسفاً) لا تستغرب ان سمعت، في هذا الزمان، أن ديكا يبيض أو حماراً يطير!
الشاب: ولا تستغرب أنت، أيها الحارس، إنْ سمعت أن السجون مليئة بأمثالي من الأبرياء..
الحارس: (محذراً بخوف) اخفض من صوتك واستر عليّ! (بقوة وثبات) يبدو أنك أخذت راحتك بالكلام معي (محذراً وبلهجة عامية) اسمع ولك… (يتذاكى) لست ساذجاً الى الدرجة التي تريد فيها أن تستدرجني بالكلام، (بميوعة) تقول لي وأقول لك، وما بين هات وخُذْ نصبح صديقين حميمين، ومثلما يقول المثل، تمسكن حتى تتمكّن، وحين تتمكّن توقعني بورطة لا خروج منها.
الشاب: (بتهكم مع نفسه) ليت فهمك كتخيلك.. تعيشون في دوامة نظرية المؤامرة، تشككون بكل ما حولكم، البشر والحجر.
الحارس: أنصحك أن تعترف وتخلّصنا من ضغط سيدي القاضي فهو يوبخنا كل يوم، ويتوعدنا بالعقوبة.
الشاب: بماذا أعترف، وأنا لم أفعل شيئاً.. القاضي يعرفني جيداً مذ عملت في مزرعته لم أسرق منه شيئاً.. تريدني أن أعترف، بماذا أعترف؟
الحارس: خير من أن تبقى محجوزاً هنا.. اعترف بأي شيء (يفكر قليلاً) اختلق قصة، أي قصّة كانت، واتبعها باعتذار من سيدي القاضي، توسل به، هو رجل طيب، حكيم، أنت تعرفه أكثر مني، لا يحب أن يضر ولا يردّ أحد، عندها سيرأف بحالك، وستحصل على أقلِّ عقوبة.
الشاب: لا أعرف شيئاً عن اختلاق القصص، لم أكذب في حياتي، فأنا رجل بسيط، اذهب الى عملي في مزرعة القاضي صباحاً، ولا اعود الا بعد صلاة العشاء ولا أخرج من بيتي الا في صباح اليوم التالي، ليس لدي أصدقاء، لا اجلس في المقهى، ولا أتسكّع في الطرقات.. والحمد لله، مقطوع من شجرة، لا ام ولا أب ولا زوجة..
الحارس: (هاتفاً) تمام.. تمام! (يحاول أن يقنعه) وهذا ما سيسهل عليك الأمر، ستقضي مدة عقوبتك في السجن، وستكون قصيرة جداً، بالضبط مثلما كنت تقضي وقتك وأنت في بيتك، هذا هو الأفضل لنا ولك.
الشاب: (بتعجب) الأفضل لي!
الحارس: (مؤكداً) لفترة قصيرة وأنت قادر على تحمّلها! (يحاول إقناعه) يا أخي اعتبرها سفرة.
الشاب: (ضاحكاً) سفرة في السجن، يا لها من سفرة. (بسخرية) هل أنت مقتنع بما تقوله؟
الحارس: أنا لم يدخل في كيسي شيء، ما أقوله هو لمصلحتك أنت..
الشاب: وفّر عليك نصائحك، لا أحتاجها..
الحارس: ستندم.
الشاب: ستظهر الحقيقة ولن أندم.
اظلام
المشهد الرابع
في منزل القاضي..
الزوجة: ما هذا يا زوجي العزيز، أنت قاضٍ ويشهد لك القاصي والداني، اترك هذه القضية واعفو عن الشاب المزارع المسكين..
القاضي: ليس مسكيناً.. هذا سارق.. لص..
الزوجة: بدلا من الديك سأشتري لك قن مليء بالديكة..
القاضي: ألا تعرفين قيمة ما سرقه؟
الزوجة: (تقترب منه وبغنج) أعرف قيمتك حبيبي!
القاضي: (يبعدها عنه) لا يهدأ لي بال الا بعودة ديكي! أنت لا تعرفين الفراغ الذي أعيشه بغيابه.
الزوجة: (بألم) عليك أن تعرف الفراغ الذي عشته أنا طيلة مكوث الديك في هذا المنزل، تتركني أياماً دون أن تسأل عني بينما تقضي وقتك معه..
القاضي: الديك بحاجة الى من يرعاه..
الزوجة: (بغضب)وأنا…..
القاضي: (مقاطعاً) لديك خادمتان ينفذان ما ترغبين فيه..
الزوجة: أتظن أني بحاجة الى الخادمتين فقط..
القاضي: (بلامبالاة) كل ما تطلبينه يأتيك.. (يصمت قليلاً) ها.. وعندك المزرعة، اذهبي الى هناك واقضي وقتك فيها مثلما كنت تفعلين في الأيام التي خلت.
الزوجة: بسبب الديك أُهمِلت المزرعة بعدما سجنت المزارع بحجة السرقة ولم يعد هناك من يهتم بها.. (تقترب منه) أتدري ما الذي يحتاجه النبات يا زوجي العزيز، أنه لا يحتاج الا الى الماء والاهتمام به.
القاضي: الماء موجود، وإذا كان على المزارع، غداً سأطلب من مستشاري أن يجلب لنا مزارعاً يهتم بالمزرعة.
الزوجة: لن تجد من هو أفضل من ذلك الشاب!
القاضي: (بشك) إيه.. وماذا بعد…؟ حدثيني عنه، كيف هو الأفضل..
الزوجة: (بتردد) لأمانته وحرصه على المزرعة..
القاضي: (بخبث) وماذا بعد؟
الزوجة: (تتلعثم مبتعدة عنه) لا أعرف ما الذي تقصده بسؤالك.. ما الذي تريد أن تعرفه؟
القاضي: (بتلميح) لا أبداً، أراك تدافعين عن السارق أكثر من دفاعك عن ديكي العزيز.
الزوجة: (صارخة) تعبت من الديك وصياحه..
القاضي: (مصححاً) تقصدين غناءه!
الزوجة: (بتضجر) أوووف.. لقد مللت، الى متى سأبقى مهملة هكذا؟ ليتك تهتم بي كما اهتممت بالديك.
القاضي: (مبرراً) أنت تعرفين جيداً أني أحب الديكة!
الزوجة: وأنا…؟
القاضي: (يقترب منها متودداً) أحبك أيضاً..
الزوجة: (بلهجة عاميّة) اللسان ما فيه عظم!
القاضي: (بتودد) لكن قلبي….
الزوجة: (مقاطعة) مع الديك!
القاضي: الغيرة تأكل قلبك..
الزوجة: (بذهول) أغار من ديك؟ (تضحك) هل تسمّي حرصي على هذا البيت غيرة؟ عليك أن تسأل نفسك، متى اهتممت بي، متى سألتني عن احتياجاتي، متى بقيت معي في المنزل دون أن تنفرد بديكك…!
القاضي: (مفكراً) لا تقولي لي أن لك يداً باختفائه؟
الزوجة: (تقترب منه حتى تكاد ان تلتصق به وتهمس في إذنه) سيعود ديكك اطمئن، لكن عليك أن تلتفت الى دجاجتك!
اظلام
المشهد الخامس
في السجن.. المستشار ويقف أمامه الشاب بينما الحارس يقف بعيداً
المستشار: لقد حيّرتنا بأمرك، بعد الثقة التي أولاك بها جناب القاضي، تقوم بهذه الفعلة الشنيعة، والله لولا توصية حرم جناب القاضي، لأشبعناك ضرباً، لكنها أوصتنا بك.. خير لك أن تعترف، إخبرني، من الذي حرّضك على سرقة ديك جناب القاضي، أعرف أنك لن تجرؤ على فعل ذلك، الا إذا كان هناك تحريضا لك، فأنت تعمل في المزرعة منذ سنتين والكل راضٍ عنك.. قل لي، من حرّضك، أو لنقل من شجّعك على سرقته واطمئن أن سرّك سيكون ببير.
الشاب: (يفكر صامتاً)
الحارس: (الى المستشار) لا فائدة من الحديث معه جناب المستشار..
المستشار: (يلتفت نحو الحارس وبغضب) من فوّضك للحديث أيها الحارس، ايّاك أن تتفوه بأي كلمة والا سأضعك معه في السجن.
الحارس: (يضع يده على فمه للدلالة على صمته)
المستشار: (الى الشاب) هل فكّرت جيداً؟ الأمر لا يحتاج للتفكير، هي كلمة قلها وخلّص نفسك من غضب جناب القاضي.
الشاب: (بخوف) اعذرني جناب المستشار، لا أستطيع أن أخبرك بما تريده مني!
المستشار: لا أريد منك الا الحقيقة..
الشاب: (مع نفسه) الحقيقة مُرّة!
المستشار: (يحاول ان يستمع) ماذا قلت؟
الحارس: (الى الشاب) ارفع من صوتك وانت تحدّث جناب المستشار.
المستشار: (يلتفت نحو الحارس ودون ان يتكلم)
الحارس: (يضع يده على فمه)
الشاب: (الى المستشار) ارجوك يا سيدي، أنا برئ..
المستشار: (مصرّاً) قل الحقيقة ولا أريد أكثر من الحقيقة.
الشاب: (متلعثماً) أنا.. أنا.. أنا….
الحارس: (بصوت عالٍ) ما بك تتلعثم بالكلام.. قال لك جناب المستشار لا أريد الا الحقيقة، قلها وخلّصنا!
المستشار: (يقترب من الحارس ويحدّق به)
الحارس: (بخوف يضع رأسه أمام الحائط)
المستشار: (بغضب) لقد جنيت على نفسك.. اخرج الآن وإلا….
الحارس: (بذعر شديد يركض الى الخارج) حسناً يا سيدي، لا تكمل.. سأخرج.. (يخرج)
الشاب: جناب المستشار!
المستشار: (ينظر له)
الشاب: ديك جناب القاضي موجود..
المستشار: (يتقدم نحوه) أين…؟
(اظلام وبقعة ضوء في جانب المكان، زوجة القاضي واقفة بينما الشاب يقف أمامها، صوت في الخلفية لصياح الديك)
الزوجة: ليكن هذا الأمر سرّاً بيننا، لا تخبر به أقرب الناس اليك.. هذا الديك سبب بلوى لي، لو بقي معي في الدار سأفقد عقلي..
الشاب: يقولون عنه أنه ديك جذّاب ومميز!
الزوجة: ديك مجنون، لا ينفك عن الصياح نهاراً وليلاً.. أريدك أن تخفيه ولا أراه ثانية أو أسمع صياحه..
الشاب: وماذا ان سألني جناب القاضي عنه..
الزوجة: لن يسألك القاضي، أريدك أن تخفيه في مكان لا يعلم به أحد..
الشاب: ليس لدي مكان أخفيه فيه وصياحه يُسمع من بعيد..
الزوجة: خذه الى المزرعة، ضعه في القن مع الدجاجات والديكة..
الشاب: (يفكر صامتاً)
الزوجة: هناك لن يكتشفه أحد.
اظلام
المشهد السادس
في دار القضاء
المستشار يدخل يحمل بيده الديك، القاضي ينظر له مندهشا فرحا، يقترب منه ويأخذ الديك
القاضي: (بفرح) آه يا ديكي العزيز، اشتقت لك (يتفحصه) هل أصبت بأذى؟
المستشار: ها قد عاد ديك قاضينا المبجّل..
القاضي: كيف وجدته؟
المستشار: لم يسرقه أحد، وجدناه يتنزه قرب قن الدجاجات..
القاضي: (يمسح على ريش الديك الذي بين يديه) ها.. بدأنا.. تدور حول قن الدجاجات.. ايّاك يا ديكي العزيز أن تعجب بدجاجة من دجاجات المزرعة.. وعد منّي بأني سأجلب لك دجاجة هندية من أرقى العائلات تليق بك..
المستشار: هل نطلق سراح عامل المزرعة؟
القاضي: اطلقوا سراحه وكافئوه، فقد ظلمناه، ويستحق أن نعيده لعمله.
المستشار: وماذا عن بقية القضايا التي تم تأجيلها بسبب انشغالنا بفقدان ديك جنابكم..
القاضي: (باستغراب) أي قضايا؟
المستشار: قضايا الناس..
القاضي: لا تشغل بالك بقضايا لا تنفعك! دعني استمتع بديكي العزيز..
(صوت صياح الديك)
اظلام- ستار
البصرة 28-11-2024
31-12-2024 الساعة 9:40 مساءً
اترك تعليقا