التعالق الاخراجي في مسرحية (كاروك) تحليل وتفسير/ من رسالة الماجستير- فتحي شداد المياحي
تاريخ العرض :2002
مكان العرض: بغداد / المسرح الوطني /مهرجان المسرح العراقي الخامس
تأليف: عبد الكريم العامري
اخراج: د. حميد صابر
فكرة المسرحية
تدور فكرة المسرحية حول جديلة الموت والحياة ( مهد الطفل – كاروك- والتابوت) وثنائيات الأمل واليأس، رجل كبير يعمل نجاراً في ورشة صغيرة في هذا الحي يصنع التوابيت وأبنه (مروان) اليائس من الحياة بسبب ظروفه وبسبب الحرب فقد خسر إبنة عمهِ (ياسة) التي كان يعشقها، أسيراً لحلم عودته من الحرب ليتزوج بها، ليجدها قد تزوجت بشخص آخر بسبب العوز المادي لعائلتها، فباعت نفسها لتعيل أهلها، إما المعلم الذي نفذ صبره من العوز القاتل مما حتم عليه ان يبيع كتبه وأن يدور في الطرقات يبيع السجائر ليجد لقمة العيش لأبنائه… ويدور في صراع بين العوز والعلم الذي حمله ليكون أمانة ينقلها لأجيال من بعده أية علم لا يمنحه لقمة العيش لأبنائه، وأجزاء من حكايات الحرب ومآسيها، صراعات تعيشها الشخصيات المسرحية لتخوض بتناقض الثنائيات وانشطارات الذات، كل هذه الصراعات تجسدت بصورة…. الكاروك ….التابوت)..[1])
تحليل العرض المسرحي
- التعامل مع النص واليات التفسير والتكثيف
يأخذ النص المسرحي مساحته الدرامية عبر ما استنطقته الرؤية الإخراجية عبر البناء الدرامي للشخصيات ومكونات العرض، اذ ان المخرج في عرض مسرحية (كاروك) اتجه الى بناء الشخصيات المركبة ذات التحولات التي تختزل الفعل الدرامي وتكثف الحوار المسرحي، فالتحول المتوالي بين (شخصية المعلم) و( شخصية الشحاذ) لم يغير المبنى الحكائي الذي سار عليه العرض الا انه كثّف عبر الانحياز الى البنى الجمالية في التعبير عن العلاقة بين تلك الشخصيتين المتداخلتين ضمن (شخصيه المعلم)، ان الفاعل الرئيسي الذي سعت الرؤية الإخراجية الى اظهاره هو الفعل النفسي لا الشخصية بواقعها المعاش والمدرك وهو ما ذهبت اليه الرؤية الإخراجية مرة أخرى في بنائها لشخصية ( المعاق العائد من الحرب)، اذ ان المخرج غادر الشكل النصي الذي رسمه الكاتب للمعاق ليكون ذلك المعاق بشكله الكامل بلا اعاقة شكلية والذي صوره النص ( مقطوع الساقين- فاقد للقدرة الجنسية) فقد ظهرت شخصيه ( المعاق) حاملة للأطراف الصناعية على كتفها مما خلق ردة فعل جمالية جراء تداخلها ضمن أنساق الفعل الدرامي، كما ان التكوينات التي ركبها المخرج على ( الشخصية المحورية/ شخصية الاب) مثلت عبر الفعل الدرامي لا عبر الحوار والمتن الحكائي الذي رسمه النص مستويات عديدة من المتناقضات كالخوف والشجاعة، الايمان والجزع، التسليم والرفض، اذ استعان المخرج بالأنساق الطقوسية والأصوات ذات الدلالات التعبيرية، كما ان شخصية الأم المقعدة والمتهالكة التي لا تبشر بقدرتها على الحمل كانت والتي اختزلت فكرة الأمل الكاذب.
لم يكن البناء القصصي للنص هو المسار الذي اعتمده المخرج في بناء الشكل العام لبنية العرض فالحي الذي تسكنه تلك الشخوص كان حالة حلمية جسدها العرض بعيداً عن تصورات النص، فلا أبواب ولا طريق اذ اعتمدت الرؤية الإخراجية الفعل في التجسيد وإثراء المشاهد جمالياً عبر التوظيفات السيميائية والجمالية للعناصر السمعية والحركية والبصرية مما حوّل العرض الى منظومة ايحائية مدركة معززة بالتناسق والتكامل الفني مما ساعد في سد الفراغات التي قد يولدها مغادرة النص وتحويله الى قيم جمالية وفكرية تجسد أفكار النص لا النص بمادته الحوارية دون الضرر بمضمونه أو محتواه الدرامي، فالتكثيف الفني للنص خاضع لقدرة الرؤية الإخراجية في التجسيد والتعبير والتي ترتبط بقدرة المخرج وما يملكه من تصورات تساهم بوضوح الأفكار والأمكانية على التفسير واخضاع عناصر العرض لتلك الرؤى والافكار، هنا نجد ان العرض جعل النص منصة للإيحاء واستلهام الرؤى ومن خلاله بنى المخرج الشكل العام لمنظومة العرض المسرحي، وهو بذلك يتحرر من قيود النص لصالح الرؤي الإخراجية عبر عملية فكرية وانتاجية لصناعة نص العرض.
- القدرة التفسيرية للمثل وتوظيف الجسد كقوة داعمة للخطاب المشهدي
كانت شخصيات العرض المسرحي (كاروك) عبارة عن شخوص تمثل انعكاسات فكرية واجتماعية ونفسية ذات طابع كان من المفترض ان يكون نمطياً، الا ان الرؤية الإخراجية انزاحت الى ان يعتمد المخرج تحولات الأداء على وفق ما تقتضيه تنوعات تداخلات الشخصيات التي صممتها الرؤية الإخراجية كشخصيات مركبة، اذ نجد ان شخصيات لم تعتمد مسار ادائي واحد، بل تداخلت العديد من المسارات والمناهج الادائية في بناء الفعل الدرامي للشخصيات بالإضافة الى اعتماد الرؤي الإخراجية على قيم الوعي الجمعي فشخصية (المعلم) كانت تخلق مسارين من الحوار كان أولهما الحوار الدلالي عبر الأداء النسقي ذو التحولات الدلالية، أي ان المخرج عمد الى شطر ذات الشخصية ضمن بناء مركب، وقد تجسدت تداخلات الشخصيات المركبة في (المعلم / الشحاذ) إذ ان الفعل الادائي الاكروباتيكي والذي وظفه المخرج كمعبر بين الشخصيتين للشخصية المركبة (المعلم) وتعاملها مع ملحقات الشخصية (السبورة / بسطة السكائر) خلقت ردة فعل نفسية عبر استفزاز الوعي الجمعي وتفعيل الاسقاط الرمزي عبر الاداء الجسدي المرن، والتحول الصوتي والحوار مع الذات، وهو ما ذهب اليه العرض كعامل جمالي للأداء، ومن جهة أخرى، نجد ان شخصية (المعاق) أوجدت نسقاً أدائياً حركياً اعتمد فيها الامكانيات الجسدية في التعامل مع الأطراف الصناعية التي تحملها الشخصية كدلالة على الفقدان والتفكير القلق والهاجس النفسي الذي يلازم الشخصية لما تلك الاعاقة من تأثيرات نفسية وانعكاسات اجتماعية، فكانت تلك الشخصية تعبر عن تلك الانكسارات النفسية عبر الحركات التي اعتمت مرونة الجسد، فنجد ان تلك المرونة الجسدية في التعامل انتجت تحولات رمزية لتلك الأطراف الصناعية، وبالتالي تحولا لبنية المشهد بين فكرة الاعاقة والصراع النفسي وألم الفقدان، اما الشخصيات الساندة، والتي مثلت الافكار والنزعات النفسية التي تلازم الشخصيات، فقد لونها المخرج باللون الأسود والملابس السوداء فكانت انعكاساً عاماً لحالات الانكسار والأمل الكاذب والضياع الذي تعيشه الشخصيات، اذ تحركت تلك الشخصيات كمجموعة تتحرك بنسق اكروباتيكي رسمه المخرج على وفق المسار النفسي وصراعاتها الداخلية البينية والبناء النفسي العام للمشهد المسرحي، وهذه المسارات تطلبت من الممثلين أفعالاً جسدية وتحولات دلالية متقنه، اذ نجد تلك الشخصيات كونت صوراً مكونه من الأجساد كنسق تعبيري عن المسارات النفسية التي تمر بها الشخصيات والتي تطلبت منهم التشكل والحركة المرتبطة بنسق صوري دلالي معبر عن علاقتها بالانفعالات والتحولات الي تمر بها الشخصي، فالممثل مطالب بفهم الشخصية فيتلبسها تارة، ويقدمها تارة أخرى، كخليط بين يعتمد التبني والاندماج والاداء التقديمي ولا يمكن تحقيق ذلك الا من خلال فهم الممثل للشخصية التي شطرتها الرؤية الإخراجية، أي انه استثمر الطاقة الحركية للتشكيلات الجسدية للمجموعة كعاكس للبنى الفكرية من جهة وللبنى النفسية من جهة أخرى .
- توظيف الفعل الدرامي والاداء المرتبط بالبيئة المحلية
برغم ان المخرج اتجه الى خلق عوالم حلمية وفضاء نسقي مموه وحامل للمسارات الفكرية الا ان الرؤية الإخراجية منحت الفضاء شكلا يحيل الخيال الى أماكن خالية تتسم بالضياع، اذ غادرت الرؤية الإخراجية المحاكاة الواقعية لتضع العلامات والبنى السينوغرافية كدالة على المكان الذي جرى الاشتغال عليه على وفق مسارين أولهما الفكري المرتبط بالخيال والذاكرة، وثانيهما الفلسفي الذي جاء على شكل انساق دلالية تستفز التفكير والموقف، اذ ان المخرج خلق فضاءات متداخلة ضمن فضاء العرض الواحد، فشخصية (المعلم) كانت تشغل حيزاً ضمن مساحة المسرح تخضعه للتحولات الدلالية على وفق التحولات النسقية لتلك الشخصية ليكوّن صفاً في مدرسة أو رصيفا يشحذ فيه المعلم ولم تغادر تلك التحولات مرجعياتها المحلية والبيئة التي يقصدها العرض بل جاءت مؤكدة لها عبر تداخل الأنساق وانتاجها العلامة الأشمل، أما شخصية (الاب) فأن الأزياء تم توظيفها بما ينزاح الى البيئة المكانية والانتماء المحلي كمتلازمة دالة عن عمق الأسى والانتماء، اذ اعتمدت الرؤية الإخراجية على تجسيد المكان حركياً وصوتياً عبر استثمار القدرات الجسدية والادائية للممثل، ورغم ان خطاب العرض جاء مبنياً على جدلية الموت والحياة، الكاروك، كمهد يبشر بالولادة والتابوت، كمنذر للموت، الا ان تلك العلاقة الجدلية لم تغفل مكان ذلك الصراع بل جعلته مرتكزاً فاعلاً في الحدث الدرامي، ان عملية إنتاج المكان في مسرحية كاروك اتجه الى تصديره عبر انتاج فضاء الذات وفضاء الفعل الدرامي اذ ان مجمل الفضائين المتداخلين يحقق الإسقاط الرمزي على البيئة المحلية، وبذلك نجد ان الفعل الدرامي والادائي انتج ارتباطاً بالبيئة المحلية.
- التجريب والبحث عن جديد
لم تلتزم الرؤية الإخراجية في العرض المسرحي (كاروك) بالمناهج المسرحية والمدارس الأدائية بشكل ممنهج، اذ نجد ان الأداء اتخذ سمات متعددة وذو تحولات أغنت العرض عبر ذلك التنوع، لقد شكلت المجموعة التي تحركت على وفق البنى النفسية للشخصيات بشكل تشكيلات مرمزة تحمل الدلالات النفسية التي أراد المخرج تحويلها الى صور كانعكاس للحوار إذ كان المبرر الجمالي لتلك التشكيلات الحركية والتي أرادت الرؤية الإخراجية للعرض المسرحي جعله أحد عناصر العرض عبر خلق حوارات ذهنية آنية مع منظومة التلقي كاستثارات نفسية محفز لها وقوة ساندة للفعل الدرامي وقد عمد المخرج الى ان تكون تلك الشخصيات افكار/ تصورات اخذت شكل الشخوص لا كشخوص حاملة للأفكار كحالة مغايرة وهي عملية ولوج وتداخل بين مناطق حرجة جمعت ملامح التعبيرية والبرختية كمزيج تجريبي انتجه الفكر الإخراجي كمحاكاة لواقع الذاكرة والذات لا الواقع كما هي تفاصيله، وهو بذلك يحول النص الى فكرة، ويمنحه بُعدها التأويلي على وفق نماذج حددتها الرؤية الإخراجية اعتماداً على امكانياته في خلق العوالم التي يخضعها الى محدداته في التخيل والافتراضات، هو بذلك يحتفظ بالقيمة الفكرية للنص الأدبي كفعل تجريبي .
- الفضاء السينوغرافي كعنصر درامي في خطاب العرض المسرحي
انطلقت المعالجة الإخراجية في مسرحية ( كاروك) من جدلية الموت والحياة والتي أحيلت الى (مهد الطفل –كاروك-) والى ( خشب التابوت) الى ان الرؤية الإخراجية التي سار عليها المخرج ذهبت الى انتاج تعدد الفضاءات عبر التحولات الادائية والانزياحات السيميائية، فالكاروك جاء رامزاً الى الأمل في الوقت الذي يطلق رسالة رفض ( أما كان على الوطن أن يعدل)، فهذا النسق الثوري وانشطارات الشخصيات، تشظي المعنى، اذ ان البناء السينوغرافي ولّد صوراً متعددة ضمن فضاء المسرح بما يشبه الصورة الشبحية، إذ نجد ان العرض المسرحي استهل باستدراج منظومة التلقي الى (المدرسة) والتي بنيت كفضاء سينوغرافي نسقي عبر مجموعة الأنساق التي شكلت الفضاء السينوغرافي والتي انزاحت الى عوالم مغايرة جاءت كتحول دراماتيكي ينحصر ضمن شخصية (المعلم) فيتحول الفضاء السينوغرافي الى (المونولوج) والحوار النفسي لشخصية المعلم وهو بذلك يلغي البناء السينوغرافي للمدرسة، إن ذلك التحول وعملية خلق الفضاء لم ينتجه تحول الشخصية عبر الأداء فحسب بل ان آلية التعامل مع الأشكال (الاطارات المستطيلة) جاء كعامل بنائي حول المدرسة الى مكان عام يشحذ فيه المعلم، ان تلك التحولات المتوالية لم تركن الى التكوينات الانعكاسية للواقع كما هو بل جاءت كانعكاس حلمي أرادت الرؤية الإخراجية من خلاله خلق عوالم فكرية تجد اسقاطاتها على الواقع، كما ان الحوار الذي يدخل بين شخصية (النجار) وابنه شكّل انتقالة بين فضاء (المعلم) والفضاء الدرامي العام للمسرحية، وهو بذلك يعيد منظومة التلقي الى الفضاء الرئيسي لخطاب العرض والذي شكّل الفضاء العام للعرض المسرحي، ومن ثم نشهد تحولاً في فضاء العرض عند دخول شخصية (المعاق) العائد للبيت وهو خاسر لكل أمل في الحياة بعد ان فقد كل قدراته الرجولية بسبب الإعاقة ليعيش حالة من الإنكسار والحلم في جدلية تولد فضاءً سريالياً تتداخل فيه الأشكال والشخصيات الحلمية التي انتجتها الرؤية الإخراجية، من جانب آخر، نجد إن اعتماد المخرج على الشخصيات الساندة والتي جعلها تلبس اللون الأسود ولّد فضاءً سينوغرافياً يدل على الرفض وانعدام الأمل ليكون (الكاروك) المعادل الموضوعي للبنية السينوغرافية، ان تلك التحولات وتواليها بين عوالم الشخصيات والعودة الى الفضاء الدرامي العام كانت بمثابة تحولات تستفز فكر التلقي بشكل جمالي منح العرض المتعة الفكرية كانعكاس لتلك التحولات جمالياً وفكرياً تظافرت فيه الموسيقى والأصوات والأداء التمثيلي والإضاءة لتخفي الحدود المادية وتنفتح على عوالم أشمل وأوسع لتؤسس علاقة بصرية مدرك بهدف تحقيق التواصل الفكري مع المتلقي، وبذلك نجد ان العرض المسرحي عمد الى جعل الفضاء السينوغرافي كعنصر درامي يحقق البنية الفكرية في خطاب العرض المسرحي لخلق البيئة التي تتداخل في الشخصيات والتي تحتوي الصراع.
- التحولات الدلالية واليات الهدم والبناء لإنتاج المعنى
اعتمدت الرؤية الإخراجية في مسرحية ( كاروك) على آليات الهدم والبناء في تشكيل الصور المشهدية والتي أنتجت الفضاءات المتداخلة، اذ يستحضر العرض عدداً من الأماكن، وهو بذلك يجد انعكاسه نتيجة تلك المتوالية بين الهدم والبناء على ما يتم تجسيده ضمن ذلك الفضاء الذي انزاح الى تصدير الدلالات والأنساق المكونة للصورة المسرحية لا سيما أن العرض إتجه الى محددات ( مسرح الصورة) أي أن البنية المسرحية اتجهت الى بناء أنساق صورية تحمل الفكرة، وهي بذلك تمنع فضاء العرض تحولات متعددة ومتغيرة وتختلف في أبعادها، وتحسب للرؤية الإخراجية القدرة على ترجمة اللحظات والأحاسيس الى صور نسقية حاملة للمعنى والإحساس عبر البناء النسقي لعناصر العرض والتي كان الممثل هو علامة الوصل والربط بينها للوصول الى الشكل النهائي، فصورة السقف والبيت المهدم نتيجة القصف أنتجته العلامات المتداخلة كصورة مشهدية كان المحفز للاستدلال عليها وفك رموزها الممثل ليشكل وحد بنائية متكاملة انتجت بعداً نفسياً سار بشكل متوازٍ مع الفعل البنائي للصورة المسرحية فتعامل المخرج مع عدد من القطع الديكورية المتحركة وغير الثابتة كعلامات تتخذ مدلولاتها عبر تداخلها مع أنساق الفعل الدرامي الأخرى وتحويل تلك العلامات من مستوى الى مستوى آخر، وان تلك العملية التحويلية تمر بمرحلة الهدم والتكوين لإنتاج بناء نسقي جديد، وبالتالي توسيع المديات الفكرية القائم على تكثيف وتفسير المفردات الدرامية التي اعتمدها المخرج واستخلصها من النص، وبالتالي فأن العرض المسرحي إعتمد آليات الهدم والبناء في بناء المشهد عبر ما تمنحه عناصر العرض من تحولات دلالية ونسقية وصولاً الى التأويل وتعدد المعنى.
- الموروث وانعكاسه في منظومة العرض المسرحي.
لم يخرج الموروث الفكري والتاريخ من دائرة الرؤي الإخراجية للعرض المسرحي ( كاروك)، فقد استدعاه المخرج عبر ادخاله في منظومة العرض المسرحي كدوال ورموز، فقد وظّف اللون الأسود الذي جعلته الرؤية الإخراجية لوناً للانعكاسات النفسية الحادة من الألم والحزن عبر جعل تلك الانعكاسات والتي جسدت في العرض على شكل شخصية متحررة الحركة تكاد تكون انعكاساً عاماً لجميع الشخصيات وتوحدها بالألم والضياع اذ ان اللون الأسود يمثل في الموروث الشعبي العراقي لون الحزن والحداد، ان المخرج لم يحدد تلك الشخصية (السوداء) بفعلها النمطي الانعكاسي بل منحها السطوة في فرض الحزن والألم فتحاول ان تقتل أي أمل في ان يتحول (التابوت الى كاروك) كجدلية للوجود، كما إن مشهد الصلاة والذي جاء بترتيب طقوسي فهو حالة متجذرة في الفكر الإنساني العراقي عندما يجد نفسه فاقداً للحول والحيلة فيتجه الى الصلاة والطقوس والدعاء لتجسدها الرؤية الإخراجية كنمط طقسي عبر توظيفها، ويستحضر العرض واقعة (كربلاء) لما تمثله في الفكر والتراث العراقي والإسلامي بشكل عام المأساة، فالجيوش التي تحاصر العراق وكمية التوابيت والجوع والقهر والأطفال الصرعى، وكل أجزاء وفصول المعاناة، اختصرتها الرؤية الإخراجية عبر استحضار (واقعة كربلاء) كرمز دلالي لتلك الانكسارات التي دفع ثمنها نتيجة الرفض والصبر والثبات على الموقف.
- المؤثرات الصوتية كعنصر درامي ضمن نسق بنية العرض المسرحي.
مما لا شك فيه ان الموسيقى تعد عاملاً يحفز الانفعالات النفسية، ويمنح الفعل الدرامي القوة، ويعزز التحولات البنائية في الخط الدرامي في العرض المسرحي، اذ بنت الموسيقى التي استثمرها المخرج طيلة فترة العرض علاقة بالموجودات المسرحية عززت التحولات الدرامية والأبعاد النفسية بما يلبي المسار الذي رسمته الرؤية الإخراجية، اذ ان توظيف الموسيقى واستخدام (آلة الكمان) جاء كمحاولة لتحرير المشاعر المكبوتة لتنطلق وتتداخل مع فضاء العرض، وبالتالي الوصول الى التوحد مع العرض وادراكه نفسياً، وإيجاد اسقاطاته الواقعية والفعلية ضمن الواقع المعاش وبالتالي شكلت الموسيقى عاملاً استفز المشاعر لتكون عنصراً داعماً لفكر التلقي بالإضافة الى كونها شكلت دعماً لجو العرض المسرحي.
[1] ينظر: قيس عودة قاسم: الموسيقى والمكان، الشارقة: الهيئة العربية للمسرح،2020) ص121
اترك تعليقا