المصور الجوال عين المدينة وذاكرتها

من الكاميرا الشمسية الى الكاميرا الرقميّة

فن التصوير بشقّيه: الفوتوغرافي والفيديوي فن يتطلب مهارة عالية، ليست مهارة في معرفة تقنيات الكاميرا فحسب أنما مهارات أخرى تدخل ضمن التذوّق الجمالي لرؤية الأشياء من زواياها المختلفة، واذا لم تمتلك عيناً مركبة لا تستطيع أن تصير مصوِّراً محترفاً لأن الذي تشاهدهُ العين العادية لا يمكن أن تستثير حوافز الجمال ما لم تكن هناك رؤية جمالية في النظر للشيء الواحد من زوايا مختلفة وفي وقت واحد! فلكل الموجودات على وجه الطبيعة زاوية جمالية تختلف عن الزاوية الأخرى وكذلك بالنسبة للوجوه الآدميّة ولهذا تفنن المصورون المحترفون باختيار زوايا التقاط صورهم تلك الزوايا التي تحتفظ بمساقط الضوء وتكوينات الظل التي تعطي الشيء المصوَّر شكلاً فنياً لن تستطع أن تتصوّره العين العادية.
الكاميرا؛ منذ ان استعمل العلاّمة العربي الحسن بن الهيثم أبسط انواعها عام 1038ميلاديّة لتصبح بعد 823 سنة أداة توثيقية، توثّق اللحظة، مهما كانت، بمسرّاتها واحزانها، وهي ايضاً تُجمِّد اللحظة، وتُبْقيها، فالإبتسامة على وجه فتاة تبقى تحتفظ برونقها، والدمعة النازلة على خد طفل تبقى حيّة ولن تجف أبداً!.. فكم تصفّحنا صورنا القديمة؛ صور الطفولة، والشقاوة، والصبا والشباب، وتصفّحنا خلالها وجوه أحبّتنا وأصدقائنا الذين تقدّموا في العمر، أو غابو عن الحياة، فنتذكّر تلك اللحظة التي جمعتنا معاً، بصخبها وأحلامها التي ندري الآن ما تحقق منها وما تلاشى!
واغلبنا يحتفظ في بيته بصور الذين غابوا، صورة الجد في زاوية، وصورة الأب في زاوية أخرى، وهذه صورة لشهيد الاسرة وتلك لميلاد الطفل الأول.. صور عديدة لوجوه ضاحكة، هم يضحكون في وجه الموت والزمن ونحن نتأسى للحظات لم نشعر فيها الا بالحنين!
أحتفظُ بادراج مكتبي بمئات الصور، لأناس أعرفهم وآخرين لا أعرفهم بحكم عملي لسنوات كمصور جوّال، أكاد لا أنسى اللحظات التي التقطت فيها تلك الصور، فكيف انسى زماناً كنت أحملُ فيه غبار كل الدروب والطرقات الى بيتي؟!
شعرت بصعوبة في الكتابة عن فن التصوير الفوتوغرافي وعن المصور الجوال ذلك لأني سوف اسطّر شيئاً من ذاتي وهو ما لا أرغب فيه.. لا تختلف التقاط صورة لموضوع ما أو الكتابة عن ذات الموضوع لأن اللقطة (الصورة) هي كتابة مجسّمة مثلما هي الكتابة صورة بالحروف حيث يشتغل الخيال في الأثنيين؛ إن ترى صورةً للربيع أو تقرأ موضوعاً عنه، انك بالتأكيد ستشمُّ رائحة الربيع وتعيش ولو للحظة في كنفه.
ولأني اكتب عن التصوير فقد بحثت عن المصورين الشمسيين القدامى الذين كانوا يقفون وليوم قريب أمام دوائر الدولة وخاصة دائرة النفوس لكني لم أجد تلك الكاميرا/ الصندوق بعد ان دخلت تقنيات الكاميرا الحديثة؛ الكاميرا الرقميّة، لكنّي حاولت أن استرجع ما تحتفظ به الذاكرة فيما يخص الكاميرا الشمسيّة.

· المصوّر الشمسي :

حين جلست أول مرة على الكرسي الحديد أمام الصندوق ذي الأرجل الثلاث وقطعة القماش السوداء ما كنت لأصدق أن الرجل الذي يمدّ يده بين الفينة والأخرى عبر قطعة القماش حيث قلب الصندوق انه سيريني وجهي كما أراه يومياً في المرآة، وحين ظهرت الصورة السالبةى ورايت الوجه الأسود والشعر والأبيض ضحكت وظننت أن شيئاً ما غيّر ملامحي، فقد كنت متيقناً منذ الصباح أن وجهي لم يكن بالسواد الذي رايته في تلك الصورة.. اردت حينها أن اصرخ في وجه (إسماعيل المصوّر) لكن خوفي من امّي التي كانت ترافقني بدد صراخي وانتظرت لحظات والمصوّر يضع الوجه الأسود قبالة الصندوق على خشبة تمتد من فجوتها الأماميّة وراح ينظرُ في نتوءٍ في الجهةِ الخلفيّةِ لذاك الصندوق وما هي الا لحظات حتى أخرج قطعة الورق البيضاء فرماها في السطل المملوء بالماء.. لم اصبّر نفسي حتى مددتُ يدي اليها وابتلّت اصابعي بالماء المصفرّ اللزج، فرايت الصورة الحقيقية وشككت في أن إسماعيل المصور هذا لم يكن رجلاً عادياً انما هو ساحرٌ!!
الصورة الأولى كانت بداية تعلّقي بفن التصوير الفوتوغرافي ذلك التعلّق الذي لم أنقطع عنه لحد هذه اللحظة.

· فلاش مان:

(فلاش مان) مصطلح متداول بين اوساط المصوّرين ويعني (المصوّر الجوّال)، أولئك الذين يوثّقون اللحظات السعيدة، تراهم منتشرين في الحدائق العامة والكورنيش يحملون كاميراتهم وحقائبهم ورغم متاعب المهنة الا أن الـ(فلاش مان) يجد سروره في فرحة الناس، فهو يصوّر اعراسهم وأعياد ميلاد أبنائهم.
التقيت بعدد من العاملين منهم، واستغربوا أن تنتبه الصحافة لهذه المهنة التي ظلت بعيدة عن الأضواء..
في كورنيش العشار قال لي أحد المصوّرين انه مارس هذه المهنة منذ أكثر من عشر سنوات وعندما سألته عن علاقته بالكاميرا قال باسماً:
– هي صاحبتي الدائمة! ترافقني اينما ذهبت، تصوّر أنا لا أتركها الا في وقت النوم.. وقد لا تصدق اذا قلت لك انها تزورني أحياناً في أحلامي.. هي اقرب مني اليّ!!
· كيف ترى المدينة عبر عدسة الكاميرا؟
– نحن نختار من أمكنة البصرة أجملها، ولهذا تجدني اتّخذ من هذا المكان (الكورنيش) منطقةً للتصوير، حيث شط العرب الكبير، وقريباً مني تمثال الشاعر الكبير بدر شاكر السياب، كثيرون يزورون المدينة ويختارون ان تلتقط لهم صور قرب تمثال الشاعر.
هناك صور عديدة للبصرة، التقطتها عدسات المصوّرين الأوائل، حيث تبدو اكثر جمالاً من الآن، ومن غرائب الأمور أن يطلب الناس منا صوراً للبصرة في الأربعينيات أو الخمسينيات لكي يرسلونها الى أصدقائهم في خارج الوطن.. وهذا حسب تجربتي شيء طبيعي جداً حيث أن كثير من المناطق الجميلة قد أختفت عن البصرة ففي ذات يوم أردت المشاركة في أحد المعارض وأردت تصوير عدد من الصور السياحية عن المدينة وبالذات الشناشيل فلم استطع التقاط واحدة دون أن تظهر فيها صور أسلاك الكهرباء المتشابكة والقمامة المنتشرة هنا وهناك حول المباني لهذا فقد اضطررت أن اصوّر جزءاً من المبنى لكنه في تقديري لا يفي بالغرض الجمالي!
المصوّر يرى المدينة عكس ما يراها الآخرون، فهو مُطَّلِعٌ على أدق تفاصيلها، ومدينة البصرة تتكون من سطحٍ وقاع؛ فسطحها تلك البيوت العادية والمباني التي لم تتغيّر ابداً، أما قاعها (وهو الأهم والمثير) فذاك عالمها الفانتازي، حيث بيوت (الجينكو) وحاويات القمامة، والأطفال الذين يكبرون دون اهتمام، البيوت التي لم تغادرها الشمس نهاراً وتستفحل فيها الظلمة ليلاً.. تقطنها القطط والكلاب ويحزّمها الفقر والفاقة، أيتام وارامل.. 
وللمدينة – أيضاً- وجوه عديدة؛ فهي الساكنة في الليل والصاخبة في النهار، وحتى نهاراتها تبدو مثل فسيفساء ملوّنة، فوجه ساعات الفجر الأولى غيره في الضحى، أو الظهر، أو العصر، أو المغرب.. فجرها فجر العربات وعمال المسطر، وضحاها ضحى المتسوّقين وأصحاب الدكاكين ورواد المقاهي، وظُهْرها ظهر سائقي التاكسيات والمركبات وصافرات رجال المرور، وعصرها عصر الأعراس وأعياد الميلاد وزيارات المرضى، ومغربها مغرب الثوابات والتسابيح .. قلّما تجد مدينة مثلها ، بفقرها وغناها، وطيبها وما سواها، بأقضيتها وقراها، بخضرتها ويباسها، بزائريها وناسها… هكذا ارى المدينة بعيني الثالثة!
· في التقاطك للصورة الفوتوغرافية أين يكون التركيز على الشخصية أم الخلفيّة؟
– اذا كان شخصاً واحداً فأستطيع ان (أوازن) بين الشخصية والخلفيّة، بحيث تظهر النتيجة أكثر جمالية.. أما اذا كان أكثر من شخص فنحن (نوسّط) الصورة ولا يظهر من الخلفيّة الا القليل.. هناك من يفضّل خلفيّة الصورة اذا كان تمثالاً أو منظراً ما ومن أجل الذكرى لا غير.. وهناك من يفضّل التركيز على الوجوه وهذا هو الأهم لديه.
· ما هي أهم صفات المصوّر الجوّال ؟
– لا أريد أن أتحدّث عن المهارة والمعرفة بتقنيات الكاميرا فهذا من بديهيات العمل في التصوير الفوتوغرافي ولكن هناك صفات لا تقل أهمية عن ذلك وأهمها الصبر والمحافظة على أسرار الناس والدقّة في المواعيد فأكثرنا يعمل في ستوديوهات (محال تصوير) ولكي نجعل الثقة متبادلة بين الزبون والمحل لا بد ان نعطيه موعداً صحيحاً وغالباً ما يكون الموعد اسبوعاً.

· آخر المطاف.. أوائل وتواريخ:

لمزيد من المعلومات أرتأيت ان أذكر في آخر المطاف معلومات أجدها تنفع للمصوّرين وزبائنهم لنقف على التصوير الفوتوغرافي عبر تاريخه الطويل وسنكتفي بذكر التاريخ والحدث الفوتوغرافي فقط دون اللجوء الى التفاصيل :
عام 1038 ميلادية العلامة العربي الحسن بن الهيثم يستعمل ابسط أنواع آلات التصوير.
عام1589 ميلادية العالم الإيطالي Gioranni Dell Porta أول من يستعمل العدسة ومن النوع المحدّب.
عام1758 ميلادية صانع العدسات البصرية John Dolland يبتكر مجموعة من العدسات أعطت صورة بعيوب قليلة كانت الأساس في تطور صنع العدسات البصرية والحصول على صورة حادة.
عام1800ميلادية Thomas Wedgwood يطبق تفاعل الفضة مع نفسه بالضوء وفق النظرية التي أول من أثبتها البروفيسور Johann Schulze.
عام 1816 ميلادية أول صورة سالبة يحصل عليها العالم الفرنسي Niepce بواسطة الصندوق والثقب الصغير باستعمال الورق المطلي بطبقة من كلوريد الفضة.
عام 1837 ميلادية ينجح Louis Daguerre بعد محاولات باستعمال بخار الزئبق أن يثبّت السلبية باستعمال الملح الإعتيادي. ويُعد الأنجليزي الجنسية William Henry Fox Talbot أول من نجح في الحصول على صورة موجبة.
عام 1888 ميلادية George Eastman أول من نجح في جعل أفلام ويليام في متناول اليد وبشكل أفلام ملفوفة على بكرات.
عام 1871 ميلادية James Clerk Maxwell أوضح أنه من الممكن الحصول على ألوان مختلفة من ثلاثة ألوان رئيسية (بداية المحاولات في الحصول على الأفلام الملونة).
عام 1908 ميلادية ابتكار أول طريقة للأفلام الموجبة (سلايد) من قبل Leopold Mannes و Godowsky .
عام 1938 ميلادية شركة أكفا تنتج أول الأفلام السالبة لأغراض الطبع والتكبير.
عام 1942 ميلادية شركة كوداك تنتج أفلاماً سالبة أيضاً لتكون الثانية بعد شركة اكفا.
عام 1947 ميلادية الدكتور Edwin H. Land من شركة بولارويد اول من عمل على انتاج صورة فورية باللون الأبيض والأسود.
عام 1963 ميلادية أول استعمال للأفلام الفورية بولارويد.
عام 1974 ميلادية ظهرت آلات تصوير بولارويد تعمل بالبطارية لإظهار الصورة آلياً 

الحوار المتمدن-العدد: 1409 – 2005 / 12 / 24 

Share: