مسخ – مسرحية من فصل واحد
المسرح خال.. الا من عدد من البدلات العسكرية المعلقة بحبال.. صوت لمارشات عسكرية تسمع من بعيد..
شاب ببلدة سوداء، حافٍ.. يتلفت يمينا وشمالا..
الشاب: فرغت البلدة.. لم يعد هناك ما يمنع ان نملأ الجيوب والبطون.. (صمت) لا.. الجيوب أولاً ومن ثم البطون.. وبعدها… بعدها ماذا..؟ آآآآه يا ولد.. أما زلت تشتهي تلك الأجساد.. ؟ ألم تشبع منها..؟ هكذا أنت، ما بين (صيغة) و(صيغة) هناك (صيغة)!!.. لنسدل الستار على ايام (الصيغة).. ونبدأ بالمفلطح، والمربرب وما تستطع ايمانك يا….. يا سافل (يضحك بصوت عالٍ)..
(ينظر الى أعلى.. يتقرب من البدلات العسكرية) أما زلتِ هنا.. معلقة كذاكرة عفنة..؟ تذكرينني بأيام الفرار والسطوح التي أدمنت اعتلاءها.. (باللهجة العراقية) إجاك ذيب.. إجاك واوي… لا ذئب بقى ولا واوي.. خلت البلدة منهم ولم يعد في المكان سوى أجساد ممسوخة.. إن لم تأكل تؤكل! دع أنيابك شاخصة.. ومخالبك.. أنت في مرماهم كما هم في مرماك.. ألف عافية عليك يا عراق!
(اصوات جلبة في الخارج.. مسخ يختفي خلف البدلات العسكرية.. يدخل ثلاث من المسلحين)
مسلح 1: ألم أقل لكم.. كل شيء على ما يرام..
مسلح2: النهار شارف ينتهي وانت تقول كل شيء على ما يرام..
مسلح1: اصبر يا صاحبي.. سيأتيك الرزق..
مسلح3: اين هذا الرزق..أينه..؟
مسلح1: حتى أنت تشاطره اليأس..؟ عملنا يا صاحبيّ لا يحتمل القنوط.. سنحصل على صيد سمين ..
مسلح2: لم يبق تاجر في البلدة حتى نصيده..
مسلح1: اخرج قائمتك واقرأها جيداً.. ما زال هناك الكثير لكنهم صاروا أكثر حرصاً .. هذه لعبتنا.. لعبة القط والفأر!
مسلح3: جيوبنا فارغة ونحن نتظر ما أدرانا أننا سنحصل على واحد هذا اليوم…
مسلح1: بل قل اثنين أو ثلاثة وربما أربعة..
مسلح2: ما شاء الله أنت متفائل جداً!
مسلح1: (ينظر خلف الملابس العسكرية ويرى مسخ).. ألم أقل لكم.. أنظرا..
(مسلح2 و3 ينظران الى مسخ)
مسلح1: ها .. ماذا تنتظران.. اجلباه الى هنا…
(المسلحان يتقدمان نحوه لكنهما سرعان ما يتوقفان)
مسلح1: ما بكما.. لماذا توقفتما..؟
مسلح 2: يظهر أن لا قسمة لنا به…!
مسلح1: لا قسمة لنا به..!!
مسلح 3: أنه .. أنه..
مسلح1: انه ماذا…؟
مسلح 3: صاحبك القديم…. مسخ..
مسلح1: مسخ؟! ما الذي أتى به الى هنا..؟ (يتقدم نحوه) أنت.. يا مسخ.. أخرج.. اخرج..
مسخ: (يتعلق بالملابس العسكرية.. يضحك بصوت عالٍ)
مسلح1: ما الذي يضحكك..؟
مسخ : (من وراء الملابس) سمعت كلامكم كله..
مسلح1: ما الذي يضحك بكلامنا.. ها.. قل..؟
مسخ: (بسخرية) صيد سمين… رزق كبير…!! أنا.. أنا صيد سمين.. أتراني صيداً.. ؟
مسلح1: تعال وكلمني رجلا لرجل..لا تسخر منا..
(مسخ يخرج من خلف الملابس العسكرية)
مسلح1: كنت تهرب منها والآن تتخفى بها.. سبحان الله!
مسخ: لكل زمان حال..
مسلح1: ألم تفكر فيما عرضته عليك..؟
مسخ: اسمع يا صاحبي.. انا لا يهمني في هذا الكون الا ثلاث.. جيبي ومعدتي و…..!
مسلح1: وماذا..؟
مسخ: و..و..و..
مسلح1: ها.. عرفته.. وماذا لو قلت لك أن تلك الثلاثة التي تهمك ستحصل عليها دفعة واحدة…
مسخ: كيف…؟
مسلح1: إن شكلنا حزباً سنضمن ما نرغب فيه…
مسخ: حزب..؟ حزب ثانية.. سنوات والحزب يطاردني ثم ألجأ اليه…
مسلح1: مثلما لجأت الى تلك (يشير الى الملابس العسكرية).. لكل زمان حال.. هذا كلامك..
مسخ: حزب من أربعة أفراد…؟
مسلح1: ليس لوحدنا.. معنا هذه.. (يرفع سلاحه في وجهه)
مسخ: وميليشيات أيضاً….؟
مسلح1: لكي نضمن مستقبلنا..
مسخ: أرى ان شغلة التسليب أفضل من تشكيل حزب..
مسلح1: لِمَ لا نجمع الإثنين…
مسخ: اسمع يا هذا.. ابعدني عن السياسة.. ودعني أحصل على ما أريد بطريقتي…
مسلح1: ومن سيحميك..؟
مسخ: انا احمي نفسي..
مسلح1: قالوها قبلك.. اعقل يا ابني أنت تهدر فرصة عظية…
مسخ: (يفكر مع نفسه) حسناً دعني أفكر الليلة..
مسلح1: تفكر ثانية…؟ الوقت يمر وانت تريد ان تفكر.. حينها تكون الفرصة قد ضاعت.. اتعرف محجوب..؟
مسخ: بائع السكراب.. ؟
مسلح1: لو رأيته لما عرفته.. خدم وحشم وحمايات…
مسخ: من أين جاءت له تلك الأشياء..؟
مسلح1: فرصة قطفها وراح يملأ جيوبه وبطنه و…….! فانوس علاء الدين بأيدينا ولم يبق الا نطلب ما نشاء…. ستكون انساناً وليس مسخاً كما أنت…
مسخ: لكن الناس يعرفونني مسخاً….
مسلح1: ستعميهم بما لديك.. سيصفقون لك.. ويهتفون..ويطبلون مثلما طبلوا لغيرك..
( أصوات تسمع من بعيد)
الأصوات: بالروح بالدم نفديك يا عظيم…!
(تطفأ أضواء المسرح.. بقعة ضوء على مسخ)
مسخ: (يعتلي منصة.. يلوح بيديه للجماهير) أني أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها..
الأصوات: بالروح بالدم نفديك يا عظيم….
مسخ: افتحوا الأبواب وليدخل الممسوخون والسيّافون والطبّالون.. واحتزوا ما لا حاجة لنا به .
العراق- منفى ما…
16/3/2008
الحوار المتمدن-العدد: 2255 – 2008 / 4 / 18
اترك تعليقا