الى من يهمه الأمر

(قبل الطبعة الأولى)

الشخوص

  1.  جواد مدير التحرير: رجل في الأربعين من عمره
  2.  عفاف : صحفية في مقتبل العمر
  3. 3-        المرأة : عجوز

المكان:

يتغير بتغير الحوارات..

(مدير التحرير يقف في وسط المكان ويدل مظهره على انه قلق.. يتحرك يمينا وشمالا وينظر بين الفينة والأخرى الى ساعته والى ساعة الحائط)

جواد: أين تراها ذهبت ؟ اتصلت بها أكثر من مرة وهاتفها مقفل.. لا.. (ضجرا) هذا أمر لا يمكن السكوت عنه.. الجريدة في المطبعة والموضوع لم يصلني بعد.. أوووه.. أين ذهبت هذه العفريتة..؟

(يتحرك مرة أخرى من مكانه وهو ينظر إلى ساعة يده )

أرجو أن لا يكون قد حصل مكروها لها كما في المرة الماضية.. أوووووه (مع نفسه) ما بك يا جواد .. لا تكن متشائما.. ألا تدري أن مجرد التفكير بالشؤم يجلب العاصفة.. أعرف ان عفاف جريئة .. وجريئة جدا.. لكنها تستطيع ان تتجنب الكوارث وتنجو بنفسها.. (يضحك مع نفسه) هذا لأنها كارثة.. قطة بسبع أرواح!! (يتذكر) قال لي المصور الذي كان يرافقها يوم كارثة المدرسة الأبتدائية ، حين اقتحمت النار المدرسة ، لم يرها خائفة مثل غيرها، انما اقتحمت المكان وراحت تحمل في يديها الصغار مثل ام حانية.. أيه، كنت مثالا للصحفية المخلصة يا عفاف.. ولكن… (ينظر الى ساعته) أين أنت الآن، تأخرت كثيرا (يخرج هاتفه النقال ويحاول الاتصال .. ينتظر قليلا فلم يفلح في الحصول عليها) مغلق… مغلق… ماذا جرى لك..؟

(تدخل عفاف على عجل)

عفاف: هل تأخرت يا أستاذ …

جواد: (ينظر لها دون أن يتكلم)

عفاف: اعرف انك غاضب علي

جواد: لست غاضبا يا عفاف…

عفاف : لا…. أنت غاضب حقا

جواد: (بصوت عال) قلت لك لست غاضبا..

عفاف: أوووووووه… أنت غاضب يا أستاذ !

جواد: ماذا جرى لك يا عفاف ؟

عفاف : الآن دخلنا في صلب الموضوع… ألم اقل لك  أنك غاضب ..

جواد : بعد لحظة سأكون غاضبا وعندها……

عفاف: (مقاطعة بابتسامة) ستحدث الكارثة .. أليس كذلك؟!

جواد : كم أنت باردة يا عفاف!!

عفاف: (ضاحكة) هذا لأني أعمل على النظام الشتوي!!

جواد : (ضجرا) بدأنا بالهزل..

عفاف: (معتذرة) هل زعلت حقا يا أستاذ.. هــا… أراك زعلانا … حسنا أنا آسفة… آسفة حقا.. فقط أردت ان ألطف الجو قبل ان أريك مفاجأتي..

جواد : (مستغربا) مفاجأتك ؟!

عفاف: شيء من هذا القبيل…

جواد : وهل يسمح وقتنا للحديث عن مفاجأتك .. ألا تدرين أن المطبعة بانتظار موضوعك والجريدة متوقفة عليك..

عفاف: إذن أنت تؤكد كلامي بأن كل شيء يتوقف على عمل المرأة !!

جواد: لم اقل ذلك يا عفاف..

عفاف: (بلطف) إذن لماذا تتوقف الجريدة علي.. ألا يعني هذا باني مهمة؟

جواد : لم اقل لك بأنك غير مهمة ، بالعكس ان عمل المرأة يكمل عمل الرجل

عفاف: ولكن المرأة لها الحظوة في هذا..

جواد : قولي ما تشائين وخلصيني.. المطبعة بالانتظار..

عفاف: أعرف هذا يا أستاذ .. واعرف أيضا أن أمامنا أكثر من ساعة..

جواد : إذا كنت تعرفين ذلك هل جلبت موضوعك؟

عفاف: إذا كان هذا هو الذي يؤرقك يا أستاذ فاعلم ان الموضوع معي..

جواد : معك..؟ أين.. أعطيني إياه…

عفاف: ستراه يا أستاذ…

جواد : لا تقولي لي هو المفاجأة..؟

عفاف: (تهز رأسها إيجابا)

جواد: ماذا ؟

عفاف : هو المفاجأة..

جواد : ألم يحن الوقت بعد لتريني موضوعك (مستدركا) اقصد مفاجأتك..

عفاف: حسنا يا أستاذ .. انظر…………….

(إظلام تدريجي … بقعة ضوء تظهر في وسطها امرأة عجوز)

المرأة: لم يجبرني أحد في قول الحق… كانَ زمانا أردأ من ثوبي هذا..

أصعب من عمري هذا … أظلم من بصري بعد ضياع العمر!

( بقعة ضوء أخرى تظهر فيها عفاف وهي تكتب ما تردده العجوز)

عفاف: قولي يا خالة ما يحلو لك…

المرأة: عمنْ أتحدث ؟

عن عمر ضاعَ وصارَ هشيما..

 عن أولاد قطفوا من شجرة البيت ولمْ يرجعْ منهم احد..

عن بيت هد على ما فيه من الأشياء…

وصاحَ الأوباش به الفرهود!!

عمنْ أتحدث وأنا لا املك  غير بقايا الروح؟!

عفاف: نبدأ فيك يا خالة….

المرأة: أنا…………؟

       (بلهجة عراقية)

ريت اللي شفته أسنين ما مــــر على الناسْ

ظيم أو ظلم واهموم غطــــت على الراسْ

 (باكية) شحجيلج إبنيتي…

عفاف: القصة يا خالة… القصة كاملة…

المرأة: (بلهجة عراقية) القصة..؟

أكو غير الظيم….

آآآآآآآآه من الظيم………

 (تختلف ألوان الإضاءة مع استرجاع المرأة لقصتها)

في الليل، حينَ تنام الناس

اردد : قلْ أعوذ برب الناس

يترصدنا الخناس…

بعيون من نار…

بيت سموه وكر…

وضعوه في هدف القناص !

أي وكر ذاك..؟

أي وكر هذا ؟

( تتمشى في المكان)

في الليل تفتيش وفي الفجر..أخذوا ولدي الأول وقالوا سنرجعه لك..أخذوا ولدي الثاني وقالوا سنرجعه لك..اخذوا ولدي الثالث وقالوا سنرجعه لك..

أخذوا…….

أخذوا…….

أخذوا…….وقالوا سنرجعهم لك..لم يأت احد لي ولم يخبرْني عنهم احد.. (باكية) أخذوا الأولاد وليتهم أخذوا عمري ومنحوهم بعضَ حياة !

عفاف: ألم تبحثي عنهم؟

المرأة: (تنهض من جديد.. تحمل بقجة وتدور في المكان)

فدوة يمه… جيت اشوف اولادي… فدوة يمه.. جيت اشوف عباس وجاسم وحسن.. فدوة دلوني عليهم.. شباب مثلكم.. (تتراجع) لا…لا.. لا مو مثلكم، اكيد مو مثلكم.. بس ابعمركم.. اتلاثة.. اوليداتي.. اخذتوهم وما رديتوهم.. كالولي عدكم بالفرقة.. موش هيه هاي الفرقة؟

يمه فدوة.. آنه ابكد أمك.. فدوة.. بس جيبلي خبر عنهم.. أنطيك مية.. ميتين.. اتلث ميه.. بس جيب لي خبر عنهم.. يمه اولادي.. احزام ظهري.. ما عندي غيرهم..

عفاف: هل جاءوا بهم لك ؟

المرأة: هناك (تشير إلى جانب من المكان)

في مقبرة خلف السور العالي..

كانوا أكثر من خمسين ..

أكوام من قتلى مظلومين!!

عفاف: أكان أولادك من ضمنهم؟

المرأة: (باكية) عباس وجاسم وحسن… عرفتهم جارتنا.. لكني أحسست

 بأني في ذات القبر أنام..

عفاف: ما أعظم صبرك يا خالة…

المرأة: ما أعظم همي!!

عفاف:  سيقرأ قصتك كل الناس

المرأة: قصة ماض أتمنى أن لا يرجع..

عفاف: لن ننسى أبدا إن الأم العراقية قد ضحت..

المرأة: وما زالت .. لكن المستقبل مفتوحا.. أليس كذلك؟

عفاف: نعم يا خالة!

المرأة: هل اذهب…؟

عفاف: قبل أن أعرف إسمك.. هه.. ماذا اكتب ؟

المرأة: أمرأة من زمن الضيم!!   

(إظلام تام ومن ثم يظهر مدير التحرير وتقف إلى جانبه عفاف)

جواد : (غاضبا) امرأة من زمن الضيم ؟

عفاف: هي أرادت ذلك..

جواد : ألم نتفق ان يكون موضوعك عن المرأة العصرية..

عفاف: أقر بأننا اتفقنا على ذلك ولكن…………..

جواد : (مقاطعا) ولكن ماذا……….؟

عفاف: تلك المرأة رمز لنساء بلادي.. وعشرات هناك يحملنَ الدموع حيث أسرتهن  منتظرات الآباء والأبناء والأزواج الذين لن يعودوا أبدا..

جواد : وأنت

عفاف: ما بي…؟

جواد : ألا توجد لك بعض الأحلام..

عفاف: ومن قال لك لا توجد لبنات اليوم أحلام.. أنظرْ… ففي وطني ملايين النسوة يحملنَ أحلامهن.,.

جواد: حسن.. اكتبي تلك الأحلام… ولكن قبل الطبعة الأولى…

       (عفاف تهز رأسها إيجابا.. إظلام ..)

                            ستار

                                البصرة في 10/12/2004

Share: