جدار رابع

الشخوص:

الأب: تجاوز السبعين، مصاب بفقدان الذاكرة منذ عام، طيار عسكري متقاعد

الابن: رجل أعمال، متزوج

الإبنة: ربة بيت تجاوزت الأربعين، عازبة، لم تكمل تعليمها، 

صالة منزل، الابن جالساً وهو يتصفح جريدة، تدخل الابنة.. ينظر لها الابن ويضع الجريدة.

الابن: هل نام؟

الابنة: تركته نائماً لكني لا أعرف هل نام حقّاً أم كعادته كل يوم..

الابن: يا الله، أنت لا تعرفين أن اباك نائم أو لم ينم..

الابنة: هو أبوك ايضاً، لا تخاطبني هكذا وكأنك لا تعرفه.

الابن: أريد أن أطمئن كي أذهب الى عملي.

الابنة: لا أعتقد أن عملك أهم من ابيك..

الابن: أنت معه ولا أجد فائدة من وجودي هنا.

الابنة: متى تتفرغ لأبيك اذا كنت في النهار بمكتبك، وفي الليل عند زوجتك؟ ها.. قل لي، متى تتفرغ له؟

الابن: وهل تريدينني أن أهمل بيتي، وحياتي..؟

الابنة: لم اطلب منك هذا، كل ما أريده أن تخصص وقتاً لأبيك فله حقّ عليك.

الابن: لا حاجة في أن تذكرينني كل يوم بهذا..

الابنة: لا أعرف ما الذي فعله بك كي تهمله هكذا.

الابن: انا لم أهمله والدليل حين اتصلت بي اليوم وأخبرتيني بحالته جئت مصطحباً معي الطبيب.

الابنة: تعامله وكأنه غريب..

الابن: لم أقصّر في رعايتكما، أنا أصرف عليكما كما أصرف على بيتي.

الابنة: هل تعتقد أنه بحاجة الى نقودك؟ يكفينا راتبه التقاعدي.

الابن: هل أفهم من كلامك هذا أن أقطع عنكما المصروف.

الابنة: يا أخي، هو يحتاج لوجودك معه أكثر من حاجته لنقودك.

الابن: (ساخرا) هو لا يعرفني اصلاً فكيف يحتاج لوجودي.. هل تعرفين أنه كان يظنني مساعد الطبيب اليوم..

الابنة: انت لم تفهمني.

الابن: فهّميني اذن ما لا أفهمه.

الابنة: حتى وان لم يعرفك هو فبالتأكيد أنه يشعر بالراحة وهو معك، هوذا قلب الأب..

الابن: (مبتسماً) لم أجرّب هذا الإحساس أبداً، خمس سنوات من زواجي وأنا أحلم بطفل يحمل إسمي..

الابنة: يا أخي أنت تبرر لنفسك وتحاول ان تقنعها أن حاجتك لأبيك قد انتهت بينما مهما امتد بك العمر وكبرت فإنك في حاجة له.

الابن: وأنا صبيّ كنت في حاجة له لكنّه لم يفرّغ نفسه لي.

الابنة: أنت أعرف مني بانشغاله، وهذا هو حال كل ضباط الجيش في الحرب، ورغم ذلك فقد كان يقضي معظم وقت إجازته معنا.

الابن: بل يقضيه معك أنت ابنته المدللة الصغيرة.

الابنة: ويهتم بك أيضاً لأنك امتداد له، وطالما كان يردد أنه يريدك أن تجتهد لتكون ضابطاً طيّاراً مثله.

الابن: (ينظر الى ساعته) لقد تأخرت كثيراً، لديّ اجتماع مجلس الإدارة.

الابنة: أنت الرئيس ويمكنك تأجيله أو حتى الغائه..

الابن: سبق وان اجّلته ولا يمكنني تأجيله مرتين.

الابنة: لو بقيت مع أبيك ساعتين لن تتأثر شركتك، ولن تخسر في سوق البورصة.

الابن: وأين هو أبي؟ ربما لا يصحو إلا في فجر الغد، اتصلي بي ان حدث شيئا.

الابنة: إذا كان لا بد لك من المغادرة، عد بعد انتهاء اجتماعك.

الابن: هناك بعض الحاجيات عليّ توفيرها للمنزل.

الابنة: أنا وأبوك نحتاجك يا أخي.

الابن: لو كنت في مثل وضعي لفهمتينني.

الابنة: مرة واحدة ضحّي من أجل الرجل الذي أوصلك الى ما أنت فيه من خير ومركز.

الابن: (ساخرا) وماذا قدمت أنت من تضحية له؟ بقاؤك هنا في المنزل هل تعتبرينه تضحية؟ أنت تعرفين مشاغلي وعملي فماذا عندك أنت؟ هل تعتبرين مكوثك هنا تضحية؟

الابنة: ليست تضحية، ولا اعتبرها كذلك، أنه واجبي تجاه رجل أفنى عمره من أجلي، وليس من العدل أن أتركه في الوقت الذي يحتاجني فيه. أنا يا أخي    أهملت نفسي وتركتها واهتممت به. هل نسيت؟

الابن: للآن تعيشين في الماضي وتستعيدينه، ماذا أقول لك وأنا لم تكن لدي يد في كل ما حدث. كانت أمك تقف حائلا ما بينك وبين من يتقدم لخطبتك.

الابنة: لم يكن لأمي أي سلطة أو قرار في المنزل.

الابن: بل كان أبوك يستمع لها ويقرر وفقاً لرأيها.

الابنة: وأنتَ، ألم يكن لك رأي باعتبارك الأخ الأكبر؟

الابن: لا أريد أن أخوض بهذه التفاصيل، لقد تأخرت وعليّ الذهاب الآن..

الابنة: إهرب.. إهرب من الحقيقة التي لا تستطيع نفيها.

الابن: أيّ أوهام تلك التي تدور في رأسك؟ لا ارى أن هذا الأمر يتطلب غضبك (يقترب منها ويضع يديه على كتفيها) يا اختي العزيزة، أعرف كم هي مؤلمة الوحدة التي تشعرين بها، لكنها مشيئة الله، وكل شيء بالقسمة والنصيب.

الابنة: كم قسمة ضاعت، وكم نصيب خسرته!

الابن: (يمسح دموعها) ما زلت شابة وامامك طريق طويل,

الابنة: (ساخرة وهي ترد يده) ما زلت شابة! هل تعرف اني تجاوزت الأربعين قبل إسبوعين؟

الابن: (يضع يده على راسه وكأنه يتذكر) أووه، كيف نسيت عيد ميلادك، لماذا لم تخبريني؟

الابنة: وما الذي يعني لك عيد ميلادي؟ كلها سنوات تمضي وتأكل من عمري، ندمت لأني لم اكمل تعليمي، وندمت لأن سنواتي صارت مثل النار المحشورة في صدري.

الابن: عيشي يومك يا اختي.. العمر لا يعد بالأرقام..

الابنة: هذا هو الوهم الذي تعيشه.. لو كنت محصوراً بين اربعة جدران لما اعتبرت العمر مجرد ارقام.

الابن: اذا كان هذا يشغلك ويمنعك من ان تعيشي يومك فلماذا لم توافقيني على مقترحي السابق؟ 

الابنة: وما الذي تريده أن يقوله الناس عنّا؟

الابن: لا يعنيني ما يقولون.. المهم ان يعيش كل منّا دون قيود.

الابنة: (بغضب) أبي ليس قيداً.. وما تريده لا يمكن أن يحدث 

الابن: هناك في دار المسنين سيجد الرعاية الكاملة.

الابنة: (ما زالت غاضبة) قلت لك لا اريد أن اسمع مقترحك هذا.

الابن: لا يوجد غير هذا الحل.

الابنة: ان نرمي أبانا في دار المسنين ونحن نعيش يومنا.. هذا هو الحل؟ أن تكون حكايتنا على ألسن الناس برأيك هذا هو الحل؟

الابن: لا يوجد غيره كي لا تحصري نفسك بين أربعة جدران.

الابنة: أتريدني ان اهرب من الجدران الأربعة لأسجن نفسي في ذنب لا يغتفر.

الابن: أووه.. أنت تعقّدين الموضوع وهو بسيط جداً..

الابنة: (تضحك ساخرة) بسيط جداً.. ها.. بسيط جداً.. هذا الموضوع بسيط عندك لكنه يجعلني أمام نفسي عاقة وتافهة.

الابن: هذا ليس عقوقاً..

الابنة: إي.. وماذا تسمّيه انت؟

الابن: لو كان عقوقاً لما فتحت الدولة دوراً للمسنين..

الابنة: فتحتها للذين لا أبناء لهم..

الابن: هناك في تلك الدور من لهم أبناء، وأبناء كثر.

الابنة: أبناء شياطين! كيف يفكّر انسان برمي أبيه في دار المسنين، الآباء يا اخي ليسوا سلعة نتصرف بها كما نشاء، يكفي انهم عاشوا من أجلنا، وعانوا، وتحمّلوا.. أطعمونا من راحتهم، ورعونا يوم كنّا ضعفاء، وفّروا لنا كل مانحتاجه.. علّمونا كل شيء.. أهذا هو الجميل الذي نردّه لهم في أن نرميهم بدار المسنين؟

الابن: مللت من خطاباتك هذه وأنا اقنعك.. يبدو أنك لا تريدين أن تعيشين بسلام..

الابنة: أتريدني أن ارميه في دار المسنين لأعيش بسلام؟ يا لبؤس ما تفكر فيه.. 

(صوت يُسمع من داخل الغرفة)

الابنة: (تلتفت ناحية الصوت) هل رأيت؟ لقد استيقظ.

الابن: صوتك العالي أيقظه..

الابنة: وهل تجد في دار المسنين من يتحمّل كل هذا؟

(يدخل الأب)

الأب: (صارخاً) أين ذهب ذاك الجندي المعتوه.. ألم آمره أن يوقظني في الرابعة فجراً.. (ينظر الى الابن والابنة) أنتما، تعالا هنا.. (الابن والابنة يقتربان منه) من الذي أدخلكما الى غرفتي؟ وماذا تفعلان هنا؟ (يحدّق بهما) ها.. عرفتكما.. أنتما الجاسوسان الذي تحدّث عنه القائد البارحة. لقد وقعتما في المصيدة.. ألا تعرفان ما هي المصيدة؟ مصيدة الفئران أيها الذكيان.. (يصمت قليلا) اتظنان حقّاًأنكما ذكيّان؟ أنا قائد السرب الأول هنا ولا أحد يتذاكى عليّ.. لن تنجيا من مصيدة الفئران التي وقعتما فيها. 

الابنة: (متألمة) تعال.. استرح هنا.

الأب: (يدفعها) ومن أنت حتى تأمرينني؟

الابنة: أنا ابنتك يا أبي.

الأب: (مفكرا) ابنتي؟ (متسائلا) أنا لديّ ابنة؟ (يحدّق بها) وبهذا العمر؟

الابن: أبي، انها ابنتك، وانا ابنك.

الأب: (مستغربا) وأنت أيضاً؟

الابن: (يمسك يده) تعال اجلس يا أبي.

الأب: (يدفعه ويبتعد عنهما) انتما تكذّبان عليّ لتتخلّصا من المصيدة (بلهجة آمرة) هيا اخبراني، ما الذي تنويان فعله؟ (صمت قصير) ها.. عرفت.. تريدان تلغيم طائرتي وتفجرانها وأنا في الجو.

الابنة: (تبكي)

الأب: (يقترب منها) دموعك هذه لن تثنيني عن أداء واجبي تجاه بلدي.. سأخبر القائد عنكما ولكن قبل أن أخبره عليكما الاجابة عن سؤالي: كيف دخلتما الى جناح الطائرات دون أن يراكما الحرّاس؟ أريد أن أعرف هذا، وأعرف أيضا من يتعاون معكما.. (بصوت عال) امامكما دقيقة واحدة، من هذا المتعاون الخبيث؟ هل هو المعتوه حارسي الشخصي؟ (يدور حولهما) اسمعاني جيدا، صمتكما هذا لن يخلصانكما من قبضتي، اذا اردتما أن أرأف بكما عليكما قول الحقيقة. الصدق وحده والحقيقة ربما تشفع لكما.

الابنة: أرجوك يا أبي.. أنت في منزلك وليس في وحدتك العسكرية.

الأب: (مستغربا) كيف يكون منزلي في القاعدة الجوية؟

الابن: أبي.. أنت تركت الخدمة منذ زمن، لقد تقاعدت.

الأب: الجواسيس دائماً توهم رجال الأمن بأشياء لا وجود لها. مكانان في مكان واحد كيف يكون هذا؟ منزلي في القاعدة الجوية أم القاعدة الجوية في منزلي؟

الابن: (يمسك يده) لا وجود للقاعدة الجوية يا أبي. تعال هنا استريح كي أفهّمك.

الأب: (يدفعه) اترك يدي.. أنا من يضع الاصفاد في يديك أنت وهذه الجاسوسة اللعينة (يصمت قليلا) ولكن ليس لديّ أصفاد ولا حبل أقيدكما فيه..

الابنة: (تبكي)

الأب: قلت لك، بكاؤك هذا لن ينفعك.. الاعتراف والندم قد يخفف عنكما العقوبة.

الابن: أبي، انظر اليّ، أنا ابنك، انظر الى وجهي ألا يذكّرك بي.

الأب: (صارخا في وجهه) لا يذكرني الا بوجه ذاك الطيّار العدو الذي أراد اسقاط طائرتي.. كلكم متشابهون.

الابن: ألا يذكرك بولدك يا أبي؟

الأب: ليس لديّ أولاد.

الابنة: (وهو تبكي) انظر الينا يا أبي.

الأب: لست أباً لأحد منكما.

الابن: أنا ابنك يا أبي، حاول أن تتذكّر جيداً (يمد يده نحوه) انظر الى يدي، هل تتذكّر هذا الجرح في يدي، هل تتذكّره يا أبي؟ جرحت في المنزل في يوم اجازتك وأخذتني الى المشفى.

الأب: روايتك هذه تصلح أن تكون فلماً سينمائياً.. قلت لك ليس لديّ أولاد.. (يقترب منه) بربّك كيف تكون أنت ابناً لي كما تدّعي وأنا لم أتزوج أصلاً؟

الابن: (يقترب من الابنة) يبدو أن حالته تتدهور.

الابنة: ألم أقل لك.. هذه حالته منذ البارحة بعدما ارتفعت حرارته وبدا بالهذيان.

الأب: (يقترب منهما) ها.. تضعان خطة للهروب أليس كذلك؟ ألا تعرفان أن دخول الحمّام ليس مثل الخروج منه.. (يدور حولهما) لا يمكنكما الافلات مني أبداً.

الابن: كيف تتذكّر عملك طيّاراً، وحارسك الشخصي ولا تتذكّرنا؟

الأب: (يصمت قليلا مفكراً) أنا طيّار..؟ (يفكّر مع نفسه وبعد برهة يصرخ) أين ذهب ذاك الحارس المعتوه (يدور في المكان بحثاً عنه) ستكون عقوبته قاسية.. سألقنه درساً لن ينساه ابداً.. عليه أن يترك تلك العادة السيئة في ان يذهب دون استئذان.. (ينظر الى الابن) أنت.. اذهب واجلبه لي قابضاً..

الابن: (يبقى واقفا حائراً وهو ينظر الى الابنة) 

الأب: (يقترب منه ويهمس في اذنه) السيارة التي بعتها لي غير صالحة، الأصوات التي تخرج منها لا أستطيع تحمّلها.. قال لي المصلّح أنها سكراب لا تنفع.

الابن: (ما زال مستغربا)

الابنة: (تقترب من الأب وبألم شديد) سنعيدها يا ابي، اطمئن، لا تشغل نفسك فيها.

الأب: أشغل نفسي في ماذا؟

الابن: السيارة يا أبي.. سآخذها منك.

الأب: أيّ سيارة؟ سيارتي هناك في المرأب (ينظر الى الابنة) هل طهوت طعام اليوم بحسب القائمة التي كتبتها لك؟

الابنة: (مستغربة)

الأب: أنا جائع، أين طعامي؟

الابنة: قبل ساعتين أكلت يا أبي!

الابن: حسناً، سأترككما تتناولان الطعام وأنا أذهب الى عملي.

الابنة: (تمسكه) لا تذهب (تهمس في أذنه) ألا ترى حالته؟

الابن: (هامساً) لا أعرف كيف أتصرف مع هذا الوضع، كل لحظة هناك حكاية، الموقف يحرجني..

الابنة: هل رأيت الوضع الذي أنا فيه؟ أنت لم تحتمله لدقائق بينما أنا هنا كل الوقت.

الأب: (يجلس ويمسك الجريدة، يتطلع فيها ثم يضحك)

الابن والابنة: (ينظران له باندهاش)

الأب: (يستمر بالضحك الهستيري حتى ينهار)

الابنة: (تركض نحوه وتمسك به)

الابن: (يقترب منهما ويمسك الأب) ما الذي يحدث؟

الابنة: (تتحسس جبهة الأب) حرارته مرتفعة جدا..

الابن: هذا ما قاله الطبيب، عليه أن يأخذ قسطاً من الراحة لكي تنخفض حرارته.

الابنة: اعطيته الدواء لكن حرارته لم تنخفض.

الابن: اتركيه نائماً في مكانه، اتركيه يرتاح (ينظر الى ساعته)

الابنة: كيف اتركه على هذه الاريكة.

الابن: لا وقت لديّ، عليّ الذهاب الآن.

الابنة: كيف تتركه وهو بهذا الحال؟

الابن: لديّ عمل.

الابنة: أنا متعبة جداً. 

الابن: لو أخذت بنصيحتي لما كنا الآن بهذا الموقف.

الابنة: ها قد عدت ثانية الى اسطوانتك المشروخة.

الابن: هناك، في دار المسنين، ثمّة رعاية وأطبّاء.

الابنة: لكنّه يحتاج لأبنائه.

الابن: أين هم أبناؤه؟ أشعر أني غريب هنا، هو لا يعرفني ولا يعرفك أنت أيضاً.

الابنة: ذهنه مشوّش، حالته تمنعه من أن يتذكّر أي شيء باستثناء ما علق في رأسه من أحداث وأسماء في الماضي.

الابن: أعرف هذه الحالة، لهذا فأن وجودي هنا لا فائدة منه، لا ينفعه ولا ينفعني أنا أيضاً.

الابنة: لكني لا أقوى على حمله وحدي يا أخي.

الابن: دعيه هنا في مكانه، هذا أفضل له ولك.

الابنة: (مؤنبة) أيّ قلب تحمله يا أخي؟

الابن: هذا هو الواقع وعليك أن تستسلمي له، اما عن كلام الناس فلا تهتمي به.

الابنة: حتى وإن لم أهتم بكلام الناس، فماذا أفعل لضميري الذي يؤنبني.

الابن: اطمئني، قد يؤنبك يوم أو أسبوع، وستنسين ذلك.

الابنة: عجيب أمرك يا أخي، كيف تتنازل عن أبيك بهذه السهولة.

الابن: ومن قال لك أني أتنازل عنه، وأحبّ أن أطمئنك بأني لن أنقطع عن زيارته..

الابنة: آهٍ على تلك الأيام، آهٍ على دمع أمي يوم جرحت يدك (تبكي) 

الابن: |أيّ بلاء هذا وقعت فيه؟

الابنة: (صارخة به) هذه رحمة! أن ترحم أباك وتحمله في شيخوخته، تنسيه آلامه. يا أخي ارحموا من في الأرض..

الابن: (مقاطعا) أعرف.. أعرف. يرحمكم من في السماء. أنت تخاطبينني وكأني عاق لوالديّ.

الابنة: لم أقل هذا.. كل ما أطلبه منك هو أن ترحم أباك.

الابن: الوقت يمر وأنت لا تدركين مدى الخسارة التي ستصيبني.

الابنة: ليس أكبر من أن تخسر أباك. المال يا أخي يذهب ويجيء، لكن الأب لا يعوّض.

الابن: هو معك وأنا مطمئن لأنك جديرة برعايته (مستدركاً) الا إن كنت قد عجزت عن ذلك وليس أمامك الا موافقتي على أن نضعه في دار المسنين.

الابنة: دار المسنين.. دار المسنين.. أليس لديك غيرها؟ 

(الأب يستيقظ)

الأب: (فزعا) ما هذا الصوت الذي يزنّ في رأسي؟ (ينهض من مكانه وما زال فزعا) طائرة سقطت.. طائرتان، ثلاثة.. السرب سيعود الى القاعدة.. هل تسمعني (يكرر) هل تسمعني.. أسراب كثيرة تتجه نحونا، تحاصرنا، لا مفر منها.. نحن محاصرون.. سنهلك جميعا (يسقط على الأرض وهو يضع يديه على أذنيه)

الابنة: (تمسكه بقوة)

الأب: (ينظر لها، يحدّق بالمكان حائراً، ينظر الى الابن) ما هذا المكان؟ أين أنا..؟

الابنة: أنت في بيتك يا أبي.

الأب: بيتي..؟ اين هو بيتي؟

الابنة: (تحاول ان تخفي دمعها) هذا هو بيتك.. أنت الآن في بيتك ومع أولادك..

الأب: وصار لي أولاد؟

الابن: أنا ولدك..

الابنة: وأنا ابنتك..

الأب: (ينظر لهما) أنت وهي.. أين أنا؟ (ينهض وهو يضع يده على رأسه) أشعر بالنعاس.. اريد ان انام..

الابنة: (وهي ممسكة به) تعال معي، تعال يا أبي.

الابن: غرفتك هناك، اذهب معها.

الأب: (يهز رأسه موافقاً)

الابنة: (تنظر الى الابن وتصطحب الأب الى الغرفة) 

الابن: (ينظر الى ساعته قلقاً) يبدو أن اليوم لن يمر عليّ بسلام.. الوقت تأخّر، لا أعرف ما الذي يجذبني الى هذا المكان.. لأغادر قبل أن تأتي وتعيد عليّ خطاباتها.. (يخرج)

اظلام

(الابنة جالسة قرب سرير الأب)

الابنة: أنا مشدودة بقربك، حتى وان اختلفت الظروف، سأبقى ملتصقة في هذا المكان، لا أحد يستطيع ان يقنعني في أن أترك مكاني.. هنا ولدت، هنا ضحكت، هنا بكيت.. هنا تطوف روح امي، الب ليس مجرد اسم في أوراقنا الرسمية، وليس رقماً في تسلسل العائلة. الأب روح طيبة دونها لا يمكن أن نعيش.

اظلام

ستار

ابتدأت في 11-6-2033 س 11 ليلا

انتهت في 17-6-2022 س 2:45 فجرا

البصرة

Share: