في الدائرة.. صحفي نص ردن!
في طريق عودتي من مطار البصرة الدولي الى منزلي بعد مشاركتي بمهرجان مسرحي في لبنان، استأجرت سيارة تاكسي لسائق شاب لم يتوقف عن الحديث طيلة الطريق. ولأنه شعر بصمتي سألني سؤالا مباغتا: أستاذ هل أنت صحفي؟ اجبته بنعم، هز رأسه غير مقتنع بإجابتي ورد عليّ بفتور: لكنني لم أرك من قبل فأنا صحفي أيضا! واخرج من جيبه هوية ودسها ثانية في مكانها.
هذه الحادثة أكدت لي ان مهنة الصحافة انحدرت هي الأخرى حالها حال كثير من المهن التي تتطلب معرفة وثقافة عامة واطلاع ولا أريد بهذا المثل أن انتقص من مهنة السائق لكن لكل امرئ ما يصح له من عمل، ولكون الصحافة هي مهنة المتاعب اتخذها بعض ممن انسلوا اليها بطرق مختلفة وفي غفلة من الزمن مهنة للحصول على المكاسب الأمر الذي جعلني ابتعد عنها منذ فترة ليست بالقليلة.
من يتابع بعض وسائل الاعلام بكل اصنافها المقروءة والمسموعة والمرئية سيجد أننا بحاجة الى مراجعة من هم يعملون في تلك الوسائل فمقدم برنامج تواصلي ترفيهي في الراديو او التلفزيون لا يقدم فيه سوى مادة لا تثري المستمع ولا تضيف له شيئا وهي عبارة عن ضحك ولعب وجد وحب (مع الاعتذار للعندليب) أو ما يسمى التحشيش، ذاك المقدم يطلق على نفسه صفة (اعلامي) ومنهم من كتب في صفحته بالفيس بوك (العلامي فلان الفلاني) هكذا بالخطأ الواضح في مفردة الصفة.
سمعت ذات مرة من صديق صحفي مخضرم قال ان المتقدمين للعمل في السبعينيات من القرن الماضي وما قبلها بصفة مذيع يُجرى عليهم اختبار في اللغة والالقاء والمعلومات العامة بحيث يُعطى المذيع ورقة تتضمن خبرا معينا وعليه ان يقرأه بحركاته وان أخطأ بنصب الفاعل مثلا أو بخبر كان وغيرها من قواعد اللغة العربية فأنه سيرفض. هذا الاختبار غير موجود اليوم لا بل صارت الساحة مفتوحة للجميع لدخول معترك الصحافة وأضحت مهنة سهلة لمن لا يمتهن عملا.
مشكلتنا أضحت (عويصة) ليس في الصحافة وحسب انما في كل مناحي الحياة ومع فقدان الوازع الأخلاقي أصبح كل شيء مباح فالقانون لم يعد قانونا فهو يسري على الفقير وشوارعنا ملآى بالتجاوزات فيما يقف شرطي المرور مقيدا بحبال العشيرة او الحزب فهو لا يستطيع ان يحاسب او ان يطبق قانون المرور وهكذا أصبحنا بحاجة ماسة الى إعادة النظر بكل شيء بدءا بنظامنا السياسي وليس انتهاءا بالنظام العشائري وقانون الأحزاب.
على المثقف العراقي ان يطلق خطابه ويكون له موقف واضح إزاء ما يحدث من تغييرات جعلتنا في ذيل الشعوب المتحضرة.
- مقالي الافتتاحي في جريدة الفيحاء العراقية الرقم 834 الصادر يوم 22 أيلول 2019.
اترك تعليقا